محاكم الموت الجماعي.. قصة (1825) يوماً من الاعتقال إلى القتل في سجون الحوثيين 

الجمعة 12 يوليو-تموز 2019 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس- اخبار اليوم
عدد القراءات 3484


كانت الأرض فرشهم، وآهات ألمهم لحافهم الذي يقيهم قرصة البرد، في أيامهم التي لا تعرف النور، متنفسهم عذاب جلادهم، وبلسم جراحهم رنين أسواط تلسع أجسادهم. 
من خلف تلك الجداران التي ازدان متانة بفضل رواسبها، لاشى ينشل بصيص آمالهم المبعثرة في تلك البقعة، إلى شبح ذكرى يطاردوها عسى أن تمكنهم من سماع دموع أطفالهم، أو صراخ زوجاتهم، أو حتى اقتباس جزء من دعاء أمهاتهم. 
قصة 1825 يوماً من الاعتقال القسري لـ (30) معتقلاً من المثقفين والأكاديميين وأساتذة الجامعات والناشطين والحقوقيين، تكللت بالموت المعلن، من قبل جماعة لا تعترف إلا به، ضد كل من يعارض وجوده في شمال اليمن.. يقول مراقبون. 
محكمة لا ولاية لها 
صباح الثلاثاء 9/ 7/2019 أصدرت ‏المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين في صنعاء، حكماَ بإعدام 30 مختطفاً في سجون الجماعة في القضية المعروفة بقضية الـ36.. 
المعلومات الواردة من هيئة دفاع المختطفين أكدت الحكم بحق 30 مختطفاً، من بينهم أستاذ اللسانيات في جامعة صنعاء الدكتور/ يوسف البواب، و29 آخرين، فيما حكمت ببراءة 6 مختطفين. 
وبحسب هيئة دفاع المختطفين" جاء حكم البراءة لستة من المختطفين تحت الضغط والإحراج، بعد أن قدمنا إثباتات أنهم مختطفون من عام 2015، فيما التهم الموجهة إليهم ارتكبت عام 2016 وهم داخل السجن.. 
وشملت أحكام الإعدام، التالية أسمائهم: 
نبيل علي راشد العنسي، عبدالله علي حسين المسوري، صدام حسين الروحاني، يوسف صالح علي البواب، عبدالعزيز أحمد محمد الحكمي، عثمان عبده حزام النويره، صدام محمد محمد علي دخان، محمد صالح أحمد مياس، حسام عبد الولي المعلمي، محمد عبدالوهاب محمد الحداد، همدان محمد محمد الضيفي، محمد يحيى محمد العكيري، نصر محمد السلامي، سعد حسن محمد النزيلي، وليد قاسم الزين، خالد داوود النهاري، معاذ أحمد عبد الوهاب نعمان، قابوس يوسف حيدر الشامي، يونس سنان قائد الجرادي، محمد عبده علي الرياشي، محمد ابراهيم الاهدل، رائد محمد الرميش، يوسف الحوري، ماجد صالح أحمد، عزام عبدالغني الضبيبي، مفضل محمد ادهم الشرفي، عبدالله محمد غالب، يوسف احمد ناصر الكميم، محمد حزام احمد اليمني، رأفت أمين الحميري. 
وشملت أحكام البراءة التالية أسمائهم: 
محمد الشيبري، محمد عشال، بشير فرحان، نجم الدين الذيب، عبدالله عبدالباسط الشامي، محمد الجوفي.. 
يقول ناشطون حقوقيون إن جميع من صدر بحقهم أحكام البراءة والإعدام هم نشطاء وقيادات تابعة لحزب الإصلاح اختطفتهم جماعة الحوثي الانقلابية - قبل سنوات من منازل والطرقات ومقار أعمالهم، و أودعتهم في سجونها. 
إلى ذلك أصدرت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين في صنعاء، الثلاثاء، حكماً بتأييد التهم المنسوبة لأسماء العميسي 23 عاماً والمخفية في سجون الحوثيين منذ أربع سنوات. 
وقالت مصادر حقوقية إن محكمة الاستئناف الخاضعة للحوثيين، أيدت الحكم الابتدائي الصادر بحق العميسي، وخففته من الإعدام إلى السجن 15 سنة. 
وبحسب حقوقيين، وقانونيين، تعد محاكمة المختطفين الـ36 الذين أخضعتهم الجماعة الانقلابية الحوثية لمحاكمات هزلية، وأصدرت بحقهم قرار الإعدام، بتهم ملفقة وغير واضحة ضرباً، صادرة من محكمة لا ولاية لها، ولا تتمتع بأي وجاهة قانونية. 
وفي تصريحات صحفية رصدتها صحيفة أخبار اليوم، يرى الخبير القانوني اليمني/ عبد الرحمن برمان، أن الحكم الذي أًصدرته المحكمة الجزائية في صنعاء منعدم من الناحية القانونية، باعتباره صادراً من محكمة سبق أن أصدر مجلس القضاء الأعلى ( أعلى سلطة قضائية باليمن) قراراً بنقل صلاحياتها إلى المحكمة الجزائية في محافظة مأرب، شرقي البلاد، وأنه بناء على ما سبق، فإن الحكم صدر من محكمة لا ولاية لها، ولا أساس قانوني له. 
وبحسب برمان، فإن الجماعة الحوثية تسعى- من خلال الأحكام القضائية- أن تظهر نفسها كدولة، لكنها تناست الأسلوب الهمجي الذي تدير به المحاكمات، حيث تم اعتقال المحامين داخل الجلسات، وتعرّض المعتقلون لاعتداءات، ومحاكمة بعضهم غيابياً مثل الأكاديمي/ يوسف البواب، حيث تم استبعاده من حضور الجلسات؛ بسبب جرأته وقوة حجته أمام القاضي. 
وأشار إلى أنه لم تتوفر حتى أدنى وأبسط قواعد المحاكمة العادلة، لذلك فإن ما جرى هو عبارة عن محاكمات سياسية لأكاديميين وناشطين سياسيين ودعاة وطلاب اختطفوا من منازلهم ومن الأسواق ومن مساجدهم في صنعاء. 
وذكر المستشار القانوني اليمني أن الحوثيين يريدون تحقيق مكاسب سياسية من خلال هذه المحاكمات، وإصدار أحكام إعدام لعدد كبير من المعتقلين؛ حتى يتمكنوا من المقايضة في حال أي مفاوضات سياسية. 
هذا وكانت القائمة التي أصدرت جماعة الحوثي الحكم بإعدامهم ضمن 1200 شخصاً من أسرى الجماعة، التي كان من المقرر الإفراج عنهم بعد اجتماع جرى في عمان في شباط فبراير الماضي بين أطراف النزاع في اليمن بشأن تبادل الأسرى، إلا أن مليشيات الحوثي قررت المضي قدماً في محاكمتهم وصولاً إلى إصدار الأحكام المذكورة بحقهم. 
ولم يعد حكم إعدام 30 ناشطاً سياسياً معتقلاً لدى الحوثيين هو الأول من نوعه، بل سبقه أحكام مماثلة، منها ما صدر في أيلول سبتمبر، وأيار مايو، ونيسان أبريل من عام 2018، حيث قضت المحكمة ذاتها بإعدام 14 شخصاً بتهم التخابر وإعانة التحالف الذي تقوده السعودية، والاشتراك بعصابات مسلحة تابعة لتنظيمي القاعدة وتنظيم الدولة في محافظة البيضاء، وسط البلاد. 
إدانات محلية ودولية

توالت الإدانات المحلية والدولية على الأحكام الجائرة التي أصدرتها جماعة الحوثي الانقلابية بحق 30 مختطفا لديها على المستوى المحلي والدولي. 
وفي أول ردة فعل حكومي أدانت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بأشد العبارات الأحكام التي أصدرتها جماعة الحوثي بإعدام 30 مختطفاً لديها منذ ثلاث سنوات. 
وأشارت الوزارة- في بيان لها- إلى أن الأحكام جاءت بعد أن مارست ضدهم أساليب تعذيب وحشية نفسياً وجسدياً لتنهي ذلك بهذه المحاكمة الصورية الهزلية من قبل محكمة منعدمة الولاية، بحسب قرار مجلس القضاء الأعلى. 
وأعربت أحزاب التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية، وقوى يمنية مؤيدة للشرعية الأربعاء، عن قلقها البالغ، إزاء الحكم الذي أصدرته المحكمة الخاضعة لجماعة الحوثي الانقلابية ضد 30 معتقلاً وقضى بالإعدام. 
واعتبر بيان صادر عن التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية، والذي يضم أبرز الأحزاب المؤيدة للشرعية، أن القرارات الصادرة عن ما وصفها بـمحكمة مليشيات الحوثي المتمردة على الدستور والقانون، لا شرعية لها لكونها صادرة عن محكمة صدر قرار جمهوري بنقلها إلى العاصمة المؤقتة عدن. 
وفي ذات الاتجاه- وفي بيان عاجل صدر عقب حكم الجماعة الحوثي- أدانت رابطة أمهات المختطفين أحكام المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين. 
البيان قال إنه لم يكتفِ الحوثيون بمحاكمتهم محاكمة باطلة وهزلية لأكثر من عامين واختطافهم منذ ثلاث سنوات، بل تعرضوا للإخفاء القسري لعدة أشهر تعرضوا خلالها لأساليب وحشية من التعذيب النفسي والجسدي من ضمنها الصعق بالكهرباء والتعليق والضرب المبرح ونزع الأظافر وإدخال الإبر تحت الأظافر وربط الأعضاء التناسلية بالبوابات وإجبارهم على التعري الكامل وشرب مياه المجاري. 
مؤسسة "الشموع" بدورها قالت إن أحكام الإعدام من قبل جماعة الحوثي الانقلابية استغلال للقضاء المختطف من قبل الانقلابيين لاستهداف الخصوم السياسيين. 
دولي 
على الصعيد الدولي قالت منظمة العفو الدولية، إن أحكام الإعدام التي صدرت عن المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للجماعة الانقلابية في صنعاء، بحق ثلاثين أكاديمياً ومعارضاً سياسياً ما هي إلا استهزاءٌ بالعدالة وتأكيد على تحول القضاء إلى أداة للقمع بدلاً من تطبيق للعدالة. 
وطالبت المنظمة، سلطات الأمر التابعة للحوثيين (غير معترف بها) بإلغاء تلك الأحكام الجائرة وإطلاق سراحهم على الفور. 
وفي السياق ذاته، أدانت منظمة "سام" للحقوق والحريات الحكم الصادر من المحكمة التابعة للحوثيين. 
وقالت "سام" ومقرها جنيف، في بيان لها، إن الحكم الذي أصدرته المحكمة التابعة للحوثيين هو حكم منعدم قانونا، كونه صادراً عن محكمة فقدت صفتها القضائية بموجب قرار صادر عن مجلس القضاء الأعلى، فضلاً عن الإخلال بمبادئ المحاكمة العادلة. 
وأكدت المنظمة أنها رصدت مخالفات جسيمة أثناء جلسات المحاكمة المزعومة، تمثلت في انتهاك أبسط القواعد القضائية الضامنة لنزاهة المحاكمة، وحق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم، وتهديد واعتقال محاميهم داخل جلسات المحكمة، ورفض تسجيل طلباتهم، فضلاً عن الاستجابة لها، وتعذيب المتهمين خلال فترة المحاكمة، بل وفي القاعات المجاورة لقاعة المحكمة وأثناء انعقاد الجلسات. 
ووفقاً للمنظمة، فإن الأحكام الصادرة عن محاكم مليشيا الحوثي هي أحكام لا قيمة لها، بل إنها تشكل جنايات في سجل أصحابها من منتحلي الصفات الرسمية للقضاة وأعضاء ورؤساء النيابة وغيرهم من الجناة. 
وسارعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، بإدانة أحكام الإعدام الجماعية الصادرة ضد معارضيها السياسيين. 
وأكدت المنظمة، الأربعاء، أن هذه الأحكام تعسفية ومبنية على اعترافات انتزعت تحت التعذيب، مطالبة المجتمع الدولي للضغط على جماعة الحوثي لإلغاء هذه الأحكام وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى كافة لدى مختلف الأطراف، والالتزام بالتفاهمات التي تمت مؤخرا للتخفيف من حدة الصراع . 
وأضافت هذه أحكام باطلة والإقدام على تنفيذها يجعلها جريمة قتل عمد خارج إطار القانون، والمحاكمات التي أجريت ما هي إلا إجراء عبثي لا يتصل بالقضاء، وجريمة جديدة تضاف لسجل الحوثيين في اليمن. 
الخلاصة 
عندما تدخل السياسة من الباب، تخرج العدالة المختلة لجماعة الحوثي الانقلابية من المدخنة. 
كل ذلك في ظل عجز الحكومة الشرعية في إثبات شرعيتها القضائية والقانونية، التي ساهمت في محاولة جماعة الحوثي الانقلابية شرعنة سلطتها القضائية، واستخدامها في قمع خصومها السياسيين وكل معارض لسياستها في شمال اليمن. 
يستغرب حقوقيون وقانونيون من صمت الحكومة الشرعية، والتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، إزاء جماعة الحوثي الانقلابية التي تنتحل الصفة الرسمية للقضاء باليمن، وتسعى إلى توظيف القضاء من أجل حساباتها السياسية، لضرب كل المنظوين تحت مظلة الحكومة الشرعية ومحاكمتهم، مع أن العكس هو الصحيح، فالمخول الرئيسي في هذه المعادلة هي الحكومة الشرعية بمحاكمة قادة الانقلاب على السلطات الشرعية. 
ففي آذار مارس عام 2017، قضت المحكمة الجنائية الخاضعة لسلطات الانقلاب بإعدام الرئيس اليمني/ عبدربه منصور هادي، وستة من كبار معاونيه غيابياً، بتهمة الخيانة وانتحاله صفة رئيس الجمهورية منذ 21 شباط فبراير 2015، والقائمة تطول لأعضاء مجلس النواب، وقيادات بعض الأحزاب المؤيدة للحكومة الشرعية. 
في المقابل هذا الانحراف القضائي والقانوني لم تقدم الحكومة الشرعية الملزمة طبقاً للدستور اليمني، أي من قيادات الانقلاب على السلطات الشرعية في أيلول سبتمبر 2014، لأي محاكمة قانونية، جراء انتهاكاتهم القانونية على الدولة اليمنية، والسطو على مؤسساتها. 
وينوه الحقوقيون بأن التغاضي عن تفعيل المؤسسة القضائية، من قبل الحكومة الشرعية المسؤول الأول أمام الشعب اليمني، وعدم تقديم أي قيادات الانقلاب على السلطات الشرعية، للمحاكمات القانونية جريمة في حد ذاته توجب محاكمة المسئولين عن ذلك، حتى وإن وجدت العراقيل الدولية وإقليمية الساعية إلى عدم تفعيل مؤسسات الدولة اليمنية، والتي من ضمنها السلطة القضائية، كما هو الحال في السلطة التشريعية التي لازال تمنع من إقامة جلساتها في العاصمة المؤقتة عدن. 
في الأخير يبدو أن التجربة القضائية الحوثية، تقترب من تجربة الجماعة المتطرفة داعش وتنظيم القاعدة الإرهابيين، فجميعهم يجتمعون في نقطة منح الموت الجماعي، لكل خصم سياسي أو ديني لهم، خارج أطر النظام الإسلامي والإنساني والقانوني، يقول يمنيون.
 

 
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن