|
في لحظات الانكسار الوطني، لا يكون الخطر في سطوة العدو فقط، بل في ارتباك البوصلة داخل الصف الجمهوري ذاته.
في وقتٍ كان يُنتظر فيه أن تتحول مؤسسات الشرعية إلى رأس حربة في معركة التحرير، تحوّل بعض قادتها إلى أدوات في إعادة تدوير الانقلاب وتمكينه من مفاصل الدولة.
فالمعارك لا تُخاض بالنوايا وحدها، بل بالمواقف والإرادة، ومشهد واحد كفيل بكشف عمق الأزمة وخطورة الانحراف.
ثمة مشاهد وصور يصعب على المرء تجاهل الوقوف أمامها، وقراءتها وتحليلها بصدق وفقًا لمعطيات الواقع وحقائقه المجردة.
ومن تلك المشاهد، مشهد لقاء عيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى لما يسمى بـ"القوات الجنوبية"، برئيس هيئة الأركان العامة للجيش اليمني التابع للجمهورية اليمنية، وقادة هيئة الأركان.
الاستقراء الواقعي لهذا اللقاء أنه لا منطق له، ولا معنى لمصداقية الحديث فيه عن "جاهزية القوات المسلحة لهزيمة مليشيات الحوثي".
فالحقيقة أن هذا اللقاء - وفقًا لمفهوم الزبيدي - يجمع بين "القائد الأعلى لمليشيات المجلس الانتقالي" وبين "رئيس أركان جيش الاحتلال اليمني"، بحسب التوصيف الذي يتمسك به الزبيدي قبل اللقاء وأثناءه وبعده.
الزبيدي، في كل تصريحاته ولقاءاته، لا يفتأ يطالب بانسحاب الجيش اليمني من الجنوب، وخاصة من محافظتي حضرموت والمهرة، ويعتبر وجوده هناك احتلالًا.
وفي عام 2018، أقدم على تنفيذ انقلاب عسكري دموي على الحكومة الشرعية، وارتكب مجازر في حق الجيش والمواطنين في عدن.
خارطتا الرياض (1) و(2) حولتا المشهد رأسًا على عقب، تحت ذرائع ووعود تبيّن لاحقًا أنها كانت مجرد أدوات سياسية كاذبة لشرعنة انقلاب المجلس الانتقالي.
كان المنطق الواقعي يتحدث حينها عن مكاسب كبيرة للشعب اليمني عبر "شراكة وطنية" مع الانقلابيين في الجنوب من أجل هزيمة الانقلابيين في الشمال.
لكن النتيجة الحقيقية كانت الإطاحة بالرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، وتسليم أدوات الدولة لأمراء المليشيات.
اليوم، ووفقًا للمنطق المشوه ذاته، ووسط واقع إعلامي وسياسي مضلل، باتت الصور التي تُبث في التلفاز أو تنشرها المواقع الإخبارية لا تمت للحقيقة بصلة.
وإذا ما تم تمرير "خارطة الطريق" – التي تُعد أخطر جريمة سياسية تُرتكب بحق اليمن – فإن المشهد نفسه قد يتكرر، مع فارق خطير:
فالمقعد الذي يجلس عليه الزبيدي اليوم، قد يجلس فيه غدًا عبد الملك الحوثي، أو محمد البخيتي، أو أي من قادة مليشيات إيران.
ما كان مستحيلًا في 2018 أصبح واقعًا في 2022، وما نراه اليوم ضربًا من الجنون، قد يصبح غدًا واقعًا مفروضًا، إذا استمر صمتنا وخذلاننا لقضيتنا الوطنية المتمثلة في هزيمة مليشيات الحوثي الإرهابية.
إن الضرورة الوطنية اليوم تفرض علينا الانتقال من مربع الخديعة بين شركاء الشرعية - وبالأخص داخل مجلس القيادة الرئاسي - إلى مربع التوافق الحقيقي، القائم على المصالح المشتركة، والهدف المشترك، والعدو المشترك.
إن تجاهل ذلك سيُبقي المشهد محصورًا في صورة ملونة تخفي وراءها خديعة قاتلة، وفخًا وُضع بإتقان، وقد سقط فيه الجميع.
أما إذا أدركنا حجم المخاطر، فإن المنطق يفرض علينا أن نبحث عن مخارج حقيقية من هذا الفخ، تقودنا نحو المعركة الوطنية الكبرى:
معركة استعادة العاصمة صنعاء، وتحريرها من مليشيات الاحتلال الإيراني، مهما كانت التحديات، ومهما كان شُح الإمكانيات، ومهما كانت مخاوف الغدر من الحلفاء قبل الأعداء.
ليس أمامنا ترف الانتظار... وليس لأحد في هذا الوطن عذرٌ في التهرب من الواجب.
إن اللحظة تستدعي المصارحة والمواجهة والاصطفاف حول معركة واحدة فقط: معركة تحرير اليمن.
السكوت خيانة، والمراوغة تآمر، وكل تأخير هو خنجر في خاصرة الجمهورية.
ليكن شعارنا: "لا صور، بل مواقف... لا تحالفات زائفة، بل ميثاق شرف وطني".
ولنعد للبندقية هدفها، وللشعب كرامته، ولليمن حريته وسيادته.
في الجمعة 01 أغسطس-آب 2025 05:44:24 م
