إن بي رغبة للبكاء!!
حسين العواضي

الصينيون على كثرتهم.. وضيق عيونهم.. أصحاب ابتكارات مدهشة وأجمل الطرائف.. وأغرب الأخبار تأتي دائما من الشرق البعيد.

في شرق الصين افتتحوا قبل أيام مقهى يتيح لرواده البكاء يوفرون لهم من الوسائل والمحفزات ما يساعدهم على البكاء وتساقط الدموع الساخنة دون إبطاء.

إذ يجهز المقهى لزبائنه المناديل الأنيقة وزيت النعناع الملطف حين يزيد البكاء عن حدوده المرغوبة.. ويتحول إلى نحيب خانق يزرع الهلع والفجيعة في نفوس الحاضرين.

بعض الزبائن تستعصي دموعهم ويكون بكاؤهم بطيئاً وصعباً، لذلك يقدمون لهم البصل النفاذ والفلفل الأحمر لمساعدتهم على ذرف الدموع.. ويزيدون بأن يطلقوا لهم موسيقى حزينة وأغانٍ شجية ذات كلمات موجعة.

أفقر الزبائن يبكون على عتبات المقهى لأن تكلفة دخوله باهظة فما يعادل ستة دولارات أمريكية يعتبر مبلغاً غير زهيد عند الصيني العنيد الذي يفطر بالشاي ويتعشى به أيضاً.

ألا تجدون الفكرة مربحة وتستحق التقليد.. ومقهى من هذا الطراز سيجد له عندنا زبائن بالمئات أغلبهم من المخزنين الذين يهيمون بعد القات على وجوههم ولا يجدون المقهى المحترم ذي النوافذ المعكسة حتى يبكون على ما فعلوه.. بأنفسهم وأولادهم.. ومجتمعهم.. بممارستهم لهذه العادة المزعجة.

هذا مشروع استثماري طموح للمغامرين فقط.. وعلى ذكر الاستثمار فإن وفوداً استثمارية من سنغافورا وماليزيا والخليج تزور المنطقة الحرة بعدن هذه الأيام وتدرس نشاط المنطقة ونظامها بعناية فائقة.. لماذا؟ حتى لا تطبقه في بلدانهم!!

ما علينا.. البكاء يا حضرات!! ظاهرة صحية تطهر البصر وتزيل عن الصدر ما ثقل وكدر.. وأبدع الأطباء يسألك قبل أن تدفع أجور المعاينة والتطبيب كم مرة تبكي في الشهر؟

> وأجزم اننا -معشر العرب- نبكي أكثر من الصينيين، أوليست عيوننا أكبر من عيونهم.. وآذاننا أطول من آنوفهم، الفرق أنهم يبكون في العلن ونحن لدواعي الحيطة والحذر نحبذ البكاء في الخفاء.

وللشعوب والأمم طقوس وثقافات في النحيب والبكاء.. فالألمان لا يبكون في الشتاء.. واليابانيون يبكون في الخريف.. والعرب يبكون في كل فصول العام.

وبصراحة نحن قوم إذا غُلبنا بكينا.. وإذا انتصرنا بطرنا حتى ومناسبات البكاء أكثر من أن تحصى.. بكينا بمرارة على ضياع الاندلس.. وبحرقة على فقدان القدس.. والآن نبكي على بغداد.. وبيروت.. وغزة.. وأشياء أخرى.

وكل عاصمة عربية تحتاج هذه الأيام إلى أكثر من مقهى للبكاء ووحدها القاهرة تكفيها الجامعة العربية وعمارة يعقوبيان!

ما علينا أيضاً.. الصينيون لا يبكون فقط.. انهم من أنشط شعوب الأرض وأكثرها إنتاجاً.. والاقتصاد الصيني حقق في السنوات الأخيرة نجاحات عظيمة.. حيرة الغرب.. وزرعت الرعب في أروقة الشركات الكبرى التي يطلقون عليها عابرة القارات.

وحين تنهض الصين يهتز العالم.. والصين لا تزال تسخن.. والعالم يهتز.. ولكن لأسباب أخرى من بينها حماقة بوش.. وخداع بلير.. ورحيل شيراك.. وضعف أبو مازن.. وعناد هنية.. ثم خسارة فريق برشلونة لبطولة الدوري الاسباني!

ولولا براعة وتفاني أصدقائنا الطيبين من الصينيين الذين شيدوا طريق صنعاء - الحديدة أصعب الطرق وأقدمها لكان حالنا يستدعي الرثاء والبكاء.

ما علينا للمرة الأخيرة.. حدث ذات يوم أن اعتدى -قبيلي- زناط على صيني من العاملين في الطريق.. وتداعت قبيلة المعتدي واعتبرت ذلك عيباً أسود لا ينسجم وقيم القبيلة واعرافها الصارمة.

تجمعوا وذهبوا لمراضاة الصينيين وليعتذروا عن هذا التصرف المشين لصاحبهم -الغاوي- وأحضروا المعتدي معهم وثوراً عظيماً.

استقبلهم الصينيون بذهول.. وتعجب.. وقد عرفوا قصدهم.. وحين هم -أصحابنا- بذبح الثور كهجر قفز الصيني المضروب من بين صفوف المستقبلين.. وأشار نحو الرجل الذي اعتدى عليه.

إنه يريد أن يذبحوا الرجل المعتدي فالثور بريء ولا ذنب له وما دامت قبائل اليمن راغبة في الاعتذار فلتذبح المعتدي المغوار.

وبعد فإن علماء الاجتماع والسياسة اكتشفوا بعد فوات الأوان خطأ النظرية التي كانت تقول أن المرأة تبكي أكثر من الرجل!! فالرجل يبكي أكثر من المرأة!! وعليها.. والدليل!! الدليل أن أكثر زبائن المقهى الصيني المذكور أعلاه من الذكور وأنه حين يبكي الرجل فإنه يبكي لوحده.. وإن بكت المرأة فإنها تبكي معها عشرات الرجال المحترمين!!


في الخميس 21 يونيو-حزيران 2007 06:13:08 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=1999