تقييد المباح في أزمنة متغيرة
احمد الحبيشي
احمد الحبيشي

بادئ ذي بدء أود التأكيد على أن تناول الآراء ووجهات النظر الفقهية بالنقد والتحليل عمل مشروع لا يستوجب تكفير أو تفسيق كل من يقوم به.. فليس المطلوب منا حفظ النصوص الفقهية عن ظهر قلب كما يفعل طلاب جامعة الإيمان مع كتب الفقه القديمة، بل قراءتها ونقدها وتحليلها،لأن الفقهاء بشر يخطئون ويصيبون ومن الخطأ تقديسهم .. أما آراءهم وأفكارهم ومؤلفاتهم سواء كانت قديمة وموروثة عن عصور غابرة أو معاصرة، فإنها تندرج ضمن التراث الفكري للبشرية.. وفي الحالين يجب التعامل مع كتب التراث الفقهي من منظور نقدي وتحليلي، ولا يجوز ا لتعامل معها كنصوص مقدسة غير قابلة للنقاش. كما يجب على كل من يدرس التراث أن يميز بين ما لا نفع فيه، وبين ما يمكن الاستفادة منه والبناء عليه، لأن التراث هو من صنع البشر، ويجسد مستوى معارفهم و طرائق فهمهم وقراءاتهم للمشكلات والمتغيرات والتحولات التي واجهوها في عصور غابرة ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأفكار والآراء الفقهية هي نتاج موضوعي لقراءة الواقع في سياق تاريخي معين، ولا يجوز تقديسها وعبادتها لأنها ليست منزلة من السماء.

لقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالقراءة (اقرأ وربك الأكرم) ( العلق 3 ) .. وعلى الإنسان أن يجتهد في القراءة من خلال التسلح بالعلم وعدم الإدعاء ببلوغ مداه الكامل والنهائي (فما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ( الاسراء 85).. ولذلك يجب على الإنسان مواصلة التعلم والسعي لتطوير قدراته واكتساب ا لمزيد من المعارف الجديدة ا لتي تمكنه من القراءة المستمرة للواقع، والبحث المتواصل عن إجابات وحلول جديدة للأسئلة والمشاكل التي تطرحها متغيرات الحياة (وقل ربي زدني علمـا) ( طه 114).

وبسبب الاصرار على الإقامة الدائمة في الماضي وتقديس ما ألفوا عليه آباءهم، يقع السلفيون في شرك خطير بعيدا عن السنن الإلهية التي تحث الإنسان على القراءة، وتحذرهم من الاعتقاد ببلوغ نهاية العلم الذي توقف عند أسلافهم فقط، وإنكار قول الله بأن ما يأتيه الإنسان من العلم في الماضي والحاضر إلا قليلا. وبتأثير وقوعهم في هذا الشرك يحارب السلفيون العقل، بل ويسخرون منه ، بينما يفرطون في عبادة النقل والافامة الدائمة في منطقة اللاعقل .

في هذا السياق تساءل اللاعقل السلفي للشيخ محمد الحزمي في العام الماضي ساخرا : ( ما الذي قدمه العقل للبشرية غير الحرب العالمية الثانية؟) ، وذلك في مقال نشرته له صحيفة (الأهالي) في العام الماضي.. لكن الحزمي نسي ما قدمه العقل للبشرية من فتوحات علمية غيرت وجه الحياة على سطح الارض ، بل أنه تناسى ما قدمه العقل للحزمي شخصيـا من كهرباء وماء نقي وسيارة وهاتف أرضي ومحمول وكمبيوتر وانترنت وتلفزيون وأجهزة منزلية حديثة ومكبرات للصوت في المسجد الذي يلعن ويهاجم من على منبره مخالفيه ومعارضيه في كل جمعة !!

ولأن المعرفة في اللاعقل السلفي لم تعد عنصرا إبداعيـا فإن السلفيين يقمعون كل نشاط فكري حر بدعوى أنه من مكائد العلمانيين واليهود والنصارى الذين يحاربون الله ورسوله ومعتقدات السلف .. ولذلك يتمسك السلفيون بالاقامة الدائمة في الماضي من خلال نقل كل ما وجدوا عليه آباءهم الأسلاف كبديل عن العقل ومنجزاته في العالم الواقعي . كما أنهم يعتبرون المعرفة دائرة مغلقة وثابتة ، ويرفضون قبول أو إبداع المعارف الجديد إلا إذا كانت منقولة من كتب السلف القديمة.. وعليه فإن السبيل الوحيد لاكتساب المعرفة والعلم عند السلفيين هو العودة فقط إلى كتب الأسلاف، أو الكتب الحديثة التي تشرح كتب الأسلاف وتقوم على مخرجاتها ، بدلا ً من التحليل والاستنباط والنقد، وهي إشكالية خلقت تصورا خاطئـا عند غير المسلمين بأنه لا يمكن أن يكون للإسلام مستقبل في ظل معطيات ومخرجات وتحديات الحضارة الحديثة ما دام عاجزا عن مسايرة التطور. وقد ذكر الله الذين يصرون على العيش في الماضي بصيغ مذمومة وتوعدهم بمصير يجعلهم عبرة ومثلا ً للاخرين « فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآَخِرِينَ » ( الزخرف 55 ــ 56 ).. أي فجعلناهم سلفا (ماضين) لكي يعتبر بمصائرهم من جاء بعدهم.

وفي حالتنا اليمنية الراهنة تتجلي هذه الإشكالية السلفية في موضوع الخلاف الدائر حول مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية بشأن تحديد سن للزواج، حيث يتخندق الحرس الكهنوتي القديم في حزب (الإصلاح) وجامعة الإيمان، ومن يدور في فلكهم من السلفيين خلف آراء ووجهات نظر فقهية أباح بها بعض الفقهاء القدامى قبل مئات السنين نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الرضيعة، فيما خالفهم – أيضـا – فقهاء قدامى ومعاصرون.. ووصل الأمر بالحرس القديم إلى حد تقديس أولئك الفقهاء واعتبار آرائهم ووجهات نظرهم الفقهية جزءا لا يتجزأ من الدين، واتهام كل من يخالفونها بمحاربة الله ورسوله وتنفيذ مخططات اليهود والنصارى من خلال التهجم على من يسمونهم ( العلماء ) !!!

والثابت ان معطيات العصر الراهن كانت ــ ولا زالت ــ نتاجـا موضوعيـا لتراكم طويل ومعقد من المعطيات والمتغيرات المستمرة من عصر لآخر. فالآراء الفقهية التي شكلت في العصور الغابرة نصوصا شرعيى يستند اليها المسلمون في إباحة تشغيل العبيد بنظام السخرة ، وإباحة التسري بالجواري ، وبيع الجارية الأم في أسواق النخاسة بعد فصل طفلها عنها ،لا تعد صالحة اليوم . لأن الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها وانضمت إليها بلادنا وكل البلدان العربية والإسلامية بدون استثناء لم تكتف بتقييد هذه الإباحة، بل ومنعها وتجريم من لا يلتزم بمنعها، شأنها في ذلك شأن العديد من الاتفاقيات الدولية التي أنتجها المجتمع الدولي الحديث في إطار القانون الدولي الإنساني والجنائي، والميثاق العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تؤكد على حماية حقوق المرأة والطفل ، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، ومنع استعباد أو تشغيل أو تعذيب الأسرى.. وقد سقطت في مزبلة التاريخ والنسيان معارضة بعض الفقهاء ورجال الدين وخطباء المساجد في البلدان العربية والاسلامية لهذه الاتفاقيات الدولية والتحريض ضدها عند ظهورها في نهاية القرن التاسع عشر وأواخر الأربعينيات من القرن العشرين المنصرم بذريعة أنها قيدت ما أباحه الله وفق مفهوم الفقهاء الأسلاف !!!؟؟؟.

من نافل القول إن النقاش الدائر حول ضرورة تحديد سن للزواج ، ومنع تزويج الصغيرات ارتبط بمناقشة عدد هائل من المشاكل الإنسانية والاجتماعية والصحية جراء وصول أخبار الانتهاكات الجنسية والجسدية والنفسية التي لحقت بعدد كبير من الأطفال الإناث إلى وسائل الإعلام والمحاكم، وهي أخبار محدودة لا تعكس الحجم الحقيقي لهذه الانتهاكات التي تجد لها غطاءً قانونيـًا منذ أن أصر الحرس الكهنوتي في حزب (الإصلاح) أثناء مشاركتهم في السلطة بعد حرب 1994م، على تعديل قانون الأحوال الشخصية من خلال إدخال مادة همجية تجيز لولي الطفلة الصغيرة والرضيعة تزويجها، استنادًا الى آراء فقهية قديمة عفا عليها الزمن.

لا ريب في أن الفقهاء القدامى اختلفوا حول هذه ا لقضية قديمـًا وحديثـًا ، وعلى الرغم من اشتراط بعض الفقهاء القدامى وجود المصلحة لإباحة تزويج الطفلة الصغيرة أو الرضيعة، فإن آخرين منهم أمثال ابن حزم وابن شبرمة والأصم وعثمان البتي وابن عربي لم يوافقوا على ذلك،حيث اشترطوا بلوغ البنت قبل تزويجها بدلا من المصلحة عملا بقوله تعالى : (حتى إذا بلغوا النكاح) (النساء 6) فلو جاز التزويج قبل البلوغ بحسب آراء هؤلاء الفقهاء فلا تكون له فائدة أو مصلحة.. لأن المقصود في النكاح هو ترويض الشهوة الجنسية وتحقيق التناسل البشري وفق الضوابط الشرعية (المبسوط – ج 4 – ص 43) (بدائع الصنائع ج 2 491).

أما الفقهاء المعاصرون الذين خالفوا الطرفين فقد وقفوا أساسـا ضد فرضية وجود مصلحة وراء زواج الصغيرة والرضيعة، ونفوا أن تتحقق أي مصلحة للطفلة الصغيرة أو الرضيعة إذا تم تزويجها بآخر. ولئن كان الاستشهاد برأي الشيخ محمد عبده والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ محمد طنطاوي شيخ الأزهر السابق حول ضرورة تحديد سن للزواج يثير حفيظة السلفيين المقاتلين من أجل إباحة نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الطفلة الرضيعة وجميعهم من أتباع المدرسة الحنبلية الوهابية النقلية، فإن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، وهو من أشهر فقهاء المذهب الحنبلي المعاصرين في السعودية ، يرفض إباحة نكاح الطفلة الصغيرة المزوّجة رفضا قاطعا ً، ولا يعترف بوجود مصلحة مطلقـا من وراء زواجها حيث تساءل في كتاب (الشرح الممتع لزاد المستنفع ج 21 ص 57 – 58) قائلا : (أي فائدة للصغيرة في النكاح !! وهل هذا إلا تصرف في وضعها على وجه لا تدري معناه.. لننتظر حتى تعرف مصالح النكاح وتعرف المراد بالنكاح ثم بعد ذلك نزوجها، فالمصلحة مصلحتها). ثم يمضي قائلا : (من يكره طفلته الصغيرة على الزواج برجل كبير من أجل المال فهذا حرام، والصحيح أن النكاح لا يصح وإن هذا الرجل يطأها وهي حرام عليه والعياذ بالله لأن النكاح غير صحيح عملاً بقول رسول الله صلى عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تُستأذن).

وفي هذا الاتجاه يتفق الإمام الشوكاني ــ وهو من الفقهاء المتأخرين ــ مع الفقهاء القدامى والفقهاء المعاصرين الذين عارضوا إباحة نكاح الصغيرة ومفاخذة الرضيعة، وكذلك ذهب كثير من فقهاء الشافعية والحنفية والزيدية والأباضية الذين أوجبوا على الحاكم التدخل لتقييد هذه الإباحة، مخالفين بذلك غلاة الفقهاء الحنابلة الذين يبيحون للولي تزويج ابنته أو حفيدته إذا كانت دون سن التاسعة.

والمثير للدهشة أن محمد المهدي وهو (شيخ) إحدى الجمعيات السلفية التي تشتغل بجمع وتسويق الأموال داخليـا وخارجيـا تحت مسمى (العمل الخيري) ، لم يكتف بمهاجمة مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة بشأن تحديد سن آمنة للزواج، ومنع نكاح الصغيرة ومفاخذة الرضيعة، حيث وصف هذا المشروع ــ كعادته ــ بأنه مستورد من الغرب ومؤتمر نيروبي، ومخالف لدين الله، وصنيعة للعلمانيين واليهود والنصارى بحسب قوله، بل إنه لجأ إلى التدليس في حواره مع صحيفة (البلاغ) يوم الثلاثاء 14 أبريل 2009م عندما حاول استغفال عقولنا على نحو ما يفعله مع تلاميذه السذج ، زاعما ً أن الأبحاث الطبية والعلمية تؤيد زواج الطفلة الصغيرة بسبب ما تنطوي عليه من فوائد صحية . وهو افتراء تكذبه التقارير الطبية والعلمية العربية والدولية التي تحذر من مخاطر هذا الزواج الهمجي !!!.

وبهذا الصدد سنترك مهمة الرد على مزاعم (الشيخ) المهدي لوزارة الصحة في المملكة العربية السعودية التي شكلت لجنة طبية لدراسة الأضرار الصحية والنفسية لتزويج الصغيرات، حيث أصدرت هذه اللجنة تقريرا علميا ً انطوى على وصف دقيق لأبرز الآثار الصحية الناتجة عن زواج الصغيرات وفي مقدمتها اضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل، وتمزق المهبل والأعضاء المجاورة له بفعل الجماع، بالإضافة إلى ازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام نتيجة نقص الكلس.

كما أورد التقرير العلمي السعودي وصفـا دقيقـا للأمراض الناتجة عن حمل صغيرات السن مثل حدوث القيء المستمر، وفقر الدم والإجهاض والولادات المبكرة بمعدلات مرتفعة نتيجة نشوء خلل في الهرمونات الأنثوية أو عدم تأقلم رحم الطفلة الصغيرة مع عملية حدوث الحمل المبكر ، وما يرافق ذلك من ارتفاع حاد في ضغط الدم قد يؤدي إلى فشل كلوي ونزيف وحدوث تشنجات وزيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات عند الأطفال الإناث، وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل، وظهور تشوهات العظام في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر.

كما أورد تقرير اللجنة الطبية التابعة لوزارة الصحة السعودية عددا من الآثار الصحية الخطيرة للحمل المبكر عند الأطفال الإناث ، وفي مقدمتها اختناق الجنين في بطن الأم نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين، والولادة المبكرة وما يصاحبها من مضاعفات تتمثل في قصور الجهاز التنفسي نتيجة عدم اكتمال نمو الرئتين، واعتلالات الجهاز الهضمي، وتأخر النمو الجسدي والعقلي وزيادة الإصابة بالشلل الدماغي والإصابة بالعمى والإعاقات السمعية والوفاة بسبب الالتهابات.

أما الآثار النفسية والاجتماعية التي أوردها تقرير وزارة الصحة السعودية استنادا إلى دراسات ميدانية أعدها بعض علماء النفس وعلماء الاجتماع في السعودية ــ وهم بطبيعة الحال ليسوا من صنف المهدي وأمثاله الذين يسمون أنفسهم (علماء) اليمن ــ فقد أورد التقرير العلمي السعودي وصفـا مؤلمـا لأبرز هذه الأثار ، وفي مقدمتها الحرمان العاطفي من حنان الوالدين ، والحرمان من عيش مرحلة الطفولة التي أن عبرت بسلام، فإن خطورتها تبرز بعد أن تكبر الطفلة المزوجة، حيث يؤدي حرمانها من الاستمتاع بالحنان في سن الطفولة إلى تعرضها لارتدادات هذا الحرمان في صورة أمراض نفسية مثل الهيستيريا والفصام والاكتئاب والقلق، ناهيك عن اضطرابات العلاقات الجنسية بين الزوجين نتيجة عدم إدراك الطفلة الصغيرة لطبيعة هذه العلاقة بما فيها صدمة (ليلة الدخلة) ، وما ينجم عنها من أعراض الاكتئاب والقلق والخوف ، وهي أمراض تنعكس لاحقـا على النمو الذهني للمواليد الذين تلدهم أمهات قاصرات من الأطفال الإناث، لأن الطفلة المزوجة عندما تصبح أما ً ، لا تستطيع القيام بواجبها التربوي تجاه أطفالها، الأمر الذي يضيف مخاطر إضافية لزواج الصغيرات.

من جانبها قدمت اللجنة الصحية البرلمانية في مجلس النواب برئاسة الدكتور نجيب غانم وزير الصحة الأسبق ورقة علمية نهديها الى (الشيخ) المهدي ومن هم على شاكلته ممن يسمون أنفسهم (علماءاليمن) الذين يبيحون نكاح الصغيرة ومفاخذة الرضيعة ويعارضون تحديد سن آمنة للزواج.. وقد حذرت هذه الورقة من أضرار الحمل المبكر للأطفال الإناث مؤكدة وجود مخاطر صحية تشكل خطورة على الطفلة الصغيرة في حالة الحمل من حيث تعرضها لفقر الدم الذي يؤدي إلى الوفاة في حالة نزيف الولادة والإجهاض والإخماج (التعفن) وارتفاع ضغط الدم الحاد، وتعسر الولادة واللجوء إلى العمليات القيصرية وتمزق الرحم نتيجة صغر فتحة الحوض الذي لا يكتمل نمو عظامه قبل (18 سنة) من عمر الفتاة. كما تكون الطفلة الصغيرة بعد تزويجها عرضة للإصابة بالإرجاج أو التشنج الحملي والناسور الولادي. أما أخطر ما يصيب المولود الذي تلده طفلة صغيرة فهو نقص الوزن الذي غالبـا ما يصيب المواليد بالتخلف العقلي وأمراض القلب.

إلى ذلك نشرت الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بحثـا معمقـا بعنوان : (زواج القاصرات بين النظرية والواقع والمأمول) في عدد من الصحف السعودية والعربية من بينها صحيفة ( 14 اكتوبر) اليمنية وفي توقيت متزامن بتاريخ 19 ابريل م2010م ، طالبت فيه الحكومة السعودية بضرورة إصدار تشريع لمنع زواج الفتيات الصغيرات، مع تحديد عقوبات واضحة يتم تنفيذها على ولي الأمر الذي يوافق على تزويج طفلته، والمأذون الذي يوثق هذا الزواج . وانتفدت الأميرة حصة وهي شخصية أكاديمية واجتماعية بارزة في السعودية بعض الآراء الفقهية القديمة التي تبيح نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الرضيعة ، واستنكرت إصرار بعض الفقهاء في الوقت الحاضر على التعاطي مع هذه الآراء الفقهية التي عفى عليها الزمن ، وكأنها صنم لا يجوز نقده ومخالفته .

وأكد البحث الذي نشرته الاميرة حصة بنت سلمان أن الدولة والمجتمع مسؤولان عن حماية الأطفال ورعاية مصالحهم بموجب الالتزامات المترتبة عن انضمام المملكة العربية السعودية إلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل عام 1989م، والتي تحدد الفترة من 15 – 18 عامـًا كحد عمري أدنى للطفولة. وكذلك بموجب الالتزامات المترتبة عن انضمام المملكة العربية السعودية إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة مختلف أشكال التمييز ضد النساء (السيداو) عام 2000م، والتي تنص على عدم شرعية تزويج الفتيات صغيرات السن تحت الحد العمري الأدنى للطفولة، فيما تلزم كافة الدول التي انضمت إلى هذه الاتفاقية بسن قوانين تحدد الحد الأدنى لسن الزواج.

وأوضحت الباحثة السعودية الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عددا من المشاكل الاجتماعية والنفسية الناجمة عن زواج الأطفال الإناث استنادا الى أبحاث علمية ميدانية قامت بها . فقد اشتكى بعض الأزواج الذين تزوجوا بأطفال إناث من أنهن ينمن لفترات طويلة، ويقضين فترات طويلة للعب في الشارع مما ينعكس على عدم أدائهن لواجباتهن الزوجية والمنزلية، فيما يشتكي أزواج آخرون من أنهم لا يستطيعون الحديث مع زوجاتهم اللواتي هن في سن الطفولة، وأنهم يضطرون إلى ضربهن لعدم فهمهن لاهتمامات أزواجهن !!

واشتمل البحث الذي نشرته الأميرة حصة آل سعود حول مخاطر عدم وجود قانون يحدد سن آمنة للزواج ويمنع تزويج الأطفال الإناث ، على وصف مؤلم لعدد من المشاهد الإنسانية المأساوية ، وأبرزها مشهد طفلة سعودية تزوجت في سن السابعة وترملت في سن التاسعة، حيث تعرضت هذه الطفلة للانتقاد في المجتمع لأنها كانت تلعب مع الأطفال خارج البيت، وهي ترتدي ملابس الحداد على زوجها المسن بعد أن توفاه الله !!؟؟

أما أهم ما جاء في هذا البحث القيم الذي نشرته الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ، فهو نقدها الحاد للذين يبررون رفضهم تحديد سن للزواج، بما كان عليه الحال في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة، وفي عهود الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية . وأوضحت الاميرة حصة أن المجتمع يتغير، مشيرة إلى أنه لا يمكن مقارنة المجتمع السعودي الذي يبلغ تعداده حاليا (26 مليون نسمة) بالمجتمع الصغير في عهد الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، حيث كان الناس يتزوجون في سن صغيرة لأنهم كانوا يموتون في سن صغيرة مقارنة بالوقت الراهن.. وفي حالة الأثرياء فقد كان الهدف من الزواج في سن صغيرة هو الحاجة إلى أبناء يرثون أموالهم، لكن معدل الأعمار زاد كثيرا في عصرنا الراهن . وبما أن المجتمع تغير عموديا وافقيا ، فإن المحددات القيمية فيه تغيرت ـــ ولا زالت تتغير ــ أيضا في كل حقبة زمنية حسب البيئة الحضارية العالمية المحيطة بها ، والمفاعيل السياسية والاقتصدية والاجتماعية الجديدة التي تؤثر فيها، وهو ما يوافق الشريعة الإسلامية التي تسمح بتقييد المباح من أجل جلب المصالح ودفع الضرر.

 وبوسعنا أن نأخذ من عصر السلف الذي يتحجج به المقاتلون من أجل إباحة نكاح الطفلة الصغيرة أدلة عديدة على تقييد المباحات، بل ومنعها نهائيا ً.. فقد كانت المرأة الجارية التي يشتريها مالكها تسمى (أم ولد) إذا أنجبت ولدا أو بنتـا من الرجل الذي يملكها ، فيما كان مباحـا بيع (أم الولد) في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق رضي الله عنه . لكن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوقف هذا المباح ومنعه نهائيا ً ، لأنه كان يؤدي إلى التفريق بين الأم وولدها.. فمنع بيع أمهات الأولاد في القرن الأول الهجري .. ثم جاءت الاتفاقية الدولية بشأن تحريم العبودية في المجتمع الدولي الحديث ـــ بعد ثلاثة عشر قرنـا من ذلك التاريخ ـــ لتمنع عبودية الرجال والنساء لغيرهم من البشر نهائيـا على الأرض ، فاتحة الطريق لعبودية واحدة وخالدة ، هي عبودية الإنسان لله وحده لا شريك له ، بما هو خالق الكون ورب السماء ومالك الدنيا والدين.. والله من وراء القصد.

ahmedalhobishi@yemen.net.ye


في الخميس 20 مايو 2010 11:21:42 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=7142