الحرب بالتجويع.. كيف يهدد الانقلاب الحوثي الأمن الغذائي لليمنيين؟

الثلاثاء 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 الساعة 10 مساءً / مأرب برس - الصحوة نت
عدد القراءات 2835

 

تزايدت التحذيرات من حدوث مجاعة في اليمن وانعدام الأمن الغذائي الحاد خلال الأشهر القليلة الماضية، جراء الانقلاب واستمرار الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثيين الإرهابية، وازداد الوضع سوءا بعد غزو روسيا لأوكرانيا وتأثير ذلك على واردات القمح، وإعلان دول مصدرة للقمح عن وقف صادراتها لتغطية احتياجاتها المحلية، ليضيف ذلك تحديات جديدة إلى ما تسبب به انقلاب الحوثيين من تفشّ للمجاعة وانعدام فرص العمل ونهب المليشيات لرواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتها، وأيضا تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وغير ذلك من الكوارث.

أما المساعدات الأجنبية فإنها لا توفر الأمن الغذائي للفئات الأكثر تضررا من الحرب، كونها محدودة، ومع ذلك فهي تتعرض للنهب وسوء التوزيع، وتحيط بها إشكاليات كثيرة، خصوصا في مناطق سيطرة مليشيات الحوثيين، حيث تُتهم المليشيات بتوزيع جزء من تلك المساعدات على أتباعها ومقاتليها وبيع ما بقي منها في الأسواق، كما أن تعهدات الجهات المانحة لا تفي هي الأخرى بالاحتياجات المطلوبة لتحقيق الأمن الغذائي.
 
- عام 2022 الأسوأ من حيث انعدام الأمن الغذائي

يواجه اليمنيون أسوأ سيناريو لانعدام الأمن الغذائي خلال أربع سنوات في ظل استمرار الحرب والتدهور المعيشي جراء موجات غلاء أسعار السلع والوقود وشح المساعدات الخارجية، ما يضع ملايين الأسر أمام واقع كارثي.

وتتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن 23.4 مليون شخص بنهاية العام الجاري 2022، وعدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد 19 مليون شخص، في الوقت الذي أكد فيه برنامج الغذاء، في آخر تحديث له في أغسطس الماضي، أن اليمن شهد أسوأ مستوى من التدهور في حالة انعدام الأمن الغذائي منذ أربع سنوات.

وتقول الحكومة اليمنية إن انعكاسات ارتفاع الأسعار العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا أثر كثيرا على الوضع الإنساني في اليمن، وذلك مع تزايد انعدام الأمن الغذائي وسط ارتفاع أسعار الغذاء والوقود في الأسواق المحلية ونقص المساعدات الإنسانية وشح الموارد.

وحذرت الحكومة اليمنية، في 5 نوفمبر الجاري، من أزمة كبيرة في الغذاء قد تحدث في البلاد مع بداية العام المقبل بسبب نقص المساعدات.

وقال نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي نزار باصهيب -خلال مباحثات عبر تقنية الاتصال المرئي مع مدير شبكة الأمم المتحدة للتغذية استنكي أونيما- إن هناك "اتساعا في فجوة الأمن الغذائي بالبلاد مع تناقص المساعدات الإنسانية"، محذرا من "ازدياد احتياج السكان إلى الغذاء".

وفي 16 نوفمبر الجاري، قال تقرير أممي حديث إن أكثر من نصف سكان اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلد الذي يشهد حربا منذ ثماني سنوات.

وقال التصنيف الدولي للأمن الغذائي للبراءات، عن الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022، إن ما يقرب من 17 مليون شخص أو أكثر من 53% من السكان في اليمن يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، المصنف في أزمة "المرحلة الثالثة من التصنيف الدولي للبراءات".

وفي 25 نوفمبر الجاري، أفاد برنامج الغذاء العالمي بأن انعدام الأمن الغذائي في اليمن لا يزال مرتفعا جداً، حيث لم تتمكن نصف العائلات من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها خلال شهر أكتوبر الماضي.

وقال البرنامج، في آخر تحديث له، إن انعدام الأمن الغذائي ظل عند مستويات عالية للغاية، إذ لم تتمكن نصف العائلات المشمولة بالدراسة التي أجراها من الحصول على الحد الأدنى من الغذاء.
ولفت إلى أن مستوى التدهور السنوي في الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين أعلى بكثير مما هو موجود في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
وحذرت الأمم المتحدة، في نهاية أكتوبر الماضي، من تداعيات النقص الحاد في تمويل عمليات الاستجابة، مؤكدة أن ذلك سيجبرها على زيادة التخفيضات في مساعداتها المنقذة لحياة ملايين اللاجئين والنازحين في جميع أنحاء العالم، بما فيها اليمن.
 
- فساد الحوثيين يهدد البيئة الزراعية والأمن الغذائي
وفي سياق ذي صلة بانعدام الأمن الغذائي، يدفع المزارعون اليمنيون ثمن الفساد في قطاع الزراعة والري الخاضع للمليشيات الحوثية والتنافس بين قادة المليشيات على تجارة وتهريب المبيدات الحشرية الخطرة والبذور الزراعية الملوثة، وكانت نتيجة ذلك تخريب أراضٍ زراعية في عدد من مديريات محافظة صنعاء بأمراض فطرية وحشائش خبيثة، مع انتشار المبيدات المهددة للصحة والبيئة.

وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" أنه في مطلع الشهر الجاري اشتكى مزارعون في مديرية همدان (شمال غربي العاصمة صنعاء) من تعرض أراضيهم الزراعية لأمراض فطرية تفسد التربة وتمنع نمو النباتات فيها، وانتشار حشائش غريبة تنتشر وتتغلغل في التربة، بما يجعل مهمة استئصالها صعبة حتى بأحدث المعدات، وهذه الحشائش تمنع بدورها نمو أي نبات أخرى جوارها.

حدث هذا بسبب بذور جزر تم استيرادها من شركة "جبرودر بيكر" الهولندية، كشفت وثيقة صادرة من الإدارة العامة للرقابة على مستلزمات الإنتاج الزراعي أن الإدارة العامة لوقاية النبات حرزت الشحنة المستوردة في مخازن الشركة المستوردة، وتم فحص عينات منها في مختبرات البذور، حيث أثبتت النتائج احتواءها على بذور غريبة، ووجود أمراض فطرية فيها.
ووفقا لمصادر في قطاع الزراعة الخاضع للحوثيين، فإنه، ورغم صدور توجيهات بإعادة الشحنة إلى بلد المنشأ، فإن الشركات المستوردة طلبت إعادة الفحص الذي أكد نتائج الفحص السابق، بينما أصرّ مدير الرقابة على جودة المستلزمات الزراعية على إعادة الشحنة إلى بلد المنشأ بالتنسيق مع الجمارك، إلا أن الإجراء الذي حدث هو إقالته بأوامر من قادة نافذين، ومنحت لاحقاً التصاريح ببيع البذور.

وتؤكد المصادر، وفق صحيفة "الشرق الأوسط"، أن قيادة المليشيات الحوثية تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات بخصوص شكوى المزارعين، ولم يتم التحقيق في الإجراءات المتخذة، التي سمحت ببيع البذور، وتجاهل نتائج الفحوصات، وهو ما يشي، بحسب المصادر، بتبادل منافع من هذه الإجراءات بين القيادات العليا للمليشيات وملاك الشركات المستوردة، وهي "مؤسسة الحظا للتجارة والتوكيلات"، وشركة "أجروجلوبال لاستيراد المدخلات الزراعية"، وشركة "المجد للزراعة والتجارة".
 
- مناطق سيطرة الحوثيين الأكثر تضررا
تركز معظم تحذيرات المنظمات الأجنبية من الجوع على المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، ولعل ذلك يعود إلى الإجراءات الظالمة التي تنتهجها المليشيات الحوثية ضد مختلف الفئات في مناطق سيطرتها، فالإتاوات الطائلة لم تستثنِ أحدا، بدءا من البنوك الأهلية والشركات التجارية وجميع المؤسسات الاستثمارية الأهلية (مستشفيات، جامعات، مدارس، فنادق، مطاعم) وانتهاء بصغار التجار وملاك مزارع النحل والمواشي والدجاج وصغار المزارعين، كما عادت إجراءات كانت تحدث في عهد الأئمة السلاليين أسلاف الحوثيين، مثل الطواف في الأرياف بعد مواسم الحصاد وفرض كميات معينة على المواطنين من الحبوب يدفعونها للمليشيات وغير ذلك من أساليب النهب التي تطال حتى المساعدات الإغاثية المقدمة من منظمات أجنبية.
هذه الإجراءات الظالمة فاقمت من مأساة المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين، فحتى الموظف الذي نهبت المليشيات راتبه وصادرت وظيفته وأحلت أحد عناصرها بدلا منه، تطالبه بدفع الزكاة في رمضان من كل عام، وتطالبه بدفع جزء من الحبوب التي يحصل عليها في نهاية موسم الحصاد في حال كان يسكن في الريف ولديه قطعة أرض يزرعها في فصل الصيف، وتصادر مستحقاته من المساعدات الغذائية إلا بشرط أن يدفع بأحد أبنائه للقتال في صفوفها، وأن يحضر هو دوراتها الطائفية.
 
- مجاعة وسوء تغذية
في يونيو الماضي، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن ظروفا شبيهة بالمجاعة ظهرت في محافظات عمران وحجة والجوف، موضحة أن هناك ما يقرب من 50 ألف شخص يعيشون ظروف المجاعة، في حين يوصف معدل سوء التغذية لدى الأطفال بأنه من أعلى المعدلات في العالم.
وفي مطلع أبريل الماضي، ذكرت دراسة أعدتها منظمة التصنيف المتكامل للأمن الغذائي لصالح وكالة التنمية الأمريكية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، أن خمس مناطق تحت سيطرة مليشيات الحوثيين في غربي اليمن مهددة بالمجاعة.
وأفادت الدراسة بأن مراجعتها للأمن الغذائي شملت مديريتي حرض وميدي التابعتين لمحافظة حجة المهددتين بالمجاعة، وبينت أن التصنيف الحالي لأوضاع السكان في ثلاث مديريات هي الحوك والحالي في مدينة الحديدة، وعبس في محافظة حجة، يتناسب مع الواقع كمناطق خطرة مهددة بالمجاعة.
وكان البنك الدولي قد حذر، في أكتوبر 2021، من وجود مؤشرات على ظهور بؤر تشبه المجاعة في ثلاث محافظات يمنية هي الجوف وعمران وحجة، وهي محافظات يسيطر عليها الحوثيون.
 
- انعدام الأمن الغذائي الحاد
تلفت كل المؤشرات إلى أن الوضع في اليمن ينذر بالخطر، ففي 4 مايو الماضي، كشف تقرير أطلقته الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية، وهي تحالف دولي يضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجهات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل على معالجة الأزمات الغذائية معا، والذي يدعو إلى حشد المجتمع الدولي، كشف تقرير الشبكة أن اليمن من بين البلدان التي تصنف بأنها في المرحلة الأشد من كارثة انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويتطلب الوضع فيها اتخاذ إجراءات عاجلة لتلافي الانهيار واسع النطاق لسبل العيش والمجاعة والوفاة.
وكانت التحذيرات من حدوث مجاعة في اليمن قد بدأت منذ العام 2017، أي بعد عامين من انقلاب مليشيات الحوثيين وإشعالها الحرب في البلاد، حينها صنفت منظمات أجنبية نحو 17 مليون مواطن يمني بأنهم يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. وفي أكتوبر 2018، بدأت الأمم المتحدة في الإشارة إلى حالة الأمن الغذائي في اليمن بأنها مجاعة محتملة. وفي العام 2020، قالت الأمم المتحدة إن 13.5 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
الجدير بالذكر أن تفشي الفقر والجوع في مناطق سيطرة مليشيات الحوثيين يعيد التذكير بالمجاعة التي عصفت باليمنيين في عهد الإمام يحيى عام 1940، وبسبب تلك المجاعة مات كثير من الناس جوعا، واضطر آخرون لأكل أوراق الشجر وغيرها، رغم أن خزائن الإمام كانت مملوءة بالحبوب، وكانت حجة وتهامة من أكثر المناطق التي عصفت بها المجاعة في عهد الإمام يحيى، وهي أكثر المناطق التي تعصف بها المجاعة في عهد مليشيات الحوثيين اليوم (الإمامة الجديدة).

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن