في ساحة التغيير بصنعاء : متدينون واشتراكيون وفرق راب.. كوميديا الثوار اليمنيين

الجمعة 20 مايو 2011 الساعة 04 مساءً / مأرب برس: تقرير: كلويه فانيسكوت، موقع ستريت برس: ترجمة: عفيف الشيباني
عدد القراءات 19103

" ارحل ، ارحل " هذا هو الشعار الذي يتردد منذ ما يقارب الثلاثة أشهر ، من صنعاء إلى عدن مروراً بتعز والحديدة ، يجعلنا نشعر برياح الثورة القادمة من مصر ، والذي حاول الرئيس صالح عرقلته بشدة. ولكي يقطع أي صلة للتقارب الرمزي مع " أم الدنيا " مصر ، فقد كان السابق لاحتلال ميدان التحرير ، الساحة الشهيرة في صنعاء ، حيث وضع فيها أنصاره ، لكن الرياح استمر هبوبها ... الصورة عن موقع ستريت برس
ومنذ بضع سنوات ، فالعربية السعيدة لم تعد سعيدة إلا اسماً فقط، فالأفاق الاقتصادية تبدو قاتمة جداً واليمن يعد دائماً إحدى الدول الأفقر في العالم بينما الزيادة السكانية لا تتوقف عن التصاعد ، عندما نسأل الثوار عن أسباب كل هذه البلايا ، الكل يشير بيده : انه علي عبد الله صالح ، فهو في السلطة منذ 1978.

القراصنة في البحر الأحمر ، يضيف الكل كمثال : الموارد البترولية والغازية تباع لصالح زيادة الثراء الملموس للرئيس وحاشيته ، وهناك استفادة مالية من وجود القراصنة في باب المندب ، وهم كخاتم في أصبع السلطة .

ويقول سعيد تهامي " الفساد هو مرض أصيبت به اليمن ، وبدلاً من مكافحته تقوم الحكومة بتشجيعه " . هذا الشاب هو رجل أعمال في السادسة والعشرين من العمر ويعرف عن موضوع الفساد هذا أشياء بحكم أنه قد عمل في وزارة السياحة واستقال من منصبه اشمئزازاً من عدم وجود بيئة نزيهة .

اسم واحد بالنسبة لمحمد يرمز إلى الوضع المأزوم في البلاد ، وهذه هي الفكرة التي يدافع عنها المعتصمون " الرئيس يجعل من نفسه الحارس لعقلية ضيقة ومحدودة والرغبة في رحيله هي رفض لطريقة التفكير هذه " كما يؤكد محمد دعماً لموقفه هذا .

مخيم عملاق في هذه الساحة مع هذه الثورة ، اليمنيون يتعلمون فيه حب بلدهم : بأن يكونوا فخورين ليس بتراثهم فحسب ولكن أيضاً بحاضرهم ومقتنعون أن إصلاحاً عميقاً في المجتمع يمكن أن يلبي هذا الطموح ، إنهم يحاربون من أجل التغيير . وكذلك حتى لو كان الرئيس يتمسك بالسلطة ، فالمتظاهرون مصممون على عدم انتظاره من أجل البدء في التغيير ، فقد بدأ التغيير على قدم وساق في ساحة التغيير ( وهو الاسم الذي أطلقه الثوار على ساحة الجامعة )وهو الشئ الذي يحدث في مختلف المخيمات في البلاد.

وإذا كان اليمنيون يميلون عموماً إلى الانقسام بحسب أصولهم الجغرافية وانتماءاتهم القبلية واسم العائلة ، هذه الاختلافات في زمن الثورة يبدو أنها تتلاشى ، جاءوا هنا بدافع من الشباب ، وسرعان ما أقيمت الخيام وفيها الريفيون ومشائخ القبائل والاشتراكيون والمتدينون ، وأناس من الشمال وآخرون من الجنوب ... أشخاص لم يتقاربوا مطلقاً يتواجدون الآن جنباً إلى جنب . وعندما يذاع النشيد الوطني عبر مكبرات الصوت يردده الكل ، في السابق كان أبعد ما يكون عن توحيد القبائل .

وتدريجياً ، زادت التطلعات ،ويتابع سعيد معنا بكل فخر " نحن نفتح صفحة جديدة من التاريخ اليمني ، يجب علينا قبول الجميع من أجل تغيير حقيقي ، في الماضي لم نكن نعرف مواجهة الظلم الذي يقع على بعض الفئات ، دقت ساعة النهوض أخيراً " .

لا توجد أسلحة وفوق المنصة يتوالى المتحدثون ، البعض منهم أقل ثقة من الآخرين ، لكن الكل يتحدث بعاطفة وانفعال ، تنتعش النقاشات هنا وهناك ، والمتناقشون يرغبون دائماً في مزيد من البناء . تُنضم حلقات نقاشية حول مواضيع كالقضاء وحقوق الإنسان ، من أجل إعلام الآخرين والتعلم

وقد ترك أبناء القبائل أسلحتهم وهذا شئ نادر أيضاً ، فهم الآن متعبون من مرافقة بنادقهم أكثر من مرافقتهم لأقاربهم ، ويؤكدون على حقيقة أن هذه الثورة لا يجب أن تكون دموية كما كانت سابقتها التي كانت ضد الإمام في عام 1962 . وإذا كانوا قد عانوا من الرصاص فهم لن يكونوا ممن يسفكون الدماء.

إيناس تبلغ من العمر 25 عاماً ، تركت دبي حيث كان والدها يقوم بتدريس علوم الدين لتعود للعيش في صنعاء وفي الحال رغبت في الانضمام ، ولا يهمها إذا ما كانت والدتها قلقة ولا تسمح له بالذهاب إلى ساحة التغيير ... فتخبرها أنها ستذهب لزيارة صديقة ، في صفحتها الشخصية في الفيس بوك استبدلت اسمها باسم بلدها .

بالنسبة لها ، فالثورة هي : " التوصل إلى حل لقضايا كانت دائما محل نقاش ، نبحث دائماً عن إجابات ونحاول فهم ماذا تعني حرية ومساواة ... أصيب الشباب بالخمول بسبب قلة الأنشطة وهاهم أخيراً وجدوا وسيلة للتعبير واستخدام طاقتهم "

وتتابع: " في الماضي لم نكن نعرف كيف نقاوم الظلم الواقع على البعض أو البعض الآخر ، ودقت أخيراً ساعة النهوض".

ساتر قماشي وضعه الشباب يفصل الرجال عن النساء ، يجب أن يتسع المجال للكل شباب وبنات بدون تمييز ، وهو أمر تفصيلي له أهميته في مجتمع يلقي الفصل بين الجنسين بثقله على حياة كل فرد ، كما أن العادة - خصوصاً في المطاعم والمقاهي – يدخل الرجال من باب وتدخل النساء من باب آخر .

ومن أجل إثارة المتاعب ، فالرئيس صالح انتقد في أحد خطاباته الصفة اللاأخلاقية لهذا الاختلاط ، والنتيجة : ساتر قماشي يفصل من الآن فصاعداً مخيم النساء عن مخيم الرجال . لكن النساء لم يسكتن بسبب ذلك ، ويعبرن عن هذا على المنصة ، وطبعاً في ذلك اليوم بدأت إيناس في إخفاء المكياج الذي كان يلاحظ تحت النقاب ولكنها لا تتردد عن القول بأنه : " إذا كان الرجال يتقدمون نحو الجنود بصدور عارية ، فالنساء مستعدات لمواجهة الرصاص أيضاً " .

فرق رقص الراب في كل مكان وبأشكال متعددة ، وتليها فرقة للموسيقى الشعبية ، وفي نفس الوقت تعرض مسرحية في إحدى الخيام أو تُلقى قصيدة شعرية . ابراهيم ينسق سلسلة من العروض حول الثورة ويصف هذه المنافسة بأنها " نَفَس حقيقي للحرية الفنية ". هذا النفس ، كما يصفه هذا الفتى الشغوف بالفن طال انتظاره بنفاد صبر ، لأنه من النادر قيام مثل هذه الفعاليات الفنية في اليمن ، و دور السينما التي لا يتجاوز عددها الخمس في صنعاء مغلقة منذ أمد بعيد . معارض صور متناثرة هنا وهناك في المخيم بشكل ارتجالي ، حمزة قام بتنظيم إحداها ، ويؤكد على الترحيب الإيجابي الذي لاقاه معرضه كما تدل عليه التعليقات المشجعة التي تُركت في سجل الزوار .

وبالنسبة للعديد من المعتصمين القادمين أحيانا من قرى نائية فهذه اللقاءات الفنية هي رائعة خصوصاً أنها جديدة . عبد الرحمن جابر ترك مكاتب شركته لحضور هذه التظاهرة ، ويعرض بعض الصور مع مجموعة مصورين آخرين ، في معرض الثورة السلمية ، وبالنسبة له ، فلا يدع مجالاً للشك بأن من بين كل الزوار ، أبناء القبائل هم الأكثر اهتماما: "مهتمون بكل التفاصيل ويحاولون فك رموز الصور " مما يثبت أن الرغبة في الفن في اليمن حقيقية .

ولعدم وجود معهد للفنون الجميلة في صنعاء ، فقد اختارت زينب دراسة الجغرافيا . وقد أتاحت لها الثورة هذه الفرصة لنشر أعمالها وهذا ما تحلم به هذه المواهب الشابة وهو بالتحديد الاعتراف بهم ، هذا الشئ يتم إهماله من قبل الحكومة (موازنة وزارة الثقافة هي واحدة من أضعف الموازنات في الحكومة ) وهم يطمحون الآن إلى إعادة الاعتبار لإبداعية الفن اليمني المعاصر . مطالبهم الأساسية : الدعم المادي للفنانين ، وتوفير مناخ مناسب للإبداع . رأفت محامٍ عاشق للرسم ، وهو في الحقيقة مقتنع بأن " الفن له دور يلعبه في اليمن الجديد ، وهو يحمل رسالة إنسانية لا بد أن تنتشر " . ولكن هل سيجد هذا الأمل لدى رسامنا المحامي آذاناً صاغية للقيام بتشجيعه ؟

جوالات ومقاطع فيديو لشاكيرا : كوميديا الثوار اليمنيون

صنعاء ( اليمن) المستشفى الميداني – يقول براسون " لنَمُت من أجل أفكارنا ،حسناً ، لكن الموت بطئ" يبدو فعلا قول ساخر . منذ بداية الثورة ، لا نستطيع أن نحصي مئات الضحايا في كل المناطق اليمنية ، وخصوصاً في عدن وتعز حيث حدث قمع بلا رحمة ، الثمن المطلوب دفعه من أجل الحرية غالٍ ، ولكن أيا كان ..

المستشفى الميداني هو مستشفى مؤقت يقع في مسجد داخل المخيم حيث يتلقى الجرحى الإسعافات الأولية ، مع استمرار المتظاهرون في التلويح بإشارة النصر للصحفيين . لنجاح الثورة لا بد من الإطاحة بالسلطة وللوصول إلى ذلك لابد من جهود ملموسة ، يفهم المعارضون ذلك جيداً .

1.8% من السكان يستطيعون استخدام الأنترنت ، صحف جديدة ترى النور ، يحررها وينشرها المعتصمون في قلب الاعتصام . إنهم يحاولون انهاء السيطرة الثنائية للإعلام : الإعلام الوطني ( الفضائية اليمنية ) الإعلام الخاص ( قناة سهيل القناة التابعة لحزب الإصلاح المحافظ ) . ملفات فيديو وصور يتم تداولها على الانترنت والصفحات الشخصية في الفيس بوك والمواقع الشخصية يتم تحديثها يومياً .

لكننا لسنا في سياق مشابه لتونس أو لمصر ، الانترنت يتم استخدامه من قبل شريحة ضيقة من السكان: 1.8% هذا الرقم خاضع للتعديل تصاعديا لأن هناك العديد من التوصيلات النائية أضف إلى ذلك مقاهي الانترنت المنتشرة بشكل كبير ، ولا يبدو الأمر متعلقاً بثورة شبكية بشكل أقل من كونه ثورة " الهواتف الجوالة العربية " وفي الحقيقة فهذا يكشف عن طريقة للنشر أكثر فاعلية ، حيث تنقل الثورة إلى الأماكن التي ليست موجودة فيها ، في المجالس تنتقل الجوالات من يد إلى يد وتبدأ معها التعليقات ،، تم تغيير كلمات أغنية شاكيرا فأصبحت الكلمات " ارحل ، ارحل " . وكما أنه مباشر وموثوق في نفس الوقت ، يفلت الجوال من كل سيطرة (رقابية) بعكس الانترنت ذراع الحكومة في معركتها من أجل التضليل

غدّر الليل والرحلة طويلة ،الرغبة في التغيير بعيدة عن الإجماع ، في المكتب يتواجه الزملاء ، في البيت الزوج وامرأته ينامون كل على حدة أحياناً بسبب عدم الاتفاق في الرأي ، المصالح الشخصية والاعتبارات المادية تلقي بثقلها في هذا التوازن ، لكن الخوف حقيقة هو ما جعل الأمور تميل لغير حساب المعتصمين .

ثلاثة وثلاثون عاماً من العادات يرى البعض أنه من الصعب محوها والقلق بشأن مستقبل البلاد ، ولا يوجد شئ يمكن أن يعيد الثقة للمشككين ، يتخوفون من قيام حرب أهلية ، وكذلك من صعود الأصوليين ، ولهؤلاء ترد إيناس بعيون مشرقة بالأمل : "المحافظون لا يمكنهم الاستيلاء على السلطة لأن حقيقة الأمر هو أن المسألة تقدم وليس العكس " .

وفي العمق أيضاً تبقى هذه النزاعات هشة ، بعض الثوار لا ينظرون بعين الرضا لانضمام حزب الإصلاح . حزب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (رحمه الله ) في البداية كان (الحزب) متردداً ، وقرر في النهاية الانضمام إلى الثورة ، تحول اللواء على محسن الأحمر أحد أقرباء الرئيس لجانب الثوار هو أيضا موضوع جدل .

الكثير لا يترددون عن القول بأن مشاركة العسكريين ذوي الأيدي الملطخة بالدماء تحبط الاتجاه السلمي للثورة ، وآخرون على العكس يرون أن كل دعم لابد من قبوله بإيجابية .

ولهذا أحمد يبدو ذا عقلية متفتحة ويبدو متفائلاً أيضاً حيث يقول : " لا توجد ثورة نقية تماماً ، ليست كل النيات سليمة لكن هناك هدف عام يجمعنا " . أساساً في صفوف الثورة يحاولون الحفاظ على توافق الآراء ، لأن المحتجون يعون تماماً أن الرئيس لن يفوت فرصة لتقسيمهم من جديد . لكن هل النزعات المدفونة ستطفو على السطح عندما يحين الوقت لانتخاب قيادات جديدة ؟

في مكاتب التحرير في صحيفة يمن تايمز نحاول التنبؤ بمعالم اليمن الجديد . نادية السقاف رئيسة التحرير ، تضع افتراضات حول تطور المشهد السياسي ، وهي تأسف لأن الشباب أول من نادى بالتغيير لم يقرروا إنشاء حزبهم الخاص.

لأنه في الحقيقة ، الدعوات السياسية نادرة لدى الشباب المعتصمين . الغالبية يؤكدون بأنه ليس لديهم القدرة ويشكون في الدور الذي يمكن أن يلعبونه . وبالتالي يقولون هذا قد يؤدي إلى مخاطر إنشاء انقسامات جديدة وتضيف " ليس في الحقيقة أنهم لا يتصورون أنفسهم قادة ، ولكن في الغالب مفكرون أحرار" .

وهذا لا يمنعهم من السهر على ثورتهم لكي لا يتم سرقتها ، ويتفرجون بانتباه للوضع التونسي والمصري ويحاولون أخذ الدروس ويبذلون قصارى جهدهم منذ اللحظة للاستعداد لما بعد الثورة . الخطابات لا تزال متلعثمة لكن الفكرة الراسخة هي : الانتباه من أجل عدم استيلاء أي كان على السلطة

ويشرح سعيد الكيفية : " يجب وضع نظام سياسي حيث يعين البرلمان الحكومة ويكلَّف رئيس الوزراء بوزارة الداخلية ، في حين يؤمّن رئيس الجمهورية السياسة الخارجية . يكون أعضاء البرلمان منتخبون عبر القائمة الوطنية . التعليم يجب أن يكون مجاني " عندما يصل إلى هذه النقطة الأخيرة تتغير ملامحه لتأكيدها .

في اليمن حيث الأمية تقترب من 50.2% ومن يتابعون تعليمهم الثانوي هم قلة . لكن الثوار يدينون طريقة التعليم المتبعة . وبالنسبة لهم لا شئ يشجع الشباب على التفكير الذاتي وعلى العكس تسعى هذه الطريقة لتوجيهه فقط .

التعليم، هذا بدون شك التحدي الكبير ليمن الغد ، وضع تعليم نوعي وفي متناول الجميع وهكذا تتاح الفرص للكل ، وهو مالا يعني أن يكون بصيغة حفظ مقطع . عندما نعرف إلى أي درجة تقسم الطبقات الاجتماعية اليمن ، نفهم أنها في مواجهة تحول : ظهور نوع أكيد من المساواة . هذه المساواة يرغب الكثيرون في رؤيتها تمتد في المجتمع ككل ، لكن طموحاً كهذا هل سيستطيع جمع الشعب اليمني حول هوية وطنية واحدة ؟

على كل حال، الثوار يرغبون في تصديق ذلك.

 
إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة سوبر نيوز