نسخ عديدة لصالح
هاني غيلان عبد القادر
هاني غيلان عبد القادر

الشعب اليمني الذي عرف بشدة بأسه لن ييأس أو يستسلم.. الشعب لم يخرج في ثورة ليستبدل صنم بأخر أو عائلة بأخرى فهذا ما لن يقبله أحد بأي حال من الأحوال..المواطن العادي هو الذي دفع الفاتورة الكبرى في هذه الثورة: الأمهات، الأطفال، الشهداء، الجرحى، المغيبين والمعذبين في دهاليز السجون! والمواطن العادي أيضا هو الذي تحمل الغلاء والتعب والضنك وإنقطاع الكهرباء وغياب الأمن وضجيج الساحات والحواجز المقامة في الطرقات الخ.. الخ. ومن حق هذا المواطن اليوم أن يلمس ثمرة التغيير الذي حلم به والذي أحدثته الثورة في واقعه المعاش.. أما أن يستمر الإنفلات الأمني والفوضى والتسيب إلى ما لا نهاية بمبرر أنها بفعل (بقايا النظام وأتباع المخلوع) فهذه اسطوانة مشروخة لم يعد يقبلها المنطق ولا العقل!

كان الأحرى حتى تكون الثورة مكتملة البنيان متماسكة الأركان ان لا تكون ضد أشخاص بعينهم ولكن ضد القيم والمبادئ والأسس الباطلة التي بني عليها إنحراف أولئك الأشخاص، ضد الإستبداد والعنصرية والظلم والتسلط والتجبر والفساد بمعناه الشامل.. ضد القوى التقليدية الظلامية التي تجاوزت الإيدلوجيات والأحزاب والمناطق وكل المسميات وما زالت حتى اليوم تستميت في المغامرة والمجازفة بالوطن والشعب وكل شيء في سبيل مصالحها الذاتية وأمجادها الشخصية واقفة حجر عثرة بكل ما أوتيت من قوة أمام طموحات الملايين من الطامحين للعيش بحرية وكرامة وأمن وإستقرار.. والقارئ اللبيب المتابع للأحداث يعرف تلك القوى ويعلم تاريخها علم اليقين شريطة أن يحرر عقله وقلبه وضميره ووجدانه من الأغلال الحزبية التي أعمت البصائر وضيقت الصدور وأعاقت الكثيرين منا عن التفكير المنطقي المتجرد السليم وصولا لرؤية الحقيقة المرة كما هي لا كما نريدها أن تكون (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)

فنظام صالح لم يكن سوى حلقة واحدة من شبكة فساد وإجرام أشمل وأعم متعددة التوجهات ومتداخلة الإنتماءات ومتشابكة المصالح تضم في طياتها جبابرة كثر ذو أسماء رنانة وسوابق مشاهدة أمست رائحة فسادهم وإثرائهم الغير مشروع وتلاعبهم وتحايلهم تكتم الأنفاس وتزكم الأنوف، منهم من لم ينضم للثورة ومنهم من انضم إليها مجبرا وهو غير مقتنع بمطالب الشباب المتعطش للحرية والديموقراطية ولدولة المساواة والعدل والنظام والقانون وإنما حفاظا على نفوذهم ونفاذا بجلودهم وهم يرون سفينة (صالح) المترهلة الأشرعة تهوي بها الريح وتتلقفها الأعاصير من كل حدب وصوب!

لذا فمصداقية أحزاب المشترك التي وقفت ضد فساد نظام صالح اليوم على المحك وخاصة كبيرها (الإصلاح) الذي يمتلك الكثير من الكوادر الشابة والطاقات الواعية في صفوفه بانتظار إتاحة المجال والفرصة لها بدلا من إستسلامه للقوى التقليدية المشيخية التي لا تؤمن بالمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والتي أعاقت فيما مضى وستظل تعرقل مسيرة التحول المنشود نحو المدنية والحداثة و(دولة المؤسسات) طالما اصطدم ذلك التحول بمشاريعها الخاصة..

وحتى نكون منصفين فإننا لا يمكن أن نبرء بعض القيادات الإشتراكية من المسؤولية التاريخية عن تراكمات وسلبيات ومآسي العهود السابقة، تلك التي أصمت آذاننا بحديثها المنمق عن الأممية والتقدمية فيما لا تزال مواقفها غامضة من كثير من القضايا المصيرية الملحة كالوحدة وغيرها لتظل تستجرر الماضي المقيت وتكرر نفس الخطاب المأزوم الذي يحرض على العنصرية والكراهية والتشرذم والإقتتال لتثبت بذلك أنها مصلحية ورجعية وظلامية أكثر من خصومها التقليديين الذي توجه إليهم عادة تلك التهم!

يضاف إلى أولئك أصحاب النفس الطائفي السلالي الذين لم يعودوا يخفون ارتباطهم العضوي والمصيري بالخارج وتمردهم المسلح والمعلن على الدولة والذين اعتبرهم بحق (داهية الدواهي) في بلادنا، ويبدوا أن الأمر اختلط عليهم حتما فمشاركتهم التي لا ينكرها أحد في الثورة السلمية ربما باعتبارها امتدادا لثورة الإمام الخميني برأيهم ومطالبتهم المستمرة بحرية الرأي والتعبير وبرقابة الشعب على حكامه لا يخفي وجود تناقض وتضاد واضحين بين تلك الأطروحات والشعارات الجميلة وبين الخمينية التي لا تعترف بالديموقراطية وتحتكر الحكم والفتوى في شخص الإمام المعصوم ونائبه صاحب الرأي المقدس الذي لا جدال فيه وتترجمها اليوم على أرض الواقع سلوكياتهم المتنافية مع كل ما ينادون به!

فلـصالح وعائلته إذاً أشباه كثر ونسخ عديدة.. بعضها تدثر بالثورة لستر عورته القبيحة وجرائمه التي يندى لها الجبين وأكلهم لحوم الضعفاء ومصهم دماء الأبرياء ولهم جميعا نقول: (حسبكم).. (الى هنا وكفى)..! خذوا ما شئتم من دمائنا وعرقنا وكدنا.. خذوا ألف حصانة وضمانة إن شئتم.. فقط ارحلوا عنا واتركوا أحلامنا الصغيرة تزهر بسلام!.. لـصالح وعائلته اليوم أشباه كثر ونسخ عديدة بعضها أقبح من بعض تسعى جميعها للإنقضاض على السلطة بإعتبار أن الساحة خلت لها تماما وأنها غدت أشطر من غيرها، وأخاف أن يأتي زمن نترحم فيه على (صالح وأيامه) فـ (من عرف زيد ترحم على معاوية) ليظل هذا الشعب الطيب يعاني الأمرين مبتلى بالفاقة والآفات والفتن والأزمات والحكام غير الطيبين.. فلك الحمد يا من لا يحمد على مكروه سواه..!

يا إلهي! كم تُرانا نحتاج من الشهداء والجرحى والمشردين. كم حروب وكوارث وأحزان ودماء ودموع جديدة نحتاج لتتم ثورتنا إلى منتهاها. كم؟؟


في السبت 18 مايو 2013 04:55:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=20452