صنعاء .. بداية السقوط من الداخل
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 5 سنوات و شهر و 11 يوماً
الخميس 03 أكتوبر-تشرين الأول 2019 04:38 م
 

تناقضات وخلافات أنصار الله الحوثيين فيما بينهم لا تبدو للعيان الآن مع انشغالهم الظاهري في التحشيد لجبهات القتال والمجهود الحربي , لكن غسيلهم الموبؤ سيظهر لاحقا بين تيارات ومكونات الجماعة , وبتكلفة باهضة .. على عكس تباينات القوى المناهضة للحوثيين بين حلفاء الشرعية او من خارجها التي وصلت إلى مرحلة العداء والمواجهة العسكرية المعلنة احيانا أكثر مما هو حال التمردات النسبية في صفوف أنصار الله.

تمكن الحوثة من إدارة أزماتهم العاصفة خلال خمس سنوات بالمستوى نفسه الذي بدت فيه قبضتهم الأمنية على الأوضاع الداخلية لمناطق سيطرتهم ..

والحقيقة إن القيود المالية والرقابة على تدفق الإمدادات التي فرضها تحالف دعم الشرعية كوسيلة ضغط سياسية على الانقلابيين أضر بمعيشة عوام الناس اكثر مقابل ثراء القيادات الحوثية وسط المعمعة في ظل الأزمة الخانقة التي عصفت بغالبية السكان في مناطق الشمال.

واقع حال أنصار الله اليوم إن الذين قدموا لهم معظم التضحيات أكثر من 120 ألف قتيل وآلاف المعاقين وغيرهم لا يتمتعون بمزايا السلطة والقرار والمال والنفوذ المتوفرة حاليا لصفوة القوم ولا حقوق متساوية حتى بين أسر القتلى والضحايا , والأسوأ أن لا يحظى الحلفاء من صناع الاصنام الجديدة بالمكانة والتقدير القديم , فدائرة الثقة تنكمش حول الذين صنعوا انتصارات بيت بدر الدين وتوجوهم على الحكم مجانا ..

 وتراجع نجم (أبو علي الحاكم) بتهميشه عن المشاركة في صنع القرار وعن الدائرة المقربة , ومحمد علي الحوثي (أبو عيشة) المنتظر لتربع هرم المجلس السياسي تحول الى مفسبك ومغرد اعتيادي كحال محارب قديم بلا سيف ولا أسنان , وشيوخ القبائل تحولوا الى عكفة او مشكوك بولائهم للسيد المطاع , ومعظم قيادات المكونات الحزبية والطائفية للانصار تشعر بالغبن إلى درجة الإقصاء والخديعة ..

  * استغناء عن الحلفاء *

اكتملت صورة وهيكلية مشروع الحكم العائلي السلالي وأدوات سلطته من الإخوة والأقارب وأبناء العمومة والاصهار وأهل الثقة وبانت تماما ملامح شكل الدولة ونظام الحكم الاستبدادي الذي سيتصدر أولويات مفاوضات التسوية السياسية اللانهائية في اليمن ليجر معه الى أمد بعيد اقتتال داخلي جديد بعد أن تنجح السعودية بالنأي بنفسها عن السبخة والقفز من السفينة الغارقة لتترك حلفائها اليمنيين القدامى يواجهون مصيرهم إن لم تنخرط هي في غرام خصمها اللدود.

ليس في ممارسات العائلة الحاكمة في صنعاء ما يدل على استعدادها للتفريط بالسلطة أو مغادرتها والجنوح إلى سلام شامل مثل اي فصيل او مكون سياسي وطائفي يمني آخر , فهم فوق الجميع بما فيهم حلفاء مقربون كثر اختصروا لهم الطريق ووفروا عليهم مشقة الوصول المستحيل الى سدة الحكم.

 ترتيبات العامين الماضيين أفضت الى نزع عنصر القوة والقيادة العسكرية من أيدي الرموز القبيلية وجعل الأخيرة بأفرادها مجرد تابعين لسلطة رأس الجماعة وأقاربه الذين سلطهم على المواقع العسكرية والأمنية والمالية الحساسة..

ورموز مكونات انصار الله السياسية الطائفية والقبلية التي كانت تحظى بمكانة متميزة في وجود التحالف الحوعفاشي فقدت عنصر التوازن الهام والمشترك الذي كان يضفيه بقاء الرئيس صالح ضمن المعادلة .. وهي اليوم مع إحكام خناق حلقة الحكم العائلي من جبال مران في مكانة لا تحسد عليها برغم اخلاصها الغبي في المدد بالمال والولد لحرب عيال بدر الدين على السلطة.

* مواجهة الزيدية *

وباختفاء صالح من مسرح الصراع على السلطة أسفر بديل نظام الحكم الجمهوري عن نفسه وكشف عورته بوضوح وفرض نفسه وتسويقها في مناهج التعليم والتعبئة الفكرية الشاملة وسياسة غسيل أدمغة طلاب المدارس من قسم الولاية في الطابور الصباحي إلى خرافة الاصطفاء الإلهي والافضلية العرقية وسلالية الدم والنسب مثل أي جماعة عنصرية تؤصل لمشروعها بمفاهيم غيبية وافتعال هوية اجتماعية ودينية مزيفة ومنحرفة .

 معظم علماء الزيدية واتباعهم في صعدة وغيرها تواروا عن حفل زار الممالأة والنفاق المذهبي ورفضوا قرابين الدم الحرام بمسمى (التحشيد للجبهات) , وهم مثل غيرهم يجأرون بالشكوى المرة من تسلط الحكم السلالي الملالي على رقابهم .. ويرفعون في وجه صبية جبال مران ما كانوا يطالبون هم به الرئيس صالح طوال حروب صعدة الستة( حرية التعبير عن الفكر والمعتقد) , فحتى الزيدية الأصيلة مضطهدة في عقر دارها ومعقلها , ومأساتها أكبر من ذريعة (التحشيد), لأنها باختصار لا توالي صبي الكهف (السيد) ولا تقر له ولاسرته بوهم وزعم حق الولاية ولا يشاركونهم ضلالات وافتراءات يوم الغدير ومهرجاناته البائسة.

لاحقت اذناب الحوثة علماء الزيدية في المساجد والمنابر ومنعوهم من الخطابة والوعظ والارشاد وهددونهم بالتصفية باعتبارهم ( أهدافا مشروعة مهدرة الدم والنفس) , وفي علماء آل علي بصعدة الذين داهموا قراهم بعشرات المدرعات والاطقم المسلحة خير عبرة , وفي الحكم بإعدام العلامة يحي بن حسين الديلمي رميا بالرصاص ومن قبله احكام اعدام لمنتمين للاسماعيلية موعظة لكل مخالف أو ناصح ولو كان ضحى بشبابه من أجلهم في زنازين الصالح لسنوات أمثال الديلمي.

التوقف عن الحرب سيكشف مدى هشاشة من يخفون ضعفهم خلف ورقة خيار الحرب المستمرة .. فقد بدأت ارهاصات موسم سقوط صنعاء التلقائي من الداخل وتفكك البنية الهشة لمكونات أنصار الله .. ولم تمر انفجارات بؤر التوتر القبلي والمناطقي السابقة المناهضة في حجور واب وذمار وعمران وغيرها دون ترقب ثوران قادم أسوأ على الانقلابيين لن تنفع في اخمادها عقائر ثيران محمد علي الحوثي وخطابات ابي على الحاكم أو عطايا مهدي المشاط وأحمد حامد وسيد المبردقين نفسه.

فالعزلة الشعبية ألتي يعانيها الانقلابيون من الداخل أسوأ عليهم من الحصار الاقتصادي والعسكري المطبق من الخارج .. وهي حقائق تتغافل عنها إيران ولا تريد الاعتراف باضمحلال وشيك لورقة رهانها بمنطق انه لا سلام او تسوية عادلة للعبة الحرب في اليمن قبل أن تجنى ثمارها في طهران ..

إكتشف زعماء مكونات أنصار آلله خطورة أوضاعهم والمساومة بمواقفهم ومبادئهم أكثر مع رسالة بيعة الولاء والطاعة للمرشد الايراني علي خامنئي التي نقلها محمد عبدالسلام الشهر الماضي من عبدالملك الحوثي واعتبر فيها ولاية الفقيه استمرارا لولاية علي بن أبي طالب!!.

إنها خيانة وطنية عظمى يرهن فيها فاقد الآهلية والشرعية مصير ومستقبل جزء من اليمن لكيان أجنبي غريب ويعرض أمن البلاد لمخاطر دولية داهمة.

اعتقد عبدالملك أن تبعيته لايران ستعوض خسارة الغطاء السياسي والشعبي الداخلي , لكن ذلك زاد تعميق فجوة التذمر المتسعة من حوله.

وبصدور بيان مزور مؤخرا مؤيد لتوجهاته العامة باسم علماء الزيدية , لم نجد ولا توقيعا أو اسم واحد على البيان المزعوم.

وهكذا تضيق دائرة التحالفات المذهبية والقبلية والحزبية وعزلة عائلة بدر الدين الحوثي ما يجعل مؤشرات سقوط صنعاء من الداخل أقوى من غيره .. فالتصدعات المحتدمة لا يجدي معها الترقيع والرتوش والتمويه على حقائق ووقائع حدثت وسوف تحدث خلال أشهر على أكثر تقدير.

ولله عافية الامور.

* ملاحظة هامة:

** مسمى أنصار الله ليس شيئا واحدا بل تعبيرا عن تحالف مجموعة طوائف شيعية يمنية متطرفة ومعتدلة وبعض الزيدية وقبائل موالية , وأحزاب سياسية المظهر طائفية المنشأ لكنها معتدلة نوعا ما , وكذلك بيوتات سلالية قديمة حاكمة مستقلة او حليفة..

ومن بينها التابع الذيلي لإيران وحزب الله (بيت بدر الدين , وبعض شرف الدين ) ومنها تيار وطني متأثر بتجارب التشيع الخارجي سياسيا فقط مثل ( بيت حميد الدين , الوزير ,بعض العماد , بعض شرف الدين , المتوكل).

وليس أنصار الله هم (الحوثيون) بل هم ائتلاف لكل المكونات المذكورة , فتسمية الحوثيين مذهبية نسبة إلى مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي وقد أطلقت التسمية بتعميمها على باقي حلفائهم مؤخرا.

اما تسمية ( أنصار آلله) فقد اطلقها الملكيون على انفسهم في معركة حصار صنعاء (السبعين يوما) مع الجمهوريين.