كلمة حق عند شاب حائر
أسامة إسحاق
أسامة إسحاق

مقال يسعى للإجابة عن سؤال : هل ما يجري حالياً في اليمن ثورة شعبية أم إعتصام فئوي !؟

خلال متابعتي بعض من حوارات وكتابات شباب اليمن في الفيسبوك والمنتديات والقروبات الإيميلية والمواقع الإلكترونية إتضح لي أنهم ينقسمون في هذه المرحلة التاريخية من حياة اليمن الى ثلاثة أقسام : الأول يرى بإسقاط النظام ورحيله دون شرط او قيد وهم بإعتقادي الشريحة الأكبر , الثاني يرى الأن بتغيير النظام ولكن بنظام حسب قولهم , الثالث يرى بإستمرار النظام الى نهاية الفترة الممنوحة له عام 2013 ثم يتم التغيير من خلال الصناديق.

 لكي نضع النقاط على الحروف , القسم الأول يرى التجمعات البشرية في مختلف محافظات الجمهورية بأنها ثورة شعبية حقيقية ولا منطق الا منطق الثورة , والقسم الثاني يرى فيها إعتصام مطلبي شرعي منظم , والقسم الثالث يرى أنها فوضى ومبعث للفتنة , وهنا يجدر بالشباب اليمني أن يفرق بين الإعتصام والثورة , ويفرق كذلك بين الحوار والتفاوض حتى تتضح الصورة أكثر.

الحوار يتم بين فئتين يعترف كلاً منهما بالأخر والتفاوض يتم بين فئتين ليس شرطاً أن يعترف كلاً منهما بالأخر ... الحوار على شيئ يبدأ برفع سقف المطالب ثم يقدم كل طرف تنازلات للوصول الى حل وسطي يرضي الطرفين والتفاوض يتم بين طرف قوي وطرف ضعيف ويحاول الطرف الأضعف دائماً الخروج بأقل الضرر من التفاوض وغالباً دون أي مكاسب.

 وهنا نضع بعض النقاط لنفرق بين الإعتصام والثورة ونعمل في نفس الوقت إسقاط النقاط على واقع اليمن ونسأل : هل ما يحدث اليوم على الساحة اليمنية إعتصام أم ثورة !؟

 أولاً : الإعتصام يتم من خلال شريحة معينة من المجتمع , الثورة تتم من خلال غالبية شرائح المجتمع.

( المتابع لما يجري حالياً على الساحة اليمنية يكاد يجزم أن الشعب اليمني بغالبية شرائحه أصبح صاحب المطالبة بإسقاط النظام ومنهم : المتحزبين والمستقلين , العسكريين والمدنيين , المتعلمين والأميين , الموظفين والعاطلين , الأغنياء والفقراء , المشائخ والعلماء والفقهاء والدعاة , المؤتمريين والإشتراكيين والإصلاحيين والناصريين والبعثيين , الهاشميين والقضاة والقبائل , الشماليين والجنوبيين والشرقيين والغربيين , الليبراليين والقوميين والإخوانيين والإشتراكيين , الشوافع والزيود , الصيادلة والأطباء والمهندسين والكُتاب والأدباء والفنانين والشعراء والمذيعين , سكان المدن والقرى والجبال والسهول والوديان والصحاري , الأطفال والشيوخ والنساء والرجال , أصحاب اللحى والأثواب والجنزات , رافعي صور جيفارا وجار الله عمر وعمر المختار واحمد ياسين والحمدي..... النتيجة : إنها ثورة يا عزيزي)

ثانياً : المعتصمون عددهم محدود ويتفقون على مكان وزمان محدد لإيصال أصواتهم , الثوار يتزايد عددهم مع الوقت وتزيد رقعة أنتشارهم طولاً وعرضاً في كل أنحاء البلاد.

( لا يختلف إثنان على أن أعداد المطالبين بإسقاط النظام يتزايد ورقعة مؤيديهم من الأغلبية الصامتة تزداد كل يوم ويخرجون بدون وقت محدد ليلاً ونهاراً وفي كل مكان ممكن , يجوبون الشوارع والحارات والطرقات سلمياً ويبيتون في الميادين في أيام الأجازات وأيام الدوام الرسمي , ولم يخرجوا من حارة او منقطة او مدينة واحدة ولكنهم هبوا من مختلف محافظات الجمهورية صنعاء وعدن وتعز وشبوة وإب ولحج وحضرموت والحديدة وأبين والبيضاء والضالع وذمار ..الخ ... النتيجة : إنها ثورة يا عزيزي)

 ثالثاً : نادراً ما يترك الإعتصام الحقوقي خلفه ضحايا او جرحى , ودائماً ما تسفك الدماء بين صفوف الثوار .

(لا يكاد يخفى على أحد بأن الأحداث الجارية في اليمن أدت الى وقوع العشرات من القتلى من الشعب المطالب بإسقاط النظام وكذلك الجرحى الذين تعج بهم مستشفيات الجمهورية برغم سلميتها ... النتيجة : إنها ثورة يا عزيزي)

رابعاً : المعتصمون يعترفون بالنظام الحاكم ويطالبون بتـنفيذ مطالبهم من خلاله ومن خلال الدخول في حوار معه , الثوار لا يعترفون بالنظام الحاكم ويطالبون بإسقاطه ورحيله من خلال تفاوض إن أراد النظام الرحيل سلمياً.

( المتابع للأحداث في اليمن يدرك بأن الشعب الذي خرج في مختلف محافظات الجمهورية أتفقوا على مطلب وشعار واحد هو رحيل وإسقاط النظام , بمعنى أنهم لا يعترفون بالنظام الحاكم ولا يريدون الدخول في حوار أو قبول مبادرات مع من سفك دمائهم ... النتيجة : إنها ثورة يا عزيزي)

خامساً : المعتصمون لهم قيادة تمثلهم وتتكلم بأسمهم وتستطيع فك إعتصامهم , الثوار لا قيادة لهم ولا ممثلين عنهم ولا يستطيع أي طرف ثنيهم عن تحقيق هدف ثورتهم الا بإبادتهم وسحقهم.

( لا يخفى على أحد أنه في المرحلة الراهنة في اليمن لا يستطيع أي حزب يمني او أي فئة او أي شخص أن يتجرأ ويعلن بأنه ممثل للشعب الثائر المنتشر في مختلف محافظات الجمهورية المطالب برحيل وإسقاط النظام , ولا يستطيع كائن من كان أن يردهم الى بيوتهم دون تحقيق مطلبهم ... النتيجة : إنها ثورة يا عزيزي)

سادساً : الإعتصام نهايته حوار ومبادرات بين الطرفين , الثورة نهايتها تفاوض إن أراد النظام الحاكم تسليم السلطة سلمياً واذا بدأ النظام بإبادت وسحق الثوار بطريقة هستيرية عندها أنتزعت السلطة منه بالقوة.

(اذا أستطاع النظام الحاكم جر الشعب بمختلف فئاته الى حوار فمعنى ذلك بأن الحدث كان مجرد إعتصام , وإن لم يستطع النظام الحاكم إقناع الشعب الثائر بالحوار والمبادرات والتنازلات وهو الحاصل الأن فالنتيجة : إنها ثورة يا عزيزي)

سابعاُ : المعتصمون غالباً ما يكون مطلبهم نخبوي خاص بشريحة معينة كإعتصام المعلمين لرفع رواتبهم وإعتصام الصحفييين لمزيد من الحرية الصحفية ...الخ , مطلب الثورة والثوار دائماً هو إسقاط النظام وتغييره.

(الملاحظ أن الشعب اليمني بجميع شرائحة الثائرة قد أجمعوا على شعار واحد : الشعب يريد إسقاط النظام , النتيجة : أنها ثورة يا عزيزي)

من هذا المنطلق , أرى أن ما يجري حالياً في اليمن ثورة شعبية سلمية تاريخية مثالية بكل المقاييس , وبما أنها كذلك ومقارنة بثورات على مر التاريخ فهل تتخيلوا بأن الشعب الفرنسي عندما قام بثورته ضد لويس السادس عشر ونظام حكمه بأن النتيجة كانت ستكون حوار بين الثوار الفرنسيين والنظام الحاكم والخروج بمبادرة من قبل النظام ويشرف على تنفيذها أيضاً !!

هل تتخيلوا بأن صناع الثورة البلشفية في روسيا كانوا سيتحاورون مع القيصر ونظام حكمه للخروج بمبادرة قيصرية ويشرف على تنفيذها فخامة القيصر بعينة !! ... هل تتخيلوا بأن ثوار رومانيا كانوا سيدخلون مع شاوشيسكو ونظامه في حوار لإسدال الستار عن حكاية الثورة الرومانية يتم من خلالها قبول مبادرة شاوشيسكوية ثم بكل سذاجة يشرف على تنفيذها النظام بنفسه !! ...

هل تتخيلوا لو أن شباب أندونيسيا الثائر لم يخرج لكي يصنع ثورته ولكن خرج لكي يحصل على مبادرة وحوار مع سوهارتو ونظامه ثم يقبلون بمبادرة سوهارتوية ويشرف على تنفذيها من ثاروا ضده !! , هل تتخيلوا لو أن الشعب التونسي الثائر رضي بأي من مبادرات زين العابدين أو حتى الحوار معه !! , هل تتخيلوا وضع مصر وثوارها الأحرار لو حُلت الأمور بالحوار الذي دعى له حسني مبارك او القبول بأي من تنازلاته ومبادراته التي نادى بها دون إسقاط ورحيل نظامه كلياً !!...

هذا هو منطق الثورات إختلاف في حيثياتها وثقافتها وجغرافيتها ولكن في النهاية لا بد لكي تستقر البلاد من إسقاط نظام ووضع نظام جديد والا حلت الكارثة بإستفراد النظام الحاكم لاحقاً بمن ثاروا ضده , يا شباب اليمن إنها ثورة حقيقية يمنية ستصبح نبراس للأجيال القادمة وخط أمان ضد كل من يفكر بطريق الإستبداد مستقبلاً فلا حوار ولا مبادرات الغرض منها شق الصفوف وكسب الوقت والتمسك بالسلطة.

والى دعاة الخوف من (ماذا بعد!؟) نقول لهم لو أن الشعب الفرنسي أثناء ثورته أشغل هاجس ثواره بفلسفة (ماذا بعد!؟) وتخوف من حدوث إنقسامات وحروب أهلية لما أستطعنا اليوم أن نرسل مقالنا هذا عبر الإيميل , لو أن الشعب المصري فكر بمليون وربع من الأمن والشرطة التابعين للنظام الحاكم وبفلسفة (ماذا بعد!؟) وملايين المنتسبين للحزب الوطني لما قام بثورته , لو بدء الشعب اليمني يفكر من الأن (ماذا بعد!؟) وبدء يفكر بأن اليمن ستتقسم وستدخل في حروب أهلية وهلم جرة فإن ثورته قد تتلاشى فنصف ثورة يعني موت كامل وهلاك البلاد والعباد.

 يا شباب اليمن الحر الثائر , الثورة في وقتها الراهن لا تريد مثبطين مخوفين وسطيين معتزلين وإنما تريد محفزين مشجعين مقررين مشاركين , الثورة تحتاج ثوار وليس زوار , الثورة لا تفكر بعقلانية والثوار لا يفكرون بمنطقية فهي ليست حفلة او مباراة كرة قدم او بحث أكاديمي والسبب بسيط : إنها ثورة يا عزيزي.

يا شباب اليمن الحر الثائر والمنتشر في الميادين والساحات وخلف شاشات الحواسيب في الفيسبوك والمنتديات والقروبات الإيميلية والمواقع الإلكترونية , لا تختزلوا ثورة شعبية حقيقية سيخلدها التاريخ رمزاً يمنياً شامخاً في إعتصام مطلبي حقوقي , لا ترضوا بحوار او مبادرة من النظام الذي خرجتم ثائرين ضده , لا تقايضوا دماء شبابنا التي سفكت في ميادين الحرية بمبادرة او حوار , لا ترضوا بغير رحيل النظام.

يا شباب اليمن الحر الثائر , هل يعقل أن يقبل الشعب الثائر مبادرة من قبل النظام الذي خرج ثائراً ضده !؟ , هل يعقل أن يثق الثوار بتحقيق مطالبهم من خلال مبادرة قدمها وسينفذها من خرج الثوار ثائرين ضده !؟ , وهل يعقل بعد أن تخضبت ميادين الحرية والتغيير بدماء شبابنا الحر بأن يكون نتيجتها مبادرة من نقاط وضعها وسينفذها من إستباح دمائنا !؟ ... إنها ثورة حتى النصر ولا مكان للمنادين بأنصاف الحلول... الشعب قرر بإسقاط النظام ولن يعود....إرحــــــــــــــــــــــــــــل.

درسنا في الإبتدائية أن الماء ليس له طعم ولا لون ولا رائحة , أما في ميادين التغيير والثورة فكل شيئ له طعم ولون ورائحة سماوية ... نعم إنها الحياة عندما تصبح الحرية عنواناً أساسياً لكل فصولها .....إرحـــــــــــــــــــــــــــل.


في الأربعاء 23 مارس - آذار 2011 07:51:03 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=9598