الحوار: دولتان ذهبتا مع مهب الريح 3
محمد السندي
محمد السندي

من الافلام التي لا يزال الكثير يرغب في مشاهدتها فيلم "ذهب مع الريح" حصد 8 جوائز اوسكار محتلا المرتبة الرابعة في قائمة الافلام الامريكية المائة في القرن العشرين ، قصة الفيلم تبدأ بالإشارة ان هناك "حضارة ذهبت مع الريح" حكاية فيها شيء مما تعاني منه بلادي اليوم مع "الفارق الكبير" فالحرب الاهلية التي عاشتها امريكا زمان وما عانت منه من صراعات مختلفة بين الغني والفقير وبين الاسود والابيض وقتال بين جيش الجنوب المهزوم وجيش الشمال المنتصر وفي الفيلم قصص انسانية عظيمة فيها حب وتضحيات ختامها ان البطلين كانا يعيشا في وهم لا يمكن ان يتحقق فالشمال لم يعد شمال ولا الجنوب جنوب لينتهي الفيلم في عبارة تقول والبطلة  واقفة في شموخ "غدا يوم اخر".

بقيام الولايات المتحدة الامريكية واول رئيس جورج واشنطن صارت جمهورية دستورية فيدرالية ، دولة علمانية واجهت بعد 73 سنة من قيامها ومع انتخاب الرئيس 13 ابراهام لنكولن الذي حرر العبيد تمردا من قبل ولايات الجنوب يطالب بالانفصال عن الشمال الامريكي فكانت الحرب الاهلية التي استمرت اربع سنوات 1961-1865 حرب دموية قتل فيها 620،000 جندي وضابط ومواطن ولم تستقر الامور وتنتعش امريكا الا بعد ان انهزم جيش الجنوب وانتصر جيش الشمال .

اليوم امريكا اعظم واقوى دولة في العالم ،ماضيها وحروبها صار تاريخا القليل من الناس يتحدث عنه .

تاريخنا :- مدينتي ومسقط رأسي عدن على مدى 128 عاما مستعمرة بريطانية وكان في بداية الستينات اهم ثالث ميناء على مستوى العالم وكذلك سلطنتي حضرموت وكل سلطنات ومشيخات وامارات الجنوب التي توحدت كلها وعلى مدى 23 عاما 1967-1990 اصبحت دولة مستقلة معترف بها عربيا وعالميا "الجمهورية الجنوبية اليمنية الشعبية"، وفي الشمال كذلك كان هناك نظام امامي دام سنوات طويلة وقبله احتلال تركي حتى قامت دولة مستقلة معترف بها دامت 28 عاما 1962-1990 عُرفت "بالجمهورية العربية اليمنية" دولتان ذهبتا مع الريح عرفهما من عاش حلوها وقاسى مرها لكنهما ستبقيان جزء مهم من تاريخ اليمن على المؤرخين شرح حقيقتهما حتى يطلع من لم يعيشها وللأجيال القادمة من بعدهما دون اي تحريف او مبالغة .

وحدتنا :- في العام 1990 اصبح لا شمال اليمن شمالا ولا جنوب اليمن جنوبا ، وبإرادة سياسية للقيادتين توحدتا فاندمجتا الدولتان في دولة جديدة واحدة جرى فيها الاعتراف الرسمي العربي والدولي ورفعت البراميل وتحركت الجماهير فرحة ومباركة بقيام "الجمهورية اليمنية".

اخطاء القادة يتحملها الابرياء :- احد الاهداف الرئيسية للدولتين السابقتين "لنناضل من اجل تحقيق الوحدة اليمنية" وهي والحمدلله قد تحققت لكنها لم تتحقق لصالح الشعب انما لخدمة مصالح من وقع على الوحدة فالبيض كعادته فاجاء الجميع بقراره وصالح كان يريد ان يحقق انجازا متواضعا حتى لو كان اقل من الدولة الكونفدرالية فتحقق له اكثر مما كان يحلم به ولهذا السبب وعلى عكس الوحدة الالمانية "مع الفارق" جاءت اتفاقية الوحدة الالمانية في اكثر من الف صفحة و ملاحق و انتقلت العاصمة من بون الغربية الى برلين الشرقية فيما جاءت اتفاقية الوحدة اليمنية في صفحة ونصف هشه وركيكة كما جرى فيها وبإلحاح ابعاد كل الكوادر الجنوبية المعارضة فكانت الوحدة منذ البداية ضعيفة غير متكافئة يتحمل مسئوليتها من لم يضع اي اسس للدولة الموحدة الذي كان ينتظرها شعبنا اليمني المغلوب على امره فلا شعب الجنوب اكتملت فرحته ولا شعب الشمال تحققت له امنيته انما هم القادة ممن تسابقوا ولهثوا خلف القصور والسيارات الفارهة والاموال التي اغرتهم فألهتهم عن تحقيق طموحات واماني الشعب اليمني كله.

الحرب :- 23عاما مضت منذ ان تحققت الوحدة تداخلت وتعايشت الناس ابناء الجنوب في الشمال والعكس في الجنوب وصراعات الكبار وخلافاتهم تزداد حدة والشعب هو المتضرر الاكبر ، فلا الوحدويون فيما بينهم توحدوا ولا الانفصاليون اتفقوا والشباب وللأسف اسيري هذه القوى او تلك 23 عاما كانت اخطر ما مرت به الوحدة فترة التنصل من وثيقة العهد والاتفاق واعتكاف قيادة الجنوب في عدن ورفضها لأي حوار ينزع فتيل التوتر والحرب وكذلك تشبت قيادات الشمال وتعنتها الذي توج بإعلان الشرارة الاولى للحرب من ميدان السبعين عام 1994 ، حرب انهزم فيها جيش الجنوب و انتصر فيها جيش الشمال ، حرب تركت اثارا سلبية على شعب الجنوب خصوصا وشعب اليمن عموما.

رئيس بلا دولة :- البيض وفي ظل هذه الظروف وبدلا من ان يلعبها سياسة ويكسب تعاطف الشعب اليمني مع قضيته ذهب بعيدا ليعلن الانفصال ولينصب نفسه رئيسا وهو مهزوما ولغرض ما وقفت كل دول مجلس التعاون الخليجي لا خاسرة ولا مستفيدة لكنها نكاية بالاثنين ضربت عصفورين بحجر موقف صالح منها ابان احتلال العراق للكويت والموقف التاريخي المعادي للبيض وشعاراته المطالبة بتحرير عمان والخليج ، فكان الضحية الاكبر الشعب ولو كانت هناك فرصة لعودة الدولة الجنوبية لكان ذلك الزمان افضله .

حراك وثورة وثوار :- حراك الجنوب الذي بداء بمطالبات وحقوق لم تستوعبه قيادات الشمال فزادوا ابناء الجنوب ظلما وتهميشا ممارسات استفادت منها قيادات الجنوب لتعود بعد اكثر من عشر سنوات لتركب الموجة وتخطف نضال حراك ثوار الجنوب وهكذا بالنسبة لثوار الشمال .. ثوار الربيع العربي اللذين اصبحوا اسيري قادة هم ايضا ركبوا الموجة لولا المبادرة الخليجية والجهود الدولية وحكمة القيادة السياسية اليمنية التي اخرجت اليمن من محنة كان يمكن ان تكون اكثر فتكا مما نحن فيه من اختلاف ومماحكات واعمال ارهابية وقتل واكثر ذمارا مما عليه الشقيقة سورية.

الحوار الوطني :- تفكير قاصر لمن يعتقد انه يستطيع بالذراع ان يحقق لشعب الجنوب مطالبه وخاطئ من يعتقد ان الاعوام القادمة افضل من 1994 وما قبلها ، ومن لم يتعلم عليه ان يدرك انه لا خيار الا من خلال الحوار ولقد اتاحت القيادة الجديدة وعلى مدى ستة اشهر لكل القوى وكل من يريد وبدون اي قيود ان يتحاور ولم يتبقى الا ان يعود المختلفون ليلتقون من جديد للتفاوض بجدية حتى يصل الجميع الى قاسم مشترك يحقق الاستقرار والامن والامان الذي يفتقده شعب اليمن اليوم.

الاحتواء :- سياسة الاحتواء التي فرضت على شعبنا من قبل اصحاب النفود من السياسيين والشيوخ والاحزاب ومن اصحاب المال جعلت كل واحد من هؤلاء يتحكم بمصير مجموعة يحركها كما يشاء لخدمة مصالحه على حساب الشعب وبنتيجة ذلك توقفت في صنعاء عجلة الحوار الوطني واختلفت قوى الحراك من على منصة ثورة اكتوبر واشياء كثيرة اخرى و روئ وبيانات وتباينات في المواقف تعرقل بدل من ان تطور .. تفرق بدلا من ان توحد وفي المواقف لاتخدم الا مصالح العدد القليل من الافراد، انها وللأسف سياسة الاحتواء التي تزيد من الفرقة والانقسام التي لا يحقق القواسم المشتركة التي تلبي مطالب الشعب .

الحلول :- نعم للأمن والامان ولا للبلطجة والارهاب .. نعم للاستقرار والنماء ولا للفوضى والتخلف .. نعم للحلول ولا للاحتواء وحتى يتحقق ذلك علينا ان نقر حقيقة واقعية لا جدال فيها هي اولا اننا كلنا جنوبيون وشماليون نعيش في ظل دولة واحدة هي "الجمهورية اليمنية" وان كل من يعيش فيها هو مواطنا له كل الحقوق وعليه كل الواجبات ، للأسف ياشعبي هذه الجمهورية التي هتفنا لها بسبب المصالح الشخصية للقادة فشلت في تحقيق الامن والاستقرار فعلى مدى 23 عاما عدنا الى الخلف اكثر وتلاشت دولة النظام والقانون الذي عرفها ابناء الجنوب والذي تمناها ابناء الشمال وبسبب ذلك قامت ثورة الشباب الربيع العربي مطالبة بالتغير التي على هداها قامت دولة جديدة وانعقد مؤتمرا للحوار الوطني اليمني هدفه التصحيح والوصول الى قاسم مشترك يحقق للشعب المطالب التي تحقق التغير الهادفة الى تحقيق  الحلول الواقعية التي تتطلب بالضرورة عودة مجموعة 8+8 الى الحوار للوقوف من جديد وبجدية امام احدى الخيارات الكثيرة والمطالب العديدة التي تحتم عليها ان تتحمل مسئولياتها التاريخية وان تضع النقاط فوق الحروف لاختيار افضل الحلول لدولة جديدة تحقق الاستقرار .. دولة تحقق للشعب الامن والامان وتجنبه النكبات والمأسي والاقتتال لا قدر الله.


في الإثنين 21 أكتوبر-تشرين الأول 2013 04:39:23 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=22440