زواج القاصرات مرة أخرى.. الأولويات والخلط بين الشرع والقانون
رصين الرصين
رصين الرصين

لست مع من يقلل من أهمية هذا الموضوع؛ خاصة في ظل تقارير عن وفاة ثماني طفلات يوميا بسببه، إلا أن إدارج هذه المسألة ضمن الحوار الوطني مرفوض..

وزواج القاصرات – في النهاية – مسألة شرعية وقانونية.. ومن المهم ألا نخلط بين الشريعة والقانون؛ فهذا الخلط غير مقبول؛ لأنه يجعل التشريع البشري، بمنزلة التشريع الإلهي، ويعطيه نفس المكانة والموقف في حال المخالفة؛ من حيث الإثم والذنب لدى التعمد..

خذ مثلا إشارة المرور، هذا قانون، ولا أعتقد أن فقيها يمكن أن يفتي مثلا بأن مخالفة إشارة المرور حرام.. والدليل أنها ليست مسألة شرعية، وإنما قانونية: أن الوزير – مثلا – لا يقف موكبه في أي إشارة، وكذلك سيارات الشرطة والإسعاف والإطفاء..

وإذا سلمنا بقبول زواج القاصرات ضمن مسائل الحوار الوطني، فإننا لن نقبل فيه كلاما من غير متخصص، لن نقبل كلاما من كاتب أو صحفي أو مثقف أو سياسي أو غيرهم.. ولن نقبل كلاما سوى من رجل دين دارس للفقه، أو رجل قانون فقط..

إن إخضاع مواد القانون – فضلا عن مسائل الشريعة - لدى الخلاف للتصويت مثلا، هو حماقة كبرى، لا يمكن أن يقبل بها عاقل، وإلا فما فائدة الجامعات وما فائدة العلوم – على اختلاف أنواعها – إذا كنا سنقبل فيها كلاما من غير المتخصصين فيها؟!

وإذا كان الأمر كذلك - وكان هذا من المتفق عليه – فإن عمل لجنة الحوار، لا يجوز أن يترك القضايا الجوهرية الأساسية ويتمسك بمسائل هامشية ثانوية مهما بلغت أهميتها كزواج القاصرات، فضلا أن هكذا مسائل ليست من شؤونه ولا اختصاصاته؛ ولا يجوز أن يتدخل فيها البتة.. كنا ننتظر من فنية الحوار أن تركز على الأهم، ثم يأتي الدور على المهم، والأهم – من وجهة نظرنا هو –

1- وضع دستور جديد بالاستعانة بلجنة متخصصة من جميع الأطياف والتيارات اليمنية، لا تستبعد حزبا ولا تيارا سياسيا، ولا مذهبا دينيا.. ولسنا بحاجة للتدليل على ضرورة تنحية الخلاف السياسي بعيدا عن الدين، وعلى هذا فيجب: أن يمنع تماما ممارسة العمل السياسي تحت مظلة الدين، أو قيام حزب سياسي على أساس ديني، وأن يضمن هذا مواد الدستور القادم.. وهكذا، في حال حدوث خلاف سياسي - أو حتى ثورة – في المستقبل، فسيكون الدين بعيدا عنها، ولن نسمع مصطلحات شرعية من مثل: جهاد وتكفير وطاعة ولي الأمر وشروط الخروج عليه.. وكما يجب منع الخطاب الديني في السياسة، كذلك يجب منع الخطاب السياسي في الدين، خاصة في المساجد..

2- بدء التحضيرات والاستعداد للانتخابات القادمة؛ من خلال إصلاح النظام الانتخابي، وإقناع جميع أطراف الأزمة: أن الصندوق هو الحل الوحيد.

3 - القضية الجنوبية وضرورة إنصاف المظلومين منهم وتعويضهم تعويضا مناسبا. وإقناعهم أن يكونوا عقلاء ومنطقيين؛ فإننا نستطيع أن نعيد الحقوق والممتلكات المغتصبة والمنهوبة، ولكننا لا نستطيع إحياء الموتى.. ويجب أن يفهم الإخوة الجنوبيون أن الحوار الوطني هو ضمن بنود المبادرة الخليجية، التي تؤكد في بنودها على وحدة البلاد؛ بمعنى أن الانفصال طرح مرفوض من حيث المبدأ، فليفكروا في الفيدرالية مثلا وشكلها..

4 – قضية المتضررين في صعدة وتعويض المدنيين - ممن لم يحملوا السلاح على الدولة - تعويضا مناسبا، ومطالبة الحوثيين بتقديم أجندة واضحة من المطالب؛ شرط أن يقطعوا علاقتهم تماما ونهائيا مع إيران..

5- ضرورة تسليم كل فصيل منشق مسلح سلاحه خاصة الحوثيين والقاعدة والحراك - والالتزام بالتخلي عن العنف - كشرط للدخول في الحوار..

6 - إغلاق ملف دماء شهداء وجرحى ومعتقلي الثورة بتعويضات مالية مناسبة.. والالتزام ببنود قانون العدالة الانتقالية القادم..

7- إقناع الثوار – في جميع المحافظات - بترك خيامهم والعودة إلى بيوتهم، وإنهاء الأزمة السياسية تماما.. وفي حال الاعتصام مستقبلا، فلا يجوز أن يسمح به – إطلاقا وتحت أي مبررات - في مراكز المدن..

8 - منع كل من استفاد من الحصانة من العمل السياسي مستقبلا - فضلا عن الترشح في أي انتخابات قادمة - وهذا يشمل عناصر كثيرة في الثورة والنظام، بما فيهم أحمد وعلي محسن مثلا..

9- ضرورة نزع السلاح غير الشخصي من أيدي جميع اليمنيين المدنيين، خاصة المسؤولين وأعضاء مجلس النواب، ومرافقي مشايخ القبائل والدين، وتخصيص حراسة – لكبارهم فقط دون الجميع - من الإدارة العامة لحراسة الشخصيات بوزارة الداخلية، وإلزامهم جميعا باحترام الدستور والقوانين النافذة، ابتداء بإشارة المرور..

أعتقد أن هذه القضايا هي أهم بكثير من قضية زواج القاصرات، التي لا ننكر أهميتها كما سبق شرحه، وما تزال قائمة الأولويات - الأهم من زواج القاصرات - مفتوحة..

وفي النهاية، نذكر اللجنة بقوله – صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى يحب معالي الأمور، وأشرافها.. و يكره سفسافها.


في الخميس 13 سبتمبر-أيلول 2012 12:55:30 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=17252