لهذا السبب حسناوات روسيا يتدفقن على غزة في ثياب العرائس

الأربعاء 06 يونيو-حزيران 2018 الساعة 02 صباحاً / مارب برس- عربي بوست
عدد القراءات 9600

 

 

في أحد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية كانت نتالي أبو شعبان طبيبة النساء والولادة تقوم بمهامها اليومية، الطبيبة الروسية قدمت من مدينة روستوف، جنوبي روسيا، إلى قطاع غزة في العام 2000 مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تزوجت منذ 18 عاماً من طبيب يعمل في نفس التخصص أيضاً ولديها معه 4 أطفال.

فمنذ أكثر من 50 عاماً ومع ازدياد توجه الطلبة في قطاع غزة للسفر إلى دول الاتحاد السوفييتي سابقاً وخاصة روسيا الاتحادية لاستكمال تعليمهم الجامعي في عدة تخصصات مختلفة، تكونت العديد من الأسر بعد ارتباط الطلبة الفلسطينيين بغزة بزميلاتهم الروسيات أثناء الدراسة.

وانتقلت الزوجات للعيش مع أزواجهن في غزة محاولات الاندماج داخل المجتمع الغزي الشرقي الذي يختلف عن ثقافتهن الغربية الأكثر انفتاحاً وحرية عن مثيلاتها من المجتمعات العربية.

ويوجد في قطاع غزة أكثر من 200 سيدة روسية متزوجة في قطاع غزة، حيث تم افتتاح قنصلية روسية بغزة في العام 2011 لمتابعة شؤون رعاياها في ظل الحصار المفروض والأوضاع الصعبة بغزة.

الحنين للأهل

اعتنقت نتالي الإسلام قبل المجيء إلى قطاع غزة، كما تحكي لـ"عربي بوست"، تحمست للسفر رغم من المعارضة الكبيرة التي واجهتها من قبل أسرتها، ورفضهم الارتباط بشخص مسلم ومن قطاع غزة، ولكنها استطاعت تجاوز هذه العقبات والسفر برفقة زوجها لغزة، والاندماج بداخل المجتمع الغزي الشرقي، والذي يختلف بعاداته وتقاليده عن المجتمعات الغربية الأخرى "إلا أنني استطعت التكيف مع هذه العادات والتأقلم معها بكل سهولة" تضيف الطبيبة.

وتعتبر نتالي أن أهم ما يميز المجتمع الفلسطيني في غزة هو الترابط الأسري الكبير بين أفراده، وهو نادراً ما تجده في المجتمعات الأخرى وخاصة الغربية منها، حيث تسود المحبة والتسامح في المجتمع وداخل الأسرة الواحدة.

في رمضان تتجسد هذه القيم، حيث تتوزع أطباق الطعام بين البيوت ويتبادلها الجيران فيما بينهم، إضافة للزيارات الاجتماعية بين الأقارب والأصدقاء، كل ذلك من شأنه أن يخلق نوع من الثقة والطمأنينة بداخل المجتمع بشكل عام والأسرة بشكل خاص حسب نتالي.

وعن أصعب اللحظات التي عاشتها أبو شعبان في قطاع غزة، تقول إنها شعرت بالحزن الشديد على سقوط الضحايا إبان فترة الانقسام الفلسطيني في العام 2007، والتي تعتبرها من أشد اللحظات خطورة على الشعب الفلسطيني و"تركت جروحاً غائرة تحتاج إلى أعوام كثيرة لتضميدها".

ومنذ 18 عاماً لم تستطع زيارة أهلها إلا مرتين فقط، وقد حال الإغلاق المستمر لمعبر رفح، إضافة للقيود الكبيرة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية عند المغادرة عبر معبر بيت حانون/ ايرز والذي يربط قطاع غزة بإسرائيل، لمنعها من السفر لزيارة عائلتها وخاصة والدها الذي يعاني من مشاكل صحية عديدة" تقول أبو شعبان لـ "عربي بوست".

محرومات من المغادرة..

كمغتربات تواجه الروسيات نفس المشاكل التي يعاني منها سكان قطاع غزة خاصة النساء، فهن ممنوعات من حرية التنقل والسفر، بعدما منعت اسرائيل منذ عدة سنوات منح بطاقة الهوية الفلسطينية لعدد من الروسيات والأجنبيات المتزوجات بقطاع غزة.

وغالبية النساء الروسيات المتزوجات بغزة واللواتي استطعن مغادرة قطاع غزة لزيارة أسرهن تقوم إسرائيل بالتضييق عليهن ومنع إصدار تصاريح دخول لهن إلى قطاع غزة، بالرغم من أنهن يحملن جواز السفر الروسي.

وتؤكد نتالي أن إسرائيل تمارس العنصرية في حقهن وفي حق أبنائهن بمنعها إصدار بطاقات هوية فلسطينية لهن، إلا في حالات نادرة وبعد معاناة كبيرة قد تستمر لعدة سنوات، من خلال سن قوانين تهدف لمنع لم شمل هذه العائلات "ما يمنعنا وأبناءنا من الحصول على حقوقنا الاجتماعية والإنسانية" .

أما كاترينا رضوان الروسية القادمة من مدينة ساروف شرقي روسيا، فقد قدمت إلى قطاع غزة في العام 2006، وهي تعمل كأخصائية تجميل في أحد المراكز الخاصة بغزة، ومتزوجة منذ 12 عاماً من طبيب أسنان ولديها طفلان.

استطاعت التعايش والتعرف على عادات وتقاليد المجتمع الغزي بسرعة كما تصف، فهو مجتمع متعلم وبسيط، ويحلم بالحرية والعيش بحياة كريمة كباقي مجتمعات العالم، فالظروف الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة صعبة جداً، فالرجال والشباب عاطلون عن العمل، وتجد النساء غالباً ما يقمن بتدبير أمور أسرهن من خلال قيامهن بأعمال شاقة ليستطعن توفير لقمة العيش لعائلاتهن.

ومن أصعب العادات الفلسطينية التي واجهتها السيدة الروسية البالغة من العمر 34 سنة، عند قدومها لغزة وهي عدم السماح لها بالخروج من المنزل إلا في حالات الضرورة فقط، فالعادات والتقاليد الغزية لا تحبذ خروج المرأة من المنزل، إلى أن تمكنت من إيجاد وظيفة ثابتة في غزة، واستطاعت إقناع زوجها وعائلته بضرورة السماح لها بالعمل لأنها ليست معتادة على المكوث في البيت لفترات طويلة، ومن ناحية أخرى لكي تتمكن من مساعدة عائلتها بتوفير بعض الأمور المعيشية الضرورية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة.

وممنوعات من العودة أيضاً..

كاترينا بدورها محرومة من حرية التنقل ومغادرة القطاع للسفر لرؤية عائلتها، حيث تم منعها عدة مرات من السفر عبر معبر ايرز دون توضيح أسباب المنع، رغم أنها تحمل الهوية الفلسطينية والجواز السفر الروسي، إلا أن إسرائيل "لا تحترم أي شخص في غزة مهما كانت جنسيته" تقول كاترين بحسرة.

ومنذ ثلاث سنوات وهي تحاول السفر مع أبنائها لزيارة عائلتها بساروف والذين لم تستطع زيارتهم سوى مرة واحدة منذ مغادرتي روسيا قبل عدة سنوات، فمعبر رفح مغلق بشكل مستمر، حتى أنها لم تستطع مغادرة القطاع لزيارة والدها الذي توفي قبل عام ونصف.

وتتمنى كاترين مغادرة قطاع غزة لرؤية أهلها ولو لساعات قليلة، لكن الخوف الذي ينتابها هو أن يقوم الجانب الإسرائيلي بالسماح لها بمغادرة القطاع، وعند العودة يتم منعه من الدخول، كما حدث مع بعض الأجنبيات الأخريات واللواتي بقين بعيدات عن أزواجهن وأبنائهن في غزة إلى اليوم "لا يوجد أمامي إلا البقاء بداخل القطاع لتجنب العيش بعيدة عن زوجي وأبنائي".

وإلى حين تحقيق حلمهن في التنقل بحرية، تحاول كل من نتالي وكاترين وغيرهما من النساء الروسيات الاستقرار في غزة وإنجاب الأطفال والانخراط بداخل المجتمع المجازفة، فالغزيون تحت الحصار منذ سنوات وهن يعانين من ويلات هذا الحصار أيضاً، وقد يخرجن ولا يعدن ثانية.