الى صالح الحميدي
أحمد غراب
أحمد غراب

كل الطرق تؤدي اليك

نطلب منك السماح كما سبق وطلبناه من "يحي علاو"

نعتذر اليك مثلما لم نجد الفرصة لنعتذر له

نعترف لك بما لم نعترف لـه

نحن اول من اخترع محرقة النسيان

لم نقف مع يحي علاو الا ونحن نمشي في جنازته

احتفظنا بالورود ولم نرسلها له في حياته

فضلنا ان نضعها على قبره بعد موته

كان الموت يتربص به مثلما يتربص بك

كان يختزل ضحكات اطفاله في ذاكرته مثلما تفعل

كان على فراش مرضه

يتذكر وجه أمه الطيب مثلما تتذكر

ويحن الى خبزها مثلك

ويسترجع شريط حياته و ذكريات طفولته

كان يفعل مثلما تفعل تماما

وكان يعاني بصمت مثلما تعاني

ونحن قوم تعودنا على الضجيج

الم تسمع عن بلد يمضغ حلاوة المبدعين ويمتص اعمارهم ثم يشطبهم من الذاكرة ويرم بهم في سلة المحذوفات

لم ندرك ما معني ان يتربص الموت بالمرء وهو ينظر

تلك عادتنا في اللامبالاة ازاء المعاناة

ورثناها من حكومتنا

تلك قصتنا المتكررة مع الهروب

آه يا اخي صالح

كم نشعر بالعار لأننا لم نمنحك سوى الكلمات

ماقيمة دموعنا ؟!

اذا كنا لانستطيع ان نطرز منها علبة دواء نسعفك بها

او باقة وردة نهديها اليك

او فاتورة علاج نسددها عنك

كم كنت شجاعا وانت تكتب رسالتك ، وكأن الموت يتربص بكل حرف من حروفها وكم شعرنا بالحرج ونحن نكتب اليك من بين اطفالنا ونسائنا واهلنا نضحك ونلعب ونمرح في وقت تتجرع فيه الم المرض لوحدك في بلد غريب بعيد

لا ناصر فيه ولا معين

  

لاشئ سوى المرض

المرض الذي يفتت قلوبنا قبل كبدك

المرض الذي تتكشف فيها الطباع

ويتضح الفرق بين الارانب والسباع

المرض الذي تضيع فيه المناشدات

و تتعرى فيه المسؤوليات

وتتساقط اقنعة المسؤولين

على ارصفة الأنانية واللامبالاة

المرض الذي تلفظه الموازين السياسية

عندما يكون في غير مواسم الدعاية الانتخابية

أخي صالح

هناك حيث انت

لايوجد زاويا مظلمة

نور الله وحده يغشاك

وعنايته ترعاك

ودعواتنا التي نرسلها اليها على ظهر الغيب

تحاوطك كالعصافير الخضراء

تذكر يا اخي انك لست وحدك

الله ومعك

وقلوبنا معك

والدعاء الذي تلهج به قلوبنا وقلوب امهاتنا وابائنا

تذكر اننا معك

واننا نحبك جدا

وان كل الطرق تؤدي اليك

فيما يلي نص "رسالة صالح الحميدي" التي بعثها لشقيقه عبدالعالم وهو على سرير مرضه:

أنا أعيش لحظاتي الأخيرة..

أدرك أن ذهابي للدكتور ليس أكثر من عمل بالأسباب..

كما أدرك يقينا أن عزرائيل ينتظرني في سلالم المستشفى وفي الطواريد وأكاد أن اسمع أنفاسه على حافة سريري.. من منا لا يحب العيش بين أولادة وأهلة عمر طويل.. لكن صدقني استقبل موتي بكل قناعة واستسلام.. يكفي أنني مقتنع بان لي يد في

استعجال رحيلي.. أهملت نفسي ونسيت صحتي حتى وصلت إلى ما أنا فيه ألان لاشيء يعذبني أكثر من تخيلي فجيعة أمي بخبر وفاتي

اعرف يا أخي كما تعرفون جميعا حنانها وحبها لنا.. أنها أم استثنائية بكل المقاييس

   

أثق أن مثل هذا الخبر سيدخلها في مرض لا قدر الله....سوري.. لا استطيع أن أفكر بهذا الموضوع أكثر.

أحس روحي ستطلع وأحس بشيء ما يشبه الجمر يشوي دواخلي.. لن أطيل عليك.. ابلغهم أنني أحبهم جميعا .. إخواني وأخواتي وكل أهلي.. وبي شوق لأولادي وأتمنى لو كنت بينهم أغمض أجفاني الأخيرة على صورة خلدون يداعب البلستيشن.. وريم تتنقل من

حلقه إلى حلقه ولا تمل من مسلسلات الأطفال وذنون يحاورني كعادته: أنت لا تنام وتبقى مستيقظ كثير ..ما الذي تعمله؟

ويجيب بنفس الوقت أنت تعمل من اجلنا صح؟

على شان توفر لنا فلوس تضعها في البنك..

وريام أخر العنقود.. تتنقل في إضافة الألقاب على نفسها أميرة وألان دكتورة وستظل تتنقل من لقب إلى لقب .. وكم كنت أتمنى أن اشهد الصفة الأخيرة التي ستسبق اسمها حقيقة وواقع في يوم من الأيام.. لكن ما أنا واثق منه ألان أن هذا سيكون على يدك أنت أخي الحبيب..

أخي أسألك سؤال عبيط.. ترى هل سيدرس أبنائي في العام الدراسي القادم في مدرستهم الخاصة أو أن ظروفك لن تسمح بذلك..

أخي اعرف الأعباء الملقاة على عاتقك تجاه الأسرة كلها ولكن يبقى أن تعرف انك الوحيد من بين الأهل جميعا من أثق به وبتحمله للمسؤولية بعدي..

وعليه فان أولادي قد صاروا في مسؤوليتك من ألان.. ونعم القلب قلبك.. سأغمض جفوني وأنا مستريح ولن أوصيك فما عهدتك إلا متحمل للمسؤولية
في الأربعاء 21 يوليو-تموز 2010 10:32:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=7575