حروب‭ ‬الكابلات‭ ‬هل‭ ‬تعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مستقبل‭ ‬المواجهات‭ ‬البحرية؟‭ ‬

الخميس 19 سبتمبر-أيلول 2024 الساعة 08 مساءً / مارب برس - غرفة الاخبار
عدد القراءات 2250
 

تبدو‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬كخطوط‭ ‬أنابيب‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬معرضة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المخاطر،‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬الحاد‭ ‬حول‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬أو‭ ‬لتصاعد‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭. ‬وقد‭ ‬كشفت‭ ‬الحوادث‭ ‬المتكررة‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬كيف‭ ‬أصبحت‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬طبيعة‭ ‬وحجم‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬لها،‭ ‬وباتت‭ ‬تشكل‭ ‬هدفاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬لحروب‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬الغامضة،‭ ‬والتي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬هجمات‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها‭ ‬والتنصل‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحروب‭ ‬الشاملة‭.‬

أثارت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وتداعياتها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭ ‬وبحر‭ ‬الشمال‭ ‬والبحر‭ ‬الأسود،‭ ‬وكذا‭ ‬هجمات‭ ‬الحوثيين‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬ملامح‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬بها‭ ‬خوض‭ ‬هذه‭ ‬الحروب،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تزايد‭ ‬استهداف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬البحرية‭ ‬بشكل‭ ‬مطرد‭. ‬ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬القلق‭ ‬مدى‭ ‬أهمية‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬كعامل‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأمني‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬وأحد‭ ‬محددات‭ ‬الحروب‭ ‬البحرية‭ ‬المستقبلية‭.‬

نشأة‭ ‬وتطور‭ ‬أهمية‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية

يتم‭ ‬صناعة‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬من‭ ‬خيوط‭ ‬الألياف‭ ‬الضوئية‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬زجاج‭ ‬السيليكا،‭ ‬وعادةً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الألياف‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الإشارات‭ ‬الضوئية‭ ‬رفيعة‭ ‬للغاية،‭ ‬ويتم‭ ‬تغليفها‭ ‬بطبقات‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬البلاستيك‭ ‬أو‭ ‬الفولاذ‭ ‬للعزل‭ ‬والحماية‭. ‬وترجع‭ ‬بداية‭ ‬توصيل‭ ‬الكابلات‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬إلى‭ ‬خمسينات‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬سفينة‭ (‬SS Great Eastern‭) ‬بوضع‭ ‬أول‭ ‬كابل‭ ‬بحري‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬مُسخَّرة‭ ‬بالأساس‭ ‬لخدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستيطانية‭ ‬للإمبراطوريات‭ ‬الكبرى‭. ‬ولتنسيق‭ ‬التعقيدات‭ ‬التقنية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذه‭ ‬الكابلات،‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬للبرق‮»‬‭ (‬ITU‭) ‬عام‭ ‬1865،‭ (‬أصبح‭ ‬حالياً‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬للاتصالات‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والذي‭ ‬اتخذ‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬لحماية‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬أبرزها‭ ‬اتفاقية‭ ‬حماية‭ ‬كابلات‭ ‬التلغراف‭ ‬البحرية‭ ‬لعام‭ ‬1884‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬ظلت‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬محل‭ ‬نزاع‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬لتدابير‭ ‬حماية‭ ‬توافقية‭ ‬ضد‭ ‬استهداف‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬وقت‭ ‬الحرب‭. ‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬تم‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ (‬UNCLOS‭) ‬لتكون‭ ‬مكملة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬للاتصالات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حماية‭ ‬حرية‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬مد‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬وخطوط‭ ‬الأنابيب‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الدولية‭. ‬لكن،‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬توقع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬بل‭ ‬إنها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الصين،‭ ‬لديها‭ ‬قوانينها‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬نصوص‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تمثل‭ ‬شبكة‭ ‬الفواعل‭ ‬المتعددة‭ ‬والمتباينة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكابلات‭ ‬البحثية‭ ‬محدداً‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬تعقيد‭ ‬التنسيق‭ ‬للاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬للاتصالات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬البيئة‭ ‬التنظيمية‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬حماية‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬تتزايد‭ ‬المخاطر‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالإنترنت،‭ ‬وتأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬منطقة‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭. ‬

وتشكل‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬حالياً‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬كونها‭ ‬تمثل‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فأكثر‭ ‬من‭ ‬95‭% ‬من‭ ‬الاتصالات‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬تعتمد‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬والأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬بل‭ ‬يتضمن‭ ‬أيضاً‭ ‬مختلف‭ ‬المعاملات‭ ‬المالية‭ ‬والتحويلات‭ ‬بين‭ ‬البنوك،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬إدارات‭ ‬الدفاع‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭. ‬وتقدر‭ ‬تدفقات‭ ‬البيانات‭ ‬والاتصالات‭ ‬الدولية‭ ‬عبر‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬بحوالي‭ ‬10‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬المعاملات‭ ‬المالية‭ ‬سنوياً‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬950‭ ‬ألفاً‭ ‬من‭ ‬الكابلات‭ ‬الضوئية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬أي‭ ‬أضرار‭ ‬لهذه‭ ‬الكابلات‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬شاسعة،‭ ‬واضطرابات‭ ‬اقتصادية‭ ‬هائلة‭.‬

 

أبعاد‭ ‬حروب‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حروب‭ ‬الكابلات‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬حديثة،‭ ‬فهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬التاريخية‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬استهداف‭ ‬بريطانيا‭ ‬لكابلات‭ ‬التلغراف‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬أجراس‭ ‬اللبالب‮»‬‭ ‬Ivy Bells‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الكابلات‭ ‬السوفييتية‭.‬

لكن،‭ ‬رغم‭ ‬قدم‭ ‬هذه‭ ‬الحروب،‭ ‬فإن‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الراهن‭ ‬تجعل‭ ‬الحروب‭ ‬الحالية‭ ‬مختلفة‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الأشكال‭ ‬التقليدية‭ ‬لهذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬حيث‭ ‬بات‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬اتصالاً‭ ‬من‭ ‬السابق،‭ ‬ويتم‭ ‬الاعتماد‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الطاقة‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والنفط،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الانترنت،‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فأي‭ ‬هجوم‭ ‬يستهدف‭ ‬هذه‭ ‬البنية‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول،‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭. ‬

تقليدياً،‭ ‬ركزت‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬الغواصات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬المركبات‭ ‬البحرية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬ومهام‭ ‬التدابير‭ ‬المضادة‭ ‬للألغام،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تزايد‭ ‬الحاجة‭ ‬لحماية‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬البحرية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الكابلات،‭ ‬شكل‭ ‬تحولاً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬بدأت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬تطرح‭ ‬مفهوم‭ ‬حرب‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬لتعكس‭ ‬بعدين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬يتمثل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬التنافس‭ ‬الحاد‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬ومحاولة‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬تحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬الجيواستراتيجي‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬عبر‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفتيت‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬العالمية‭ ‬للإنترنت،‭ ‬والدفع‭ ‬نحو‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭. ‬بينما‭ ‬ينطوي‭ ‬البعد‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬تصاعد‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تستهدف‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭. ‬ويمكن‭ ‬عرض‭ ‬بعدي‭ ‬حرب‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

1‭. ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭: ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬شركات‭ ‬الاتصالات‭ ‬الحكومية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بدأ‭ ‬يتغير‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬شرعت‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأمريكية‭ ‬الكبرى،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬جوجل‭ ‬ومايكروسوفت‭ ‬وميتا،‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2016‭ ‬و2022‭ ‬حوالي‭ ‬ملياري‭ ‬دولار،‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬بحوالي‭ ‬3‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬إضافي،‭ ‬بحيث‭ ‬يشكل‭ ‬35‭% ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭. ‬

وربما‭ ‬يتسق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬قناعة‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭ ‬بأن‭ ‬تحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬المعلومات‭ ‬السريع،‭ ‬وأن‭ ‬كابلات‭ ‬الإنترنت‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬العصب‭ ‬الجديد‭ ‬للقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والتجارية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الراهن‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬إطلاق‭ ‬بكين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬لطريق‭ ‬الحرير‭ ‬الرقمي،‭ ‬والذي‭ ‬انطوى‭ ‬على‭ ‬استثمارات‭ ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬بغية‭ ‬تحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬للصين‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الرقمي،‭ ‬وتطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬وإنهاء‭ ‬سيطرة‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬أحد‭ ‬أبعاد‭ ‬حروب‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬الحالية‭. ‬

وقد‭ ‬نجحت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬هواوي‭ ‬مارين‮»‬‭ ‬في‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬قرابة‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬للكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عقوبات‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬شركة‭ ‬هواوي‭ ‬الصينية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أفضي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬استحواذ‭ ‬شركة‭ ‬الكابلات‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬هواوي‭ ‬مارين‮»‬‭ ‬وأعادت‭ ‬تسميتها‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ (‬HMN Tech‭)‬،‭ ‬وبدأت‭ ‬تسعى‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬كبيرة‭ ‬للكابلات‭ ‬البحرية‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬عمدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬استبعاد‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬صفقات‭ ‬كبيرة‭. ‬ففي‭ ‬فبراير‭ ‬2023،‭ ‬حصلت‭ ‬شركة‭ ‬SubCom‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬مشروع‭ ‬إنشاء‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬الجديد‭ ‬بقيمة‭ ‬بلغت‭ ‬حوالي‭ ‬600‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬فوز‭ ‬شركة‭ ‬HMN Technologies‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬العقد،‭ ‬فقط‭ ‬مارست‭ ‬واشنطن‭ ‬ضغوطات‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬الاتصالات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تدعم‭ ‬العرض‭ ‬الصيني‭. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬فريق‭ ‬الاتصالات،‭ ‬التابع‭ ‬لوزارة‭ ‬العدل‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يعمل‭ ‬بشكل‭ ‬حثيث‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬حصول‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬عطاءات‭ ‬أو‭ ‬مد‭ ‬كابلات‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭. ‬

كما‭ ‬أطلقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الشبكة‭ ‬النظيفة‮»‬‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لاستقطاب‭ ‬حلفاء‭ ‬واشنطن‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المشاريع‭ ‬الصينية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬منع‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬فاعلاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬حيث‭ ‬يقدر‭ ‬حجم‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬الصين‭ ‬بنحو‭ ‬10%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الكابلات‭ ‬العالمية‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬نجحت‭ ‬الضغوطات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬بإلغاء‭ ‬مشروع‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يربط‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬جزرية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬بهدف‭ ‬تجنب‭ ‬منح‭ ‬شركة‭ (‬HMN Tech‭) ‬الصينية‭ ‬عقد‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬كما‭ ‬أقر‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬قانوناً‭ ‬خاصاً‭ ‬بالتحكم‭ ‬في‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬بغية‭ ‬ضمان‭ ‬استمرار‭ ‬التفوق‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2023‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحركات‭ ‬صينية‭ ‬راهنة‭ ‬لرسم‭ ‬خريطة‭ ‬لإحدى‭ ‬أكثر‭ ‬شبكات‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬تقدماً‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬EMA‭ ‬والذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يربط‭ ‬الصين‭ ‬بأوروبا‭ ‬عبر‭ ‬سنغافورة‭ ‬وباكستان‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المنافسة‭ ‬الراهنة‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬SeaMeWe-6‮»‬‭ ‬الخاص‭ ‬بشركة‭ ‬SubCom‭ ‬الأمريكية‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬لبناء‭ ‬شبكتين‭ ‬متنافستين‭ ‬من‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬آسيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬يعكس‭ ‬مؤشراً‭ ‬مهماً‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬العالمية‭ ‬للإنترنت،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬ومراكز‭ ‬البيانات‭ ‬وشبكات‭ ‬الهواتف،‭ ‬وبلورة‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬أقل‭ ‬اتصالاً،‭ ‬مع‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬بين‭ ‬الكتلتين‭ ‬الشرقية‭ ‬والغربية‭.‬

فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التحركات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لعرقلة‭ ‬التحركات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬السوق‭ ‬العالمي‭ ‬الخاصة‭ ‬بالكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬فإن‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬كابلات‭ ‬دولية‭ ‬لبكين‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬الصينية‭ ‬المنخرطة‭ ‬بالفعل‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬إصلاح‭ ‬معقدة‭ ‬للألياف‭ ‬الضوئية‭ ‬المملوكة‭ ‬حتى‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ما‭ ‬يُصعب‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬مساعي‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬استبعاد‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للإنترنت‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

2‭. ‬تصاعد‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭: ‬أضحت‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تصاعداً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬الهجمات‭ ‬المقصودة‭ ‬وغير‭ ‬المقصودة‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬منها‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬عدة‭ ‬كابلات‭ ‬بحرية‭ ‬جنوب‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬وأكتوبر‭ ‬2022،‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬Zscaler‮»‬‭ ‬للأمن‭ ‬السحابي‭ ‬آنذاك‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬الكابلات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬تتمخض‭ ‬عن‭ ‬الظواهر‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬أو‭ ‬تلف‭ ‬في‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬كالتلف‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بالكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬‮«‬تونجا‮»‬‭ ‬بجنوب‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬بعد‭ ‬ثوان‭ ‬من‭ ‬البركان‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2022‭. ‬

وفي‭ ‬فبراير‭ ‬2023،‭ ‬قطعت‭ ‬السفن‭ ‬الصينية‭ ‬كابلين‭ ‬بحريين‭ ‬تابعين‭ ‬لجزر‭ ‬ماتسو‭ ‬التايوانية،‭ ‬ورغم‭ ‬استمرار‭ ‬عمل‭ ‬نظام‭ ‬الإرسال‭ ‬الاحتياطي‭ ‬بالموجات‭ ‬الدقيقة،‭ ‬فإن‭ ‬الاتصالات‭ ‬كانت‭ ‬بطيئة‭ ‬للغاية،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أغلب‭ ‬مواقع‭ ‬الويب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬عكس‭ ‬بوضوح‭ ‬مدى‭ ‬أهمية‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اعتماد‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المتقدمة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭. ‬

وقد‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬تباطؤ‭ ‬الاتصالات‭ ‬بالإنترنت‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬بعض‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2024،‭ ‬حيث‭ ‬تضررت‭ ‬وقتها‭ ‬ثلاثة‭ ‬كابلات‭ ‬بحرية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬تعد‭ ‬نقطة‭ ‬اختناق‭ ‬للإنترنت‭ ‬والاتصالات،‭ ‬حيث‭ ‬تقدر‭ ‬الاتصالات‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بالبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬بحوالي‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الاتصالات‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬وآسيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لـ‭ ‬17‭% ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الإنترنت‭ ‬العالمية‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬مضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬رصد‭ ‬أي‭ ‬هجمات‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحوثيين‭ ‬ضد‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬تورط‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬قطع‭ ‬بعض‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مرساة‭ ‬السفينة‭ ‬البريطانية‭ ‬‮«‬روبيمار‮»‬،‭ ‬بعدما‭ ‬أصيبت‭ ‬بصاروخ‭ ‬أطلقه‭ ‬الحوثيون‭ ‬عليها‭. ‬

وبالإضافة‭ ‬للاستهدافات‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالاتصالات‭ ‬والإنترنت،‭ ‬ثمة‭ ‬هجمات‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬ببقية‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬كخطوط‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬خطوط‭ ‬‮«‬نورد‭ ‬ستريم‮»‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تعرض‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬‮«‬Balticconnector‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬فنلندا‭ ‬وإستونيا،‭ ‬لأضرار‭ ‬جسيمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الجارية،‭ ‬حذرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬تعرض‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬للخطر،‭ ‬إذ‭ ‬ربما‭ ‬يؤدي‭ ‬النشاط‭ ‬البحري‭ ‬المتزايد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬تصاعد‭ ‬احتمالية‭ ‬قيام‭ ‬السفن‭ ‬بقطع‭ ‬الخطوط‭ ‬البحرية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخطأ،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الاتهامات‭ ‬المتبادلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬بشأن‭ ‬تعمُّد‭ ‬استهداف‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬الحادة‭ ‬حالياً‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والغرب‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬

 

تزايد‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي

ثمة‭ ‬اهتمام‭ ‬دولي‭ ‬متنامٍ‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬حروب‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬ومآلاته‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الحوثيين‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بهجمات‭ ‬فعلية‭ ‬على‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬والذي‭ ‬ربما‭ ‬يعزى‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬التخلف‭ ‬التكنولوجي‭ ‬النسبي‭ ‬للحوثيين‭ ‬وافتقارهم‭ ‬للغواصات‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬للكابلات،‭ ‬فإنه‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استبعاد‭ ‬احتمالية‭ ‬أن‭ ‬يطور‭ ‬الحوثيون‭ ‬من‭ ‬تكتيكاتهم‭ ‬البحرية‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬البحرية‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬طبيعة‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬الضحلة‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬عمقها‭ ‬حوالي‭ ‬100‭ ‬متر‭ ‬فقط،‭ ‬تزداد‭ ‬هذه‭ ‬الاحتمالية‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬غواصات‭ ‬ذات‭ ‬تقنيات‭ ‬عالية‭.‬

وقد‭ ‬أثارت‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬خطوط‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬‮«‬نورد‭ ‬ستريم‮»‬‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق،‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التخوفات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الاستهدافات‭ ‬ضد‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الواسعة‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وما‭ ‬سيتمخض‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تعديل‭ ‬وتخريب‭ ‬محتمل‭. ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬روسيا‭ ‬تعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬استثماراً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬الهجومية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬حيث‭ ‬تمتلك‭ ‬موسكو‭ ‬حالياً‭ ‬أسطولاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الغواصات‭ ‬النووية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬غواصات‭ ‬نووية‭ ‬أصغر‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬أثارت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إشكالية‭ ‬رئيسية‭ ‬تتعلق‭ ‬بمآلات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬والتي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬حروب‭ ‬الكابلات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انقسام‭ ‬الإنترنت‭ ‬إلى‭ ‬نظامين‭ ‬متنافسين،‭ ‬فانفصال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬عن‭ ‬بعضهما‭ ‬بعضاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المعلومات‭ ‬سينطوي‭ ‬على‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬والخدمات‭ ‬المصرفية‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬وأدوات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬

وعلى‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬رجحت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬أن‭ ‬ينطوي‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬صيني‭ ‬محتمل‭ ‬على‭ ‬تايوان‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬على‭ ‬تهديد‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬كابلات‭ ‬الانترنت‭ ‬المحدودة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬تايوان‭ ‬بالعالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فمن‭ ‬شأن‭ ‬استهداف‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عزل‭ ‬الجزيرة‭ ‬جزئياً،‭ ‬وجعل‭ ‬عمليات‭ ‬التنسيق‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭. ‬

لماذا‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬أهدافاً‭ ‬ضعيفة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية؟

كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ % ‬من‭ ‬أعطال‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬تتم‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مقصود،‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المراسي،‭ ‬شباك‭ ‬الصيد،‭ ‬عوامل‭ ‬الطقس‭ ‬ولدغات‭ ‬القروش،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬السفن‭ ‬الغارقة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬مؤخراً‭ ‬أحد‭ ‬مصادر‭ ‬التهديد‭ ‬لهذه‭ ‬الكابلات‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬هناك‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الحوادث‭ ‬غير‭ ‬المقصودة‭ ‬والهجمات‭ ‬الحقيقية،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الغموض‭ ‬وسهولة‭ ‬تنصل‭ ‬المهاجمين‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مسؤولية‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬هناك‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬أخرى‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬سهولة‭ ‬تحديد‭ ‬مواقع‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات،‭ ‬وكذا‭ ‬خطوط‭ ‬الأنابيب،‭ ‬حيث‭ ‬تعمد‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬الإفصاح‭ ‬عن‭ ‬مواقعها‭ ‬بغية‭ ‬تقليل‭ ‬الحوادث‭ ‬البحرية‭. ‬

لذا،‭ ‬فالغموض‭ ‬الذي‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬يجعل‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الموجودة‭ ‬فيها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬أهدافاً‭ ‬مغرية‭ ‬للحروب‭ ‬الهجينة،‭ ‬ويزداد‭ ‬الأمر‭ ‬خطورةً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سهولة‭ ‬عملية‭ ‬استهداف‭ ‬هذه‭ ‬البنية‭ ‬وقدرة‭ ‬أي‭ ‬دولة،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة،‭ ‬وكذا‭ ‬الفواعل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬تهديد‭ ‬مباشر‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬صعوبة‭ ‬إثبات‭ ‬شبهة‭ ‬التعمد‭ ‬في‭ ‬الجاني،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬معروفاً‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬مراقبة‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬مهمة‭ ‬ليست‭ ‬سهلة،‭ ‬فحجم‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬30‭ ‬مرة‭ ‬حال‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬مستقيم،‭ ‬ويقع‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الكابلات‭ ‬على‭ ‬أعماق‭ ‬كبيرة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬8000‭ ‬متر،‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬تحدياً‭ ‬كبيراً‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعماق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬في‭ ‬انفجار‭ ‬الغواصة‭ ‬التجريبية‭ ‬‮«‬تيتان‮»‬‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬3500‭ ‬متر،‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التهديدات‭ ‬المتزايدة‭ ‬للكابلات‭ ‬البحرية،‭ ‬وتحولها‭ ‬لأحد‭ ‬أبعاد‭ ‬الحروب‭ ‬الراهنة‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الحكومات‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬لتأمين‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬وردع‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية،‭ ‬ويمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬أنظمة‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬للمشروعات‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬البداية‭. ‬بالإضافة‭ ‬لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحل‭ ‬القصير‭ ‬المدى‭ ‬هو‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬البحري،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقل‭ ‬احتمالية‭ ‬قيام‭ ‬الجهات‭ ‬المعادية‭ ‬باستهداف‭ ‬الكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬إذا‭ ‬أدركت‭ ‬بأنها‭ ‬مراقبة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار،‭ ‬كالتصوير‭ ‬عبر‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬الفضائية،‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬والمركبات‭ ‬البحرية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التقدم‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والحوسبة‭ ‬الكمومية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬لبناء‭ ‬الأنظمة‭ ‬المرنة‭ ‬وزيادة‭ ‬الوعي‭ ‬البحري‭.‬●

 

عدنان‭ ‬موسى‭  (‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ )‬

المصدر مجلة الجندي