أسرار تغلغل الحوثيين في اليمن
أحمد عايض
أحمد عايض

- مأرب برس تفتح صفحات مطوية .. الحديث عنها يحمل في ثناياها " مرارة حرب .. وشلال دماء .. وصراع نفوذ .

- محافظة الجوف محافظة منسية من ذاكرة الحكومة اليمنية تبعد عن العاصمة صنعاء 170كم

- سلطان الدولة غائب ولم يعرفه أبناء الجوف بل وبعضهم لم يسمع عن وجود " مسماه

- هناك المئات من كبار السن من أبناء المحافظة يحنون " شوقا " لأيام الإمامة وأيام " أسره بيت حميد الدين .

- الحوثيون نجحوا في كسر عظام اللصوص وقطاع الطرق الذين كانوا يعيثون فسادا

- الحوثيون قدموا نفسهم كجهات تسعى لحل مشاكل الناس

- الحكومة اليمنية خلال أكثر من أربعين عاما جعلت من مهامها تدمير القبيلة .

- الحوثيون يمتلكون ترسانة عسكرية قوية من بينها الدبابات

- المشهد يبدو غريبا في سياق اللحظة الأولى لسماعة .. لكن فصول الإثارة تتالى في سياق حديث شخص عاش الحدث وعاصر أيامه ليس كمواطن عادي لكن كزعيم قبلي كبير " يعرف ليالي السعد من نحسها " كما يقال باللهجة البدوية شرق اليمن ..

-مأرب برس تفتح صفحات مطوية .. الحديث عنها يحمل في ثناياها " مرارة حرب .. وشلال دماء .. وصراع نفوذ ... فصول مشاهد تلك الصفحات غائبة عن مشهد الساحة الإعلامية داخل اليمن وخارجة حتى اللحظة . ..

- شيخ قبلي ذائع الصيت في شرق اليمن, يتحدث لـ" مأرب برس بعيدا عن أضواء الاسم والمركز والشهرة.. يتحدث وهو يقف في موقف " العداء من الحوثيين " وخاضت قبيلته أكبر مواجهات دامية مع الحوثيين وقدمت قبيلته " الشولان " أحد قبائل دهم أكثر من أربعين قتيلا سقطوا في مواجهات حرب دامية خلال السنوات الماضية , ووقفت الدولة منهم موقف المتفرج , ولم تقدم الدعم أو التعويض لأي منهم ..

من أعماق محافظة الجوف يتحدث الشيخ ربيع العكيمي , وإضافة إلى مركزة الاجتماعي كشيخ قبلي شهير , فهو أيضا " أركان حرب حرس الحدود " في محافظة الجوف ذات أكبر مساحة حدودية مع المملكة العربية السعودية ..

- الشيخ القبلي والقائد العسكري " ربيع العكيمي الذي يتحدث في حوار صحفي عن الزحف الحوثي في اليمن , وعن الطرق التي من خلالها تغلغل الحوثيون في المجتمع , والذي بدأ تناميهم واضحا وبصورة " تقلق النظام في اليمن " ..

- يقرأ بحنكته لحظات محرجة ومخيفة تنتظر اليمن .. خاصة في ظل دولة فقدت مسماها في حياة الناس , ناهيك عن سيطرة أو تواجد وهمي أبرز معالمه العلم الجمهوري الذي يرفع في عاصمة المحافظة أو ألوية عسكرية تختبئ خلف متارس موحشة ترى القادم بأنه أكثر قتامه وحيرة ..

يؤكد بأن محافظة الجوف التي تتوزع على أثني عشر مديرية ستكون ثاني محافظة تسقط في أيدي الحوثيين خاصة بعد أن وقعت عشر مديرات حتى اللحظة تحت سيطرتهم, ولم يبقى سوى مديريتان أحدهما عاصمة المحافظة " مديرية الحزم " .

نبذة عن محافظة الجوف :

محافظة الجوف محافظة منسية من ذاكرة الحكومة اليمنية تبعد عن العاصمة صنعاء 170كم , وترتبط شمالا بمحافظة صعدة في حين يحدها من الشرق صحراء الربع الخالي التي تمتد إلى حدود المملكة العربية السعودية , كما يحدها من الجنوب محافظة مأرب ومحافظة صنعاء أما الغرب فيحدها كل من محافظة عمران ومحافظة صعدة أيضا , تبلغ مساحتها أكثر من 48 ألف كم2 .. وعددها سكانها أكثر من 600 ألف نسمة , عدد مديرياتها أثني عشرة مديرية هي على النحو التالي" " حزم الجوف ’ الخلق , الغيل , المصلوب , المتون , المطمة , الزاهر , الحميدات , خراب المراشي , رجوزة , برط العنان , خب والشعف "

نقطة الانطلاق :

يقول الشيخ ربيع العكيمي الذي ينتمي إلى قبيلة دهم " التي تعد واحدة من أشرس القبائل اليمنية شراسة وصمودا أن الحوثيين أول ما بدئوا في التغلغل في محافظة الجوف عن طريق إرسال المدرسين لتعليم القرآن الكريم في عدد من مديرات المحافظة أهمها مديرية " الزاهر " أعقب ذلك إرسال الخطباء والوعاظ , وكون المحافظة تخيم عليها الأمية - تأتي في المركز الأول من بين محافظات اليمن حيث وصلت إلى أكثر من 50% كرقم حكومي يمني في حين ترى جهات أخرى أن الرقم يمكن أن يتجاوز 60 % .. .

حيث كانت الأمية عامل مساعد في قبول الوعظ الديني,, إضافة إلى أن محافظة الجوف هي أصلا ذات امتداد شيعي " تعتقد المذهب الهادوي الذي يعد أحد المذاهب الزيدية .

 نتائج الحروب الماضية والنصر على الدولة ..

أولا .. قدم الحوثيون في سياق ستة حروب ماضية على أنهم الجانب المنتصر , مردفين ذلك بخطاب ديني مصحوبا بعدد من الكرامات التي يزعم الحوثيون أنها وقعت لأتباعهم في ميادين الجهاد ..

ثانيا .. أبناء الجوف لا يملكون ما يحافظون علية للبقاء على الحياة سوى أرواحهم التي بين جنوبهم ,, فالفقر الذي سيطير على المحافظة بشكل كبير أو كما وضفة الشيخ العكيمي " أشد ضراوة من مجاعات أفريقيا " أحد العوامل التي جعلت الناس يعزفون عن أي مفهوم لرغد العيش الذي ينعدم كلية من حياة مجاميع هائلة من البسطاء الفقراء المسلحين وشديدي الاعتزاز بنفوسهم , والواحد منهم يفضل الموت على أن يمد يده للناس وربما فضل أن يلجأ لطرق غير مشروعة لتحصيل لقمة العيش على أن يمد يده لآخرين ..

كل ذلك مهد أرضية خصبة لتغلغل الحوثيين في صفوف الناس , والاقتناع بأفكارهم

الحوثيون يقيمون نواة دولة في غياب الدولة ..

 خلال الثلاث السنوات الماضية توسع المد الحوثي ليشمل غالبية مديرات محافظة الجوف ليصل إلى عشر مديريات من بين أثني عشر مديرية ,, ويختلف التأثير في تلك المديريات من واحدة إلى أخرى , حيث يمارس الحوثيون نشاطهم في تلك المديريات دون أن يجرؤ أحدُ على اعتراضهم أو إيقاف فعاليتهم التي تتنامي من وقت إلى أخر ويخترق الفكر الحوثي بيوت الأهالي في تلك المناطق بطريقة لم يستطع أحد الوقوف أمام موجتها العاتية ..

وأمام غياب سلطان الدولة الذي يلم يعرفه أبناء الجوف بل وبعضهم لم يسمع عن وجود " مسماه " في حياتهم طيلة السنوات الماضية .. وهناك المئات من كبار السن من أبناء المحافظة يحنون " شوقا " لأيام الإمامة وأيام " أسره بيت حميد الدين الذين حكموا اليمن حقبا من الزمن " وتراهم يتحدثون عن عدل الأمام وقوة الأمام وبسط نفوذه إلى كل مكان في تلك المناطق .. في حين يلعنون في ذات الوقت الحكومة الحالية وفشلها في إدارة أبسط شئون حياتهم .. 

وأضاف الشيخ ربيع العكيمي " لموقع مأرب برس أن الحوثيين قاموا بتنفيذ عدد من المسؤوليات التي هي أصلا من مهام الدولة لكنها غابت أو تناست القيام بذلك الدور طيلة سنوات الثورة حتى اليوم .. كإقامة الحدود , وملاحقة اللصوص وتأديب ممارسي التصرفات اللاخلاقية ..

كل ذلك ساعد الحوثيين على غزو قلوب العامة من الناس , وتنامي حب تصرفاتهم في قلوب الكثيرين منهم .

محاكم لإقامة شرع الله :

 شهدت عدد من مناطق محافظة الجوف إقامة عدد من المحاكم الشرعية التي قال أنها تسعى لإقامة " حكم الله " في واقع الناس , خاصة في القضايا التي تتعلق بالجانب الأخلاقي والأمني .

ويضيف الشيخ ربيع العكيمي" يمكننا الاعتراف ان الحوثيين نجحوا في كسر عظام اللصوص وقطاع الطرق الذين كانوا يعيثون في المحافظة فسادا حتى أصبحت محافظة الجوف في مخيلة بقية مواطني اليمن على أنهم " لصوص وقطاع الطرق " نظرا لمئات حوادث السرقة التي جرت خلال السنوات الماضية وكان كل زعماء تلك العصابات هم من أبناء محافظة الجوف , لكن وخلال الفترة الماضية بدا الحوثيون في ملاحقة تلك العصابات التي امتهنت اللصوصية كحرفة يمارسونها , وكان أخر نجاحاتهم التي لاقت ارتياحا واسعا في غالبية المحافظات الشرقية لليمن قتل زعيم أكبر عصابة السرقة وهو " أبو راوية " قبل عدة أشهر .

وأضاف الشيخ العكيمي " أن الحوثيين قاموا بإيصال رسائل تحذيرية للصوص تؤكد لهم أنه في حالة أن يقبض عليهم وبحوزتهم أي سيارات مسروقة فسيتم أقامة حد الله عليهم , وتنفيذا لذلك شرع الحوثيون في إقامة أكثر من خمسة نقاط خاصة بهم في عدد من أهم طرق المحافظة , حيث يتم بين الفينة والأخرى فحص وثائق السيارات التي تمر بتلك النقاط , مما ولد حالة من الحذر الشديد من قبل عصابات السرقة .. خاصة ولديهم قانعة " أن الحوثيين سيمارسون عليهم نوعا من العنف سيكون ختامها هو التصفية الجسدية " مما أنعكس على أرض الواقع في انخفاض ملحوظ في معدلات الجريمة في محافظة الجوف خاصة " السرقة " ..

ملاحقة اللوطيين في الأسواق ..

سوق الاثنين يعد واحدا من أشهر أسواق المحافظة لكنة تدهور خلال العشر السنوات الماضية , حتى أصبح ساحة لتصفية حسابات الثأر بين كل طرف وأخر .. لكن الحوثيين استطاعوا أن يجعلوا لذلك السوق قانونه الخاص ,, وذلك عن طريق الردع لمن يقوم بإطلاق النار أو يقوم بتنفيذ أي عمليات قتل تحت مسمى الثأر . وفرض غرامات مالية على كل من أطلق ولو عيارا ناريا واحدا دون أي سبب ..

وفي ذلك السوق الذي رصد الحوثيون بعض التصرفات المخلة بالآداب , وبسبب وجود عدد من اللوطيين في ذلك السوق , حيث قاموا بالقبض عليهم وأجروا تحقيقات معهم جميعا , كانت النتيجة هي " اعترافهم بذلك الجرم ", وبعد مباحثات بين ذوي اللوطيين و الحوثيين تم الاتفاق على تسليمهم لأجهزة الأمن في المحافظة وتحديا " البحث الجنائي في مديرية الحزم عاصمة محافظة الجوف , وأجرت أجهزة الأمن تحقيها معهم فكانت النتيجة واحدة ..

وحتى اللحظة يقبع اللوطيون في سجون أجهزة الأمن منذ عدة أشهر .. دون أن تتخذ الجهات الأمنية ضدهم أي إجراء ..

السيد عبد الملك الحوثي يصدر أمرا بعدم التدخين ..

يبتسم الشيخ ربيع العكيمي أثناء حديثة "و يقول أخر ما صولنا من أخبار الحوثيين هي توجيهات من أميرهم عبدالملك الحوثي " حيث نص الأمر بعدم تعاطي الدخان في صفوف أتابعة , ما لم فسيتم اتخاذ إجراءات خاصة بحق من يقوم بعصيان ذلك التوجيه.

الغريب في الموضوع هو الترحيب الواسع لذلك الأمر من قبل أنصاره حيث وصلت الإستجابه إلى أكثر من 80% في صفوف الحوثيين , ويقول أعرف أحد أنصار الحوثي كان يتعاطي يوميا أكثر من " علبتين " لكن بعد سماعة لذلك القرار قام بإخراج بقية " علبة السجائر " وقام يدوسها تحت قدميه .. 

 ممنوع الاختلاط بين الجنسين ..

 يمضى الشيخ ربيع العكيمي في حديثة قائلا " محافظة الجوف ومنذ عشرات السنيين لم تعرف سوى الاختلاط بين الجنسين خاصة في الأسواق , حيث ساعدت قضايا الثار على تنامي قيام دور بارز للمرأة في عمليات البيع والشراء في أسواق المحافظة , لكن الآونة الأخيرة شهدت صدور توجيهات من قبل الحوثيين قضت بمنع تسوق المرأة بمفردها و منع دخول أي امرأة إلى الأسواق ما لم يكن معها محرما خاصا معها , وهي نقطة تضاف لتنامي شعبية الحوثيين في محافظة الجوف وغيرها من المناطق .. 

استعانة النظام بالضعفاء :

ويضيف الشيخ العكيمي أن أهم الأسباب التي أدت إلى تنامي النفوذ الحوثي في محافظة الجوف وغيرها من المحافظات التي سيطر عليها الحوثيون هو استعانة الدولة بالضعفاء في إدارة حكم الناس , ويضرب العكيمي مثلا بقولة " عندما يكون المحافظ أو الوزير ضعيفا فإنه لن يعين تحت مسئوليته إلا أضعف منة وهكذا حتى تصل إلى أصغر مسئولية , وغاب مسمى الدولة في حياة الناس , حتى أنها لا تكاد تذكر .

لذا أستغل الحوثيون هذا الفراغ وقدموا نفسهم كجهات تسعى لحل مشاكل الناس وبالفعل نجحوا في أكثر من جهة واستطاعوا حل مشاكل لها أكثر من خمسة وثلاثين عاما ..

الدولة وتدمير القبيلة ..

يتوقف الشيخ ربيع العكيمي أثناء حديثة للحظات ويسمع أثناء ذلك الصمت لتنهد عميق يوحي بألم عميق يعتلج في صدر الرجل .. ويمضي قائلا " الدولة خلال أكثر من أربعين عاما جعلت من مهامها في الجوف وغيرها من المحافظات ذلت التواجد القبلي هو محاربة القبيلة والقضاء عليها عن طريق بذر الخلافات فيما بينهم , وضرب كل قبيلة عن طريق جارتها من القبائل , بل وسعت على توسيع رقعه الخلافات مساحات وتوسيع قضايا الثار بهدف توسيع الهوة بين أطراف القبيلة لكي تتلاشى أي مساحات من التقارب فيما بينهم ..

ويضيف هناك عشرات الأمثلة والقصص التي جرت بين قبائل دهم والجميع اليوم يعرف كيف كانت تغذى تلك الحروب ومن كان يقوم بصرف الذخائر والسلاح الثقيل لكل طرف .. دون أي مراعاة لضمير إنساني أو شرعي أمام المئات من أبناء القبائل الذي سقطوا خلال السنوات الماضية , ومازال المجتمع يعتصر ويأكل ذاته حتى اليوم ..

الحوثيون وسلاح الدولة ..

خلال سنوات الحرب الماضية , أستطاع الحوثيون تكوين ترسانة عسكرية قوية جدا , تنوعت أشكالها وأنواعها , فهاهم في محافظة الجوف يصولون ويجولون بعدد من الدبابات التي غنموها في معاركهم مع الدولة , إضافة إلى ترسانة واسعة من الأسلحة المتنوعة من المدافع وغيرها .. كل تلك الأسلحة عززت الموقف العسكري للحوثيين , إضافة إلى قيام جهات بعلم السلطة بتمويل الحوثيين بكميات كبيرة من السلاح .

في حين تقف الدولة بكل عدتها وعتادتها عاجزة حتى عن حماية نفسها .


في الإثنين 04 أكتوبر-تشرين الأول 2010 01:10:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=8048