لماذا غير الموكب الذي أسعف الرئيس وجهته من مستشفى 48 إلى مجمع العرضي، وهل ساهمت جهات خارجية بالتعاون مع طرف ثالث في التخلص من صالح؟ (قراءة تحليلية موسعة)

الجمعة 03 يونيو-حزيران 2011 الساعة 09 مساءً / مأرب برس/ خاص
عدد القراءات 218737
 
 

لم تنقشع بعد سحابة الدخان، التي غطت الأجواء السياسية اليمنية، عقب الاستهداف الذي تعرض له دار الرئاسة، إثناء صلاة الجمعة ظهر اليوم، وأدى إلى مقتل عدد من مرافقي الرئيس علي عبد الله صالح، وإصابة العديد من كبار مسئولي حكومته، بالإضافة إلى إصابته هو شخصيا، بالرغم من تضارب الأنباء حول حقيقة وخطورة الإصابة التي تعرض لها.

وإلى أن تنقشع سحابة الدخان هذه، سيكون من الصوبة الجزم بحقيقة ما جرى، والتكهن بما قد يترتب على هذا الحادث من تداعيات، سيكون لها بالغ الأثر على تطورات الأزمة السياسية اليمنية، التي يبدو بأنها أصبحت تقف على عتبات طور جديد من أطوار التصعيد السياسي والعسكري، من المؤكد أن تتجلى ملامحه خلال الأيام القادمة.

هل قتل الرئيس صالح..؟

أثار هذا الحادث، غير المسبوق، وغير المتوقع، العديد من علامات الاستفهام، التي لا زالت تبحث عن إجابات شافية، لا توفرها الاتهامات المتبادلة بين السلطات الرسمية، وبين معارضي الرئيس صالح، بالوقوف وراء الحادث، فاتهام السلطات الرسمية لأنصار الشيخ صادق الأحمر بالوقوف وراء عملية القصف الذي تعرض دار الرئاسة، لا يبدو مقنعا، لمن يعرف حقيقة الإجراءات الأمنية المشددة المفروضة على دار الرئاسة، وخصوصا في ظل الأوضاع الراهنة.

بالمقابل لا يبدو اتهام معارضي الرئيس صالح، له شخصيا بتدبير الحادث، مقنعا، فيما إذا صحت الأنباء الواردة عن إصابته، بغض النظر عن مدى خطورة هذه الإصابة، وذلك لسبب بسيط، هو أنه لا يمكن لأي عاقل أن يدبر عملية لاستهداف نفسه، حتى وإن كان لديه الاستعداد للتخلص من بعض معاونيه، ليجد لنفسه المبرر الكافي لاستهدف معارضيه.

إذن فإن السؤال المحوري الذي يحتاج إلى إجابة شافية، قبل الشروع في قراءة أبعاد وتداعيات هذا الحادث، هو: ما هي حقيقة إصابة الرئيس صالح في الحادث؟، وما هي طبيعة إصابته إن كان قد أصيب فعلا؟.

تصريحات المسئولين الرسميين، حول حقيقة إصابته متضاربة، بين من ذهب إلى القول بأنه تعرض لإصابة طفيفة، وبين أكد بأنه بصحة جيدة، ولكن لم ينفي أحد منهم بشكل مباشر بأنه تعرض للإصابة، حتى من أكد منهم بأن صحته جيدة، ومن أكد منهم إصابته قال بأنها طفيفة، وليست خطيرة، بالرغم من أن إصابته كانت في الرأس.

لا يوجد هناك أي نفي رسمي لإصابته، ولكن هناك تقليل من حجم وخطورة هذه الإصابة، وقد تكرر هذا التقليل من خطورة الإصابة التي تعرض لها صالح من قبل أكثر من مسئول حكومي، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة هذه التأكيدات المتكررة، وفيما إذا كانت تهدف لإخفاء حقيقة موته، خصوصا وأن قناة سهيل الفضائية كانت أول من أكد مقتله، وعقب نفي المصادر الرسمية لهذا النبأ، عادت قناة سهيل لتؤكد مقتله مجددا، وفقا لمصادرها الخاصة التي أكدت الخبر، بالرغم من النفي الرسمي.

وما يؤكد ذلك، هو أنه كان قد أعلن مساء اليوم بأن الرئيس صالح سيعقد مؤتمرا صحفيا، لإطلاع الشعب على ملابسات الحادث، وقد كان هذا الإعلان في سياق نفي نبأ مقتله، غير أن هذا المؤتمر الصحفي لم يتم، وقد ظهر نائب وزير الإعلام بعد عدة ساعات، ليعلن بأن المؤتمر الصحفي تأجل إلى أجل لم يحدده بسبب ما وصفها بالخدوش التي تعرض لها صالح، وقال بأن الرئيس صالح سيتعافى من إصابته قريبا.

هذا التأجيل للمؤتمر الصحفي الذي كان سيعقده صالح، يؤكد بأن إصابته ليست طفيفة، إذ لو كانت إصابته طفيفة كما تؤكد المصادر الرسمية لما كانت أعاقته عن عقد المؤتمر الصحفي، خصوصا وأن ذات المصادر الرسمية أكدت بأن كل من كان حول الرئيس صالح من كبار مسئولي حكومته تعرضوا لإصابات خطيرة، أدخل عدد منهم بسببها إلى العناية المركزة، فضلا عن مقتل ثلاثة من حرسه الخاص، بما فيهم قائد الحرس الخاص، محمد الخطيب.

والسؤال هنا، هو لماذا تصر المصادر الرسمية على أن إصابة الرئيس صالح طفيفة، فيما تؤكد بأن كل من كانوا محيطين به قتلوا أو أصيبوا إصابات خطيرة، بما فيهم نعمان دويد الذي بترت يده وساقه، وعبد العزيز عبد الغني، وصادق أبو راس، ورشاد العليمي، الذين أدخلوا إلى العناية المركزة، بين الحياة والموت.

المعلومات التي حصل عليها "مأرب برس" من قبل مصدر مطلع تؤكد بأن الرئيس صالح أصيب إصابة بليغة، وقالت بأنه أسعف إلى مستشفى خاص في مجمع الدفاع، في منطقة باب اليمن، الذي يرقد فيه حاليا، لتلقي العلاج، في ظل إجراءات أمنية مشددة.

ذات المصدر أكد لـ"مأرب برس" بأن عشرات المسئولين الذين كانوا يؤدون الصلاة في جامع الرئيس صالح، نقلوا إلى مستشفى 48 في حزيز، فيما فرضت الأجهزة الأمنية طوقا على المستشفى والمناطق المحيطة به، أي أن الرئيس صالح قد نقل بمفرده إلى مجمع الدفاع في العرضي، كي لا تتسرب أي معلومات حول حقيقة وضعه الصحي.

ارتباك الأوساط العسكرية

في ظل هذا التكتم الشديد حول طبيعة الوضع الصحي للرئيس صالح، دخلت الأوساط العسكرية والأمنية في حالة ارتباكا تام، وهذا هو ما أكده مصدر خاص لـ"مأرب برس"، وقال بأن هناك اجتماع عاجلا دعيت له جميع القيادات الأمنية والعسكرية، منذ أن نقل الرئيس صالح إلى مجمع العرضي، ولا زال هذا الاجتماع منعقدا لمناقشة الوضع الراهن، حتى ساعة متأخرة من مساء اليوم.

وأكد المصدر بأن هناك حالة من الضبابية والارتباك تسود المشهد الرسمي والعسكري، مؤكدا بأن هناك انشقاقا حادا في أوساط القيادات العسكرية، وبين كبار مسئولي الدولة، رافضا الإدلاء بأي معلومات حول طبيعة هذا الانقسام، وفيما إذا كان الرئيس صالح قد قتل، ويتم التكتم حاليا على الخبر.

فيما إذا صحت هذه المعلومات، فهذا يعني بأن الرئيس صالح، قد تعرض لإصابة خطيرة لن يتمكن بعدها من قيادة البلاد، أو أنه قد يكون قتل بالفعل، ويتم التكتم على الخبر، بهدف الترتيب لانتقال السلطة قبل إعلان وفاته، وما يؤيد هذه التكهنات هو أن قيادات الجيش تعقد اجتماعا متواصلا منذ وقوع الحادث وحتى الآن، فيما يطل الجندي على القنوات الرسمية للتأكيد على أن صحته جيدة، مخففا من لهجته الحادة تجاه معارضي صالح، بطريقة غير معهودة من قبله، بالرغم من الاتهامات الرسمية التي وجهت لأنصار الأحمر بالوقوف وراء الحادث.

فرضية وجود طرف ثالث

منذ اللحظات الأولى التي تلت الحادث، وجهت أصابع الاتهام الرسمية لأنصار الشيخ الأحمر، وهو ما سارع مكتب الشيخ الأحمر إلى نفيه، بالرغم من مسارعة قوات الرئيس صالح إلى تنفيذ عمليات انتقامية، سريعة طالت منزل الشيخ حميد الأحمر، واللواء علي محسن صالح، في منطقة حدة.

مكتب الشيخ الأحمر نفى ضلوع أنصار الأحمر في الحادث، واتهم النظام باستهداف نفسه، حيث قال مدير مكتب الشيخ الأحمر، محمد القيسي، بأن النظام أصبح كالنار تأكل نفسها، إن لم تجد ما تأكله، غير أن الشيخ حميد الأحمر كان أكثر وضوحا، عندما اتهم الرئيس صالح بتدبير هذا الحادث، لاتخاذه ذريعة لمزيد من الاستهداف لمعارضيه.

هذه الاتهامات المتبادلة، لا تستند إلى أي أدلة، ولكن جميع القرائن المتوفرة حتى الآن تؤكد بأنه من المستحيل على أنصار الشيخ الأحمر، تنفيذ مثل هذه العملية، وبهذا المستوى، حيث أن الصواريخ التي استخدمت لتنفيذ العلمية لا تملكها القبائل، حيث يؤكد خبراء عسكريون بأن الصاروخ المستخدم صاروخ دقيق وموجه عن بعد، ومثل هذه الإمكانيات لا تملكها غير الدولة.

كما أن دقة التنفيذ في هذه العملية، تعتبر دليلا آخر على أنها من تدبير جهة أخرى غير أنصار الأحمر، حيث أكد خبراء عسكريون، بأنه من المستحيل أن يتم تنفيذ مثل هذه العملية وبهذه الدقة، دون أن تكون لدى الجهة المنفذة معلومات دقيقة، عن طبيعة تحركات الرئيس صالح، وحول موقعه بالتحديد في دار الرئاسة، فضلا عن ضرورة أن تكون لديها القدرة على عدم إثارة ريبة السياجات الأمنية المتعددة المحيطة بالقصر الرئاسي، قبل تنفيذ العملية.

وجميع هذه المتطلبات لا يمكن لأنصار الأحمر توفيرها قبل تنفيذ العملية، خصوصا إذا علمنا بأن الصاروخ استهدف الرئيس صالح، بدقة عالية، الأمر الذي أدى إلى مقتل ثلاثة من مرافقيه الذين كانوا لصيقين به، بالإضافة إلى مرافقه الخاص، وقائد حرسه الخاص محمد الخطيب.

كما تفيد المعلومات المتوفرة حتى الآن، بأن من نفذ العملية كان يمتلك معلومات دقيقة حول طبيعة تحركات الرئيس صالح، وما يؤكد ذلك هو أن موكب الرئيس صالح تعرض للقصف مرة أخرى، عقب خروجه من القصر الرئاسي لإسعافه، أثناء مروره في شارع الخمسين، ما أدى إلى حدوث تصادم بين عدد كبير من السيارات التي كانت ترافق موكب الرئيس، وفقا لمعلومات خاصة، حصل عليها "مأرب برس" من قبل مصدر مطلع.

ويؤكد تكرار استهداف الرئيس عندما كان في موكبه، بأن منفذي العملية حصلوا على معلومات، بأن الصاروخ الذي استهدف جامع دار الرئاسة، لم يحقق الهدف المطلوب، وهو مقتل الرئيس صالح، وبالتالي فإنهم قد كرروا القصف على السيارة التي كانت تقل الرئيس صالح، بدقة متناهية، ولم يتكرر القصف عقب نقل الرئيس صالح إلى مجمع العرضي، ما يعني بأن الجهة المنفذة، قد حصلت على معلومات مؤكدة حول مقتله، نظرا لعدم تكرارها للقصف على موكبه.

جميع هذه الملابسات، جعلت بعض المراقبين يذهبون إلى القول بأن هناك جهة ثالثة، هي من نفذت العملية، خصوصا وأن القصف على جامع دار الرئاسة، تزامن مع قصف الجامع القريب من دار الرئاسة الذي أدى فيه الشيخ حمير الأحمر صلاة الجمعة، وأدى إلى مقتل خمسة من المصلين.

فرضية اغتيال صالح لكبار قادته

وفي ظل تضارب الأنباء والمعلومات حول ملابسات الحادث، تبرز فرضية ثالثة، وهي أن الرئيس صالح، هو من دبر للعملية، وبأن ما يقال عن إصابته لا يعدو عن كونه مجرد مسرحية يتم تنفيذها بدقة عالية، من أجل أن يتحول الرئيس صالح إلى ضحية، مستهدفة من قبل أنصار الأحمر.

ويؤكد القائلين بهذا الرأي على طرحهم، بأن الصاروخ الذي استهدف دار الرئاسة جاء بطريقة أفقية وليست عمودية، ما يعني بأنه أطلق من منطقة مرتفعة في صنعاء، يعتقد بأنه جبل عطان، خصوصا وأن القرى التي في المنطقة تعرضت لعملية قصف عنيف، عقب الحادث، ولو كان أطلق من قبل أنصار الأحمر لكان سقوطه عموديا.

ويؤكد القائلين بهذا الرأي بأن الرئيس صالح أراد من خلال هذه العملية، أن يتخذ منها ذريعة لاستهدف ساحة التغيير، ولمزيد من استخدام القوة ضد معارضيه، بما في ذلك سلاح الجو، تحت مبرر تعرضه لمحاولة انقلاب عسكري.

وقالت مصادر خاصة لـ"مأرب برس" بأن الرئيس صالح دبر عملية اغتيال لكبار قادته بعد إشادة بيان الجيش المساند للثورة مؤخرا بهم، ولمحاولة كسب تعاطف شعبي معه، ومحاولة الإفلات من تهم ارتكاب جرائم حرب يتم الإعداد لتوجيهها له في الكواليس الدولية.

غير أن ما ينفي هذا الطرح هو أن الصاروخ الموجه استهدف مقدمة الجامع الذي كان يؤدي فيه الرئيس صلاة الجمعة، في دار الرئاسة، ولو كانت العملية مدبرة من قبله لكان الاستهداف لمؤخرة الجامع، لا مؤخرته، نظرا لتواجد الرئيس في مقدمة الجامع، بالإضافة إلى خطيب الجمعة، الذي كان ضمن قتلى العملية.

وإلى أن تتضح الرؤية، تظل فرضية مقتل صالح، قائمة إلى أن يثبت العكس، خصوصا وأن هناك من يذهب إلى أن تكون هناك أطرافا خارجية تقف وراء تنفيذ العملية بهذه الدقة، بالتعاون مع جهات محلية، معارضة للرئيس صالح، وعدد من كبار معاونيه، والمقربين منه، في إطار عملية خططت لها ونفذتها أطراف خارجية بالتعاون مع أطراف عدة في اليمن، وهذا قد ما تؤكده أو تنفيه الكلمة التي أعلن التلفزيون اليمني بأن صالح سيلقيها الليلة.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة سوبر نيوز