خيارات الصراع السياسي في اليمن الموحد
د.فيصل الحذيفي
د.فيصل الحذيفي

ينبغي أن نشير بادئ ذي بدء إلى أن الصراع السياسي في أي نظام ديمقراطي يظل شرعيا مادام صراعا على المتغيرات وليس على الثوابت الوطنية ، وهنا نفرق بين المتغيرات السياسية المتمثلة في : السلطة ، والنظام السياسي ، والأداء السياسي ، بينما تتمثل الثوابت السياسية في : الدولة ، والوحدة ، والديمقراطية. وقد تجلى من الأحداث الجارية في اليمن أن أطراف الصراع السياسي في البلاد لا تفرق بين حدود وتماس الثابت والمتغير من الصراع.

يؤسفني أن أقول : أن البيض لم يدرك بعد مرور 15 سنة من الصمت أن الرهان على الانفصال هو سبب الإخفاق السياسي والمجتمعي له ولفريقه، إنه بهذا الإعلان غير المتوقع خسر دعم أحزاب المعارضة في اليمن، بل خسر دعم كل المواطنين المتعاطفين معه في شمال اليمن وجنوبه شرقه وغربه،. لقد تداعى إلى الذهن بعد خطاب البيض المثل الشائع « صمت دهرا ونطق كفرا ».لقد مثل الخطاب نكسة سياسية بامتياز لأنه كان دون المتوقع .

إن إخواننا في الجنوب ليسوا مع الانفصال – على أية حال - ولذلك فإن هذا الخيار يعزز موقع السلطة المتهالكة ويعيد لها روح الانتصار لأنها تقدم نفسها كصاحبة مشروع وحدوي وتحتكر لنفسها حب الوحدة وحب الوطن وتتهم مواطنيها ومعارضيها بالإجرام والتخريب ودعاة انفصال، حتى أنها أنفقت أموالا طائلة في غير محلها كالإنفاق على الرحلات والقوافل والاحتفالات وشراء الأعلام وطلاء الشوارع وتبادل التهاني وتسويق أغاني تمجيد الوحدة والوطن، والإعداد لعرض عسكري عديم الجدوى، وهي أموال كان ينبغي أن تصرف في التنمية البشرية لتعزز تعاطف المواطن معها بدلا من التحالف مع الشيطان.

إن على سالم البيض قدم موقفا مشرفا من أجل تحقيق الوحدة اليمنية حين تنازل عن رئاسة دولة وقبل بالوحدة الاندماجية لكنه يلطخ هذه الصورة المشرقة بالانفصال نسخة أولى 94 ونسخة ثانية في 2009 ، لم يدرك هو ولا قادة الحراك الجنوبي وحركة نجاح أن التعويل على الانفصال هو كالتي تدافع عن حقها في الزنا العلني من منظور ديني، وعن حق السلطة في الفساد العلني من منظور سياسي، وحق الموظف في استباحة الرشوة والسرقة من منظور قانوني، كلها أفعال لا تحظى بشرعية أخلاقية أو قانونية أو دستورية أو مجتمعية وبالتالي فإن هذا المنحى يعزز موقف السلطة الفاسدة حين تقف في صف الشعارات المقبولة وطنيا وإن كانت كاذبة.

قبل أيام تردد اسم علي سالم البيض في مؤتمر التشاور للمعارضة كمناضل وطني وعندما خرج للعلن بمطلب الانفصال أحرج المتعاطفون معه – حبا أو نكاية بالسلطة - ولم يعد مستساغا الوقوف إلى جانبه كزعيم أو مناضل لأنه اختار طريقا لايستسيغه اليمنيون باستثناء قلة تدعو إلى الانفصال ولن تفلح إذا بادرت السلطة بسرعة معالجة المشكلات من جذورها، وأعادت للمواطن اليمني في الجنوب كل حقوقه دون انتقاص .

إن أقوى ضربة سياسية كان سيوجهها علي سالم البيض في وجه السلطة لو كان أعلن استئناف النضال السياسي السلمي تحت سقف الوحدة والديمقراطية وطالب برحيل السلطة الحالية المتهرئة شرعيتها لأنها فشلت في الأداء السياسي وبناء الدولة الحديثة، كان خطابا كهذا سيهز الشارع اليمني شماله وجنوبه وسيسحب البساط من خصومه وسيعيد روح النضال السياسي إلى الأمة التي لم تعد تطمئن لشعارات سلطة سياسية ثبت فشلها وكذبها ونكبتها على البلاد والعباد.

يبقى الرهان السياسي قائما على الحزب الاشتراكي وأحزاب المعارضة لمنع الانحراف السياسي نحو الانفصال بضبط إيقاع النضال السياسي شمالا وجنوبا في طرح قضايا مطلبية لابد من انجازها، تبدأ من إعادة بناء الدولة وصياغة نظام سياسي جديد وانتخابات حرة ونزيهة لا يكون للسلطة يدا في تسييرها واحتكارها والهيمنة عليها وتجديد الشرعية للعمل السياسي والانتقال إلى دولة الأمة بدلا من دولة المؤتمر وقلة من النافذين الأفاقين الذين يرون في السياسة ما يحقق مصالحهم فقط ويعتبرون أنفسهم هم الدولة والأوصياء على الأمة.

إشارات خطرة

عندما يستعد عامة الناس في الجنوب أو مناطق أخرى أن يخرجوا سلميا إلى الشارع وبأعداد تتكاثر يوما بعد يوم ، ويواجهون السلاح بصدور عارية فإن مطالبهم غير المشروعة كالانفصال ستتحول بفعل الإصرار الذاتي والتردي السياسي للسلطة إلى أفعال مشروعة ستفرضها الوقائع في الامتناع العام عن المشاركة في أي انتخابات أو استفتاء أو الاستجابة إلى القانون فضلا عن القرارات والإجراءات الإدارية والأمنية وستحمل هذه الموجات البشرية السلاح لتفرض نفسها على الأرض، وستصبح القلة المارقة أكثرية ومطالبها مشروعة بعد أن كانت على العكس من ذلك.

وإذا كان علي سالم البيض قد أعل الانفصال نسخة أولى ونسخة ثانية فإن الفشل الذي قد يصيب الوحدة لا سمح الله سيكون بمثابة النسخة الانفصالية الأولى والأخيرة للرئيس الصالح ليجد نفسه غير قادر على المفاخرة بأي انجاز ذهبت أصداؤه في مهب الريح. لسنا بحاجة إلى أن ندع الأمور تصل إلى هذا المنحى وعلينا أن نثبت حبنا للوحدة والدولة والوطن بالتضحية السياسية وتسليم السلطة إلى أهلها (= الشعب اليمني) كمخرج للحفاظ على منجزات لا ينبغي أن يخسرها الوطن.

كثير من السياسيين اليمنيين يكتفون بشحذ الآلة الإعلامية للدفاع عن الوحدة، ويعززونها بالحضور العسكري والأمني والاستخباري، وتجنيد الجنوبيين للوقوف بصفهم، وهي رهانات سرابية هشة، لا تقل سخفا عن اطمئنانهم إلى الدعم الإقليمي والدولي للوحدة ويراهنون عليه وهو دعم سيتحول مع تحول الوقائع ، فقد سبق للأمريكان أن طمأنوا صدام حسين – وهو حليفهم آنذاك - بعدم تدخلهم في أي شأن عربي خليجي ولكنهم بعد أسابيع من غزوه العراق جندوا العالم للإطاحة به والغدر بالعراق والعرب على السواء.

وأي انزلاق نحو العنف والمواجهة المسلحة يعني ببساطة أن تتوقف كل أشكال التنمية لتتجه الموازنات للدعم الحربي دفاعا عن الوحدة أو السلطة والقصر، ولا أحد يضمن عندئذ القدرة على توجيه الأحداث، إن الأسلحة وقوى الجيش والأمن والسجون والقمع لن تكون قادرة على إيقاف التحول الاجتماعي الخارج عن السيطرة .

كلنا نعتقد – حاليا - أن الانفصال مستحيل حدوثه وهو اعتقاد ينطلق من حبنا للوحدة اليمنية لكنه لا وصاية لنا على المستحيلات ، وإذا لم ندرس المشكلة جديا ونتجرد في حلها جذريا فإن الانفصال قادم لا وحدة بعده. والحل باعتقادي أن نقبل بالانتقال من دولة الفرد إلى دولة الأمة بأدوات ديمقراطية خالصة.

hodaifah@yahoo.com


في السبت 23 مايو 2009 04:54:24 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=5364