الدعوات الغربية للسلام في اليمن... الفرصة والتحدي

الثلاثاء 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 الساعة 06 مساءً / مأرب برس ـ الأناضول
عدد القراءات 2658

يدور حاليا نقاش غير مسبوق بين أطراف إقليمية ودولية معنية بشأن الحرب الدائرة في اليمن بين جماعة الحوثي وقوى حليفة لها مدعومة من إيران والقوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ مارس/آذار 2015.

للولايات المتحدة مصلحة حقيقية في دعم التحالف العربي متمثلة في منع التهديدات الإيرانية المحتملة لحركة الملاحة الدولية وشحنات الطاقة المارة عبر مضيق باب المندب عبر جماعة الحوثي، أحد اهم أذرع الحرب الإيرانية بالوكالة خارج الحدود.

ويمكن لإيران استخدام جماعة الحوثي في أي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة أو الدول الحليفة لها بتوجيه ضربات صاروخية مضادة للسفن لتهديد أو إغلاق مضيق باب المندب، دون أن تتحمل تبعات ذلك بشكل مباشر مقارنة بتهديداتها في مضيق هرمز الذي تحدّه إيران من الشمال، بينما تحدّه من الجنوب سلطنة عمان.

وتدعم الولايات المتحدة كلا من السعودية والإمارات في جهودهما لهزيمة قوات الحوثي واستعادة سيطرة حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بشرعيتها من المجتمع الدولي على كامل الأراضي اليمنية.

وفق تقديرات، أدت الحرب الأهلية إلى سقوط أكثر من 6600 مدني وإصابة أكثر من 8000 آخرين، جراء القتال بين الأطراف المتحاربة التي تحملها منظمات دولية مسؤولية سقوط هؤلاء الضحايا والأزمة الإنسانية الموصوفة بأنها "الأسوأ" في القرن الواحد والعشرين، وارتكاب جميع تلك الأطراف انتهاكات إنسانية ترقى إلى "جرائم حرب" طبقا للقانون الدولي الإنساني.

ويعتقد المفوض السامي السابق لحقوق الانسان زيد بن رعد أن احترام "التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية من قبل جميع الأطراف كان غير كاف بشكل محزن".

وفي 27 يوليو/تموز 2018 استأنفت قوات الشرعية مدعومة من التحالف العربي هجومها العسكري لاسترداد مدينة الحديدة والميناء التابع لها على ساحل البحر الأحمر.

ثمّة إجماع على أهمية ميناء الحديدة ووجوب عدم زجه بعمليات عسكرية من شأنها عرقلة وصول المساعدات الإنسانية واستيراد المواد الغذائية والسلع الأساسية عبر الميناء، حيث تشير تقديرات إلى أن ما لا يقل عن 70 بالمائة من تلك الاحتياجات تصل عبر هذا الميناء الحيوي الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي، والذي تعتقد قوات التحالف العربي أنه يتم استخدامه بشكل غير مشروع لوصول المساعدات العسكرية الإيرانية عبر طرق شتى، منها التهريب بقوارب صغيرة.

وأشار تقرير للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن نحو 500 ألف شخص نزحوا من مدينة الحديدة منذ العملية العسكرية لقوات الشرعية أواخر يوليو/تموز، وأن أكثر من 450 شخصا قتلوا خلال الأيام العشرة الأولى من شهر أغسطس/آب الماضي، كواحدة من أكثر الفترات دموية في تاريخ الحرب الأهلية.

خلال عامي 2015 و2016 تم عقد العديد من الاتفاقيات المؤقتة لوقف إطلاق النار في أجواء مفاوضات سلام رعتها الأمم المتحدة؛ لكن تلك الاتفاقيات لم تصمد طويلا، وكانت آخرها اتفاقية 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 التي انهارت بعد أقل من 48 ساعة وأدى ذلك لتعليق مفاوضات السلام لمدة عامين، فشلت الأمم المتحدة في استئنافها في آخر محاولة لها في 6 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ كان مقررا عقدها برعاية المبعوث الأممي الخاص، مارتن غريفيث، حال عدم حضور ممثلي جماعة الحوثي دون عقدها بسبب قيود سفر قالت الجماعة أنها مفروضة عليهم من التحالف العربي.

في تزامن، بحسب مراقبين، بين تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على علاقات الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، والتفات المجتمع الدولي منذ أسابيع للأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، دعا وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، في 30 أكتوبر/تشرين الأول، خلال لقاء مع دبلوماسيين وعسكريين معنيين بحل النزاعات نظمه معهد السلام الأمريكي، أطراف الحرب الأهلية في اليمن إلى التفاوض على وقف إطلاق النار في غضون 30 يوما، بما في ذلك جماعة الحوثي والسعودية.

حث ماتيس أطراف الحرب على الجلوس في السويد بغضون شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري لإجراء محادثات يرعاها المبعوث الأممي الخاص في اليمن، مارتن غريفيث، للتوصل إلى اتفاق سلام سياسي.

ركز ماتيس في دعوته على نزع أسلحة جماعة الحوثي حتى لا تجد السعودية والإمارات ما يدعو للقلق بشأن الصواريخ بعيدة المدى التي تهدد مدنهم ومنشآتهم الحيوية، وأن يتم وضع الصواريخ التي أرسلتها ايران لجماعة الحوثي تحت المراقبة الدولية.

ويعتقد ماتيس أن هدنة بين الأطراف المتحاربة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى حصول كل من جماعة الحوثي واليمنيين الجنوبيين في مناطقهما التقليدية على حكم ذاتي أو إدارة لا مركزية خاضعة للسلطة المركزية في العاصمة صنعاء.

وعلى المدى الطويل، أي ما بعد شهر نوفمبر/تشرين الثاني، يرسم ماتيس خطوات متعددة تعتمد الجلوس إلى المفاوضات بناء على وقف إطلاق النار المفترض التوصل إليه في مفاوضات السويد لوضع آليات الانسحاب من الحدود وضرورة التوصل إلى هدنة "مبكرة".

في أغسطس/آب الماضي، ذكر تقرير للأمم المتحدة أن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية "فشلت" في تجنب وقوع إصابات بين المدنيين، وأنها قصفت أهدافا مدنية.وتقدم الولايات المتحدة، بحسب وزير الدفاع ماتيس، ما يلزم من معلومات ومساعدات لطيران التحالف العربي لتجنب وقوع ضحايا مدنيين.

إن عملية إحلال السلام في أي صراع مسلح يجب أن تركز على إزالة الأسباب المحلية التي أدت إلى نشوب الصراع، وفي الحالة اليمنية، فإن مسببات الصراع المسلح تتراوح بين الانقسامات القبلية الاجتماعية العميقة والتدخلات الخارجية وتردي الأوضاع المعيشية.

وفي وقت متقارب مع الدعوات الأمريكية، دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى "وقف العنف فورا حول البنية التحتية والمناطق الحيوية، والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، للسماح بإدخال المواد الغذائية والوقود إلى اليمن دون قيود، وبقاء الطرق مفتوحة ودعم الاقتصاد اليمني، وخاصة تثبيت سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية".

وفي ذات سياق دعوة وزير الدفاع الأمريكي، دعا وزيرا خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا، مايك بومبيو وجيرمي هانت، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، إلى وقف النزاع المسلح في اليمن.

وفي بيان للوزير مايك بومبيو، دعا إلى "استبدال الصراع بالتراضي، والسماح للشعب اليمني بالوئام من خلال السلام وإعادة الإعمار فقد حان الوقت لإنهاء هذا الصراع".

دعا بومبيو جماعة الحوثي إلى التوقف "أولا عن اطلاق الصواريخ على السعودية والإمارات، وكذلك على دول التحالف العربي وقف الغارات الجوية في جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن".

تثير الدعوات الأمريكية لوقف الحرب في اليمن بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة على اندلاعها جملة من التساؤلات تعكس حالة "السخط" الأمريكي على السعودية كجزء من تداعيات مقتل جمال خاشقجي على العلاقات بين البلدين.

لا تبدو استجابة التحالف العربي للدعوات الأمريكية منسجمة بشكل ما على الصعيد الميداني، بل على العكس من ذلك، شهدت العمليات العسكرية تصعيدا غير مسبوق في الحديدة التي استأنفت قوات الشرعية بدعم من التحالف العربي عملياتها العسكرية للسيطرة عليها، وكذلك في محافظة صعدة، المعقل التقليدي لجماعة الحوثي، حيث تحقق قوات التحالف العربي تقدما على الأرض، خاصة في جبل مران الذي يعد مركز القيادة والسيطرة لجماعة الحوثي.

التحديات التي تواجه عملية إحلال السلام في اليمن، مع الإقرار بصعوبتها، لكنها ليست مستعصية على الحل؛ وتدرك أطراف الحرب أن احتمالات الحسم العسكري مستبعدة وفق معطيات التدخلات الخارجية واستمرار وصول الأسلحة إلى جماعة الحوثي كجماعة متمردة تخوض حرب عصابات على غير ما هو عليه الطرف الآخر من الحرب الذي يتمتع بشرعية دولية ومنافذ مفتوحة على العالم.