آخر الاخبار

الجزيرة : القناة التي تتحدي الغرب الرأي الآخر والدسائس التي لا تنتهي!

الخميس 02 مارس - آذار 2006 الساعة 10 صباحاً /
عدد القراءات 5050

إما أن تصمتوا أو سوف تتطور الأمور إلي أبعد من هذا . ص 316.

(وورفيل القبطان الأمريكي في الرمادي لمراسل الجزيرة هناك حميد حداد

بعد أن تمت مصادرة أدواتهم وحقهم في تغطية انفجار ثمة واستجواب شهود عيان!)

لم ينجز هيو ميلز مع ذلك سوي تحر ذي نفس طويل (458 صفحة من القطع المتوسط) عن التصاعد التاريخي الذي عرفته القناة القطرية منذ إنشائها سنة 1996 حتي آخر التطورات التي لابست وجودها في السنة الماضية. غير أنه لامس جدية مبدأ الرأي الآخر، وأفشي القلق الذي يأخذنا جميعا تجاه الدسائس التي لا تنتهي ضد الحرية!

يلزم أن أشير أولا إلي أن الصحافي هو ابن أحد الدبلوماسيين الإنكليز هذا الذي طاف، في تنقله بين مهامه، بعائلته في عدة أقطار. فبعد أن ولد هيو بالسعودية بدأ تعلم العربية خلال دراسته بليبيا ثم بعد ذلك بأكسفورد واليمن، ما جعله يتمكن منها، ويبلور فرصته السانحة في تتبع وتواصل مثاليين سواء بخصوص برامج القناة أو بشأن كل الشرائح التي مضي إلي استجوابها بهذا الخصوص.

فهل يجدي إذن أن نتحري عن كل ملابسات هذه القناة؟

وما جدوي هذا الكتاب في حال عدم اختلافه عن باقي التقارير التي تنجزها جهات معينة لأغراض متباينة عن هذه القناة نفسها أو عن غيرها من المؤسسات الفكرية والثقافية أو الإعلامية سواء كانت مجموعات أو أشخاصا؟

شيء أساسي هو أن هيو ميلز استطاع بأسلوبه المرن، أقصد روح كتابته، وقدرته الهائلة علي تحمل تضافر مستويات كثيرة داخل خطابه أن يجمع بين استثمار كثير من المعطيات وعرضها ثم يعمد إلي التساؤل حولها سواء أقام به هو نفسه أو لجأ إلي محاور معين يخمن كونه قد يكون خصما لقضية معينة أو يكون من سينتصر لها. كما لا يفوت أية فرصة تسنح له كي يمرر بعض رؤاه الخاصة ويثير بعض تهكم مُر كلما شاء ذلك وسمح السياق به.

لربما كانت ولادة قناة الجزيرة ضربا من الصدفة المحضة في دولة قطر بعينها دون غيرها، وإن كنت لا أتحدث هنا عن تلك الصدفة بمعني حدوث ما لم نهيئ له أدني تخطيط، ذلك أن حتي ما نسميه كذلك في العلوم أو السوسيولوجيا لم يكن قط سوي وليد ميكانيزمات سابقة أو في كمون، ذلك أن مشروع الجزيرة كان حلما وتم إخضاعه بعد ذلك إلي تصاميم واقعية خلصت في آخر الأمر إلي ما صار هذا الشيطان الكبير الذي يتحدي الغرب !

ما يهم في كتاب هيو ميلز هو طريقته المطردة في التفكير ذلك أنه لربما قد فهم موضوعه دون أن أعني ثمة إطلاقية في ذلك، غير أنه سعي إلي انجاز الخطاطة الميدانية في أول الأمر، بما فيها آراء عامة الناس الذين التقي بهم في المقاهي أو الأسواق أو في أماكن عمومية أو في منازلهم في الشرق وفي الغرب، إضافة إلي صحافيي ومسؤولي الجزيرة وكذا كل الشخصيات المهمة التي كان له معها حديث بهذا الشأن. وصاغ بعد ذلك أفكاره تلك ورتبها وسبكها كما لو أنه ما يزال يكتب لما نقرأه ويحاول أن يعالج كل القضايا الشائكة التي يعج بها موضوعه بشكل خطي أي شيئا فشيئا. فتراه أحيانا وكأنه لا يدرك ماذا سوف يخلص به في شأن أو آخر، مثال إن كانت الجزيرة حليفة أسامة بن لادن ومروجة خطاباته وأفكاره؟

يسعي إذن هيو من خلال وسائله وكفاءته وقدرته علي بذل مجهودات كثيرة سواء ما تعلق منها بتشغيل ذهنه أو ببذل وقته أو برهن راحته في تنقلاته العديدة والمتباعدة في الأمكنة والممتدة في الأزمنة.

لم يكن يشعر هو نفسه أن شعار القناة التي يستقريء عنها، أعني الرأي والرأي الآخر ، قد جعله نفسه شعار عمله وكأنه بذلك صحافي آخر من طراز صحافيي الجزيرة ينجز برنامجا عوض كتاب عن رأي الناس في الجزيرة ومن تكون ولماذا ولدت ومن أنجبها ولماذا ومن تكفل برعايتها وبأي مقابل وكيف ولماذا لم يكد يحسم المرء أهو صديقها أم عدوها أو بالأحري أهي من الأصدقاء أم هي صديقة الأعداء؟

علي كل فإن كان تأسيس قناة الجزيرة قد جاء بعد درس حازم لفكرة قناة إخبارية حرة ومختلفة فإن كتابة ميلز عنها كانت خلاف ذلك آتية من خلال تجربته لدن ضرورة مهنية، يومها لما كان يعمل لحساب قناة سكي نيوز ، وكان لزاما عليه أن يتجسس ـ هي لفظة الكاتب ـ علي قنوات عربية ومن ضمنها الجزيرة كي يتأكد لمن يكون لحظتها نصيب السبق، خصوصا وقت الاجتياح الأمريكي للعراق. كما يتفق أن ترغب القناة التي توظفه أن تبتاع منها صورها عن الحرب ما لبث مراسلوها متواجدين ثمة وما داموا يحظون بمعرفة جيدة بالميدان.

كان إذن ذلك الاحتكاك مع القناة ما ولّد لديه شغفه بتتبع مسارها واقتراح قضية ونقيض سر كل جودة وكفاءة عطائها وكذا ملابسات الغبار الذي تستثيره في كل مكان سواء لدي العرب أو لدي الغربيين.

لقد طرح هيو ميلز أسئلة جيدة ومضي عبر منهج تصاعدي من خلل الزمن والأحداث البارزة سواء منها التي صنعت قدر الجزيرة أو تلك التي صنعتها الجزيرة، إذ أن ميلز لم يجد لجاجة في أن يخلص أن تاريخ الجزيرة ليس مجرد تاريخ قناة تلفزيونية وإنما هو في واقع الأمر تاريخ كل الاضطرابات التي كان الشرق الأوسط مسرحا لها في العقد الأخير.

يُنصب ولي عهد قطر نفسه لدي سفرة والده إلي سويسرا بعد أن لاحت له ثمة شكوك حول خطر إجهاض حلمه في تولي الحكم لما رأي ما رأي لدي بعض الخلع والتنصيب الذي مارسه والده بكثير من الريبة والإمعان. تنبثق قناة الجزيرة إذن من بين يدي الشيخ حمد، هذا الأوتوقراطي الذي تعلم في الغرب وتشبع بقيمه وشاء برؤية ليست أكثر من ليبرالية أن يسود بلده. فقناة الجزيرة إذن ليست وليدة نظام ديموقراطي في شيء، غير أن ما يشكل أكبر ميزاتها هو استقلالية خط تحريرها ومبدأ حرية التعبير عندها. شيء آخر جدير بالذكر أن قطر ألغت حينها وزارة الإعلام!

يحضرني مثال الصحافي وليد العمري، الذي لا يجهل أحد نبرة صوته، إذ كان كل ما يخشاه، حسب ميلز، لدي بدء تقدمه للعمل لحساب القناة، هو أن يُمس في حريته الصحافية، أهم ما يشكل السلاح الأساسي لعمل صحافي حقيق بهذا الاسم.

لقد ركز هيو ميلز علي محطات عديدة في مسار قناة الجزيرة كانت هي ما شكل بحق بؤر انطلاقها وتوفيقها كما شكل في الآن نفسه تلك المستنقعات التي أراد خصومها باطلا أو حتي بحق أن يمرغوها فيها.

كان نقل أحداث الانتفاضة الثانية بكل ما خالطه من اتهامات، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الأمريكي، بكون القناة تقف جنب الفلسطينيين وتنفخ في النعرة الاستشهادية في تمجيد الانتحاريين وبكل ما اعتراه من مخاطر بفريق الجزيرة في رام الله بما في ذلك العمري الذي لم يهدأ حينئذ قط دون أن يضع العالم أجمع أمام صور ما يحدث ثمة، حتي أن ذلك قد أسفر عن كثير من المضايقات الإسرائيلية وكثير من الإهانات المادية والمعنوية، وقد أتي ميلز علي كثير من تفاصيلها في كتابه.

وكان نفس الشيء ما حدث بالنسبة لما بعد تفجيرات ايلول (سبتمبر) وقصف القوات الأمريكية لأفغانستان، ما شكل في الآن نفسه كما أسلفت إشعاعا لقناة الجزيرة بتواجدها في الميدان، وفي أحيان كثيرة، وحيدة. وفسح لها المجال لأن يكون كل السبق لها وأن تبيع صور الحرب لقنوات عالمية، غير أن ذلك قد قاست إزاءه كثيرا من ردود الأفعال التي لم تتخلص بعد من كل عواقبها، ذلك أن تيسير علوني مراسلها في أفغانستان الذي كان من يضطلع بمهام كثيرة ثمة قد وقع في مصيدة كل المتقولين وكادت تصير التهم حقيقة واقعة أم صارته! وإن كانت تلك القضية تخفي أكثر مما تظهر، وكان علوني في كل الأحوال يستحق عقابا لدي الإدارة الأمريكية ـ بالنسبة إليهم ـ والدائرين في فلكها.

الجزيرة أيضا كانت حاضرة في العراق بشكل مكثف، في الشمال والجنوب وفي الوسط، فجر الاجتياح الأمريكي وأدت غاليا ثمن ذلك، إذ طالما اضطربت آراء كل الأطراف حول موالاتها لجهة دون أخري، حتي كانت المهزلة اللاذعة في كونها تجمع في نفس الآن ما بين كل المتناقضات، بأن تكون موالية لصدام ولأمريكا ولإسرائيل وللسنة والشيعة والأنظمة العربية هكذا أم الأربع والأربعين برأسين!

لأول مرة بالفعل يعرف العالم قناة من طراز الجزيرة، فالقنوات الوطنية للبلدان المسماة بدول العالم الثالث، تقع حتما تحت تصرف وزارة الإعلام ما يمكن أن يكون مقابلا حقيقيا للرقابة، فتراها إضافة إلي هزالة برامجها لا تردد إلا النشيد الذي يُلقن لها، إضافة إلي كل مساوئها الأخري. كما أن القنوات الغربية ليست أفضل من نظيراتها الأخري، بل تمتلك كلها في أسفل الساق نفس كعب أخيل!

وإلا فلماذا تغلق مكاتب الجزيرة لمدة تطول أو تقصر في كثير من العواصم العربية أو الغربية أم غيرها؟ لماذا تصل شكايات علي الدوام إلي شيخ قطر؟ لماذا تدمر القوات الأمريكية أو الإسرائيلية مكاتب الجزيرة؟ لماذا يحاصر صحافيوها ومصوروها؟ لماذا عذبوا في العراق؟

لماذا عذبت قوات الاحتلال الأمريكية مصور الجزيرة في بعقوبة وأرادت أن ترغمه أن يعترف بأنه كان علي علم بالانفجار الذي استهدف أحد مواكبها علي الطريق العامة قبل وقوعه؟ لماذا لم تجد تلك القوات وجلاديها حرجا في حبس ذلك المصور في مراحيض متنوعة مرورا بسجن أبي غريب وفي رميه في آخر المطاف، بعد شهر من كل أنواع المهانة، علي السبيل ضاحية بغداد مسربلا برداء ملطخ بالقيء!

صهيب السماري أيضا عاني نفس الشيء ودام نزوله في أبي غريب شهرين كاملين.

لكني لا أفهم شيئا حول نية السؤال الذي طرح معد برنامج الاتجاه المعاكس علي قناة الجزيرة، خاصة بما يبدر منه من تنازل رمزي، لما تساءل: أليس التعذيب الذي يمارس في سجون الأنظمة العربية أفظع من كل ما مورس بأبي غريب؟ خاصة وأن يطرح السؤال في تلك الظروف بعينها وأن يكون فيه ذلك التفضيل ! التعذيب في نظري هو التعذيب والأنظمة العربية تستوي في قمعها وديكتاتورياتها مع النظام الامبريالي الأمريكي.

خلال حرب احتلال العراق كان النظام الأمريكي هو من ينظم نشرات الأخبار إذ تملي الإدارة علي القنوات الأمريكية ما يسمح لها بنشره وما لا يجب. نفس الشيء تقريبا في الغالب كان حال بريطانيا. غير أن الجزيرة

نقلا عن القدس العربي