لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟

الخميس 31 أكتوبر-تشرين الأول 2024 الساعة 07 مساءً / مارب برس - د. سمير صالحة
عدد القراءات 785

 

أخذ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مكانه وسط أعضاء وشركاء وضيوف مجموعة “البريكس” في قمّتها الـ16 المنعقدة في قازان الروسية خلال التقاط الصور التذكارية، لكنّ مسألة انضمام تركيا إلى التكتّل لم تحسم بعد كما يبدو. فعمليّة الشدّ والجذب بين الهند وإيران وبين روسيا والصين ما زالت قائمة. هذا إلى جانب اللاعب الغربي الذي حمل المستشار الألماني أولاف شولتز ممثّلاً إيّاه رسالة عاجلة لأنقرة باسم الاجتماع الغربي الأميركي البريطاني الفرنسي المنعقد في برلين لتذكيرها بانتمائها إلى حلف شمال الأطلسي.  

تسعى واشنطن إلى عرقلة انفتاح تركيا على “البريكس” أكثر ممّا ينبغي بالمقياس الغربي. فأنقرة هي الأقرب فكرياً لروسيا والصين في خطط وطرق التعامل مع الغرب من النواحي السياسية والاقتصادية، لكنّها الأبعد عنهما بسبب وجودها تحت مظلّة الناتو. فكيف ستتجاوز هذه العقبة؟ وهل تريد أن تكون لاعباً أساسياً في آسيا مع منظومة “البريكس” أم لاعباً دائم الطموح في المنظومة الغربية حيث الاتحاد الأوروبي؟

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الشهر المنصرم أنّ موضوع التوسعة جُمّد الآن، وأنّ الأولوية هي للشراكة مع التكتّل. فهل تتحوّل عضوية تركيا في منصّة “بريكس” إلى حكاية إبريق الزيت في مسار عضويّتها في الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا تمّ نقل طلبات 12 دولة تريد الانضمام إلى تكتّل “البريكس” وبينها تركيا إلى ثلّاجة الانتظار؟ الإجابة على كلّ هذه التساؤلات ستظهر عند فتح الباب أمام موضوع العضويّة مجدّداً، لكنّ السؤال يبقى: من الذي سيدخل أوّلاً؟

لو لم تكن تركيا راغبة في العضوية لما قال الكرملين على لسان نائب الرئيس الروسي يوري أوشاكوف في أيلول 2024 إنّ تركيا تقدّمت بطلب العضوية، وبناء عليه تمّ توجيه الدعوة إلى الرئيس التركي للمشاركة في القمّة، ولتكون تركيا بذلك أوّل عضو في حلف شمال الأطلسي يلتحق بالمجموعة.

اهتمام عمره 6 سنوات

تبدي أنقرة منذ 6 سنوات اهتماماً واضحاً بالانضمام إلى “البريكس” لأكثر من سبب يتقدّمها هدف توسيع رقعة التحالفات والتوازن في سياستها بين الشرق والغرب. فالتكتّل بالنسبة لها هو فرصة لتعزيز موقعها ودورها ونفوذها ومساهمتها في بناء نظام عالمي أكثر عدلاً كما ردّد إردوغان أكثر من مرّة أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة. فما الذي دفع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للقول إنّ بلاده قد تعيد النظر في اهتمامها بهذا التكتّل إذا تمّ قبولها كعضو كامل في الاتحاد الأوروبي؟ وهل بدأ الخلاف والتباعد يطفو إلى السطح باكراً بين الدول الأربع المؤسّسة لمنصّة “بريكس” وبين الدول المنضمّة لاحقاً، حول مسألة التوسعة وقبول أعضاء جدد، خصوصاً بعد حملة العام المنصرم التي شهدت قبول عضوية 4 دول دفعة واحدة هي مصر والإمارات وإيران وإثيوبيا، ليرتفع العدد إلى 9 دول؟

الاعتراض الهنديّ

في العلن قد تكون الهند وربّما إيران اليوم بين الحواجز الواجب تجاوزها تركيّاً باتّجاه “البريكس”، لكنّ المشكلة الحقيقية قد تكون ارتباط أنقرة الوثيق بالغرب تحت سقف الناتو، والدليل هو ما يقوله لافروف نفسه عن القيم المشتركة تحت شمسيّة “البريكس” في مواجهة الغرب. هل هذه رسالة غير مباشرة لأنقرة التي تعارض سياسة روسيا في القرم؟

على الرغم من نفي دائرة الاتصالات التركية أنباء تتحدّث عن اعتراض الهند على العضوية التركية وإعلانها أنّ موضوع التوسعة لم يناقش أساساً في هذه القمّة، يتواصل الكثير من التحليلات والتقديرات حول ما جرى في قازان. لا بدّ من الذهاب أوّلاً باتّجاه الاعتراض الهندي على قبول تركيا نتيجة علاقاتها الاستراتيجية مع الخصم الباكستاني. لا يتصاعد الدخان من مكان لا حريق فيه. امتحان “البريكس” لا يتّصل بالتوتّر التركي- الهندي في موضوع باكستان فقط، بل وبالتباعد بينهما حول المشروع التجاري الهندي الإقليمي المدعوم أميركياً والذي يستثني تركيا، ثمّ دعم أنقرة للمشروع التجاري الصيني الذي يستبعد الهند.

البرودة التّركيّة – الإيرانيّة

بعد ذلك تأتي البرودة الحاصلة في العلاقات التركية الإيرانية حول طرق التعامل مع ملفّات ثنائية وإقليمية عديدة، ظهرت إلى العلن عند دخول الرئيس التركي قاعة المؤتمر محيّياً عن بُعد الرئيس الإيراني، لكنّه اختار مصافحة نظيرَيْه الروسي والمصري. المنتظر هو أن تكون العقبة هندية، لكنّ وزير خارجية إيران عباس عراقتشي هو من تبرّع للحديث عن عدم الرغبة في قبول أعضاء جدد في هذه الآونة، وإعلانه أنّه وضعت دول المجموعة بعض الشروط حول المعايير التي يجب تبنّيها من قبل الدول التي تريد أن تكون شريكاً للتكتّل، وأنّ الدول الأعضاء اتّفقت على شرط الإجماع لقبول الأعضاء الجدد. هل هي رسالة ردّ تحيّة إيرانية لأنقرة؟

تعاني منصة “البريكس” على الرغم من مرور حوالي عقدين من الزمن على انطلاقتها من عدم بناء هيكلية تنظيمية إدارية ووضع ميثاق المنظّمة حتى الآن. ومع ذلك فثقلها العالمي يدفع الآخرين لقبولها كتكتّل دولي ينبغي التعامل معه على هذا الأساس. من 4 دول مؤسّسة عام 2006 (روسيا، الصين، الهند، والبرازيل) إلى 5 دول مع انضمام جنوب إفريقيا عام 2011. ثمّ توسعتها عام 2023 بقبول 4 دول جديدة هي مصر، الإمارات، إيران وإثيوبيا. والأقرب إلى العضوية الكاملة هي السعودية والأرجنتين كما يبدو.

هناك من يقلق بسبب زيادة ثقل “البريكس” البشري والاقتصادي والجغرافي عند انضمام الدول الجديدة. يدور الحديث حول حوالي 3.3 مليارات نسمة، وهو ما يعادل حوالي 40% من إجمالي سكّان العالم. وهناك من يتوقّع ارتفاع حصّة مجموعة “البريكس” في الناتج المحلّي الإجمالي العالمي عام 2028 إلى حوالي 35% مقارنة بانخفاض حصّة مجموعة السبع إلى 27.8% نزولاً من 29% حالياً نتيجة لضمّها اقتصادات ناشئة سريعة النموّ. كما يشير تقرير لموقع “بلومبيرغ” إلى أنّ تركيا تهدف إلى الاستفادة من تغيير مركز الثقل الجيوسياسي. هذا إلى جانب أنّ الانضمام إلى “البريكس” من شأنه تعزيز التعاون التجاري والماليّ لتركيا مع روسيا والصين، وتقوية الروابط الاقتصادية من خلال بنك التنمية التابع للمجموعة. فلماذا ستتردّد تركيا؟

العاملان الجيوسياسيّ والجيوقتصاديّ

يلعب بالمقابل العاملان الجيوسياسي والجيوقتصادي التركيّان دوراً إضافياً في رفع حظوظ تركيا داخل المجموعة، هذا إلى جانب القيمة الجيوسياسية للمجموعة، لا سيَّما في ظلّ نفوذ أنقرة في الشرق الأوسط وانخراطها المتزايد في إفريقيا. تتوقّع التقديرات التي تصف تركيا بواحد من أهمّ الاقتصادات الناشئة في العالم، أن تأخذ مكانها بين أكبر 12 اقتصاداً بحلول عام 2050. تقول أرقام أخرى إنّ انضمام تركيا إلى مجموعة “البريكس” سيرفع حصّة الأخيرة 1 في المئة من الاقتصاد العالمي، وبالتالي سيرفع حصّة التكتّل إلى نحو 27.2 في المئة. فلماذا ستتردّد دول “البريكس”؟

يزعم جورج غالاوي الكاتب والإعلامي البريطاني اليساري الميول والداعم لتكتّل “البريكس” في مواجهة السياسات الأميركية، أنّ تقارب تركيا مع مجموعة “البريكس” أثار جنون الولايات المتحدة، وهو ما دفع وكالة الاستخبارات الأميركية لتحريك عناصر “حزب العمّال الكردستاني” بهدف مهاجمة شركة “توساش” للصناعات العسكرية قبل أسبوع في أنقرة. في نهاية الأمر البراغماتية هي التي ستحدّد شكل اتّخاذ القرار، والكلمة الفصل ستكون لروسيا والصين إذا ما حسمتا موقفهما في مواجهة الهند وإيران لأنّ مصلحة الدولة العضو ستكون تحت سقف مصلحة التكتّل وليس العكس.