صراع القاعدة والحوثيين إلى أين..؟؟
أحمد محمد عبدالغني
أحمد محمد عبدالغني

بعد أن ظل نشاط تنظيم القاعدة في اليمن يتجه جنوباً خلال الفترة الماضية، فإن العمليات الانتحارية التي وقعت في الجوف (24 نوفمبر 2010م) وصعدة (26 نوفمبر 2010م) تؤكد أن التنظيم قرر أن يتجه شمالاً، وهذا في حد ذاته تحول جغرافي..

وبعد أن كان الصراع المعلن الذي يخوضه تنظيم القاعدة موجه ضد أهداف أمريكية وغربية، وضد أهداف حكومية، فإن الأحداث الأخيرة تؤكد أن الصراع أصبح الآن موجه ضد أهداف طائفية ومذهبية، وهو تحول رئيسي في نشاط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وفي هذا الإطار تبرز العديد من السيناريوهات المحتملة:

السيناريو الأول:

يرى هذا السيناريو أن القاعدة دُفعت دفعاً نحو هذه الخطوة، وبالتالي فإن ما حدث يمثل رسالة أرادت منها أطراف محلية وإقليمية ودولية إبلاغ الحوثيين بأن هناك وسائل وأدوات جديدة يمكن أن تدخل في خط الصراع، وهو ما يفرض عليهم أن يعيدوا حساباتهم الكلية وأن يقدموا الاستحقاقات الضرورية المطلوبة، ولاشك أن هذه العمليات بقدر ما أذهلت الحوثيين وأربكتهم، فإنها قد دفعتهم إلى اتخاذ إجراءات أمنية ميدانية تعزز حضورهم على مستوى محافظة صعدة وما جاورها، حيث سيصبح هاجس الأمن يمثل ركناً أساسياً من أركان جهود الحوثيين في مواصلة تحقيق مشروعهم الأكبر، وسيتعاملون مع مثل هذه الأحداث بمنطق ( رب ضارة نافعة)..

السيناريو الثاني:

يرى هذا السيناريو أن الأطراف التي دفعت تنظيم القاعدة نحو هذه الخطوة أرادت تحقيق هدفين.

الهدف الأول: استخدام هذه العمليات كوسيلة من وسائل جس النبض لصراع مذهبي وطائفي قادم ولكنه بعد حين طويل، حيث سيظل توظيف مثل هذه الأحداث بين فترة وأخرى لقياس ردود الأفعال الميدانية، المذهبية الطائفية والقبلية ...الخ، والتعرف في كل مرحلة على مستوى الاستعداد النفسي والعقدي والاجتماعي ودرجة النضوج التي يمكن أن تصل إليها قناعات الناس ويصبح بعدها الدخول في أتون الصراع أمراً محتوماً ولا مفر منه..

الهدف الثاني: استخدام هذه الأحداث كبروفه لإعادة رسم وتوزيع خارطة الصراع على مستوى الساحة اليمنية مستقبلاً، ففي ظل عدم قناعة المجتمع الدولي بمحاولات السلطة الدؤوبة، الربط بين الحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة، وبالنظر إلى أهمية ماحققته الإمكانيات الأمنية خلال دورة خليجي 20، كل ذلك يؤكد أن أية مسارات قادمة لحل القضية الجنوبية يقتضي البحث عن متنفسات أخرى، جغرافية وأيديولوجية، يستفرغ فيها ومن خلالها تنظيم القاعدة نشاطاته وصراعاته المفتوحة..

وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية التواجد الأمريكي والغربي في البحر وما يقتضيه من تقديم تسهيلات على البر، يؤكد أهمية العمل على جر المواجهة مع تنظيم القاعدة، نحو زوايا ومساحات بعيدة عن الساحل طالما كان ذلك ممكناً..

السيناريو الثالث:

يرى هذا السيناريو أن العمليات الانتحارية التي قامت بها القاعدة ضد الحوثيين، في كل من الجوف وصعدة، تعكس تحولاً جذرياً في بنية تفكير وأهداف تنظيم قاعدة جزيرة العرب.

وخطورة هذا التحول تأتي من استمرار المواجهة بين الطرفين، فاستمرار المواجهة يجعل الحرب مع الحوثيين تأخذ الصبغة الطائفية والمذهبية البحتة، وهو ما سيؤدي إلى تغيير كلي في أسلوب الصراع وأداوته..

فمن ناحية قد يؤدي ذلك إلى نقل تجربة الصراع الدموي الطائفي الذي شهدته الساحة العراقية، ومن ناحية أخرى سيعمل على استنفار التكوينات الطائفية والمذهبية، ليس فقط داخل دائرة صعدة والجوف ولكن على مساحة جغرافية أكبر، ستشمل مناطق داخل العمق السعودي، باعتبار أن تنظيم القاعدة الموجود في اليمن هو تنظيم شامل لمنطقة الجزيرة العربية، والتجمعات الشيعية ليست فقط موجودة في اليمن، ولكنها أيضاً موجودة في جنوب المملكة وفي شرقها..

وبالتالي فإن اشتعال أي حرب طائفية ومذهبية يعني خلط الأوراق على مستوى منطقة الجزيرة العربية والخليج كاملاً..

السؤال المهم في هذا الإطار:

هل أصبح لدى تنظيم القاعدة القدرة على فتح أكثر من جبهة، بحيث يواصل صراعه ضد الأهداف الأمريكية والغربية، وصراعه ضد الأهداف الحكومية، وصراعه مع جماعة الحوثي..؟ أم أن تنظيم القاعدة سيعمل على تهدئة الجبهات الأخرى والتركيز بشكل رئيسي على مواجهة الحوثيين..؟

وفي المقابل هل الحوثيون مستعدون لخوض معركة طائفية ومذهبية من هذا النوع، وكيف سيكون دور التكوينات القبلية المتعاطفة مع هذا أو ذاك..؟ هل يعني أن تجربة الصحوات في العراق سيتم نقلها إلى اليمن..؟

والأهم من ذلك، كيف سيكون موقف الحكومتين اليمنية والسعودية وجيشيهما، هل سيساهمان في إشعال فتيل الحرب القادمة وتأجيجها..؟ هل سيقفان متفرجين..؟ أم سيحاولان إطفاءها في اللحظات التي يرون أنها قد تخرج من تحت السيطرة..؟

موقف الحكومة اليمنية:

وبالنظر إلى الكثير من المعلومات والمؤشرات والتحليلات المحلية والأجنبية التي ظلت تؤكد وجود خيوط روابط وعلاقة بين الحكومة اليمنية وتنظيم القاعدة، فإن دخول تنظيم القاعدة في مواجهة حقيقية مع الحوثيين سيدخل الحكومة في مأزق شديد الخطورة، لأن وقوفها مع تنظيم القاعدة بشكل مباشر أو غير مباشر، سيجعل المجتمع الدولي يواصل إتهاماته وضغوطه على الحكومة اليمنية تحت مبرر تقصيرها وتقاعسها في مكافحة الإرهاب، ثم إن هذا الوقوف مع القاعدة ضد الحوثيين سيثير حفيظة التكوينات ومراكز القوى المذهبية داخل تركيبة النظام وقد يؤدي إلى خلخلة هذه السلطة واسقاطها..

ومن ناحية أخرى، فإن التحالف بين الحكومة والحوثيين سيقدم الحكومة كرديف مذهبي أمام مختلف الشرائح الاجتماعية اليمنية، وهو أمر محرج بالنسبة لها، خاصة أن مثل هذا التحالف لو حدث سيعمل على إيجاد حالة من التعاطف العام مع القاعدة، سواء في أوساط الأسر والمناطق التي استشهد عدد من أبنائها ورجالها في حروب صعدة السابقة، أو في أوساط الجيش نفسه – كمنظومة عسكرية متكاملة – والذي قدم الضحايا الكثيرة في تلك الحروب، وظل يتحمل الأعباء النفسية والنتائج والأخطاء السياسية والقيادية، بصورة تراكمية.

وعلى افتراض أن الحكومة اليمنية تحالفت مع الحوثيين بصورة غير معلنة أو قدمت لهم تسهيلات معلوماتية ولوجستية، فإن استمرار الصراع بين الحوثيين وتنظيم القاعدة سيقدم الحوثيين كحلفاء للأمريكييين في معركة مكافحة الإرهاب، وسيتأكد بذلك ما سبق أن أشار إليه الباحث الأمريكي باراك سلموني، الذي قال: (على الرغم من قيام الحوثيين بتعزيز شعار غير ودي تماماً "الموت لأمريكا وإسرائيل، واللعنة على اليهود، والنصر للإسلام" إلا أنهم لم يشنوا ولو عملاً عدائياً واحداً ضد الولايات المتحدة أو الأصول الأمريكية في المنطقة. وفي الواقع، يشارك الحوثيون نفس العداء الذي تكنه الولايات المتحدة تجاه الإسلام السني السلفي الراديكالي الذي ساعد على تحريض ظهورهم كحركة تمرد في المقام الأول)..

وبالطبع فإن تطورات التقارب الأمريكي الحوثي، سوف يزعج الحكومة اليمنية، لأنه سيُفقدها حصرية الشراكة مع الأمريكيين في مواجهة القاعدة، وسيعطي الحوثيين مكانة وبعد دولي وإقليمي أكبر، ناهيك أن تحالف الحكومة المعلن أو غير المعلن مع الحوثيين قد يفقدها أيضاً بعض خيوط اللعبة مع تنظيم القاعدة نفسه..

موقف الحكومة السعودية:

المتتبع لما نشر خلال الفترة الماضية من مقالات وتحليلات صحفية، سيجد أن هناك شبه إجماع في أوساط الكُتّاب اليمنيين، أن اليمن أصبحت ضحية ما سُمي نجاح المملكة في مكافحة الإرهاب، فقد أستطاعت الأجهزة الاستخباراتية السعودية أن تدفع تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين باتجاه اليمن، وكانت النتيجة تشكيل تنظيم موحد مقره اليمن، تحت لافتة قاعدة جزيرة العرب (يناير 2009م).. وخلال السنتين الماضيتين ظل دور هذه الأجهزة بارزاً فيما يخص التطورات المرتبطة بنشاط تنظيم القاعدة وقضايا مكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق فإن الحديث عن صراع قاعدي حوثي قادم، يضع الحكومة السعودية في واجهة المشهد بحكم حضورها القوي وعلاقاتها بمختلف الأطراف الفاعلة.

ولذلك من حق الناس أن يتساءلوا عن الدور الذي ستلعبه السعودية في حالة دخول تنظيم القاعدة في مواجهة مع الحوثيين. 

هل ستقف المملكة مع القاعدة ضد الحوثيين؟ أم مع الحوثيين ضد القاعدة؟ أم ستعمل على دعم الطرفين ضد بعضهما، انتقاماً من كليهما معاً..؟ والمساهمة في توسيع دائرة الصراعات التي تشهدها الساحة اليمنية.

وبالنظر إلى طبيعة السياسات السعودية في اليمن، عبر مختلف المراحل، فإن كل الاحتمالات واردة.. ومع ذلك فإن كل خيار من تلك الخيارات يمكن أن يضع الحكومة السعودية في مأزق..

فالوقوف مع القاعدة ضد الحوثيين، سيثير حفيظة التجمعات الشيعية في المملكة العربية السعودية وسيجعلهم يلتفون حول الحوثيين في تقديم الدعم والتأييد المعلن أو غير المعلن، كما أن هذا الوقوف قد يؤدي إلى قيام تحالف بين الحوثيين والنظام الحاكم في اليمن بحكم الروابط والمشتركات التاريخية والاجتماعية.

ووقوف المملكة مع الحوثيين ضد تنظيم القاعدة، بقدر ما يعزز العلاقة بين شيعة المملكة وحكومتهم، فإن هذا الوقوف سيثير حفيظة أطراف أخرى داخل المملكة وسيكشف لعبة القاعدة نفسها، هل هي قاعدة الجزيرة العربية أم قاعدة اليمن.؟

أما وقوف المملكة مع طرفي المواجهة ضد بعضهما، فإنه بقدر ما سيعمل على إيجاد اصطفافات واستقطابات جديدة، ليس على مستوى الساحتين اليمنية والسعودية ولكن على المستوى الإقليمي أيضاً، فإن هذا الوقوف إذا استمر سيساهم في إنضاج وتسريع مشروع الصراع الطائفي المذهبي في كل أرجاء منطقة الجزيرة العربية والخليج، وبالتالي دخول كل الأطراف في دوامة أكبر من قدراتهم على السيطرة..

Ahmdm75@yahoo.com

 
في الإثنين 13 ديسمبر-كانون الأول 2010 07:44:40 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=8517