قصة رحالة ألماني مولع بتصوير المدن ولغز مقتله باليمن

الجمعة 19 إبريل-نيسان 2019 الساعة 10 صباحاً / مأرب برس-الإقتصادية السعودية
عدد القراءات 3901

 

هناك رحالة ليست لهم أهداف من وراء تطوافهم ورحلاتهم سوى حب الترحال والاستكشاف والمغامرة، فهم يعشقون الأسفار، والتعرف على المجتمعات الجديدة والغريبة. ويقال إن بورخارت من هذا النوع.
ولد هيرمان بورخارت عام 1857 لعائلة تجارية في برلين، وساعد والده في أعماله التجارية. وبعد وفاة والده الذي ترك ميراثا لا بأس به قرر بورخارت، وكان مولعا بالتصوير، أن يتفرغ لهوايته في الرحلات والاستكشاف والتصوير، فدرس اللغة العربية ولغات أخرى في قسم اللغات الشرقية في كلية برلين عام 1891، ثم بدأ تطوافه في أنحاء إفريقيا وآسيا في رحلات عديدة متتابعة لم تتوقف إلا بمقتله الغامض في اليمن. وكان قد خطط للسفر مع صديقه الرحالة روبرت ليركو إلى أستراليا وتسمانيا ونيوزلندا.

رحلاته
كانت أولى رحلاته الاستكشافية تلك التي قام بها إلى واحة سيوة في مصر عام 1893، ومذكراته عن هذه الرحلة لا تزال مفقودة حتى اليوم، إلا أن 50 صورة التقطها لمسار الرحلة ولواحة سيوة محفوظة.
استقر لاحقا في دمشق لبضع سنوات لتكون القاعدة التي ينطلق منها إلى رحلاته، واتخذ له خادما ورفيقا من أهلها يقال له أبو إبراهيم وقد صاحبه لسنوات عديدة. تجول في سورية، كما سافر إلى المغرب وأقام في مدينة طنجة، وجاب مناطق عديدة في إفريقيا، كما سافر إلى آسيا الوسطى وزار سمرقند ومناطق أخرى، وجاب بلاد الرافدين، وبلاد فارس. وزار اليمن ومكث فيها سنة كاملة واختلط بيهود اليمن والتقط لهم صورا نادرة هي الأولى من نوعها في التاريخ، ودرس حياتهم وكتب عنهم دراسة معروفة. وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 1903 وحتى نيسان (أبريل) من عام 1904 قام برحلة عبر الخليج العربي من البصرة إلى مسقط، استمرت 100 يوم، وهي الرحلة التي ألف عنها انجريث نيبا وبيتر هربسترويت كتابا صدر بالألمانية عام 2006، وترجم إلى العربية وصدر عام 1430هـ / 2009 عن المجمع الثقافي. وكانت إقامته في بعض المواضع التي مر بها قصيرة، وفي بعضها أقام أكثر من أسبوع، ومن المدن التي مكث فيها وتجول حولها مدينة الهفوف السعودية، والتقط لها وبعض الأماكن حولها كجبل القارة صورا نادرة.
تقول الدكتورة إنجريد بفلوجر شندلبك إن هيرمان بورخارت كرس حياته للاتصال بالبلدان الإسلامية في جزيرة العرب والشرق الأدنى والأوسط، وقام منذ عام 1893 وحتى مقتله في اليمن في عام 1909 بعدد لا يحصى من الرحلات إلى شمال إفريقيا، وجزيرة العرب، وبلاد الرافدين، وأواسط آسيا. ويذكر الدكتور أحمد أيبش أن رحلات بورخارت استمرت 16 عاما، وأنه لم يكن مهتما بالسياسة ولا الاقتصاد، ولا المشاريع الاستعمارية أو الاستيطان الأوروبي في المشرق، وأنه نادر بين الرحالة الأوروبيين لأنه محايد. على أن بورخارت نفسه يقول في مقالة منشورة له عام 1906: "ما من عربي صدقني بأنني أسافر من أجل المتعة، ففي نظرهم لا يسافر الواحد منا إلا لغاية كسب المال، أو لأجل التجسس على بلدهم". وكان خادمه أبو إبراهيم يجاوب عنه أحيانا إذا ما طرحت عليه أسئلة من هذا النوع؛ حول أهداف رحلاته، وتمويله، مذكرا سائليه بالرحالة العرب الذين لم يكن لهم هدف من وراء ترحالهم سوى حب الاستكشاف مثل الإدريسي، وابن بطوطة، وابن خلدون. كما قدمه لهم باسم يوسف أفندي.

آثاره العلمية
اعتنى بورخارت خلال رحلاته بجمع الأساطير والفولكلور الشعبي للمناطق التي زارها. وكتب مجموعة من المقالات في المجلات الإثنوغرافية التي تهتم بوصف الأعراق البشرية ودراسة أسلوب حياة الشعوب. وكتب مقالات عن يهود اليمن، ويهود فارس. وأثناء إقامته في ألمانيا حاضر في جمعية برلين الجغرافية، ونشرت محاضراته جزئيا في مجلة الجمعية. وفي شباط (فبراير) من عام 1906 ألقى محاضرة أمام الجمعية الجغرافية في برلين عن رحلته عبر الخليج العربي.
وقد نشرت رحلته إلى اليمن عام 1926، وقام بنشرها أويجن ميتفوخ في لايبتسيك بالتعاون مع جمعية الاستشراق الألمانية ومؤسسة بروكهاوس. وكان ميتفوخ هو الذي تولى تقييم أوراق بورخارت بعد وفاته، وقد عثر لاحقا على صناديق في مديرية السجل الوطني في القدس على إرث بورخارت ويتضمن يومياته، ورسائله، وقوائم عناوين الصور.

مجموعة الصور
التقط بورخارت خلال رحلاته آلاف الصور للشخصيات والأماكن والنقوش والكتابات، وكانت محفوظة لديه، وبعد وفاته تبرع ابن أخته ماكس جينزبرج بألفي صورة منها إلى متحف برلين الإثنوغرافي عام 1911. وتتميز هذه الصور بنقائها وجودتها، كما تعد الصور التي التقطها لمنطقة الخليج العربي من أقدم الصور الملتقطة لهذه المنطقة. وما يميز هذه الصور أن بعضها لأماكن لم يزرها الأوروبيون من قبل. ومعظم هذه الصور تم تأريخها وتحديد موقعها الجغرافي. والصور المرفقة مع هذه المقالة كلها من مجموعة بورخارت التي التقطها.
وما يؤسف له أن هناك صورا مهمة لم يتم العثور عليها حتى الآن منها صورة للعرضة النجدية التي قام بها العقيلات بين العقير والهفوف، وصور للحياة البدوية في المنطقة الشرقية من السعودية.
قام بورخارت بآخر رحلاته إلى اليمن، وفي كانون الأول (ديسمبر) من عام 1909 وبينما كان يرافق القنصل الإيطالي إلى مدينة صنعاء عبر تعز هجم عليهم مجموعة من قطاع الطرق وقتلوهما، ويقال إن السرقة هي الدافع لذلك، بينما يرى آخرون أن القتل كان خطأ وأن المراد قتله شخص آخر. وهناك من يتهم بعض يهود صنعاء أنهم وراء قتله.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن