أكلات الدمار الشامل
حسين شبكشي
حسين شبكشي
لصراع العربي الإسرائيلي مستمر، وله مشاهد مختلفة منها ما هو فجّ وصريح مثل الاعتداء الصارخ على الأرواح والأراضي، ونزع الملكيات من أصحابها بالقوة على أيدي قوة الاحتلال وعصابات المستوطنين الإرهابيين ضد أصحاب الأرض الفلسطينيين، ومنها ما هو خبيث وخادع كالاعتداء على الثقافات والفنون والأطعمة. خبر جديد قديم يطل علينا أن إسرائيل تحاول تسجيل الفلافل والحمص والتبولة على أنها كلها أكلات إسرائيلية، ومن التراث الخاص بهم. والحقيقة لن تكون هذه الحالة الأولى من نوعها في التراث العالمي الإنساني، ولكن الوقاحة الإسرائيلية أكثر جرأة فهم يحاولون تسجيلها كجزء من التراث الخاص بهم. فالرحالة الإيطالي الشهير «ماركو بولو» عاد من الصين «بالنودلز» وهي التي تحولت بعد ذلك إلى «السباغيتي»، وكانت بداية ولادة الباستا والمعجنات الإيطالية. و«الفرانكفورتر» كان نتاجا ألمانيا من مدينة فرانكفورت حتى وصل إلى أميركا مع المهاجرين، فأصبح «الهوت دوغ» وكذلك «الهامبروغر» الذي ولد في مدينة هامبورغ بألمانيا وفي أميركا نال مجده وشهرته. هناك أطباق تبقى محل «صراع» على هويتها، فالمطبخ السوري الشهير تعود الكثير من أطباقه إلى المطبخ العثماني، والمطبخ المصري إلى الحقبة الفاطمية. ولعل أشهر روايتين عن أصول بعض الأطباق في مصر هي قصة «الكشري»، التي يروج لها اليهود أن أصل الطبق واسمه الحقيقي هي «كوشر» أي الأكل الجائز أكله بحسب تعاليم الديانة اليهودية، والثاني طبق «أم علي» والذي ينسبه البريطانيون لهم، لأنه شبيهه بالبودنيغ الذي يقدم عندهم، وأن الذي اخترعته مربية من إنجلترا تقيم في مصر اسمها «أومالي». وفي العالم العربي تم «استيراد» العديد من الأطباق العالمية والآسيوية تحديداً وتطويرها، فالبرياني الهندي والتميس الأفغاني والرز البخاري والرز الكابلي (من كابل) والسمبوسك الهندية تملأ البيوت، وأصبحت جزءاً من المائدة الخليجية. وبشهادة شخصية فإن أفضل سمبوسك أكلتها في حياتي كانت في مقهى المتحف الوطني بالبحرين. والصراع لا يزال قائماً بين اليهود والأرمن على البسطرمة واللحوم الباردة كالنقانق والسجق. وأميركا كان لها دور كبير في «تغيير» بعض الأطباق والمطابخ العالمية بعد هجرة أهالي هذه البلدان منهم إليها. فعلى سبيل المثال، المطبخ الصيني لا يعرف طبق «الشاومين» لأنه طبق ابتدعه صينيو أميركا، وأنواع البيتزا في أميركا مختلفة عن إيطاليا، وكذلك الأصناف الموجودة في أميركا من المطبخ المكسيكي غير الموجودة في المكسيك نفسها، وأطباق السوشي في اليابان لم تعرف أصناف «الماكي»، إلا بعد اختراعه في مدينة فانكوفر الكندية. وفي المطبخ الحجازي لا يمكن إغفال أثر المطبخ الصيني من أكلات اليغمش والمنتو لأصولها التي تعود إلى طبق «ألوان تون» الصيني الشهير، والمطبق في واقع الأمر هو امتداد للكريب الفرنسي الشهير، مما يجعلني أستفسر عن حجم «العنف» الموجود في المطبخ العربي، بعد التعرف على أسماء أشهر الأكلات مثل «المطبق» و«مهروسة» و«مقلوبة»، «هريسة»، «مفروكة»، «منسف»، «كبسة»، «مكبوس»، «باشا بعساكره»، و«الكسرة» وغيرها من الأطباق الملغمة التي هي أقرب لأسلحة الدمار الشامل، وما هي أصول هذه الأكلات. هويات البشر من الممكن أن تعرفها من مطابخ الشعوب ولا شك، والمطبخ المقدم هو انعكاس لثراء حضارة وتنوع ثقافة هذه الأمم وعدم انغلاقها على نفسها. في أوروبا وتحديداً فرنسا يعتبر المطبخ من الثقافة، ومن أهم الفنون، ومن مصادر التعرف على الهوية. فِكر مختلفة.
في الأحد 25 مارس - آذار 2018 07:37:05 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=43561