لهذه الأسباب اضطرت أمريكا للتفاوض الجاد مع طالبان

الأحد 25 أغسطس-آب 2019 الساعة 04 صباحاً / مأرب برس- وكالات
عدد القراءات 3626

كشفت المحادثات بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، التي تجري في العاصمة القطرية الدوحة، وجود رغبة من الطرفين -الجانب الأمريكي والحركة- في إنهاء عقود من الصراع والهجمات المسلحة، وسط أنباء تتحدث عن خسائر أمريكية كبيرة في حربها الهادفة إلى القضاء على "طالبان".

 

وفي عام 2001، قادت الولايات المتحدة حرباً على أفغانستان من أجل إنهاء حكم حركة طالبان، وذلك بعد أقل من شهر على هجمات 11 سبتمبر، وحشدت لهذه الحرب جيوشاً من مختلف دول العالم وعلى رأسها قوات حلف الناتو. وبعد مرور أكثر من 18 عاماً على تلك الحرب، أدركت الحكومة الأمريكية أهمية التفاوض مع حركة طالبان والخروج بمعاهدة سلام تضمن للطرفين تحقيق مطالبهما بعيداً عن الصراعات المسلحة.

 

ومنذ عام 2012، تجرى مباحثات سرية بين الطرفين في عدد من دول العالم، منها السعودية والإمارات وباكستان وروسيا، لكن النتائج الأخيرة التي تكللت بالنجاح جاءت من العاصمة القطرية الدوحة.

 

فبعد مرور 8 أشهر على المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطالبان، توافق الطرفان السبت 24 أغسطس على اتفاق تاريخي ينص على إقامة مرحلة انتقالية في أفغانستان مدتها 14 شهراً.

 

وسبق هذا الاتفاق نبرة تفاؤلية من المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي قال في أكثر من مناسبة في معرض تعليقه على المفاوضات إن تقدماً كبيراً جرى في المحادثات مع حركة طالبان بالعاصمة القطرية الدوحة.

 

انسحاب بأقل خسائر

عن ملف المفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة، قال تيسير علوني، المراسل الحربي المخضرم بقناة "الجزيرة" القطرية، في حديث مع "الخليج أونلاين": إن "زلماي خليل زاد يبدو أنه مكلفٌ مهمة محددة، وهي تحقيق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأقل الخسائر السياسية الممكنة، لكن هذا الهدف صعب المنال، ولا بد لواشنطن من الانصياع لمطالب حركة طالبان وتقديم تنازلات جوهرية، على رأسها وضع جدول زمني قصير للانسحاب، مع حد أدنى من التدخل في المستقبل السياسي للبلاد".

 

وأكد علوني، الذي عمل في طاقم القناة بأفغانستان في أثناء الحرب الأمريكية وقبلها، وأجرى مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن وزعيم حركة طالبان الراحل الملا عمر: "لا شك في أن مجريات عملية التفاوض الطويلة تمثل هزيمة مدوية للأمريكيين سياسياً وعسكرياً، فبعد تصنيفهم الحركة بأنها إرهابية ووعيد القادة الأمريكيين بسحقها (تصريحات رامسفيلد وديك تشيني وجورج بوش 2001)، ها هم يُوفدون مبعوثاً خاصاً إلى مقر المكتب السياسي لـ(طالبان) في الدوحة، ليجلس مع هؤلاء (الإرهابيين) ويتفاوض معهم بمستوى الند للند".

 

ورغم مرور نحو 18 عاماً على الإطاحة بحكمها وصرف مبالغ خيالية للقضاء عليها، فإن الحركة صمدت وباتت تسيطر الآن عملياً على نحو 50% من مساحة البلاد وهي توسع سيطرتها يومياً، الأمر الذي دفع واشنطن للتفاوض وتحشيد الجهود في مواجهة الفصائل المتشددة الأخرى.

 

ويتابع علوني: "وإمعاناً في إثبات قوة موقفها، عينت الحركة بالفترة الأخيرة خمسة أعضاء إضافيين في المكتب السياسي، كانوا من معتقلي غوانتنامو (أفرجت عنهم السلطات الأمريكية بموجب صفقة تبادل مقابل أسير أمريكي لدى الحركة)، وبعضهم أعضاء في الوفد المفاوض".

 

ولا شك أيضاً، يضيف الصحفي، في أن "خليل زاد مكلفٌ الخروج بصيغة تحفظ ماء وجه أمريكا بعد عجزها عن تحقيق نصر عسكري على (طالبان)، بحيث تتمكن واشنطن من القول لمواطنيها إننا خرجنا من هذا البلد بعد تأسيس نظام سياسي جديد، أو إننا ببساطة تركنا شيئاً ذا قيمة بعد خروجنا، لذلك يصر خليل زاد على فرض صيغة الحكم في أفغانستان بعد الانسحاب ومستوى مشاركة (طالبان) في هذه الصيغة، لكنه يدرك أنه إذا انسحبت القوات الأجنبية من أفغانستان فسيصبح نظام الحكم شأناً داخلياً يتحكم فيه الأقوى، وهو حركة طالبان".

 

المسار التفاوضي

وعن المفاوضات بوجود أحد كبار قياداتها، أكد الصحفي والمراسل الحربي، خلال حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن "المسار التفاوضي الحالي مرشح للاستمرار وربما لتحقيق نتائج حقيقية، بسبب إدراك الأمريكيين أن وجودهم في أفغانستان أصبح عبئاً ثقيلاً مع نزف الدماء والموارد المستمر (يقال إن تكلفة التدخل الأمريكي بلغت حتى الآن ما يزيد على تريليون دولار مع نحو 4 آلاف قتيل أجنبي وعشرات الألوف من الجرحى والمعاقين)، وأيضاً بسبب عقلية (الرئيس الأمريكي) ترامب التجارية التي يحسب من خلالها الأرباح والخسائر الآنية بغض النظر عن الأهداف الاستراتيجية".

 

ويتابع قائلاً: "اتضح له (ترامب) أنّ تدخل بلاده في أفغانستان كان خاسراً. والسبب الآخر يعود ربما، إلى تعيين أحد قادة الحركة التاريخيين، وهو الملا عبد الغني برادر في منصب نائب قائد الحركة للشؤون السياسية ورئيساً لمكتبها السياسي في الدوحة، ونظراً إلى موقعه القيادي المتميز، أدرك زلماي خليل زاد أن الحركة جادة في التفاوض، وأنه يمكن تحقيق نتائج كبيرة، لأن الملا برادر صاحب قرار حقيقي، وقد لا يكون بحاجة إلى استشارة قيادته في كل القرارات التي يتخذها".

 

وحديث علوني عن رئاسة وفد الحركة التفاوضي أكدته أيضاً صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية، في مقال للكاتبة إيما هاريسون، قالت فيه إن رئاسة الملا برادر وفد التفاوض مع واشنطن سيجعل بمقدوره اتخاذ قرارات سريعة من دون الاضطرار إلى العودة للقيادات الأخرى في "طالبان"، خاصة أنه عُرف من قبل بجنوحه إلى التوصل لحل سلمي للحرب، قبل اعتقاله عام 2010 في باكستان.

 

واستطرد علوني بالقول: "من المعروف أن الملا برادر اعتقلته السلطات الباكستانية بطلب أمريكي منذ عام 2010 وأفرجت عنه في أكتوبر عام 2018 بطلب من خليل زاد نفسه بعد ضغوط من الحركة، وشغل مناصب متقدمة، في أثناء حكم طالبان بين عامي 1996 - 2001، وكان مقرباً من زعيم الحركة الراحل الملا محمد عمر".

 

وتعتبر هاريسون أن تعيين الملا عبد الغني برادر في قيادة وفد التفاوض يؤشر على مدى جدية "طالبان" في المفاوضات الساعية إلى إنهاء واحدة من أطول الحروب الحديثة بالعالم.

 

ورغم وجود نحو 9 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان، فإن هذه القوة ليست مصدر التهديد الوحيد لـ"طالبان"، التي تواجه أيضاً صعود تنظيمٍ أكثر تشدداً منها، وهو تنظيم داعش في أفغانستان.

 

الخبير في الشؤون الدولية علي باكير يرى أنه "من الصعب القول إن الاتفاق سينجح أو يفشل دون اختبار، وأعتقد أنه سيكون له أنصار كما له أعداء أيضاً".

 

ويضيف باكير في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "مؤخراً، روسيا وإيران كانتا تتواصلان مع (طالبان) لتعزيز نفوذهما في أفغانستان تحت ذريعة محاربة داعش (..)، الحكومة الأفغانية والقوات الحكومية ستكونان في وضع صعب ما لم يتم تأمين الاتفاق بينهما وبين (طالبان) لاحقاً".

 

وعن سعي واشنطن للانسحاب في هذا الوقت بالتحديد، قال باكير: "أعتقد أن الإدارة الأمريكية تريد الخروج من أفغانستان، لكنها لم تجد الفرصة المناسبة. هذا الاتفاق قد يساعد على ترتيب الأمور، خاصّة أنّه بإمكان الطرفين؛ أمريكا و(طالبان)، الاتفاق على عدو مشترك (داعش)، ومن ثم من هذه الجهة يلبي الاتفاق حاجة واشنطن ويلبي كذلك حاجة (طالبان) لخروج القوات الأمريكية"، وقد تظهر معوقات أخرى؛ إقليمية ودولية، خلال تطبيق الاتفاق فعلياً على أرض الواقع.

 

في حين يرى علوني أن "المعوق الرئيس لنجاح هذه المفاوضات قد يكون تعنت خليل زاد، الذي يحاول أن يحقق على طاولة التفاوض ما عجزت قوات بلاده عن تحقيقه في الميدان، ومفاوضو (طالبان) يدركون هذه النقطة جيداً، ومن المستبعد أن يقدموا له تنازلات جوهرية من قبيل التفاوض المباشر مع الحكومة، لأن ذلك يمثل اعترافاً بالحكومة؛ ومن ثم اعترافاً بالاحتلال نفسه، وهذا من الخطوط الحمراء لدى الحركة".

 

وعن موافقة الطرفين على التفاوض، في هذه الفترة تحديداً، يقول علوني: "الطرفان أدركا منذ فترة طويلة، ضرورة إنهاء الحرب، ومن الجانب الأمريكي تنبع الضرورة من تزايد الخسائر الأمريكية واستمرار عمليات (طالبان) التي تستهدف جيش الحكومة وأجهزتها الأمنية وكذلك القوات الأجنبية، ومعروف أن أي جيش يحارب خارج بلاده يحتاج إلى موارد ضخمة تشكل عبئاً مالياً كبيراً، بالإضافة إلى ثقل الخسائر البشرية واستمرارها".

 

ويتابع علوني قائلاً: "من جانب (طالبان)، فما يهم الحركة هو التخلص من الاحتلال، وإيقاف الفظاعات التي ترتكبها القوات الأمريكية والأجنبية وطيرانها ضد المدنيين، بالإضافة إلى إدراكها ضرورة إقامة حكم رشيد يلبي احتياجات البلاد ويحقق كرامة مواطنيها، لذلك اختارت في وقت مبكر، التجاوب مع أطروحات السلام، لكن دون التنازل عن الثوابت المتعلقة بخروج جميع القوات الأجنبية من البلاد، وترك الحرية للأفغان في اختيار من يحكمهم خارج أي تأثير أجنبي".

 

وعلى الرغم من وجود أكبر عدد على الإطلاق من القوات الأجنبية في تاريخ البلد استطاعت "طالبان" توسيع نطاق نفوذها على نحو مطرد، وهو ما جعل مساحات شاسعة من أفغانستان غير آمنة وعاد العنف في البلاد إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2001. في حين أعطى اعتماد الحركة، خلال السنوات القليلة الماضية، على تفجير عبوات ناسفة على جوانب الطرق، باعتبار ذلك سبيلاً لمحاربة "الناتو" والقوات الأفغانية، زخماً لدفع واشنطن للتفاوض والحوار.

 

وتضمنت الصفقة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إعلان حركة طالبان "تخلّيها عن الجماعات الإرهابية العالمية". وتتضمّن أيضاً تعهّد الحركة بـ"عدم استخدام أفغانستان منطلقاً للهجمات على الولايات المتحدة"، مقابل وقف الولايات المتحدة إطلاق النار، وتحديد جدول زمني للانسحاب من أفغانستان، مضيفة أن الطرفين يضعان اللمسات الأخيرة على الصفقة.

 

وهذا التطور اللافت في المفاوضات جاء بعد أيام من تهديد حركة طالبان بالانسحاب من محادثات السلام الأفغانية، إذا رفضت أمريكا مناقشة انسحاب القوات الأجنبية من البلاد