الزنداني.. بين مطرقة الخارج وسندان الداخل

الإثنين 13 مارس - آذار 2006 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس
عدد القراءات 3296

بين نشر خبر مطالبة واشنطن بالقبض على الشيخ عبد المجيد الزنداني ونفي الخبر تارة على لسان وزير الخارجية اليمنية ابوبكر القربي وتارة أخرى على لسان الناطق باسم الخارجية الأمريكية (آدم إيرلي)، توالت التطورات المتسارعة لهذا الحدث. ومنذ أن أعيد طرح هذه المسألة مجددا طرحت الكثير من التأويلات والاستنتاجات بشأن تفاعل ومآل قضية أهم رجل دين وأهم فاعل سياسي في البلاد مما استدعى قراءاتها من زوايا مختلفة غير بعيدة عن السياقات التي ظهرت فيها وغير منفصلة عن التفاعلات المحلية والدولية التي تعيشها المنطقة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تلاها من تداعيات.

ظرفية خـاصـة

بداية أعيد إثارة الموضوع بإعلان الخبر أواخر شهر فبراير الماضي في صحيفة"26 سبتمبر" الناطقة باسم الجيش اليمني والمقربة من دوائر السلطات العليا. فقد أوردت الصحيفة أن واشنطن طلبت من السلطات اليمنية إلقاء القبض على رئيس مجلس شورى (أي اللجنة المركزية) في حزب التجمع اليمني للإصلاح الشيخ عبدالمجيد الزنداني وأن الإدارة الأمريكية احتجت على مرافقته للرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى قمة مكة الإسلامية التي انعقدت في شهر ديسمبر الماضي واعتبرت في اصطحابه خلال الرحلة الرئاسية "خرقا لقرار لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الصادر في فبراير من العام 2004"، الذي أدرج اسم الزنداني ضمن قائمة الممولين للإرهاب وقضى بتجميد أمواله وتقييد تحركاته والحد من ظهوره في المناسبات العامة . الخبر حسب العديد من المراقبين كان يمكن أن يمر دون أن يثير أي ضجة تذكر لو أنه ورد في وسائل إعلام أخرى وفي غير الظرفية الراهنة التي تعرف شدا وجذبا بين السلطة والمعارضة عامة وبينها وبين حزب الإصلاح خاصة. وبالتالي أعطى توقيت طرح الخبر في وسيلة رسمية مقربة من مراكز صنع القرار تفسيرات بعيدة وحمل دلالات اختلف في تقييمها سواء بعيد النشر أو بعد نفي الخارجية اليمنية والأمريكية لوجود طلب رسمي للقبض على الرجل. وجاء في النفي أن الأمر يقتصر فقط على "تقييد تحركاته والاحتجاج على ظهوره في النشاطات العامة"، مما عزز من قوة الطرح الذي ذهب إلى أن تحريك الموضوع في الظرفية الحالية التي تشهد تزايدا ملحوظا في اتساع الشقة بين السلطة والمعارضة قد جاء غير بريء من الأجواء المشحونة بحمى التحضيرات المبكرة للانتخابات الرئاسية والمحلية المقبلة التي يعتقد أنها ستكون اشد ضراوة وأكثر منافسة من أي استشارة شعبية عرفها اليمن منذ أول انتخابات عامة مباشرة جرت عام 1993.

حسابات انتخابية "غير مدروسة"

ويرجع ترجيح شراسة المعركة الانتخابية القادمة إلى تكتل اللاعبين الأساسيين هذه المرة في كتليتين متضادتين. فهناك المؤتمر الشعبي العام في جهة تسانده أحزاب ضعيفة، وفي الجهة الأخرى تجمع كبرى أحزاب المعارضة في إطار "كتلة اللقاء المشترك" والتي تضغط عبر توحدها لأول مرة من أجل تنظيم انتخابات شفافة عبر تأمين ما تسميه بـ "ضمانات حقيقية قانونية وسياسية وإجرائية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة". لذلك - وحسب ذلك الرأي - فإن تحريك قضية الشيخ الزنداني، أبرز قادة أحزاب المعارضة على الإطلاق في هذه الظرفية لا ينفك عن أجواء المعركة الانتخابية المبكرة التي تعيشها البلاد منذ أشهر.

 ووفقا لذلك الرأي، تأتي إثارة المطالبة بملاحقة الشيخ ضمن حسابات انتخابية لكنها على ما يبدو حسابات غير مدروسة نظرا للمسار الذي سارت فيه القضية ابتداء من تحريكها بطريقة بدت غير بريئة وانتهاء بمحاولات احتوائها التي انتهت حسب ما نشرته صحيفة (الصحوة)، الناطقة بلسان الإصلاح إلى الاتفاق على شطب اسم رجل الدين المثير للجدل من قائمة المتهمين بتمويل الإرهاب وذلك خلال اللقاء الذي جمع الرئيس اليمني صالح بالسفير الأمريكي في صنعاء توماس جراجيسكي والشيخ الزنداني الأسبوع الماضي.

وقالت الصحيفة إن اللقاء قد خرج باتفاق على رفع اسم الزنداني من قائمة الإرهاب عبر آلية تقضي حسب ما ذهبت إليه "الصحوة" بتقديم الشيخ رسالة إلى الخارجية اليمنية التي سترفعها بدورهاإلى مجلس الأمن الدولي ثم تتعاون واشنطن وصنعاء لرفع اسمه من تلك القائمة التي كانت لجنة العقوبات التابعة للمجلس قد أصدرتها في فبراير من عام 2004 واعتبرت في حيثياتها أن الزنداني "خالف قرارا صدر عام 1999 قضى بحظر التعامل مع نظام طالبان وتنظيم القاعدة".

إرادة دولية .. ورغبة سياسية يمنية

في السياق ذاته، يذهب بعض المراقبين إلى أن التفاعلات التي سارت عليها هذه القضية منذ إعادة طرحها مجددا لا تنفصل عن مستجدات جهود مكافحة الإرهاب وتطوراتها خاصة منها المستجدات المتعلقة بهذا الملف في أعقاب هروب 23 من أعضاء تنظيم القاعدة من سجن الأمن السياسي في صنعاء والذي عد نقطة سوداء في مسار الشراكة اليمنية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب وأوجب على الحكومة اليمنية تصعيد الضغط على بؤر الإرهاب بما فيها "الجهات والأطراف المشتبه فيها".

 

وبالتالي يرى المراقبون أن التصعيد على رئيس مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح جاء ضمن أجندة الالتزام بمنطلقات جديدة وأكثر فاعلية في الحرب على الإرهاب. وهو ما يمكن قراءته كذلك من خلال الخطوات المرتبكة التي شابت طرح قضية مطالبة واشنطن بالقبض على الزنداني الذي قيل في البداية أنه "طلب رسمي مكتوب من الإدارة الأمريكية" ليتضح في نهاية المطاف بأنه مجرد "طلب من مستشارة الأمن القومي"، جاء في مكالمة هاتفية أجرتها السيدة فروان باونيبند، مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الإرهاب في اتصال لها مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في منتصف شهر فبراير الماضي.

وعلى أي حال ومهما كانت حيثيات الطلب الأمريكي، فالثابت حسب هذا الرأي أن الإرادة الدولية التقت بالرغبة السياسية لاستخدام ورقة الضغط الخارجي على رئيس مجلس شورى الإصلاح. ومن ثم فإن توجيه الضغط على خصم سياسي بجريرة دعم وتمويل الإرهاب سيحقق ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة سيحجم الخصم القوي ومن جهة أخرى سيحمل رسالة قوية عن جدية التوجهات الحكومة اليمنية في الحرب على الإرهاب بتوجهها إلى أهم شخصية دينية وسياسية. وفي كل الأحوال سيؤدي ذلك إلى حشر الزنداني في موقع لا يترك له سوى خيار مساندة الرئيس صالح في معركته الانتخابية المقررة في سبتمبر المقبل خاصة بعد وقفته مع رئيس مجلس شورى الإصلاح بقوله أمام السفير الأمريكي (طبقا لما تناقلته وسائل إعلام يمنية) أن "الشيخ الزنداني من العقلاء وأنه ينبذ الإرهاب وأن الرئيس صالح يضمن التزامه في نبذ الإرهاب"، وهو موقف قد يدفع الشيخ إلى أن يكون لطيفا بدعمه للرئيس صالح في معركته الانتخابية.

استراتيجية الإحتواء

وتذهب استنتاجات المحللين والمتابعين إلى أبعد من ذلك استنادا إلى القاعدة التي تقول إن الحرب هي دوما "مقدمة للتسويات السياسية" وأن السياسية هي "استمرار للحرب بصور أخرى". وانطلاقا من ذلك فإن السياسة لا تقوم على ثوابت يقدر ما تقوم على التكتيك لذلك فليس من الضروري أن تفترق حسابات السلطات اليمنية مع الحسابات الأمريكية التي قد تكون أفضت إلى إبداء التعاون مع الحكومة اليمنية لرفع اسم الشيخ الزنداني من قائمة الإرهاب لأن ذلك من شأنه أن يخدم الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة على الأمدين القريب والبعيد. فهذه الإستراتيجية تهدف إلى التعامل والدخول في حوار مع الحركات والتيارات الدينية المعتدلة في المنطقة وتحجيم التيارات المتطرفة منها برفع ورقة الإرهاب في وجهها حتى لا تذهب بعيدا في مواقفها المعادية لأمريكا أو دفعها إلى الاعتدال والبراجماتية. لذلك يمكن القول أن الضغوط التي يتعرض لها الشيخ الزنداني بعد صدور قرار اتهامه بتمويل الإرهاب الذي اجبره إلى التواري عن المسرح السياسي يندرج ضمن إستراتيجية الاحتواء. والشيخ الذي عرف بحضوره السياسي القوي في المشهد السياسي اليمني لاشك أنه يتوق للخروج من عزلته. فمن المعلوم أنه - ومنذ ورد اسمه ضمن قائمة المتهمين بتمويل الإرهاب - قلص من نشاطاته ونأى بنفسه بعيدا عن المسرح السياسي وانصرف إلى الاشتغال على ما قال انه "البحث في تحضيره أدوية لمرض السكر والإيدز والسرطان". ومع انه كان قليل الظهور في العامين الماضيين، إلا أن الزنداني كان يصدر إشارات (في مناسبات غير سياسية) تعبر عن رغبته في الخروج من العزلة المفروضة عليه. وكانت أقوى تلك الإشارات، إبداؤه موافقته على الحوار مع الولايات المتحدة، حيث أعلن في شهر يونيو 2005 خلال انعقاد الدورة السادسة لمجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح عن مباركته لدعوة الحوار بين الحركات الإسلامية وواشنطن. وقد عُـدت تلك الإشارة من قبل الشيخ الزنداني المعروف بعقائديته الشديدة نتيجة حتمية للوضعية التي أصبح يعيشها منذ ورود اسمه على قائمة المتهمين بتمويل الإرهاب.

وفي المحصلة، ستظل التطورات التي أحاطت بطرح قضية رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح والمسار الذي سلكته موضع قراءات وتحليلات متباينة ومفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة. فالسياسة تظل على الدوام فن استخراج الممكن من المستحيل وهي تزداد تشويقا وغرابة عندما يوضع أحد أطرافها بين السندان والمطرقة.

 

نقلاً عن "سويس إنفو" 

 

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن