ثلاثة قطاعات حيوية قد تقود الاقتصاد الإماراتي إلى الهاوية

الثلاثاء 08 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 02 صباحاً / مأرب برس - وكالات
عدد القراءات 2651

 

دائما ما نتحدث عن الإمارات باعتبارها أكثر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث التنوع الاقتصادي، إذ تمتلك قطاعات اقتصادية قوية تعول عليها بعيدًا عن القطاع النفطي؛ وأن كثيرًا من المراقبين يستبعدون احتمالية وقوع الإمارات في أزمات مالية جراء هبوط أسعار النفط أو على الأقل لن تسقط في الأزمة أولاً، مما أثار مخاوف من تكرار الأزمة المالية الخانقة التي تعرضت لها دبي عام 2009.

ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 أعلنت حكومة دبي عجزها عن سداد الديون المترتبة على شركتي «دبي العالمية» و«النخيل» وطلبت من الدائنين منحهما مهلة جديدة للسداد، وهو الأمر الذي كان بمثابة إعلان إفلاس آنذاك، إذ أثار موجة عالمية من التساؤلات حول حجم الأزمة المالية التي تعانيها الإمارة الفقيرة بالنفط، والتي تعتمد على قطاعات أخرى مثل السياحة والعقارات، ووصلت نسبة مساهمة هذه القطاعات من الناتج الوطني إلى 95% إبان الأزمة بحسب ما أورده تقرير لموقع "ساسة بوست".

وما تسبب في الأزمة؛ أن دبي أنشأت مشاريع ضخمة جرى تمويلها عن طريق القروض، ومع اشتعال الأزمة المالية العالمية في 2008 وجدت الإمارة نفسها في مأزق لأن أغلب مشاريعها القائمة في ذلك الحين، كانت بحاجة إلى تمويل على المدى القصير، وفي ظل الأزمة فشلت الحكومة في الحصول على تمويل، لكن بعض الأموال التي تلقتها دبي من حكومة أبوظبي منذ بداية 2009، منعتها من السقوط في فخ الإفلاس.

فمع تزايد وتيرة الأزمة ووجود آلاف العمال العالقين في دبي والذين لا يستطيعون السفر وسط خسائر الموظفين من الدول الغربية وظائفهم، وكذلك تكبد المستثمرين في القطاع العقاري خسائر فادحة، تدخلت أبوظبي في اللحظة الأخيرة، لإنقاذ جارتها من الإفلاس المحقق، وذلك عبر ضخ مساعدات بقيمة 10 مليار دولار، ليصل إجمالي دعم أبوظبي نحو 20 مليار دولار خلال هذه الأزمة، وهو الأمر الذي مكن دبي في النهاية من النجاة من هذه الورطة الكبيرة، لكن هل الوضع الآن يسمح بتكرار مثل هذه الأزمة؟ وهل أبوظبي قادرة على القيام بدور المنقذ مرة أخرى؟

في الواقع يصعُب تكرار الأزمة بالملامح السابقة نفسها، فاقتصاد دبي تمكن من العودة خلال السنوات الماضية، ونما بواقع الثلث منذ ذلك الحين بدعم من التجارة الخارجية والسياحة ووضع الإمارة التي تعد مركزًا رئيسيًا لخدمات الأعمال في المنطقة، ولكن هل يعني ذلك أننا لن نشهد أزمة في الأفق؟

في الواقع ربما تكون الأزمة القادمة أكبر من السابقة، إذ لن تعاني منها دبي فقط، ولكن عموم الإمارات معرضة لأزمة مالية بسبب مشاكل متفاقمة في القطاعات التي كانت تميزها في الأصل عن باقي جيرانها في الخليج، كما أن هبوط أسعار النفط سيجعل أبوظبي -الغنية بالنفط- عاجزة عن إنقاذ دبي بل إن الأزمة لن تكون بعيدة عنها، إذ أن المشاكل في القطاعات التي سنتحدث عنها تشمل الدولة كلها.

وبالطبع لن نتحدث عن القطاع النفطي باعتباره يشكل أزمة للدول المنتجة للنفط بشكل عام منذ هبوطه في منتصف 2014، لكن سنتحدث عن قطاعات ظلت لفترة طويلة داعمًا أساسيًا لاقتصاد الإمارات عمومًا ودبي خصوصًا في وقت كانت تعاني باقي دول الخليج بسبب النفط، لكن هذه القطاعات باتت تعاني أزمات اقتصادية أو تقترب من الدخول في أزمة مما قد يقود اقتصاد الإمارات نحو الهاوية، وهو الأمر الذي بات ممكنًا بالنظر إلى الوضع العام والسوابق التاريخية.

قطاع العقارات

يعتبر القطاع العقاري في الإمارات محركًا رئيسيًا للنشاط الاقتصادي، ويحظى باهتمام خاص من حكومة إمارة دبي تحديدًا، لكنه أيضًا أحد أكثر القطاعات التي تتأثر بالمناخ الاقتصادي العام في دبي؛ لأنه يتشابك مع الكثير من القطاعات كونه يعتمد على النسبة الأعلى من التمويل في المنطقة، وبشكل عام لا يعيش القطاع العقاري في دبي أفضل أيامه، وذلك بعد أن أنهى 2017 متراجعًا بشكل ملحوظ للعام الثالث على التوالي.

فلقد كشف تقرير صدر مؤخرًا عن مصرف الإمارات المركزي أن أسعار العقارات السكنية في دبي، هوت بمقدار 7.4% عنها قبل عام في الربع الثالث من 2018، ليتسارع معدل الانخفاض الذي بلغ 5.8% في الربع الثاني، بينما هبطت أسعار العقارات السكنية في أبوظبي بنسبة 6.1% على أساس سنوي في الربع الثالث، بعد انخفاضها 6.9% في الربع الثاني.

ويمكن القول بأن الطلب على العقار يأتي في الأغلب من أصحاب الياقات البيضاء الذين يشترون مساكن في البلاد التي يشغل الأجانب معظم الوظائف فيها، إلا أن تقرير «المركزي» قال إن إجمالي التوظيف نما بمقدار 0.6% فقط على أساس سنوي في الربع الثالث، وهي نسبة ضئيلة جدًا وتعد أبطأ معدل خلال أكثر من أربع سنوات، وهو الأمر الذي يجعل التوقعات المستقبلية للقطاع العقاري قاتمة كثيرًا.

على الجانب الآخر لا يختلف وضع القطاع في سوق مال دبي عن واقعه، إذ تراجع بواقع 25% منذ بداية العام الجاري، كما هو واضح بالمؤشرات التالية:

ولا يمكن إهمال تأثير الاتهامات التي زادت مؤخرًا؛ حول استخدام سوق العقارات في الإمارات خلال السنوات الماضية ملاذًا لغسيل أموال كثير من منتفعي الحرب وممولي الإرهاب ومهربي المخدرات حول العالم، إذ تدهور أداء القطاع مؤخرًا بسبب مثل هذه التقارير والتي أثبت بعضها حدوث عمليات شراء مشبوهة للشقق والفيلات في جميع أنحاء الإمارات، مما عزز من حالة الركود في عقارات الإمارات، في ظل ارتفاع كبير بالمعروض.

القطاع المالي

تشير التقديرات الرسمية إلى أن نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج الجاري للإمارات تبلغ 77.7% وذلك عام 2017، وإن كان القطاع العقاري على رأس هذه القطاعات فإن القطاع المالي من بنوك وسوق مال لا يقل أهمية عن العقارات، لكن هذا القطاع هو الآخر يمر حاليًا بفترة عصيبة؛ بسبب التراجع الملحوظ مؤخرًا في الاستثمارات الحكومية والأجنبية بالبلاد على حدٍ سواء، وهو الأمر الذي ظهر واضحًا في ثالث أكبر بورصات الوطن العربي (بورصة دبي)، والتي فقدت نحو 16% منذ بداية هذا العام.

بينما على الجانب الآخر تعيش البنوك الإماراتية حالة من عدم الاستقرار، إذ طلب «المركزي» من البنوك التحقق من الجدارة الائتمانية لعملائها قبل إصدار دفاتر شيكات لهم، وذلك بعدما بلغ إجمالي قيمة الشيكات المرتجعة حوالي 26.2 مليار درهم (7.1 مليار دولار) خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، وفقا لبيانات «المركزي»، وهو الرقم الذي يمثل 4.3% من إجمالي قيمة الشيكات التي جرى التعامل معها خلال الفترة.

هذه الأرقام تكشف بحسب مراقبين تراجع الأداء الاقتصادي في الإمارات وذلك أيضًا في الوقت التي تعيش فيه البنوك الإماراتية أزمة بسبب حصار قطر، الذي انعكس سلبًا على القطاع، إذ أن القطريين كانوا في السابق مستثمرين كبارًا في قطاع العقارات الإماراتي، ولكنهم رغم ذلك لا يزالون أكبر مساهمين في البنك العربي المتحد الإماراتي، والمملوك بنسبة 40% للبنك التجاري القطري، بالإضافة إلى أن بنك قطر الوطني يمتلك حصة قدرها 40% في البنك التجاري الدولي.

ومنذ اشتعال الأزمة الخليجية أصبح وضع البنكين في تدهور كبير، إذ يعانيان هبوطًا في الأصول وودائع العملاء والقروض، ناهيك عن أن بنك الخليجي فرنسا، الذي يعمل في فرنسا ودولة الإمارات، مملوك بالكامل لبنك الخليجي القطري، والبنك أيضًا يشهد هبوطًا في طلب العملاء، وهو الأمر الذي يؤثر على استقرار القطاع الذي يعتبر أحد أعمدة التنوع الاقتصادي في الإمارات.

القطاع السياحي

لا تختلف أهمية السياحة باعتبارها قطاعًا اقتصاديًا رئيسيًا في الإمارات عن القطاعين العقاري والمالي، إلا أن القطاع يعيش أسوأ ظروف منذ سنوات عدة، إذ قال المكتب الإعلامي لحكومة دبي أن نمو عدد الزائرين الأجانب لإمارة دبي قد توقف في الشهور التسعة الأولى من العام الجاري وذلك في تباطؤ حاد بقطاع السياحة، إذ جذبت الإمارة التي أنفقت مليارات الدولارات لبناء مراكز جذب سياحية مثل برج خليفة -أطول بناية في العالم- نحو 11.58 مليون زائر في الشهور التسعة الأولى حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2018، وهو الرقم ذاته المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي.

القطاع الذي بلغ حجمه نحو 109 مليار درهم (29.7 مليار دولار) في نهاية 2017، كان أكثر المقبلين إليه من الهند، ثم السعودية والمملكة المتحدة، وذلك في الوقت الذي تباطأ النمو في حركة الركاب بمطار دبي الدولي هذا العام بعد 15 عامًا من تسجيل زيادات كبيرة.

قد يظن القارئ أن هذه الأرقام غير كافية للقول إن القطاع السياحي في الإمارات يعيش أزمة حقيقية، ولكن في الواقع تباطؤ نمو قطاع رئيسي في الإمارات أزمة كبيرة بالفعل، فكيف الوضع إذا توقف القطاع عن النمو بشكل كامل؟ بالإضافة إلى أن طبيعة السياحة في الإمارات تختلف عن كثير من الدول، فمثلا عندما نتحدث عن دولة مثل مصر، نجد أنها تعتمد على سياحة الآثار التي هي قائمة بالفعل منذ آلاف السنين، لكن الإمارات تقوم سنويًا بإنشاء مشروعات عملاقة فقط هدفها جذب السياح.

فوفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة «الوطني كابيتال» الذراع البحثية لبنك الكويت الوطني فإن إجمالي المشاريع التي تم إرساؤها في دبي اعتبارًا من نوفمبر 2017 وصلت إلى 302 مليار دولار مع بداية 2018، بينما المشاريع التي كان من المتوقع إرساؤها في العامين 2018 و2019 تصل قيمتها إلى 107 مليارات دولار، هذه المشاريع التي تهدف لجذب السياح لم تنجح في هذا الغرض خلال هذا العام، أي أننا نتحدث هنا عن خسائر بالمليارات في حالة نمو أعداد الزائرين فقط.

على الجانب الآخر، فشلت خطط الإمارة في الوصول بمعدل نمو السياح السعوديين إلى زيادة قدرها 100% بحلول 2020 كما هو مستهدف، وذلك بعد الانفتاح الذي بدأ في السعودية من إطلاق مشروعات سياحية وترفيهية، بالإضافة إلى الحفلات الغنائية والموسيقية لفرق ومغنين غربيين بحضور الرجال والنساء معًا.

فبعد أن استقبلت دبي 476 ألف سائح قادمين من السعودية خلال الربع الأول من 2016، بزيادة قدرها 14% مقارنة بالعام السابق عليه، الأمر الذي جعلها تحتل صدارة قائمة الدول الأولى لزوار دبي، جاءت أعداد السياح السعوديين في دبي خلال الربع الأول من عام 2017، على عكس التوقعات إذ بلغت نحو 440 ألف سائح، بانخفاض قدره نحو 7.5 % مقارنة بالربع الأول 2016.

 

 واستمر تناقص عدد السياح السعوديين في دبي خلال عام 2018، إذ كشفت دائرة السياحة والتسويق التجاري في دبي عن تراجع أعداد السياح السعوديين خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري بانخفاض قدره 20 ألف سائح، ليحتل السياح الهنود صدارة قائمة الدول الأولى لزوار دبي ثم تحل السعودية ثانيًا.

هذه الأرقام تكشف عن أن الأوضاع في السعودية انعكست على أعداد السياح السعوديين في دبي، وهو ما يعني أن الانفتاح والظروف في المملكة أثرت سلبًا على أهم قطاع اقتصادي بإمارة دبي، ناهيك عن المنافسة القوية من السوق التركي وعودة مصر إلى الواجهة السياحية مرة أخرى، لذلك من المرجح أن يستمر منحنى السياحة في الهبوط خلال الفترة القادمة، مما يعني أن أهم القطاعات الاقتصادية في الإمارات باتت تفقد بريقها وقد تصل بالبلاد إلى حافة الهاوية في حال استمرت الأمور على حالها.