عوامل قوة الثورة اليمنية انتفاضةُ شعبٍ..وغباءُ نظامْ !!
طارق فؤاد البنا
طارق فؤاد البنا

بعد موجة الثورات التحررية من استبداد الأنظمة الحاكمة التي اجتاحت أرجاء الوطن العربي ، والتي بدأت من تونس ، مروراً بمصر ، ثم ليبيا ، وصل الدور إلى اليمن ، والتي كان من المفترض أنها تكون أولى الدول انتفاضاً على السلطة الحاكمة لعدة عوامل يعرفها الكثير ، ولكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي ، وها قد وصلت قافلة الثورة إلى وطننا الحبيب ، وانتفض الشعب المسكين والذي كان الفاسدون يراهنون على أنه لن يستيقظ من سباته الطويل أبداً ، حيث عمدوا إلى استراتيجيات وخطط طويلة الأجل نُفذت على مدى أكثر من 33 سنة من حكم الرئيس صالح بحيث أنه لا يأتي يومٌ ينتفض هذا الشعب ، ولكن أقدار الله وصحوة الشعوب أتت بهذا اليوم ، وبدأت الثورة اليمنية ، فهل ستستمر هذه الثورة ، وهل ستنجح كما نجحت مثيلاتها في تونس ومصر وقريباً في ليبيا ، وما هي العوامل التي تؤكد قوة هذه الثورة ؟

عوامل القوة في الثورة اليمنية :

1- غباء النظام الحاكم وعدم استفادته من تجارب الآخرين :

بعد ثورتي تونس ومصر ، استفاد الشعب اليمني من هاتين الثورتين ، ولكن النظام الحاكم لم يستفد ولو بشكل بسيط منهما ، لذا فإن غباء النظام هو أحد أبرز عوامل القوة للثورة اليمنية .

ويتضح غباء النظام اليمني من خلال الكثير من النقاط ، لعلنا نحاول أن نوجز أهمها في نقطتين أساسيتين ، هما :

أ – المراهنة على نشوب الصراعات والانقسامات والحرب الأهلية في حال الرحيل :

أخذت اسطوانة التهديد بالحروب والتفكك والانفصال الكثير من رهانات الرئيس صالح ونظامه ، فقد ردد الرئيس هذا الكلام أكثر من مرة ، متخذاً من العقيد (القذافي) قدوة له في هذا المجال ، متناسياً أن هذه الحيل لا تنطلي على أبناء شعب انتفض بعد طول صمت وانتظار ، فبعد كل هذا الصمت من المستحيل أن يصدق هذا الشعب هذه الاسطوانة المشروخة والتي اعتدنا سماعها من صاحب الفخامة بين الحين والآخر .

ب- استخدام ورقة الدين والعلماء :

حاول الرئيس صالح باجتماعه مع العلماء أن يستعطف الشعب ، ويؤكد لهم أنه يسير على درب (الخلفاء الكرام) في الاستماع لنصائح العلماء ، فقام فيهم خطيباً وهو أقلهم شأناً بأمور الخطابة ، وبدأ يعلمهم الدين ، وهو أبعدهم عن الدين ، قائلاً لهم (إن الله سيحاسبكم على كل شيء ، فأنتم العلماء ، ورثة الأنبياء ، أما نحن فنحن حكام...) ثم رفع المصحف الشريف في يده ويقول لهم (هذا بيني وبينكم) وكأن الرئيس يعرف ما فيه ، وإن كان يعرف فهو لا يطبق ولو حرفاً مما جاء فيه ، فهل من المعقول أن الرئيس قد قرأ (ألا لعنة الله على الظالمين) ، (ألا لعنة الله على الكاذبين) ...الخ ، ولو قرأ هاتان الآيتان فقط لكفتاه .

ثم ختم الرئيس كلمته بتحكيمه للعلماء ، قائلاً لهم (ما تحكمون به فأنا بعدكم) ، حيث كان يسيطر عليه الظن أنه سيُفصِّل علماء (سُلطة) يحللون ما يريد ويحرمون ما لا يريده ، ولكن موقف العلماء كان واضحاً ، فانبرى أغلبية العلماء إلى تأييد الشعب ومطالبه ، فجُن جنون الرئيس الصالح - من باب التفاؤل نسميه الصالح كما يطلق على الأعمى بصير- ، وعندما كان هناك اجتماع آخر له مع العلماء رفض مقابلتهم ، والأدهى والأمر أنه حسب الأنباء المؤكدة أن قوات الأمن القومي تحاصر منزل العالم البرلماني الشيخ محمد الحزمي بعد مشادة كلامية له مع الرئيس في إطار تلك المقابلة وتبحث عنه لاعتقاله ، ضاربين عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية والمتمثلة في اعتقال عالم جليل ، وكل القوانين الدستورية التي تؤكد على الحصانة الدبلوماسية لعضو مجلس النواب وعدم اتخاذ أي إجراء ضده كما تنوي سلطة (الغباء) عمله مع الحزمي .

لهذا ، فلم تفلح الورقة الدينية باستخدام العلماء كدرع واقي للرئيس من كل ما يحاصره الآن ، ولم ينجح الرئيس في استعمال الورقة التي يجيد استعمالها دائما ، ولعل هذه تؤكد على قوة شرارة الثورة واستحالة انطفائها من دون نتيجة . 

2- رفع شعار (لا حزبية ولا أحزاب) :

خرج شباب الثورة اليمنية بشعار (لا حزبية ولا أحزاب ، الثورة ثورة شباب) من الشرارة الأولى لاندلاع الثورة اليمنية السلمية ، وقد كان هذا الشعار دافعاً كبيراً للكثير من أبناء المجتمع اليمني للانخراط في هذه الثورة ومؤازرتها ، حيث أن أبناء الشعب قد أصابهم الملل من الحزبية ومن صفقات الأحزاب فيما بينها ، وبحثوا عن بديل لهذه الأحزاب التي تبحث معظمها عن الوصول إلى السلطة فقط ، دون مراعاة لمتطلبات المواطن اليمني ، وبدون أن تسعى إلى تحقيق أهدافه ، إلا فيما ندر ، فجاءت هذه الثورة الشبابية لتمثل طوق النجاة الذي تعلق به أغلبية الناس للوصول إلى بر الأمان ، بعد أن غرقوا كثيراً في بحر الحزبية اليمنية المتلاطم ، والذي تتقاذفك أمواجه كل يوم في جهة وكل حين في منطقة بعيدة كثيراً عن المنطقة الأولى . 

ولأن الشباب هم نواة المجتمعات ، فقد كان انخراطهم في هذه الثورة بشكل كبير وواسع من أهم عوامل القوة لهذه الثورة ، فقد ذابت كل الانتماءات بين الشباب سواء الانتماءات العرقية و الطائفية و المذهبية وغيرها ، لتبقى فقط (لا حزبية ولا أحزاب ، الثورة ثورة شباب) .

3- عاطفة الشعب وبلطجة السلطة :

يعرف الكثيرين منا أن الشعب اليمني شعب عاطفي سرعان ما تستطيع كسبه إلى صفك من خلال استمالة عاطفته الجياشة ، رغم أنه شعب متسلح و(جَلِفْ) كما بالمصطلح العامي ، لكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد عاطفة الشعب اليمني حينما قال (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة) فرقة قلوب اليمنيين ولين أفئدتهم جعلتهم يتعاطفون مع الشباب الثائر لا سيما يعد أن قامت السلطة الحمقاء بأعمال البلطجة المستفزة في كثير من محافظات اليمن ، ابتداء من تعز حينما ألقيت على جموع المعتصمين قنبلة يدوية من سيارة تابعة لأحد قيادات الحزب الحاكم ، وأدت إلى استشهاد الشاب مازن البذيجي وإصابة أكثر من 87 شخصا ، ثم مروراً بالبلطجة التي حصلت في صنعاء ، وبعدها وقعت المجازر في عدن ثغر اليمن (الحزين) بعد أعمال السلطة الهمجية ، وتوالت أحداث البلطجة لتشمل محافظات حضرموت والبيضاء وإب وعمران والحديدة...الخ ، ولا زال في مسلسل البلطجة بقية ، حيث يرى هؤلاء البلاطجة التشجيع المباشر من قبل صاحب الفخامة على أساس أن هذا واجب وطني في الدفاع عن الوطن ومكتسباته ، فصور لهم هذا الزعيم أن الوطن هو شخصه فقط ، وما دون ذلك ليذهب هباء منثوراً ، وربما تفرز لنا الأحداث قذافي آخر ربما يخرج إلينا في الأيام القادمة !!

لذا فقد كانت العاطفة الجياشة في قلوب اليمنيين من أهم عوامل القوة للثورة بعد ممارسات السلطة البلطجية ، والتي لم تتعظ من بلطجة المصريين ، فأدى هذا إلى تكاثر أعداد المعتصمين في المحافظات ، وتكاثر المؤيدين لهم في كل مكان ، خاصة بعد أن رفع الرئيس شعار (سنقاتل إلى آخر قطرة دم) ، حينها ستؤثر العاطفة اليمنية في بقية المحايدين حين يرون أبناء شعبهم وإخوانهم يقتلون في كل مكان ، ولن يبقى هناك بالتأكيد أي محايد في أرجاء الوطن !.

4- القدوة الحسنة بمصر وتونس :

حينما قال النظام الحاكم في اليمن عندما بدأت المظاهرات والاعتصامات في الخروج أن هؤلاء مقلدون لما جرى في تونس ومصر ، وخرج الرئيس بداية ليقول أن اليمن ليست تونس ، ثم خرج بعدها مرة ثانية ليقول أن اليمن ليست مصر ، وبالتأكيد فاليمن ليست تونس ، وليست مصر أيضاً ، وكل تلك الملايين التي خرجت تهتف بمحض إرادتها وليس بأموال البنك المركزي الموزعة في كل مكان (الشعب يريد إسقاط النظام) كل أولئك لم يكونوا مقلدين ، ولكن القدوة الحسنة التي رأوها في تونس ومصر جعلتهم يخرجون ويكسرون حاجز الخوف الذي ظل مسيطراً على جميع شعوب العرب قبل ان يحرق (البوعزيزي) نفسه ويحرق معه ذلك الحاجز الذي اتضح أنه أوهى من بيت العنكبوت ، وكل تلك الملايين قد وجدت فرصتها بعد أن رأت نجاح الثورة في تونس ومصر ، وبعد أن رأت رئيس الوزراء المصري يؤدي اليمين الدستورية في وسط ميدان التحرير وإن كان بشكل رمزي وعاطفي ، ورأت النائب العام المصري وهو يمنع الرئيس وأسرته من السفر ، ورأت الشعب التونسي يسقط رئيس الوزراء محمد الغنوشي رغم محاولته التعلق بالثورة واللحاق بها ، ولكنه كان في الأنظار من أصحاب (الحرس القديم) للرئيس بن علي ، والكثير والكثير من إفرازات النجاح لثورتي تونس ومصر ، لذا فقد كانت القدوة الحسنة من أهم عوامل القوة لثورة الشباب التي انطلقت في اليمن .

5- الملل من الحاكم والرغبة في التغيير :

عند العودة إلى انتفاضة الشعب التونسي ، فقد انتفض الشعب وملَّ زعيمه بعد 23 عاماً من حكمه ، وهي مدة طويلة جداً بالنسبة للدول الديمقراطية التي نادراً ما تجد رئيساً يظل في منصبه لأكثر من فترتين مدة كل واحدة منهما 4 سنوات ، وبعده جاء الشعب المصري ليؤكد أنه ملَّ من مبارك بعد 30 سنة من بقائه في الحكم ، لذا فقد كان من الأولى والأجدر بالشعب اليمني أن ينتفض قبل كل الشعوب ، فبقاء الرئيس صالح 33 سنة على سُدة الحكم كفيل بأن يشعر الشعب بالملل والضيق والضجر على نحو يجعله الأولى بالتغيير ، وتأكيداً لمسألة الملل فقد صرح الرئيس شخصياً انه ملَّ من الحكم ، فإذا كان هو قد ملَّ وهو (يلهف) مقدرات الوطن ويعيش في قصور (ألف ليلة وليلة) فكيف الحال عند من (يلهف) من براميل القمامة ما يسد به رمقه ويعيش في خيمة صغيرة إن لم يكن في العراء؟!

  ولأن التغيير أيضاً سنة من سنن الله في الكون ، فرغبة الشعب أن يرى حاكماً جديداً بعد أن عاش من عاش ومات من مات وعلي صالح في مكانه لا يفارق موضعه إلا في زيارة خاطفة لأي مكان ، وسرعان ما يشعر بالحنين إلى كرسيه الذي أصابه (الذحل) وأصابه (الملل) ، فكيف لا يمل من له قلب ، وقد ملَّ ذاك الجماد مِن من هو على ظهره آناء الليل وأطراف النهار !!.

6- سذاجة وسائل الإعلام الحكومية :

  لم تستفد وسائل الإعلام اليمنية من ما جرى لمثيلاتها في مصر وتونس ، فكررت التجربتين المصرية والتونسية وعلى نحو أكثر بشاعة وسذاجة يُشعر المتابع بالرغبة في (التقيؤ) من أفعالها ، فشنت حملة إعلامية شعواء للتشهير برموز المعارضة ابتداءً ، ثم حملة لتمجيد وتحسين صورة الحاكم المستبد ، ثم حملة لاستغفال عقول الناس والقول لهم بان كل هذا هو مؤامرة خارجية على اليمن ، خاصة بعد أن صرح رئيس السلطة بأنها مؤامرة يتم طبخها في غرفة في (تل أبيب) وتديرها (واشنطن) ولكنه سرعان ما اعتذر لأنه عرف أنه تجاوز الخطوط الحمراء التي يرسمها أسياده ، وكأن الغرب يتآمر على اليمن ويشغلها في هذه الأمور كي لا تسرع بإنجاز مشروع القنبلة النووية أو إرسال رواد فضاء (موالعة) إلى سطح القمر !.

وتواصلت سذاجة الإعلام اليمني من خلال أساليب بدائية تثير الاشمئزاز ، حيث بدأت الفضائية اليمنية باجتزاء خطابات العلماء ودبلجتها لكي يظهر للعامة أنهم ضد المظاهرات وأنهم مع الرئيس ، ولعل موقف الشيخ الزنداني واجتزاء كلامه في الفضائية كان أكبر دليل على سذاجتهم ، ويتواصل مسلسل السذاجة من خلال عمل مقابلات مع مندسين تابعين لها ومأجورين بـ(ألفين) ريال في اليوم ليأتوا ويصرحوا أنهم كانوا مع المعتصمين في ساحات الحرية ، ولكن خطاب الرئيس أقنعهم وجعلهم يرفعون خيامهم ويعودون إلى منازلهم ، داعين البقية إلى اتباعهم ، وتفويت الفرصة على المتآمرين على أمن الوطن وسلامته .

ولعل موقف قناة سبأ التي يُقال أنها قناة الشباب كان الأكثر (بشاعة) وخاصة خلال الأيام الأخيرة ، ولعل عادل الحبابي يريد أن يثبت موقفاً ويجدد الولاء طمعاً في شيء ما ، فأبى إلا الركوع والانبطاح أمام قدمي الزعيم كي يرضى عنه ، فقد قامت القناة بما لم يتوقعه أحد لكي تثبت ولائها ، ولعلي هنا أذكر موقفاً واحداً وهو الذي حدث للشيخ وجدي غنيم الذي طلبت منه القناة فتوى بتحريم المظاهرات كما قال هو ، ولكنه رفض ، وقال بأنه سيظل في موقف الحياد لأن اليمن استضافته ، ولكن القناة استخدمت تسجيلاً قديماً وهو يقول (أوقفوا هذا الكفر الذي يجري في قناة الرسالة) رداً على د. طارق السويدان في قضية دخول فتيات غير منقبات وحوارهن مع الشباب ، وهو رأيه الشخصي ولا يعنينا هنا ، ولكن الذي يعنينا أن القناة استخدمت هذا الرد وأذاعته على انه كلام الشيخ رداً على ما قاله د. طارق السويدان في حثه لليمنيين على الخروج على الحكام المستبد وعدم تصديقه فيما يقول ، وهذا كله قاله الدعية وجدي غنيم بلسانه ولم يقله أحد غيره ، وأكد غنيم أنه طالب القناة بالاعتذار وتوضيح الموقف ما لم فإنه سيتخذ الإجراءات القانونية ضدها ، فكيف بلغت بهم الجرأة والوقاحة أن يفعلوا مثل هذا ، ولعل الله يطيل عمري لكي أرى نهاية عادل الحبابي وأمثاله عند نجاح هذه الثورة كما رأيت نهاية (مطبلي) مبارك في مصر!.

 ختاماً ، عوامل قوة الثورة وانتفاضة الشعب كثيرة وتبعث على الأمل والتفاؤل ، ومن المؤكد أن هذه الفرصة التاريخية التي سنحت للشعب اليوم بالانتفاض على سجانيه وإسقاط النظام المستبد لن تتكرر ، ومن المؤكد أيضاً أن الشعب لن يفوت هذه الفرصة ، لا سيما أن جميع عوامل القوة في صفه ، وقد بدأت المسيرة ، ولن تقف إلا بعد تحقيق أهدافها ، حينها سنعرف أن قوة الشعب لا تعادلها أي قوة ، وسنعرف كيف كان هذا النظام غبياً بما فيه الكفاية لكي يسقط في 33 يوماً وليس 33 عاماً عجافاً جعلت قمة راحتنا في الحضيض !!.

tarekal.banna@yahoo.com


في الأربعاء 16 مارس - آذار 2011 05:02:26 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=9494