العلاقات اليمنية السعودية، في رحلة البحث عن مستقر
أحمد محمد عبدالغني
أحمد محمد عبدالغني

بعد أيام قليلة من قيام النيجيري عمر عبدالمطلب بمحاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية فوق ديترويت عشية عيد الميلاد (24ديسمبر 2009م)، أعلن جولدن براون رئيس وزراء بريطانيا عن تبني حكومته لاجتماع ينعقد في لندن (27 يناير 2010م) بشأن اليمن، حيث كان هذا الإعلان بمثابة قنبلة سياسية شديدة الانفجار هزت الساحة اليمنية وأوجدت حالة من الإرباك على مستوى المفاصل الرئيسية للسلطة وفي أوساط النخب المختلفة، ولم يبق دوي هذه القنبلة محصوراً في إطار الداخل اليمني، ولكنه امتد لمساحات خارجية أكثر اتساعاً، فقد تلقفت الآلة الإعلامية الإقليمية والدولية ذلك الإعلان بصورة غير مسبوقة، رصداً وتحليلاً، واستشرافاً وتوقعات، إلى درجة أرعبت اليمنيين وجعلت الحكومة في حالة من الاستعداد لتقديم مختلف التنازلات والاستجابة لكل ما يفرض عليها من اشتراطات...

وفي سياق تحقق هذا الهدف الأولي التمهيدي، تحول اجتماع لندن، والذي استغرق ساعتين فقط، إلى جلسة استماع لمجموعة من التوجيهات والالتزامات ومحطة انطلاق لسلسلة مترابطة من القضايا والأجندات، حيث تم التأكيد على أن مسئولية معالجة التحديات التي تواجهها اليمن يقع أولاً وقبل كل شيء على عاتق الحكومة اليمنية، والتزام المجتمع الدولي بدعم هذه الحكومة في مكافحتها لتنظيم القاعدة وغيره من أشكال الإرهاب، وكذا عزم المجتمع الدولي على تقديم المزيد من الدعم لأجل بناء القدرات في مجال تنفيذ القانون والقدرات التشريعية والقضائية والأمنية..

وتضمن بيان لندن الإعلان بأن الرياض ستستضيف بعد شهر من ذلك التاريخ، لقاء آخر حول اليمن أيضاً (وسوف يتبادل المشاركون في هذا اللقاء تحليل العوائق التي تحول دون تقديم دعم فعال لليمن، بما في ذلك عمليات الإصلاح ذات الأولوية..)..

وبالنظر إلى مجمل المعطيات والوقائع التي كانت جارية حينها، بدا أن عملية الانتقال من لندن إلى الرياض مثلت مخرجاً للسياسة الأمريكية والبريطانية، من الاحراجات والحساسيات المتعلقة بالأدوار التي تقوم بها كل من بريطانيا وأمريكا فيما يخص التطورات الداخلية اليمنية، وبالذات موضوع مكافحة الإرهاب والحرب المشتركة على تنظيم القاعدة، وهو ما يعني أنه مطلوب من دول الإقليم تحمل التبعات والتكاليف والمعالجات، وستكون هي في الواجهة، بينما تبقى واشنطن ولندن حاضرتان من خلال الدور الإقليمي ظاهرياً، وتعملان في نفس الوقت على توجيه وتنفيذ ما هو مطلوب بالأساليب المختلفة مباشرة مع صنعاء..

معطيات جديدة..

وبالتأكيد فإن عملية الانتقال إلى الرياض قد حملت العديد من الدلائل والمؤشرات الأخرى والتي أبرزها عودة المملكة للإمساك بالملف اليمني كاملاً، كما كان الحال في عقدي السبعينات والثمانينات، ويعزز من حضورها الذي هو موجود أصلاً، في اتجاهات ومجالات وميادين متعددة..

وبالنظر إلى أن لقاء الرياض (27-28 فبراير 2010م) لم يخرج بأية تعهدات مالية جديدة فقد مثل في ذاته إيذاناً لانطلاق مجموعة أصدقاء اليمن التي أشار إليها بيان لندن واعتبرت امتداداً له..

وبناءً على ذلك عقدت مجموعة أصدقاء اليمن عدد من اللقاءات على مستوى الخبراء.. وبرز الاجتماع الوزاري في نيويورك (24 سبتمبر 2010م) كمحصلة إجمالية، وحظي هذا الاجتماع باهتمام نوعي قريب من اجتماع لندن، وكأن المُخرج أراد التأكيد والتذكير هنا بثنائية المرجعية الرئيسية ( بريطانيا – أمريكا) فمن لندن انطلق المشروع ومن نيويورك تتواصل الموجهات التقييمية والتعميدية..

وكما هو الحال بالنسبة لاجتماع لندن، فإن اجتماع نيويورك لم يقدم تعهدات مالية جديدة أيضاً، ولكنه خرج بعدد من التوصيات السياسية التي تمثل في ذاتها ملمحاً من ملامح الأجندة التي على ضوءها يجري التعاطي مع الشأن اليمني..

ومن أهم التوصيات الإجرائية التي تضمنها بيان نيويورك : دعم مجموعة أصدقاء اليمن لتأسيس مكتب للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في صنعاء (والذي سيساعد كافة المانحين في تخطيط وتنسيق وإيصال المساعدات لليمن على نحو أكثر فعالية..).. وكذا إقرار أن يكون الاجتماع الوزاري القادم في الرياض (والذي سيعتمد الخطوات الواضحة في مجالات الإصلاح الرئيسية، وتحديد الدعم اللازم للتنمية في اليمن..)..

وهنا مربط الفرس، ففتح مكتب بهذه الصيغة يشير بوضوح إلى أن الحكومة اليمنية لم تلتزم بالتوصيات التي أقرها المانحون عام 2006م، وعجزت عن تقديم آلية عملية وواقعية وشفافة لاستيعاب المنح المقدمة وتنفيذ المشاريع التنموية المطلوبة..

الأمر الثاني: أن إقرار فتح المكتب يحمل في ذاته رسالة قوية تؤكد أن دول مجلس التعاون هي المسئول بدرجة رئيسية وأساسية عن عملية دعم التنمية في اليمن..

أما الأمر الثالث: فيعني أن عملية الانضمام إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي لن تكون مطروحة للنقاش على المدى القريب، وهو ما سبق أن تحدث عنه بوضوح الوزير العماني الاستاذ يوسف بن علوي بن عبدالله في حواره مع صحيفة الحياة (نوفمبر 2009م) حيث كان فشل الحكومة اليمنية في إنجاح مشروع التأهيل أحد الأسباب الرئيسية التي ظل يتحدث عنها الأشقاء في مبرراتهم المعلنة..

وبالنسبة لموضوع إقرار أن يكون الاجتماع الوزاري القادم في الرياض، فذلك يؤكد ما سبق لمؤتمر لندن أن أكده وهو هيمنة القرار السعودي على ملف العلاقات اليمنية الخليجية، وإمساكه بخيوط اللعبة كاملة، خاصة في ظل انحسار مساحة الحركة التي كانت متاحة للنظام الحاكم في اليمن على المستوى الخليجي، فالدور الكبير الذي قامت به الكويت لدعم اليمن والتخفيف من حدة الهيمنة الآحادية خلال الستينات والسبعينات والثمانينات، انتهى في 2 أغسطس 1990م.. والدور الإيجابي فيما يخص اندماج اليمن في المنظومة الخليجية، الذي بدأت تقوم به قطر منذ عام 1996م إنكسر في قمة غزة (يناير 2009م).. وما تبقى من متنفسات سياسية خليجية أخرى، أصيبت بالذهول والريبة والخوف من رعونة المغامرات التي كشفت عن نفسها في العبور إلى جبل الدخان وفتح جبهة مواجهة استفزازية من العيار الثقيل (2 نوفمبر 2009م)..

فشل علاقات الهيمنة..

ومن هنا فإنه وبالنظر إلى مجمل ما يجري من تحركات معلنة وغير معلنة، يبدو أننا في مرحلة تأسيس لعلاقات يمنية جديدة مع دول الإقليم، وبالذات المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يعني أن القيادتين اليمنية والسعودية تقفان الآن أمام مسئولية تاريخية تجاه حفظ وحماية حقوق شعوبهم ومستقبل أجيالهم..

وإذا كانت الحكومة اليمنية ملزمة بتقييم وتصحيح الأخطاء التي حدثت في مسار العلاقات، وما أفرزته من نتائج سلبية تَحمَّل أعبائها أبناء الوطن، وانعكست بصورة سيئة على أوضاعهم وطريقة تعامل الآخرين معهم، فإن الحكومة السعودية ملزمة أيضاً بتقييم وتصحيح الأخطاء التي حدثت أيضاً، فعلاقات الهيمنة لم تؤد إلى نتائج مقبولة بقدر ما ولّدت مواقف مضادة وفتحت الباب واسعاً لمشاريع أخرى دخلت على خط هذه العلاقات واستطاعت استغلال تلك الأخطاء لخدمة أغراضها وأهدافها..

واستخدام المملكة لأسلوب الفرز القبلي والمناطقي في علاقاتها مع اليمنيين ساهم في إيجاد حالة من التمايز الاجتماعي، المادي والمعنوي، وعمل على زرع الأحقاد واغاظة النفوس، وتكريس شعور عام بأن سياسة المملكة هي سبب رئيسي فيما يعانيه الواقع اليمني، وهو ما أتاح الفرصة لحلفاء المملكة العمل على توظيف ذلك في ابتزازها الدائم من أجل مضاعفة المصالح وادامتها..

ثم إن ما نسمعه عن الأسلوب السيء والغير لائق الذي تستخدمه بعض الأجهزة السعودية في تعاملها مع المغتربين اليمنيين، يكشف أن هناك أدوات تتعمد ضرب علاقات الأخوة والجوار على المستوى الشعبي، وخلق صورة ذهنية مغايرة لما يقال عبر وسائل الإعلام الرسمية، في الوقت الذي ظل فيه اليمنييون جميعاً ينتظرون تغييرات جذرية إلى الأحسن، بعد التوقيع على معاهدة الحدود اليمنية السعودية في جدة (يونيو 2000م)..

وإذا كان هناك من يقول أن المملكة قامت بضخ عشرات المليارات من الدولارات إلى اليمن خلال العقود الماضية، فقد كان بالإمكان تخصيص جزء بسيط من تلك المليارات لتعميم الفائدة على كل المحافظات اليمنية، في مجال التأهيل والتدريب مثلاً، بحيث تحظى كل محافظة بعدد من المعاهد الفنية وكلية مجتمع بالإضافة إلى مستشفى نموذجي، مثل هذا المشروع لوتم تنفيذه منذ زمن كان سيحقق فائدة مزدوجة لليمن والسعودية والخليج، وسيجعل اليمنيين جميعاً يشعرون بأدوار الأشقاء وما يقدمونه من مساعدات نوعية ودائمة، وهكذا بالنسبة لكثير من الجوانب التي تخدم التنمية وتعزز التطور الاجتماعي..

وبالطبع هذا المثال للتذكير فقط، لأننا اليوم أمام معضلات معقدة كثيرة، ودور الأشقاء في صياغة أسس جديدة للعلاقات يجب الاّ يغفل ضرورة المساهمة في بناء دولة النظام والقانون، وتحقيق قواعد الأمن والاستقرار العام بما يخدم مصالح شعوب المنطقة كلها، والكف عن دعم جماعات التخلف وقوى الفساد التي لا يهما إلا مصالحها الذاتية وترمي بمصالح الشعوب والأجيال عرض الحائط، ولابد من التعاطي مع مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية على قدم المساواة.. وكل ذلك في إطار علاقات متوازنة تستند على قواعد الشفافية والوضوح والتعاون والتكامل والاحترام المتبادل..

وبالتأكيد فإن مثل هذا الطموح لا يمكن له أن يتحقق مالم يجد من الجانب اليمني الاستعداد والمبادرات المتواصلة من أجل الوصول إلى علاقات شراكة حقيقية تتجاوز عُقَد الماضي وأمراضه..

مسئولية مشتركة..

وفي هذا السياق إذا كان بيان نيويورك قد أكد أن لقاء الرياض القادم سيعتمد الخطوات الواضحة في مجالات الإصلاح الرئيسية في اليمن، فإن هذا اللقاء وبقية لقاءات مجموعة اصدقاء اليمن ستكون معنية بفتح آفاق أكثر رحابة فيما يخص العلاقات اليمنية السعودية والخليجية، وكذا علاقات اليمن بالأطراف الدولية المشاركة بشكل عام..

لأن تحديد الدعم اللازم للتنمية في اليمن لن يكون بالصورة المأمولة وسيظل في الإطار الشكلي ما لم تتعزز العلاقات الثنائية مع دول مجلس التعاون بأسس متينة مستندة إلى مصداقية أوسع، وتكون قادرة على حشد الإمكانيات المختلفة بالاتجاه الصحيح والسليم..

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل لدى الحكومة اليمنية تصور واضح عما تريده من الأشقاء، وهل هذه الحكومة قادرة على الاستيعاب الواقعي وتحمل التبعات واستخدام الآليات الشفافة والواضحة، وإزالة مختلف العوائق التي ظلت تمثل عقبة كأداء أمام المانحين..؟

وفي المقابل هل لدى دول الخليج تصور واضح عما تريده هي من اليمن، وعما تريده الأطراف الدولية من اليمن والخليج معاً، خاصة ( لندن وواشنطن) المحركتان لمشروع مجموعة أصدقاء اليمن والواقفتان خلفه..؟

وبالتالي هل الطرفان اليمني والخليجي قادران على التوفيق بين مختلف الالتزامات، والخروج من حالة الدوران في الحلقة المفرغة، فمعروف أن قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب أصبحت هي الشغل الشاغل لمختلف الأطراف، وهو همّ مشروع لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه، ومع ذلك فإن المسارات المستقبلية للعلاقات اليمنية السعودية والخليجية ستقع في خطأ تاريخي إذا لم يستطع المعنيون تجاوز عنق الزجاجة فيما يخص هذه الاشكالية، أو إذا حاولوا الهروب من الاستحقاقات المتعددة الأخرى، تحت لافتة الانشغال بهذه القضية وتعليق حجج ومبررات العجز والتقاعس على شماعتها..؟؟

Ahmdm75@yahoo.com


في الخميس 07 أكتوبر-تشرين الأول 2010 07:38:57 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=8071