المؤتمر الشعبي بين التشرذم الداخلي وفرصة استعادة الدور السياسي
سيف الحاضري
سيف الحاضري
 

يمر المؤتمر الشعبي العام بمرحلة مفصلية تهدد تماسكه وتضع وجوده السياسي على المحك. فالحزب الذي شكّل لعقود القوة الأبرز في المشهد اليمني، وأدار التوازنات الداخلية والخارجية، بات اليوم يعيش حالة من الانفصال عن واقعه، تعكسها قيادته المشتتة في عواصم الشتات، وصراعاتها الشخصية التي تتقدم على المصلحة الوطنية والحزبية.

منذ رحيل مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي، علي عبدالله صالح، دخل المؤتمر في دوامة من الانقسامات والانقلابات الداخلية. فقد تعرّض جناحه في صنعاء لعملية "سطو مسلح" من قبل مليشيات الحوثي، شملت مقراته وممتلكاته وكوادره وحتى جماهيره. وفي المقابل، واجه الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي عُيّن رئيسًا للمؤتمر، انقلابًا سياسيًا من أجنحة داخلية متصارعة، سرعان ما انقلب بعضها على بعض في مشهد يعكس انهيار وحدة القيادة وتفكك منظومة الثقة داخل الحزب.

تحوّل المؤتمر الشعبي العام إلى حزب متعدد الرؤوس، حيث يدّعي كل طرف تمثيله وقيادته، دون أن يمتلك أي منهم شرعية رئاسة المؤتمر. هذا الانقسام يعكس حالة التشرذم السياسي التي يعيشها الحزب، الذي كان يومًا ما الركيزة الأساسية للدولة اليمنية. فهناك مؤتمر في صنعاء خاضع لهيمنة الحوثيين، وآخر في الرياض يحاول التماهي مع التحالف العربي، وجناح في أبوظبي يتقاطع مع أجندة الإمارات، بينما يتنقل آخرون بين مسقط والدوحة بحثًا عن دعم إقليمي. هذا التوزع الجغرافي والسياسي أفقد المؤتمر هويته الوطنية، وجعل قراره مرتهنًا للتدخلات الخارجية أكثر من انتمائه الحزبي.

خلال سنوات الحرب، كان المؤتمر طرفًا فاعلًا في المعادلة اليمنية. فقد شارك جزء منه في انقلاب سبتمبر 2014 بتحالفه مع الحوثيين، بينما وقف جزء آخر إلى جانب الشرعية والتحالف لمواجهة ذلك الانقلاب. هذه الازدواجية جعلت المؤتمر الحزب الوحيد الذي قاتل في صفين متقابلين، ما أدى إلى تبديد قوته وتشويه صورته أمام اليمنيين. ومع ذلك، لا يزال المؤتمر يمتلك رصيدًا سياسيًا وشعبيًا يمكن أن يمنحه فرصة تاريخية لاستعادة دوره، شرط أن ينجح في توحيد صفوفه وإعادة ترتيب أولوياته.

تتمثل المعضلة الكبرى التي يواجهها المؤتمر في أزمة القيادة، حيث يتنازع شخصيات مثل الرئيس هادي، سلطان البركاني، أحمد عبيد بن دغر، رشاد العليمي، أحمد علي عبدالله صالح، وطارق صالح، على قيادة الحزب، في ظل غياب التوافق وتغليب الطموحات الشخصية على المصلحة العامة. ويبرز حمود خالد الصوفي كلاعب مؤثر، تمكن من إحباط محاولات لملمة قيادات الشتات، ما يزيد من تعقيد المشهد. استمرار هذه الخلافات يجعل من الصعب على المؤتمر أن يؤدي دورًا فاعلًا في إعادة صياغة المشهد السياسي للجمهورية اليمنية، التي تحتاج إلى حزب وطني جامع في هذه المرحلة الحرجة.

ورغم مظاهر الانقسام، لا تزال أمام المؤتمر فرصة للملمة شتاته، إذا توفرت إرادة صادقة وتنازلات متبادلة. وهناك شخصيات يمكنها لعب أدوار محورية في هذا المسار، أبرزهم حمود خالد الصوفي، الذي يمتلك من الخبرة والقدرة ما يؤهله للعب دور جامع إذا تجاوز حساباته الخاصة والإقليمية، والدكتور بن دغر الذي يمكن أن يشكّل عامل توازن إذا خفف من طموحاته الشخصية، وأحمد علي عبدالله صالح الذي لا يمكن أن يعود من بوابة الوراثة، بل من خلال مكانته السياسية والاجتماعية، إذا اختار أن يكون جامعًا لا مفرقًا.

أما الشخصيات التي تتمسك بالسطو على قيادة الحزب عبر النفوذ الخارجي، فإنها تدفع المؤتمر نحو مزيد من التشظي، وتمنح الحوثيين شرعية غير مباشرة لسطوهم المسلح على جناح صنعاء. وعلى سلطان البركاني ورشاد العليمي، بوصفهما جزءًا أصيلًا من قيادة المؤتمر، أن يدركا أن مصلحة الحزب والبلاد تقتضي منهما التراجع خطوة إلى الخلف، وفتح المجال أمام قيادة جماعية جامعة، بدلًا من التمسك بمواقع تُضعف الحزب وتشتت قاعدته الشعبية.

وحدها هذه التنازلات، إذا اجتمعت مع صدق نوايا الصوفي وآخرين، يمكن أن تدفع المؤتمر لتجاوز مرحلة الخطر، والعودة إلى واجهة العمل السياسي كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل اليمن.

إن المؤتمر الشعبي العام اليوم أمام لحظة تاريخية فاصلة: إما أن يواصل التشرذم والصراع الداخلي، فيتحول إلى مجرد ذكرى من الماضي، أو أن ينهض من تحت الركام، متسلحًا بوحدة قيادته وصفوفه، ليعيد ترتيب أولوياته وفقًا للمصلحة الوطنية. وإذا كان التاريخ قد أثبت أن المؤتمر كان قادرًا على إدارة الدولة وتوحيد اليمنيين تحت مظلة سياسية واحدة، فإن اللحظة الراهنة تتطلب منه استعادة هذا الدور، لا من أجل ذاته فقط، بل من أجل اليمن التي أنهكتها الحرب والانقسامات.

وفي ذكرى تأسيسه، نقول: إما أن يستعيد المؤتمر الشعبي العام مكانته كرقم وطني صعب، أو يترك الساحة لغيره من القوى الصاعدة لتكتب فصل اليمن القادم.

 
في الإثنين 25 أغسطس-آب 2025 05:31:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=47794