عندما يصبح نائب وزير التربية وزيراً للقضاء
د.خالد عبدالله علي الجمرة
د.خالد عبدالله علي الجمرة

أعلن نائب وزير التربية والتعليم على أن هنالك تنسيقاً مع القضاء كما قال لإنشاء محكمة مستعجلة للنظر في قضايا المخالفات الامتحانية , إعلان نائب وزير التربية نشرته صحيفة الثورة في عددها الصادر بتاريخ 21-6-2009م، كما تناقلته وسائل إعلامية أخرى نقلاً عن تصريح لنائب الوزير ساقه للصحافة والأعلام بتعدد وساطتها.... والحقيقة أن هـذا الإعلان مر للأسف على البعض مرور الكرام وكأنه مجرّد إعلان فقدان جواز سفر أو بطاقة شخصية أوخبر اعتيادي لفتح مشروع تنموي جديد رغم إن هذا الخبر هو من تلك النوعية من الأخبار التي لا يجب قرائتها دون التعليق عليها ليس لطرافته بل لغرابته .....

الغرابة في إعلان الحامـد نائب وزير التربية أنه اعتبر ضمناً ومن خلال تصريحه أن أمر إنشاء محكمة أمر مثله تماماً مثل بيع (البطاط) في سوق مذبح أو حتى سوق الطلح، بل إن إعلان نائب الوزير أشار بوضوح إلى أن المحكمة ستكون مستعجلة وهو ما يزيد الغرابة غرابة فزاد الطين بله ....

لربما أن الحامــد استمع غير مرة إلى وسائل الإعلام وهي تعلن عن قرارات انشاء المحاكم التي أقرها مجلس القضاء الأعلى بشكل غير عادي خلال اجتماعاته الكثيرة الفائتة كان أخرها موافقته (السريعة والفورية) على مقترح وزير العدل بإنشاء محكمة الصحافة والمطبوعة التي أثارت ضجة كبيرة جداً أو كما وصفها صديق يرأس مطبوعة صحفية (وضِعَ مؤخراً على صوتها الحر "كاتم" بإرادة وزير الإعلام) أنها محكمة (عفاطة) أكثر منها محكمة (صحافة) طبعاً من باب أن المحكمة المذكورة كما جاء على لسان صاحبنا وجِدت لترشيد هامش الحرية المكفول للصحفيين.... وقد ربما مر الحامدي بجانب محكمة الضرائب أو محكمة المخالفات أو محكمة المرور، أو أنه استمع إلى دعوات تنطلق من هنا وهناك تنادي بإنشاء محكمة لقضايا الاستثمار مثلاً حتى استهان بأمر انشاء المحاكم فتولدت لديه بكل يسر وسهولة وعلى طبق من (فـول) الفكرة الجهنمية في إعلانه (المضحك) أن هنالك (مولوداً) عفواً محكمة قادمة ستنظر (المخالفات الإمتحانية) كما سماها.... أو لعل أمـر إنشاء المحاكم بعد الضجة الكبيرة التي صاحبت انشاء محكمة الصحافة والمطبوعات قد حول هذا الموضوع إلى وسيلة قليلة التكلفة سريعة المفعول للتلميع وشد الانتباه فأراد الحامد هذه بتلك .

يجب على إعلامنا الرسمي الموقّر أن يفرّق تماماً بين ماهو المعقول واللا معقول حتى فيما يقوله المسؤولون أنفسهم، فإذا كان من المعقول مثلاً أن يصرّح معالي وزير العدل عن وجود دراسة لإنشاء محكمة تنظر مثلاً في قضايا الاستثمار فهذا من صميم اختصاصه ويدخل في إطار مهام وزارة العدل أساساً، فإن من اللامعقول بعينه أن يطل علينا الحامدي نائب وزير التربية والتعليم من نافذة إحدى المدارس التي تقام عليها اختبارات الشهادة الثانوية ليعلن أن هنالك محكمة مستعجلة قادمة سينشئها بالتنسيق مع جهاز القضاء كما قال للنظر في ما أسماه القضايا الإمتحانية، ولا أدري للأمانة من أين هبط عليه هذا التكييف المعجزة لهذا الفرز الإعجوبة من القضايا وهـذا بحد ذاته فعلاً أمراً مخجلاً ومحيراً بشدة ......

مخجل لأنه جاء من نائب وزير التربية والتعليم الذي يفترض أن يكون أكثر حرصاً ودقة لما يقوله باعتباره إن لم يكن معلّم أجيال سابق فهو على الأقل منظّر حالياً لإصلاح وتطوير التعليم، ثم محيراً فعلاً كونه صنعَ ظلال حيرة طويل عن مدى مستوى الثقافة القانونية الذي يتمتع به مسؤولينا الجهابــذة حتى يسقطوا في دوامة التصريحات الخارجة عن القانون كتصريح الحامد مثلاً .

هو تصريحاً مخالفاً للقانون لأنه تحدّث عن اختصاص لا يملكه وليس له حق سرد تفاصيله او حتى الوقوف على خط الضوء الأول فيه لا أمام وسائل الإعلام ولا حتى أمام حراسته الخاصة، حتى وإن أشار إلى أن ذلك يأتي بالتنسيق مع جهاز القضاء ..!!!

وحتى يدرك نائب وزير التربية والتعليم في الجمهورية اليمنية أن إنشاء المحاكم أمر مرتبط تماماً بتفاصيل كثيرة تلفها مشاريط قانونية وفنية عديدة أتمنى من معالي وزير العدل أن يثير موضوع استقلال السلطة القضائية بمفهومه الواسع أمام مجلس الوزراء حتى لا يطل علينا مثلاً السيد المحترم وزير الثروة السمكية من على قارب صيد بساحل شقرة ليخبرنا أن وزارته تنظر في مشروع لإنشاء محكمة تنظر في شؤون الصيادين والسمك وأحوال البحر وما وراءه من حكايات، ولا غرابة إذا أعلن بعدها من على ظهر جمل السيد وزير الزراعة أنه سيطلب من القضاء إنشاء محكمة تنظر في خلافات المزارعين وشكاويهم المتكررة من حشرة المن الأسود.، فالقضاء له استقلاله وهيبته والخطوة الحقيقية الأولى لاستقلال القضاء تكمــن في أن يترك أعضاء السلطة التنفيذية الحديث عن التفاصيل التنظيمية والهيكلية المستقبلية للسلطة القضائية للمصدر القضائي فحسب، وأتذكر جيّداً أن قرار اختيار مجلس القضاء الأعلى لمعالي وزير العدل متحدثاً رسمياً باسم مجلس القضاء الأعلى كان ضمن حزمة القرارات الأولى التي أصدرها المجلس عقيب تشكيله بصورته الحالية وكان وقتها حماس إصلاح وتطوير القضاء لم يخمد ولم تكن معاول التسرّع والفرز (العصبي) قد اشتغلت بعد!!!؟ ....

وللفائدة القانونية فإن إنشاء المحاكم الابتدائية من مثل (شبه) المحكمة التي يريدها نائب وزير التربية والتعليم أمــر محـدد بقانون السلطة القضائية النافذ وتعديلاته وفقاً للمادة (45) منه والتي جاء فيها:ـ (( يحدد بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناء على اقتراح من وزير العدل، ورئيس المحكمة العليا عدد المحاكم الابتدائية ومراكزها، ونطاق اختصاصها . )).

فالنص القانوني السابق وإن لم يكن قد أشار صراحة إلى لفظ إنشاء المحكمة الابتدائية إلا أنه أشار ضمناً إلى ذلك عندما حصر حق تحديد عدد المحاكم الابتدائية ومراكزها واختصاصاها لوزير العدل ورئيس المحكمة العليا على أن يصدر بها قراراً من مجلس القضاء ..

  النص واضح ولا يحتاج إلى شرح لكن من المهم القول أن المقنن شرطَ حق تحديد عدد المحاكم الابتدائية بتحديد مراكزها وكذا تحديد اختصاصها، والاختصاص هنا يذهب إما إلى الاختصاص المكاني أو الاختصاص النوعي وهو بالعموم الاختصاص الذي تنحصر ولاية المحكمة القضائية بداخلة وتنتهي عند حدوده، مما يعني أن اقتراح وزير العدل ورئيس المحكمة العليا بتحديد المحاكم الابتدائية يُعدّ موقوفاً بتفصيل مركزها وحدود ولايتها أو نوعه، ويتضح من خلال سياق النص أن المقنن أراد بلفظ مركزها هنا المدينة التي يمارس رئيس وقضاة المحكمة المنشأة قضائهم فيها أو هو بلفظ أقرب المكان الذي يقع فيه مبني المحكمة وتلتئم فيه جلساتها، والمكان قد ينصرف في تحديده إلى اسم المدينة أو حدود المديرية.... هذا والله من وراء القصــد وهو حسبنا ونعم الوكيل

* باحث قانوني

khaledalj@hotmail.com


في الأحد 21 يونيو-حزيران 2009 06:10:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=5484