لماذا تخلى الإشتراكي عن الدولة المدنية ؟
بكر احمد
بكر احمد

الدولة المدنية هي نقيض يقف في الجهة الأخرى من الدولة الدينية، والدولة المدنية هي دولة محايدة لا تحمل أية مراسم أو انتماءات عقائدية لأن هذا يعني وبالضرورة وقوفها بالمنتصف بين جميع تشكيلات وأصناف المذاهب التي ينتمي إليها الشعب .

لا يمكن بحال التدليس والقول بأننا مع الدولة المدنية ضمن ضوابط دينية، هذا كلام فارغ من أي محتوى والتفاف صريح على نقاء الدولة من أية شوائب قد تضرها في المستقبل، لأن الدولة التي تتشح بمصادر تشريعية دينية هي دولة لا بد و أن تنحاز إلى فئة ضد فئة أخرى، وهي دولة لا تتصف بالصفات الأمومية تجاه مواطنيها، وأنها ولا بد ستميز جماعة وتضطهد أخرى، مما يعني عودة إلى ذاك النفق المظلم الذي سئمناه .

الدولة المدنية ليست دولة كافرة أو ملحدة، أنها اقرب من هذا الشيء، والدولة المدنية ليست دولة دينية أو رجعية، إنها أعلى من هذا الشيء، لذا هي تستطيع أن تحتوي الجميع دون تمييز أو فرز وتستطيع أن تجعل موازين رؤيتها تنطلق من وعي إنساني أولا ثم من مسئولية تجاه شعبها على أسس المواطنة المتساوية.

مطلب تحقيق الدولة المدنية هو مطلب  طبيعي لأي شعب واعي يسعى خلف حقوقه، أما الدولة الدينية فهي مطلب فئة معينة من الشعب تريد أن تفرض رؤياها الخاصة من خلال تفسير خاص بها للقوانين والأنظمة والتعسف تجاه الآخرين بسيف سلطوي يمنع أي فكر بالخروج أو التباين معها.

 لذا عملية تأسيس الدولة المدنية هي عملية أساسية يجب أن ينص عليها في أعلى المواثيق القانونية والتشريعية في الدولة بشكل واضح ولا لبس فيه، وهذا لا يمكن حدوثه مالم تدعمه القوى التنويرية والليبرالية بمختلف توجهاتها التقدمية وخاصة أن اليمن بلد تمثل به القوى التقليدية ثقل لا يستهان به وهي تعرف جيدا أن قانون يساوي بين الجميع على أسس المواطنة هو قانون يمس مصالحها بشكل مباشر ويقلل من نفوذها التقليدي القائم على الوعي الغيبي أو العرفي السائد، كما أن طبيعة المجتمع اليمني هو أنه مجتمع مخصب فكريا وتاريخيا نحو الانقياد الجمعي بشكل سلسل مما يعقد المسألة أكثر نحو تحقيق الدولة العادلة والمتسامية ، لأن أهم سمات الدولة المدنية تقوم على تعزيز الفردانية في الإنسان وانتماءه الأسري فقط، وأي تجاوز لهذا المدى قد يجعله عرضة فجة للاستغلال بدون وعي وإرادة منه.

بنظرة سريعة على المشهد اليمني " وتنوعه " نتساءل على من يمكن التعويل في دعم المسار المدني للدولة ، طبعا ستتجه الأنظار فوراً إلى الحزب الاشتراكي اليمني كونه أكبر الأحزاب السياسية اليسارية في البلاد ومن خلال أدبياته وتاريخه ومفكريه نجزم بأن هذا الحزب بإمكانه إحداث تغيير مرحلي ولو بسيط، وخاصة أن الأرضية مؤهلة له بعد بروز تيار كبير من الليبراليين بعد الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، لكن المفاجأة أن هذا الحزب نادى بتطبيق الشريعة وجعلها مصدر رئيسي للقوانين مما أصاب الكثيرين بالذهول حيال هذه المفارقة الصادمة والتي بدت لنا وكأن الحزب الاشتراكي قد صار مجوفاً من الداخل فارغ المحتوى إلا من بقايا مصطلحات لغوية عميقة، مما أضطره إلى استعارة مبادئ و أفكار ورؤى لا تنتمي إليه أبدا.

هذه صدمة مشروعة ويجب التوقف عندها أكثر مما يجب، لأنه هنالك تبعات غير مرضية قد تمر علينا، كما أنها تؤسس دعما قويا للقوى الرجعية حتى تكمل هذا المطلب( أسلمة الدولة ) بمطالب أكثر تشددا، لتخرج لنا في النهاية نظام شبيه بالأنظمة الدينية التي تعتمد على هرم ديني متسلسل وتحتكر السلطة باسم الله والدين والإسلام.

هل اخطأ الحزب الاشتراكي بهذه المزايدة على الأحزاب الدينية ؟ أم أن فراغ الحزب من الداخل أو إفراغه من القوى التنويرية اليسارية الفاعلة هو ما أدى إلى مثل هذه السقطة.

لا ريب أنه لو كان الحزب زاخرا كما مضى بقامات فكرية وتنويرية وقيادات توعوية تدرك جيدا تبعات تبني الحزب لمطلب ليس من صميم ثقافتها، لماذا تجرأت القيادة الحالية على المضي إلى هذا المستوى من التدني الفكري والقيمي، كما أنه ولا ريب بأن حالة التبعية التي أنتهجها الحزب خلف القبيلة الدينية هي من جعلته يتبنى أطروحات وكأنه يطلب الود والرضا والقبول منهم.

المتتبع لكل الخطوات التي سار عليها الحزب الاشتراكي اليمني منذ تحالفه مع القوى التقليدية ( الدينية – القبلية ) والتنازلات المتتالية التي قام بها لا بد وأنه سيتوقع ما هو أكثر من تبني للدولة الدينية و التي تسوقنا إلى دولة الخلافة المنتظرة.

الحزب في حقيقة جوهرة حين تخلى عن الدولة المدنية فأن ذلك كان منسجما مع تخليه عن قيمه الإنسانية المتمثلة في انحيازه للطبقات المهشمة، لأنه لا يمكن أن أقبل أنا أو غيري بأن يطالب الحزب بحقوق الطبقات الكادحة بينما هو مرتمي في أحضان الإقطاع الديني والقبلي، لذا دعوته بالدولة الدينية التي تؤسس وتقوي من النفوذ الديني والقبلي جاء منسجما تماما مع تحالفه معهم وتقلبه في نعيمهم.

الآن التيارات الليبرالية باتت أكثر تحررا من مظلة الاشتراكي الوهمية، وباتت تعرف طريقها بشكل أكثر وضوحا، وباتت الأمور مصنفة بعد أن سقطت تلك الأقنعة التي ظل الكثيرون يعقدون عليها الآمال، والعمل بجد ودون اختراق قوى منافقة قد يأتي بنتائج أسرع من ذي قبل.


في الأربعاء 01 مايو 2013 03:28:38 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=20224