قدم على الطريق
نهلة جبير
نهلة جبير

هكذا يبدو الأمر.. كيف أقولها لا أدري؟ فالأمر محير , هل هو تحيز نوعي ,أم أنه إختلال بنيوي فرضه المجتمع الإنساني !

بتعميم نمط معيشي وإدراجه ضمن منظومة الصفات النوعية لجنس الأنثى , وذلك في مسار التأريخ الإنساني وأقصد هنا ـ عملية التوثيق الممنهج ـ الذي وضع أنموذج محدود التصور عن الإنتاج الأدبي والعلمي للمرأة في المجتمع الإنساني , وتحديداً في المجتمعات العربية.

هناك تداخلات فرضتها مجموعة من الأطر المُحِددة والمقيدة في نفس الوقت لدور المرأة في الحياة العامة الثقافية والسياسية والإجتماعية , منها التهيئة الإجتماعية والموروث الشعبي في كل مجتمع , ومنها أيضا وهي الأهم ,وظائف دورها القائم على الإستعداد البيولوجي في تكوينها كأنثى .

فإستعدادها البيولوجي المهيأ لدورها كأم ومربية وراعية وموجهه ( داخل النسق الأسري) ,يُحدد تلقائياً طبيعة أدائها الوظيفي و انعكاسه على علاقاتها الإجتماعية وسلوكياتها والضغوط النفسية الناتجة عن الصعوبات التي تواجهها في مسار وظيفتها .

وعملياً ,تُصبح المرأة مقيدة زمنياً في تأدية موجبات دورها الوظيفي ,وذلك يعني إنشغالها وانهماكها في مسئولياتها الكبيرة , وبالتالي تصبح محصورة في قالب دراماتيكي تفرضه طبيعة قوانين الوظيفة التي تشغلها , بل ويفرض هذا القالب , نمط من السلوكيات والطبائع التي مع مرور الوقت تصبح إرثاً و قاسماً مشتركاً بين معظم الإناث .

فالخوف على الأبناء يؤدي إلى الحذر واليقظة الدائمة , مما يعني الاهتمام بكل شاردة وواردة و بتفاصيل ودقائق الأحداث اليومية التي تتعلق بهم , والغريب أن بداهة و ذاكرة المرأة كأم ,تجعلها تسجل وتقتنص أي إختلال قد يحدث لأبنائها , بل وتختزن في نفس الوقت , خصوصية ومطالب وحاجات كل فرد منهم على حدة ,

في حين أن الرجل ـ الأب ـ الذي نادراً ما يعني بهذه التفاصيل التي لا تثير إنتباهه ,لأنها لا تستقر في وعيه (وعيه الناتج عن طبيعة دوره الوظيفي داخل النسق الأسري) فمسئولياته الخارجية تُفرغ ذاكرته من التفاصيل الدقيقة التي لا تندرج تحت مسئولياته المباشرة .

وهنا تغدو اللغة, عند المرأة أكثر غزارة وأهمية لأنها جزء من الأداء الوظيفي الذي تقوم به .

كذلك الإرتباط بالمكان _ المنزل_ يحد من تمازجها و تواصلها مع الحياة العامة ,كالأحداث اليومية التي يمر بها المجتمع وفعالياته ومنتدياته (هنا اتكلم عن المراحل التاريخية القديمة) , وبالتالي خبراتها تعتمد على السمع

فقط ,وهنا يحدث لديها نقص معرفي يبعدها عن التفاعل الفكري والعملي مع المجتمع .

_ وإذاً فالدور الوظيفي يكسب كل نوع ( الذكر والأنثى ) مجموعة من السلوكيات والواجبات التي تتشكل وفق طبيعة كل دور , وتتطور هذه الأنماط من السلوكيات تباعاً لسياق التغيير الحاصل في المجتمعات بشكل تلقائي .

وهذه النقطة تحديداً نتفق عليها جميعاً , فهي واقع نتعايش معه برضا لأنه جزء من الفطرة التي جُبلنا عليها .

فنتقبل السلطة الأبوية من الوالدين, ونتقبل كل ما ينتج عن ادوارهما من خصوصية .

لكن بيت القصيد ليس هنا , وما كان تمهيدي ذاك إلا لأصل معكم إلى منتصف الطريق , وقد وصلنا فعلاً .

بيت القصيد يقول :ـ

هل تقوم تلك السلوكيات أو موجبات الاداء الوظيفي مقام الإستعداد الجيني بالنسبة لنوعي الجنس البشري ؟

بمعنى أخر هل الإبداع الفكري والعلمي يُلحق بالنوع أم بطبيعة الدور الوظيفي ؟

وللتقريب أكثر ,هل يحمل الرجل جينات التفكير والإبداع , ولا تحملها المرأة ؟

دور الرجل الوظيفي يتيح له المجال للإبداع الفكري والعلمي كون طبيعة دوره فيه مساحات من الوقت والحرية والإستقلال ,والإنخراط في المجتمع ,والتواصل مع تجارب الناس ,والإحتكاك المباشر بمجريات الحياة العامة .

بينما تقل فرص المرأة في مجال الابداع الفكري والعلمي بحكم قيود الزمن والمكان والإنشغال في مسئولياتها داخل جدران المنزل , بالإضافة الى قيود الحركة والتنقل اللذين يمنعان احتكاكها المباشر بمجريات الحياة العامة.

في النهاية لنفترض أنه لا وجود لأي أدوار وظيفية لدى النوعين , فهل تستطيع المرأة أن تباري الرجل في الإبداع العلمي والفكري ؟

أعتقد أن الصورة أصبحت أكثر وضوحاً الأن ,,,,( ذلك العبد الذي ظل لأجيال وأجيال يمارس طقوس الخنوع والإنكسار , يصل في مرحلة معينة الى الإعتتقاد التام بأنه مخلوق لأداء دوره كعبد وبكل إقتناع, وفي لحظة نيله الحرية يعيد إكتشاف نفسه ليجدها حية قائمة بذاتها ,لاتتبع أحداً , وتمثل جزءاً من كل , لا كما كان يعتقد أنها خارج ذلك الكل)

هذا المثال يقارب الواقع في المعنى مع الإختلاف في الوضع .

وإذاً ـ كل ما في الأمر أن الإنسان يضع قدمه حيثما وجد طريقه , وكل قدراتنا ومواهبنا لم تكن يوماً حكراً على نوع بذاته , بل ترتبط بمدى وعينا وعزيمتنا في العمل عليها , والنماذج الناجحة كثيرة وبدون تمايز نوعي , و أقدم هنا كل الإحترام والتقدير لكل مُبدع أثرى الإرث الإنساني وبدون تمييز .

دور المرأة الوظيفي تم سرده وتوثيقه في التاريخ بنمطية وجهته نحو مسار معين ,وقولب بشكل يتوافق مع السياق العام السائد, ولم يُظهر حقيقة المرأة خارج ذلك الدور !

حتى التاريخ يكذب , بل ويُطوَع لتمرير سياسات راصديه , وفي توثيق التاريخ لا ننسى أن هناك أبطال أنكرهم وشراذم رفعهم , في مراحل التدليس السياسي وبنفس هذه الكيفية أيضاً , صادر أبعاد صورة المرأة الحقيقية , ليختزلها

في بُعد واحد فقط.

يا سادتي ,كثيراً ما تبدون تعجبكم مما أكتب ,بل أن البعض منكم صارحني بإعتقاده الأكيد ,في أنني رجل يتخفى خلف أنثى !!!!

لا تعليق لدي, سوى أنها ممارساتٍ لطقوس وهمٍ قديم .


في الخميس 12 سبتمبر-أيلول 2013 05:05:37 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=22030