من بريشيا إلى بيروت.. ملف تجسس يكشف أسرارًا إقليمية
كلادس صعب
كلادس صعب
 

أحد يتوقع أن تبدأ فصول واحدة من أكثر قصص التجسس تعقيدًا في المنطقة داخل مطعم صغير بمدينة بريشيا الإيطالية. هناك، كان محمد نعيم نواف الخطيب، المواطن السوري المولود عام 1970، يعمل في المطبخ، بعيدًا عن أي صلة بعالم الاستخبارات. لكن لقاءه بشخص يُدعى “جيوفاني”، الذي تبيّن لاحقًا أنه يعمل لصالح الموساد، غيّر مسار حياته بالكامل.

 

بحسب ما ورد في التحقيقات القضائية اللبنانية، بدأ الخطيب تنفيذ مهمات لصالح الاستخبارات الإسرائيلية منذ عام 2002، أي قبل سقوط نظام بشار الأسد. كانت البداية بنقل سيارات فاخرة من إيطاليا إلى الأردن وسوريا، لكنها لم تكن مجرد سيارات، بل أدوات تنصت متنقلة. في إحدى العمليات، قاد سيارة مرسيدس كارافان تحتوي على ستة أجهزة تجسس مخفية داخل جدرانها الخشبية، وسلمها إلى عميل آخر عند الحدود الأردنية، مقابل 500 دولار فقط. ومع تطور المهام، توقف نقل السيارات بسبب تشديد الإجراءات الأمنية، فانتقل إلى تهريب أجهزة اتصالات فضائية من نوع “ثريا”، وأحيانًا أسلحة حربية، عبر ميناء طرطوس السوري، حيث كانت تُدفع رشاوى لتجاوز التفتيش الجمركي.

 

لكن دوره لم يتوقف عند التهريب. تشير التحقيقات إلى أن الخطيب جمع معلومات دقيقة عن شخصيات ومواقع حساسة داخل سوريا، منها المدير العام للنقل البحري، مدير مكتب مضر الأسد، ودير مار موسى الحبشي، وحتى المعابر الحدودية. كان يكتب تقارير تفصيلية ويزود مشغليه بها بشكل منتظم.

 

كما لعب دورًا ماليًا في الشبكة، إذ تلقى حوالات مالية ضخمة من مشغله “جيوفاني” عبر حسابه المصرفي في إيطاليا، وقام بتحويلها إلى عملاء في الأردن، وسافر إلى لبنان عام 2007 لتسليم مبالغ نقدية لعميل يُدعى “كمال” في بلدة عنجر.

 

في 2 أيار 2024، تم توقيفه عند معبر المصنع الحدودي بعد الاشتباه به في قضية احتيال. لكن ما كشفته هواتفه المحمولة كان أخطر بكثير: أرقام مرتبطة بالموساد، وسجل من الاتصالات والأنشطة التي امتدت لأكثر من عشر سنوات.

 

في التحقيقات الأولية، اعترف الخطيب بكل شيء. لكنه تراجع لاحقًا أمام قاضي التحقيق، مدعيًا أنه أدلى باعترافاته تحت الضغط والتهديد.

 

ومع ذلك، فإن تناقض إفاداته، ومحتوى هاتفَيه، وتعقيد المهام التي نفذها، دفعت القضاء إلى اتهامه رسميًا بجناية التجنّد والعمل لصالح العدو، وفق المادة 278 من قانون العقوبات اللبناني.

 

اليوم، يقبع محمد الخطيب خلف القضبان بانتظار محاكمته أمام المحكمة العسكرية الدائمة، فيما لا يزال البحث جاريًا عن العميل “كمال” الذي لم تُعرف هويته الكاملة بعد. قصة تجسس بدأت في مطعم، وانتهت في قفص الاتهام… وما زالت فصولها مفتوحة.


في الثلاثاء 02 سبتمبر-أيلول 2025 05:42:10 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=47815