متاهة التمديد!!
حسين الصوفي
حسين الصوفي

التلاعب بالمصطلحات و ترويج التوصيفات "السياسية" فخٌ لا يجب أن نسمح لأنفسنا بالوقوع فيه ولا يجوز أن نفرط في "وعينا الثوري" لأن يكون فريسة شراك صيد خصوصاً في مرحلة حساسة وشديدة التعقيد كالتي نعيشها اليوم ..

قبل شهر تقريباً كان جامع "الصالح" يحتضن لافتة تدشين حملة "رفض التمديد" رافقتها هجمة إعلامية وسياسية على نطاق واسع وبشكل احترافي نجح في تسويق نكتة "التمديد" حتى كان طعماً بلعه بعض شباب بل أغلبهم حتى أضحت الساحة تشهد نقاشاً ساخناً بين رأيين ، الأول : رافضاً "للتمديد" وبشكل قاطع ، وحجتهم ان الثورة يجب أن تؤسس لمرحلة مختلفة يسود فيها نظاماً واضحاً وآلية للتداول السلمي للسلطة بعيداً كل البعد عن سلوك "صالح" المشين وخداعه الطويل للشعب بصورة مستفزة وذات طابع عبثي ومعهم الحق فيما ذهبوا إليه بل إن أهم مبادئ وقيم الثورة بناء اليمن الحديث وأول لبناته التداول السلمي للسلطة ..

فيما تحمّس أصحاب الرأي الثاني لفكرة "التمديد" باعتبار أن الضرورة الوطنية تقتضي أن يمنح الرئيس هادي فترة لإدارة البلاد حرصاُ على النهج التوافقي ونزولاً عن المصلحة العليا للبلد حيث أن المناخ السياسي والأمني والقومي لليمن يمر بتغييرات جذرية لا يحتمل التهاون والتراخي أو فتح ثغرة في جداره الوطني قد تجر البلاد إلى فوضى لا يمكن لأحد التكهن بنهاية لها ، وهم يذهبون في حجتهم إلى الصواب المحض ويبنون رأيهم على الحكمة البالغة ، لكن حماسهم تصاعد بشكل منظور حولهم إلى فريق يحشد لرأيه بأدوات مختلفة أبرزها تأسيس رابطة للتمديد للرئيس هادي في عدن وتدشين حملة توقيعات تعزز توجههم مستندين إلى الخلفية الآنفة الذكر في الحرص الوطني والضرورة الملحة..

وعند النظر الفاحص والتأمل الهادئ ستجد أن "التمديد" ليس إلا فخاً مصنوعاً بعناية أحدث ضجيجاً سرعان ما تبلور إلى مواقف واتجاهات وبدأ الناس يخوضون فيه بقوة ويتفاعلون (مع وضد) كما تصنع طواحين الهواء ، لها آثار ولا تلقى لها أي نتيجة !!

إذن نحن نتصارع في "اللاشيء" في الوهم بدون أن نعي طبيعة المرحلة التي نمر بها؟!

فما هو التوصيف القريب للمرحلة التي نمر فيها أيها السادة الكرام؟؟

من نافلة القول التذكير بأننا لا زلنا نعيش المناخ الثوري الذي انطلق في الحادي عشر من فبراير 2011م والذي اقتلعت رياحه النظام العائلي السابق المختزل في شخص "علي صالح"، وكانت أول ثمار الثورة خلع صالح ، وبعيداً عن الآلية التي تم فيها تحقيق هذا الهدف من أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية فإننا الآن نعيش مرحلة انتقالية عرفت "بالتوافق" واتجه مسارها نحو الحوار الوطني بغرض وضع الحلول والمعالجات وتدارس الآليات والخطوات التي من شأنها تحقيق كامل أهداف الثورة المباركة وكلها تصب في "بناء دولة اليمن الحديثة" وهي مهمة ليست بالسهلة ولا تقبل السلق ولا يمكن لأي مكون أن ينفرد بصنع مستقبل اليمن ولا حتى مكونات ولا يستطيع أيضاً أي مكون أن يتخلى عن القيام بدوره في هذه المسئولية الوطنية العظمى والمصيرية في آن واحد ..

فاليمن إذاً في مرحلة إنتقالية يحكمها فقط أولويات التوافق على صيغ مشتركة تؤسس لدولة النظام والقانون وتضع الرؤى والحلول الجذرية لكل المشاكل التي أنهكت الوطن وهددت أمنه واستقراره نتيجة العبث السابق قبل ثورة فبراير المجيدة ، والهمّ ثقيل يجب أن يلتصق به حرص كبير وحكمة مكثفة وبُعد نظر لا يخضع لأي ضغط مهما كان ولا يؤثر عليه أي عامل سواءاً كان سياسياً أو أمنياً ولا يقيده زمن ..

وما يجري من حوار وطني شامل منذ ستة أشهر تمثل حالة نضج متقدمة وخطوة واعية أفرزتها ثورة فبراير مع ما يرافقها من مطبات وعراقيل لا يمكننا إلا اعتبارها "طبيعية" نظراً للظرف الذي يجري فيه الحوار ونوعية القضايا التي يجر النقاش حولها وهو ما تفرضه الضرورة الوطنية من حتمية الوصول إلى حلول مرضية باعتبار الحوار الوطني البوابة الوحيدة للمخرج الآمن والأقل كلفة على اليمن أرضاً وإنساناً، وهذه الضرورة تقتضي أن لا يشغلنا شاغل ولا يشوش علينا حادث مهما كان حجمه والتذكر على الدوام اننا نعيش مرحلة انتقالية ستكون ناجحة حين تنتهي بانتهاء المخاطر المحدقة بالإنتقال النموذجي..

والإنتقال النموذجي لم يكن ليبدأ لولم تنتقل السلطة إلى الرئيس هادي عبر انتخابات 21 فبراير 2012م والذي انطلق من المبادرة الخليجية التي حددت عمر الفترة الانتقالية بسنتين تنتهي في فبراير 2014م أي بعد أقل من خمسة أشهر ، لكن النقاش اليوم يجب أن يكون يتركز حول "الانتقال النموذجي" الآمن بصورة الكاملة ومحيطه الكلي فمن غير المنطقي أن يشغلنا النقاش حول حدود المبادرة دون الالتفات إلى الأصل والقضية الرئيسية والهامة والملحة في تمكين المكونات السياسية إلى وضع الحلول النموذجية لمشاكل اليمن وبناء الدولة ومؤسساتها المختلفة ، ووضع الرئيس هادي نقطة في الجدول الطويل الذي يجب على اليمنيين القيام به وخير علاج ذلك الذي يأتي في وقته وللعلة نفسها ليؤتي أكله ،

وعودة إلى مصطلح "التمديد" فالرئيس هادي تولى منصبه في ظرف استثنائي وليس في ظروف طبيعية داخل مناخ آمن ، فالتمديد لا يكون إلا لمن جاء في ظرف طبيعي وعبر آلية صالحة للاستخدام ورفض التمديد يكون في حق ذلك القادم من طريق طبيعي في وضع طبيعي

أما في الوضع الحالي فالرئيس هادي لم يأتْ من طريق آمن ولا في ظروف طبيعية فتوصيف التمديد لا مجال له هنا ليس دفاعاً عن الرئيس هادي وإن كانت مواقفه تستحق الشكر والعرفان وإنما ثورة فبراير هي الموجه الوحيد ومنطلقاتها وأدواتها وأهدافها هي الخريطة الأصلية لتحديد مسار الوطن وخروجه إلى بر الأمان

والثورة حالة وعي مستمر تقتضي أن توفر الأجواء الهادئة وتفوّت الفرصة على المتربصين بها حتى تحقق أهدافها بتوافق جميع أبناء اليمن الواحد دون أن تغرق في توصيفات لا أساس لها أو تنخدع بأوهام قد تضرها أو تلتفت لنصيحة "تعلب" يجيد المكر بحقد وخبث..

والخلاصة : أن اليمن "حافلة" مهترئة تركها الرئيس السابق مليئة بالكوارث والأضرار لا بل وملأ طريقها بالشوك والمطبات التي تهدد سيرها مما يجعل الضرورة الأولى "صيانة" الحافلة ثم تمهيد الطريق أمامها ، وما يفعله الرئيس هادي الجلوس على "كرسي" السائق فقط فيما الكل ينهمك في إنجاز مشروع "الصيانة" ويجب التأني وأخذ الوقت الكافي لتفقد كل قطعة ومعالجة كل خلل ثم ردم الطريق أمامها ، وحين تبدأ بالسير الآمن لا حجة ولا مبرر يمنع من التداول السلمي "لقيادة" الحافلة ، فدور هادي الآن مشرف على الصيانة فمن الظلم الحديث على تبادل القيادة لحافلة لا زالت تحت الصيانة ولم تدخل مسارها بعد !!


في السبت 12 أكتوبر-تشرين الأول 2013 07:21:19 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=22360