الحارس الشخصي الأسبق لأسامة
خالد الحمادي
خالد الحمادي
 
خرج عن صمته أخيرا في هذا اللقاء الذي لا يخلو من إثارة ومن وضوح في الطرح ومن رؤية صريحة لواقع القاعدة في اليمن وفي المنطقة، إنه الحارس الشخصي الأسبق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وأحد الفارّين البارزين من سجن الجهاز المركزي للأمن السياسي (المخابرات) في اليمن، فوزي الوجيه. 

بعد ملاحقات صحافية طويلة ومحاولة مستميتة في إقناعه لإجراء حوار صحافي معه وافق أخيرا على هذا اللقاء لـ'القدس العربي' الذي ناقش معه العديد من القضايا الراهنة التي كان على صلة وثيقة بها وعاصرها بنفسه.

وتحدّث بإيجاز وأحيانا بنوع من الحذر حول العديد من القضايا المرتبطة بتنظيم القاعدة في اليمن وتفاصيل تنشر لأول مرة حول عملية 'الهروب الكبير' لثلاثة وعشرين من العناصر البارزين في القاعدة من سجن المخابرات اليمنية مطلع العام 2006، وعن كيفية تسليم أنفسهم للدولة وعودتهم إلى الحياة العامة بعد إعطائهم 'وجه أمان' من رئيس الجمهورية، وفيما يلي نص الحوار:

الحارس الشخصي الأسبق لأسامة بن لادن، فوزي الوجيه، بداية أرجو إعطاءنا نبذة مختصرة عنكم وعن نشأتكم؟

اسمي فوزي محمد عبد القوي الوجيه، من سكان مدينة تعز، نشأت في أسرة متديّنة تحث على التعليم، سواء كان في المسجد أو في المدرسة، فوالدي رجل دين وفقيه من فقهاء الشافعية، وقد تلقيت دراستي الثانوية في مدينتي الحبيبة تعز، وعشت فيها طفولتي وأنا الآن متزوج وأب لطفل أسميته صهيب.

كيف ومتى بدأتم نشاطكم الجهادي؟

بدأت رحلتي الجهادية بعد عودة شباب الجهاد العائدين من البوسنة والهرسك، وقد تأثرت كثيرا بإخلاصهم العالي وتضحيتهم من أجل نصرة المسلمين، واستعدادهم للتضحية من أجل نصرة المستضعفين من إخوانهم في الدين، بغض النظر عن انتمائهم وعن عرقهم، وكانت أول رحلة جهادية لي للخارج إلى أفغانستان، في شهر آذار (مارس) 1998، من أجل الإعداد والتدريب ومن ثم الذهاب إلى ساحة الجهاد في كوسوفو.

متى بالضبط التقيتم أسامة بن لادن، وهل كان في هذه الرحلة أم في رحلة أخرى؟

التقيت بالشيخ أسامة بن لادن حفظه الله عند وصولي إلى قندهار، في بداية 1998 وحصل هذا اللقاء قبل الذهاب إلى معسكرات التدريب، وقد أذهلني تواضعه وبسمته التي لا توحي بأي خوف من القادم المجهول، على الرغم من أنه مطلوب ومطارد.

كيف أصبحتم عقب ذلك أحد الحراس الشخصيين لأسامة بن لادن؟

بعد القصف الأمريكي على معسكرات القاعدة في خوست بأفغانستان، انتقلت إلى كابول ومن ثم إلى قندهار، وخلال مكوثي في قندهار طلب مني القائد العسكري للقاعدة ومسؤول الحراسة بالانضمام إلى الحراسة الشخصية للشيخ أسامة بن لادن، ولم أشعر بالتردد من الاستجابة لهذا الطلب، لما لمسته من تواضع الشيخ أسامة بن لادن وأخلاقه، فقد كان أبا وأخا في نفس الوقت.

كم استمررتم ضمن الحراسة الشخصية لأسامة بن لادن؟

استمررت لمدة سنتين ونصف.

هل كانت كل هذه المدة متواصلة أم عملت معه في فترات متقطعة؟

كانت هذه المدة متواصلة وكنت آخذ خلالها دورات تدريبية ثم أعود.

في أي وقت وخلال أي فترة عملت حارسا لأسامة بن لادن؟

عملت معه في الفترة منذ ما بعد القصف العسكري الأمريكي على معسكرات القاعدة في خوست بفترة قصيرة، وحتى شهر أيار (مايو) 2001.

ومتى رجعتم إلى اليمن؟

رجعت إلى اليمن في أيار (مايو) 2001 أي قبل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) بأربعة أشهر.

وكيف تم القبض عليكم في اليمن وإيداعكم السجن وبالتالي محاكمتكم؟

تم القبض علينا في دولة شقيقة (السعودية) حيث كنت ضمن قائمة المطلوبين للسلطات الأمنية اليمنية.

هل كنت في السعودية في زيارة عادية أم في زيارة عمل تنظيمي أو هربا من الملاحقة الأمنية في اليمن؟

نعم كنت هناك في زيارة عادية.

ألم تكن تشعر أنك ملاحق أمنيا في اليمن خلال تلك الفترة؟

كنا مطلوبين وملاحقين ومطاردين خلال تلك الفترة إلى أن تم القبض علينا، ومن ضمن الأشياء التي دلّت علينا وأدت إلى اعتقالنا في السعودية هو أننا كنا ضمن قائمة المطلوبين بالاسم والصورة للسلطات اليمنية.

هل رجعت من أفغانستان إلى اليمن، ثم قمت بزيارة السعودية، أم مررت بها من أجل الوصول لليمن؟

نعم زرتها بعد أن رجعت إلى اليمن، وبعد أن قضيت في اليمن حوالى سنة ونصف، أي إلى ما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

ما هي التهم التي وجّهت لكم وحوكمت بموجبها وكم المدة التي حكم عليكم بها؟

وجهت لنا تهم عديدة منها تشكيل عصابة مسلحة والمشاركة في مهاجمة ناقلة النفط الفرنسية (ليمبورغ) قبالة سواحل المكلا بحضرموت نهاية 2002 ، وقد صدر الحكم ضدنا من المحكمة الابتدائية لأمن الدولة بالسجن 10 سنوات.

وهل استأنفتم هذا الحكم؟

لم تلحق المحكمة الاستئنافية ذلك، إثر فرارنا من السجن قبل بدء جلسات الاستئناف.

كيف تقيّمون إجراءات المحاكمة، وهل كانت عادلة في نظركم؟

كان قد سبق محاكمتنا بفترة قصيرة الإعلان عن استقلال القضاء وكان هذا يرفع من معنوياتنا، لكن عدم إيماننا في ذلك الوقت بشرعية المحاكمة جعلنا لا نتقبل سير المحاكمة، سواء كانت مسيّسة أو غير مسيّسة، وسواء كانت مستقلة أو غير مستقلة.

هل توفرت فيها شروط العدالة أم أنها كانت محاكمة سياسية، حسب ما ردد العديد من المحامين؟

كما ذكرت، إن عدم شرعية المحاكمة في اعتقادنا في ذلك الوقت جعلنا لا نهتم بتسييسها أو غيره، فنحن نعرف أن المحاكمة يطّلع عليها العالم، من خلال ما ينشر ويبث في وسائل الإعلام من صحف وقنوات تلفزة فضائية، وبالتالي هم من سيقيّمون هذه المحاكمات أكثر منا.

هل قضيتم في السجن كل الفترة العقابية وفقا للحكم القضائي؟

قضينا من العقوبة ما يقارب نصف المدة وتمكنا بعدها من الهرب من سجن الجهاز المركزي للأمن السياسي (المخابرات) بصنعاء، كما سمعتم وتابعتم عبر وسائل الإعلام، ضمن مجموعة الفارين الـ23 من المعتقلين على ذمة التهم بالانتماء للقاعدة.

هل يمكن أن تشرح لنا بالتفصيل كيف تمكنتم من تدبير هذا الفرار من ذلك السجن المنيع في هذه العملية التي وُصفت بعملية (الهروب الكبير)؟

بصراحة عملية الهروب من السجن كانت أولا وأخيرا في اعتقادي توفيق إلهي، لا دخل لقدرات البشر فيها، لا لمن كانوا يرفضونها من حرس السجن وضباطه، ولا ممن كانوا يطمعون بالهروب بوسائلهم البسيطة. فملعقة حفرت خرسانة من الحصا والاسمنت حتى وصلنا إلى التراب، ومن ثم الحفر بقوائم سُلّم الطعام الاستيل أو المعدني، حتى واجهتنا خرسانة حديد من الحصا والاسمنت أيضا تحت حمامات المسجد المجاور للسجن، وقد تم تكسير هذه الخرسانة بعمود حديد وجدناه مدفونا بالتراب أثناء عملية الحفر، أما بالنسبة للتراب فقد جمعناه داخل الغرف بعد تبليله بالماء، وهي طريقة أفغانية لبناء الأسوار والمنازل، وقد ساعد ذلك بالتقليل من حجم التراب المستخرج أثناء الحفر.

كم تقريبا طول هذا النفق الذي حفرتموه تحت الأرض؟

يبلغ طول هذا النفق حوالي 45 مترا وعرضه بين 70 إلى 90 سنتيمترا، أي كان متفاوت العرض، حيث كان بعض أجزائه يضيق وبعضها الآخر يتسع.

كم استمرت فترة الإعداد لعملية الهروب من السجن وحفر هذا النفق؟

استمرت فترة الإعداد والحفر للنفق خمسين يوما، شابها كل أنواع الحذر والحيطة، بحيث لا يفتضح الأمر، ولا تكن هناك أي علامات توحي بتغيير الوضع داخل الزنازين فينتبه إليها الحراس.

ما هي الأدوات التي استخدمتموها في حفر هذا النفق؟

كما ذكرت لك سابقا، استخدمنا ملاعق الطعام، وأعمدة سُلّم طعام من الاستيل، وكذا أعواد المماسح والنشافات الخشبية وأسلاكا نحاسية كانت داخل قلب إحدى المراوح المكيفة، استخدمناها كأسلاك تمتد على طول النفق لتوفير الإضاءة.

هل من وصف دقيق ومفصّل لتلك اللحظات الحرجة التي سبقت هروبكم من السجن وأثناء قيامكم بهذه العملية؟

سأصف لكم بعض الأحوال التي كنا عليها قبل الهروب من السجن، فقد كان البعض يصلّي القيام والبعض الآخر كان قد وصل إلى المسجد المجاور للسجن الذي تمكنا من حفر النفق إلى أحد حماماته، وبدأ بمعرفة أين يتواجد الحراس جانب المسجد والبعض الآخر كانوا يقومون بحلاقة شعرهم ولحاهم لتمويه الحراس أثناء خروجنا من المسجد المجاور للسجن وهي لحظة الصفر، فقد كانت الأعصاب خلالها متوترة.

وكيف تمت هذه العملية بهذه الدقة دون أن يسمع بعملكم أحد من حراس السجن أو يكتشف قيامكم بذلك؟

استخدمنا في هذه العملية كل الأسباب المتاحة من حيث الأدوات وأيضا الحذر والعمل المتواصل الذي كان على مدار الساعة دون توقف، وتركنا أمر النجاح، والنجاح على الله.

هناك سؤال محيّر، وهو كيف خرج العديد من السجناء معكم عبر هذا النفق الضيق الذي حفرتموه تحت السجن على الرغم من أجسادهم البدينة، مثل البيحاني؟

كنا نعمل في الحسبان أثناء الحفر الشباب البدينين، وللعلم كان أول واحد يعبر هذا النفق وجاهز للخروج بكامل استعداداته من لبس وحلاقة وغيرها هو أكثر واحد فينا بدانة، وهو البيحاني، ومن ثم توالت عملية الخروج للواحد منّا بعد الآخر إلى المسجد وهناك انتظرنا حتى أذّن مؤذن المسجد لصلاة الفجر وصليّنا فيه وخرجنا منه مع المصلين دون أن يشعر بنا أحد.

هل صليتم الفجر مع بقية المصلين أم في مكان آخر؟

صلّينا في مصلّى النساء بهذا المسجد، حتى أكملنا الصلاة، وعندما رأينا أول فوج يخرج من المسجد بدأنا بعملية الخروج منه، ابتداء من الخروج إلى صرح المسجد المجاور لبوابة مصلى الرجال ومن ثم خرجنا إلى الشارع ضمن بقية المصلين الخارجين من المسجد ولم يلاحظ أحدا خروجنا، خاصة مع الاحتياطات التي كنا قد قمنا بها من حلاقة وإخفاء لشخصياتنا وغيرها.

هل كان مدخل مصلى النساء بعيدا عن مدخل الرجال؟

كان على مقربة منه، بحيث لا يوحي بأن أحدا يلاحقنا.

وهل كان بعيدا عن تواجد حراس السجن؟

نعم كان بعيدا عن تواجد حراس السجن، لأن هؤلاء الحراس كانوا لا يتواجدون داخل المسجد بل خارج المسجد فقط.

عندما خرجتم للشارع المجاور للمسجد، هل كانت هناك سيارات تنتظركم أم استخدمتم مواصلات عامة؟

مشينا بشكل طبيعي وتواصلنا تواصلا طبيعيا.

هل شعرتم بوجود تواطؤ أو تعاطف من قبل بعض حراس السجن الذي فررتم منه وبالتالي تغاضوا عما كنتم تقومون به وتركوكم تواصلون الحفر للنفق الذي فررتم عبره؟

يمكن القول إن العسكري بطبيعته يخاف على لقمة عيشه، فقد يتعاطف معك بقلبه لكن لن يتعاطف معك بشيء عملي، أيا كان، وخاصة قضية هروب كبير قد تودي به إلى المحاكمة وأقل عقوبة لها قد تكون الفصل من عمله.

وبالتالي لم تشعروا أن هناك أي تواطؤ معكم من قبل حراس السجن؟

نعم، لم نشعر أن هناك أي تواطؤ معنا مطلقا.

ألم تتمكنوا خلال فترة السجن الطويلة من كسب تعاطف بعض حراس السجن معكم؟

كما قلت لك إن العسكري قد يتعاطف معك بقلبه، لكن كتعاطف بشيء عملي أو بشيء يجعله أمام المساءلة ويجعل منه أحد أفراد الشباب فهذا مستحيل. وكان الوضع على العكس مما تقول، فقد كان الوضع متوترا بيننا وبينهم ولو عرفوا أو أحسّوا بأي خبر لأبلغوا عنا.

رصدت وزارة الداخلية اليمنية مبلغ خمسة ملايين ريال (25 ألف دولار) لكل شخص يمنحها أي معلومات تؤدي إلى اعتقال أي من هؤلاء الـ23 الفارين من السجن، ألم تشعروا بالقلق جراء ذلك؟

الحقيقة لم يكن القلق من هذا المبلغ الذي رصد للإدلاء بأي معلومات تدل علينا، ولكن القلق كان بالنسبة لي شخصيا هو أن نهدم كل ما حققناه من نجاح وتحرر من السجن بخطأ أمني بسيط.

ماذا تقصد بالخطأ الأمني البسيط؟

أقصد بالخطأ الأمني البسيط هو أن يرتكب أي خطأ من قبلنا أثناء عملية التخفّي من أعين لأجهزة الأمنية.

كيف سلمتم أنفسكم للسلطة عقب فراركم من السجن؟

في الحقيقة أعطانا رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح وجه الأمان إذا سلمنا أنفسنا للأجهزة الأمنية، وعندما قمنا بتسليم أنفسنا أعطانا الرئيس وجه الأمان وعفا عن مدة السجن المتبقية علينا، بشرط أن نعود للمجتمع كبقية أفراد الشعب من حيث الحقوق والواجبات والالتزام بعدم التورط بأي عمل يمس أمن البلاد.

هل سلمتم أنفسكم للرئيس شخصيا أم لمندوبين عنه؟

بعض الشباب سلموا أنفسهم للرئيس شخصيا والبعض الآخر سلّموا أنفسهم عن طريق الأجهزة الأمنية، لكن في الأول والأخير كان إعطاء وجه الأمان من قبل رئيس الجمهورية شخصيا.

هل كانت عملية التسليم، وعملية التفاوض قبلها على ذلك، عبر وسطاء قبليين أم عبر أناس آخرين؟

كانت عبر شباب من الذين خرجوا من السجن قبلنا من الذين كانوا يتواصلون معنا ومع السلطة، وهم من الذين كانت لهم قناعات بالهدوء بعد الحوار الفكري الذي دار بينهم وبين العلماء، فقد كان بيننا وبينهم تواصل وأعطونا وجه الأمان من الرئيس وقمنا بتسليم أنفسنا بناء على ذلك.

هل كانت هناك شروط معينة لإطلاق سراحكم وعدم ملاحقتكم أمنيا عقب تسليم أنفسكم؟

بصراحة لم تكن هناك أي شروط لا من جهتنا ولا من جهة السلطة، إنما التسليم جاء لإظهار حسن النوايا تجاه البلد والشعب وكذلك تجاه الدولة والتأكيد أن توجهنا الجهادي هو توجه معتدل وهادف.

هل قدمت لكم السلطة عروضا معينة لإدماجكم في المجتمع مقابل تخليكم عن أعمال العنف أو الجهاد؟

أريد توضيح قولك إدماجكم مقابل تخليكم عن أعمال العنف، فالمسألة ليست مسألة مقايضة، ولكن المسألة مسألة قناعات نابعة عن تجارب في ميدان الواقع، عشناها نحن وعاشتها الدولة، والكل وصل إلى قناعات في التعامل مع الآخر، ومن ضمن هذه القناعات توحيد صف أبناء الوطن الواحد، وعدم الإضرار بمصالح البلد والشعب، وأيضا أن كل ما هو مطروح من أفكار في الساحة الجهادية أو السياسية ليس قرآنا، بل هو قابل لإعادة النظر كما لاحظنا ذلك في المراجعات التي حصلت من قادة الجماعة الإسلامية المصرية بعد عدة عقود. فالاجتهادات إما أن تصيب ويستمر صوابها ويخطئها الجميع، وإما أن تخطئ ويخطئها الجميع وإما أن تخطئ ولا يستمر خطؤها ومن ثم تُصوّب مرة أخرى. وهذا يعني أن المسألة قابلة لإعادة النظر والتبصّر لما يحدث أو حدث والتعلّم من تجارب الآخرين.

هل تشعرون أنه تم تطبيع وضعكم بالكامل في الحياة العامة، أم أنكم لا زلتم تواجهون التمييز وعدم تمكنكم من الحصول على حقوقكم كاملة؟

هناك بطء في التعامل وعدم جدية، لا أدري لماذا، وإنما لمسنا بعض التعاون من أشخاص معينين في الدولة عندما تواجهنا عراقيل؛ والحقيقة إن التطبيع الذي تعنيه في سؤالك، لم تقم الدولة على طرحه في واقعنا بدراسة وإنما تركوا الأمر بالبركة، وأعني بهذا أنهم لم يهيئوا فرصا للتعامل مع واقع الحياة بشكل أفضل وبطريقة أسهل.

كيف ينظر إليكم جيرانكم وكل من تتعاملون معهم في كل مكان، عندما يعرفون انكم كنتم ضمن معتقلي القاعدة؟

الحقيقة ان نظرة الجيران لنا تختلف من واحد إلى آخر، فواحد يكتفي بالسلام وآخر يخاف الاختلاط وآخر إذا اختلطت معه ينتظر منك زلّة لسان وآخر متحزّب أو صاحب جماعة يخشى أن تؤثر على فكره أو أحد أتباع حزبه أو جماعته، وآخر تقرأ في عينيه الحب وهكذا، ولكن يبقى دورنا في توحيد هذه النظرة بأن نرمي كل هذه التخيّلات والإيحاءات لدى البعض، أعني الخوف والمصلحة والحب المقترن بالخوف وغيرها، والتعامل معهم بما يجمعنا مع كل واحد منهم في أمور الخير، وبالتالي ستنتهي هذه الحواجز مع مرور الزمن.

ما هي أبرز هذه الحواجز والمعوقات التي تواجهكم حاليا؟

الحقيقة أن الدولة اجتهدت كثيرا وأجهزتها الأمنية في معرفة من نحن قبل القبض علينا، وتعبت في البحث عنا، ومن ثم السجن وما أعقبه من محاكمة، فكل هذا كان له دراسة وتخطيط ولكن الآن وبعد اختلاطنا بالمجتمع أصبح الأمر عشوائيا من ناحية التأهيل وتوفير المناخ المناسب للعمل، فأكثر الشباب يعانون البطالة في وقتنا الحالي، مع أنه يوجد منهم من يمتلك الشهادة ومن يمتلك المهنة وآخر من يمتلك الهمة للعمل.

هل كفلت لكم الدولة الحقوق المدنية والسياسية كاملة، عقب منحكم الأمان وإطلاق سراحكم؟

الدولة كفلت لنا جميع الحقوق، مدنية كانت أم سياسية، ولكن يتبقى لنا أمور لم تكفل إلا باتفاق الدول الأخرى، كقضايا السفر إلى دولهم وأيضا المشاركة السياسية التي قد تجعل من إرهابي كما يقال بأن يكون سفيرا في دولهم أو صاحب حصانة، فكل هذه الحقوق لا تزال في طي المجهول، لأنه لم يطرق بابها حتى الآن.

ألا تعتقدون أن يتحوّل هذا التمييز ضد بعض الذين أطلق سراحهم من معتقلي القاعدة السابقين إلى قنبلة موقوتة نظرا لضيقهم بالمشاكل والمعوقات التي يواجهونها؟

نحن نتفاءل بالخير، فالقناعات لا يؤثر بها ضيق الحال أو غيره، ولكن يجب التعامل مع هذه المواضيع بجدية أكثر.

من قبل من؟

من قبل السلطات اليمنية وكذا من قبل سلطات الدول الأخرى.

الكثير يتساءلون، كيف استطاعت السلطات اليمنية انتزاع عقيدة الجهاد من عقول هؤلاء الشباب من معتقلي القاعدة السابقين؟

أريد أن أوضح لك، أن الجهاد فريضة من فرائض الإسلام في حال احتلال أرض من أراضي المسلمين أو انتهك عرض فيها، وهذا ما يسمى بالجهاد الذي يفسد على الناس دينهم وأعراضهم، وإذا لاحظنا أن الجهاد في هذا الزمن فرض عين على كل من احتلت أرضه، فإذا لم يستطيعوا إخراج المحتل، صار فرضا على كل من هم حول هذه الأرض، فإذا لم يستطيعوا فعلى من حولهم حتى يصير فرضا على الأمة جميعها، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية. فنحن نؤمن أن التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة هو احتلال سافر لأراضيها ونهب لثرواتها وهي قضيتنا، ولكن ما تغيّر الآن ليس كما تقول انتزاع عقيدة الجهاد من قلوبهم ولكن لا نريد الخروج عن هدف الجهاد السامي، وهو تحقيق الأمن والعزة للإسلام والمسلمين. فالقتل كما رأينا منذ عقود من بداية ظهور الجماعة الإسلامية المصرية وحتى تراجعها لم يحقق هذا الهدف، بل زجّ بآلاف من الشباب في السجون، فليس عيبا وليس جُبنا أن تعيد النظر في مفهوم الجهاد، بكيفيته ومكانه والأخذ بفتوى جمهور العلماء في هذه البلدان حتى يتوحد السقف والكلمة ويبلغ الجهاد هدفه.

هل تعتقدون أن الحوار الفكري الديني الذي أجرته الدولة في اليمن كان له تأثير كبير في تغيير قناعات معتقلي القاعدة؟

إن هذا الحوار لم يكن بحجم تلك الضجة الإعلامية، فأي حوار وأنت وراء القضبان ومكبّل بالقيود، ولكن نقول إن هذا الحوار كان تحصيل حاصل، والمخرج للطرفين، فالشباب وصل إلى قناعة بعدم جدوى هذه الأعمال في اليمن أو في غيره، ومن ثم وقّع على وثيقة الحوار، والدولة أرادت أن تضمن من جهة شرعية التزام هؤلاء الشباب بما في وثيقة الحوار. أما أنه تم طرح شرعي وفقهي لمسائل مختلف فيها وتحديد نقاط النزاع ومن ثم الخروج برؤية شرعية أُخذ فيها بالحجة والدليل فلا أتوقع ذلك، ولكن توافقت القناعات معنا في وثيقة الحوار قبل إجراء الحوار أصلا.

يقال إن تنظيم القاعدة في اليمن عمل خلال الفترة الماضية على إعادة تنظيم نفسه، هل تعتقدون أنه بالإمكان استعادة نشاطه في ظل الحرب العالمية على الإرهاب وتطوير القدرات الأمنية لدى الأجهزة اليمنية؟

بصراحة حرب العصابات تستعصي على كبار الدول، اعتقد أنه ليس من السهل السيطرة على هذه الحرب بسهولة، لا من حيث جغرافية الأرض ولا من حيث تعاطف المتعاطفين ولكن أمام الدول التي تواجه إعادة تنظيم القاعدة تنظيم نفسه، أن تتعامل مع الموضوع بجدية أكثر وأن تتصور النظرة التي ينظر بها الشباب لهذه الحرب تصورا صحيحا، وأعني بالصحيح، أي لا كما تريد الدول إعلاميا، ومن بعدها تعمل على معالجة هذه الأسباب وأظنها بسيطة أمام إرادة القيادات السياسية والعلماء الصادقين أصحاب الرؤى الوسطية.

ألا تعتقدون أن التنظيم العالمي للقاعدة يمكن أن يتخذ من غياب الدولة في الصومال مقرا لانطلاق عملياته منها؟

ليس مستبعدا، فالقاعدة أو المشاركة لها ميدانيا في بداية التسعينات كانت في الصومال، مما يعني أن لها جذورا في تلك المنطقة وسيساعدها على إعادة ترتيب الأوراق من جديد، ومن ثم الانطلاق.

في اعتقادكم ما هو حجم القاعدة في الصومال؟

أعتقد أن حجم القاعدة في الصومال يتناسب تناسبا طرديا مع غياب الدولة في الصومال.

يتحدث العديد من المحللين عن وجود هوّة كبيرة بين الجيل الأول والجيل الثاني من عناصر تنظيم القاعدة في اليمن، ما مدى واقعية ذلك؟

أعتقد أن الهوّة التي يقصدها المحللون غير التي نراها نحن، فهناك شباب ما قبل 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وشباب ما بعده، فقبل هذا التاريخ كانت هناك مركزية في اختيار الأهداف وزمنها وكان القصد إعلام الشعوب أن أراضيها محتلة وقد انتهى دورهم، لأن التغيير الفعلي ليس بأيديهم ولكن بأيدي الشعوب وساستها، وأما شباب ما بعد 11 أيلول (سبتمبر) فأعتبرها أنا ثورة من الأعمال الانتقامية اللامركزية سببها الضغوط الأمريكية على الحكومات العربية التي ولّدت تصادما بينها وبين هؤلاء الشباب.


في السبت 31 يناير-كانون الثاني 2009 07:25:11 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=4814