من الرائع أن تبقى عروبيا
بكر احمد
بكر احمد

مأرب برس – خاص

هذه المقالة ليست كما يدل عنوانها بأنها ستتحدث عن الجنة التي أوجدها العروبيون ومازالوا ينعمون بخيراتها ، كما أنها ليست بصدد جلد الذات واجترار الهزائم كالمعتاد ووضع اللوم كل اللوم على الفكر القومي وتحميله ما لا يحتمل ، لكنها محاولة عادية لعكس ما بداخل إنسان عربي بسيط مازال يرى بان هذه الأمة الناطقة بلغة الضاد تستحق أفضل بكثير مما تعيشه الآن .

لكن وقبل الشروع بذلك أود أن أؤكد على صدق الإنسان القومي تجاه أمته بدون أن يميز فيما بينها على أسس مذهبية أو دينية أنه يدعي بأن مشروعه شيء يرتقي فوق هذه الأشياء ، وهو أكثر الناس استشعارا لحزنها وانكسارها وأكثر الناس رغبة في تغير هذا الحزن والانكسار دون أن ينتظر مقابل لهذا الشعور أو العمل ، وعليه أستطيع أن أبني هذا الإحساس الذي يتميز به الشخص العروبي على أن خلفيته المستقاة هي خلفيه تقدميه تسعى نحو إقامة الدولة الحديثة المعتمدة على ذاتها في تنميتها وتطويرها على أسس مدنية معاصرة .

وهذا الإنسان الذي يحمل هذه الأفكار والمبادئ ويعيش هذا العصر بكل معطياته ، هو إنسان ولا شك يعاني كثيرا سواء من الناحية السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية ، بل يكاد الأمر أن يخرج عن نطاق المعقول والمستوعب حين يرى التنظير السائد الحالي هو تنظير انهزامي داعي لمزيد من الرضوخ ويرى أن من يقف خلف هذه اللغة دول ومؤسسات إعلامية عربية تمول بمليارات الدولارات .

ثمة عداء واضح بين الدول التي توصف بالرجعية كالأنظمة الأسرية الإقطاعية سواء كانت أنظمة ملكية أو جمهورية وبين الفكر القومي العروبي ، ولهذا العداء مسبباته الجذرية حيث أن كل فكر _ لو اعتبرنا أنه للدول الرجعية فكرا ما _ لا يستطيع أن يثبت إقدامه بوجود الآخر ، ومن جهة أخرى هنالك تحالف طويل الأمد وإستراتيجي بين الغرب المتمثل بالإمبريالية الاستعمارية وبين تلك الدول العربية المعادية لعروبة المنطقة وثقافتها وسيادتها ، مما يجعل التخندق القومي الحالي هو أشبه ما يكون بمفردة عزف وحيدة بالكاد يصل صوتها وسط جوقة عالية وصاخبة .

وعليه يجب أن يعترف الجميع بأن الفكر القومي أن لم ينتفض بشكل أكثر مرونة فأنه لن يستطيع أن يحافظ على ما تبقى له _ رغم ندرتها _ من منابر ، فأكثر ما يحز بالنفس بأن من يتصدر المشهد القومي حاليا هم رجال تجاوزت أعمارهم الستين عاما بينما تختفي فئة عمرية مهمة تعتبر هي شريان أي فكر أو ثقافة ، ، وكم أخشى اختفاء التيار القومي باختفاء ذلك الجيل الذي مازال يمسك بالجمر بيديه رغم كل ما عاصره في حياته ، ناهيك أنه هنالك الكثيرون ممن دخل وأعتنق العروبة وسيلة لمنهج حياته يحمل أفكارا مشوشة ومختلطة بل أنني أجد أن معظمهم يطرح خطابا دينيا أكثر منه عروبيا وهذا أخطر ما قد يكون على الفكر القومي في سنينه القادمة ، و أيضا علينا أن نعترف بان الفكر القومي وبعد أن فقد ذراعه السياسي والعسكري بات يرتضي لنفسه بأن تقوم بالمهام عنه أحزابا طائفية ودينية ويلتصق بها كالطفليات رافعا صور رموزه وواقفا وبشكل هامشي خلفها ومجترا للأسف الشديد وراء مشاريع تمول من جهات ترى في العروبة عدو ديني وعقائدي وتشن عليها عبر إعلامها دوما أقذر الحملات .

مشكلة الفكر القومي العربي حاليا هي مشكلة عدم امتلاكه لجهة إعلامية خاصة به يستطيع من خلالها أن يطرح أفكاره بشكل مستقل ورغم أن كل شخصين يستطيعان أن ينشئ قناة فضائية لتكون بجوار الكم الهائل من القنوات الغنائية الهابطة أو الطائفية فلا توجد وحتى الساعة قناة واحدة تعبر علانية وبكل صراحة عن توجهنا القومي العروبي وتطرح مباشرة وجهة نظرها للجمهور عن كل ما يحدث ويدور في منطقتنا العربية ، فلم يعد أحد يحلم بأي وحدة بين الدول العربية أو بأقل نوع من التضامن بعد أن أشهرت أكثر الدول عداوة للفكر العروبي عن رأييها ووقوفها علانية ضد أي مقاومة أو محاربة إسرائيل مما حدا برئيس وزراء إسرائيل آنذاك بتقديم الشكر لهم على تصريحهم وموقفهم الداعم " للسلام " والرافض للإرهاب ، أنه مفترق طرق جديد بين المقاومة والرفض لهيمنة الاستبداد وبين ذوي ثقافة الفردية والأسرية على حساب الأمة بأكملها ، إن إنشاء قناة فضائية قومية هو أمر في غاية الأهمية لنشر الرسالة التي يجب أن يعرف الجميع عنها وهي قد تعتبر من أقل ما يمكن من خلاله الخروج من عنق الزجاجة والتواصل مع شعوب الأمة ، أنها تعني الانتقال من مرحلة النخبوية التي طال أمدها إلى عقل وقلب المواطن العربي البسيط وأسرته .

ليس من اللائق وبعد الكم الهائل والمتراكم من البعد الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي يمتلكه الفكر القومي أن يقتصر عمله على عقد المؤتمرات وتكريم بعضهم البعض بين الحين والآخر ثم الخروج ببيانات ورقية تحمل ذات المضمون منذ خمسون عاما ، أنا لا أطالب بتغير المواقف المبدئية بقدر رغبتي برؤية ديناميكية تبعدنا عن مخملية المؤتمرات إلى قاع الشارع وعقل الإنسان العربي ، لأن العروبة والفكر القومي ليست إيديولوجية عقائدية أو سياسية أو دينية إنها نداء عقلاني نحو إعادة توحيد أمة واحدة وتشكيل كيان مستقل يساهم في رفاهية شعوبه مما يعني أنه حق مشروع لكل عربي أن يسعى لتحقيقه ونيله ، لذا لم يكن من الصعوبة في مكان أن ينتشر الفكر القومي في فترة من الفترات كالنار في الهشيم لأنه فكر يحاكي التطلعات المشروعة لكل عربي ، وارى أن الوقت الحالي هو من أنسب الأوقات حتى يستعيد هذا الفكر مكانته ، فهو متحرر من قيود الأنظمة والسياسة وهو يعيش في مرحلة أكثر سوءاً من أي وقت مضى ، أنها حالة تدعوا لإعادة إنعاش عروبتنا ولكن تحت منطلقات جديدة تلاؤم وتقرءا احتياجات هذا العصر مثل الفصل الواضح والتام بين الديني والسياسي وتحديد الموقف النهائي من تصرفات إيران في العراق وقضية الأهواز وإعادة طرح المواضيع الاجتماعية كتحرير المرأة والمساواة بين الأديان واختيار النهج الديمقراطي ورفض الاستبداد مهما كان نوعه أو شكله ، فالعربي _ أي عربي _ من حقه أن يمارس حياته كيفما يشاء حتى يستطيع أن يبدع وأن يندمج في هموم أمته ، والعربي ومهما خذلته الظروف يبقى يحمل الأمل في داخله لا يفقده .

لذا من الرائع أن تكون عروبيا لأنه هذا يجعل منك كائنا قائما بذاته وبكيانه يحمل فكرا وثقافة لا تموت مهما جار عليها الزمن .

benziyazan@hotmail.com


في الخميس 31 يوليو-تموز 2008 08:32:51 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=3997