محطات يمانية (اليمن والدولة العثمانية)
عمرو محمد الرياشي
عمرو محمد الرياشي

أينما نمعن النظر من حولنا نرى التغيرات المتسارعة التي تحدث في معظم مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بما يتخللها من إنحرافات دينية عقدية ناهيك عن ما يتعلق بجوانب الحياة الآخرة التي تمس حياة الناس وتؤثر في معيشتهم و تكوين أفكارهم وطريقة تفكيرهم خوض معركة البقاء بطرق مختلفة ومتعددة من جانبيها السلبي والإيجابي . فما إن يمتد بصرنا نحو حدث كبير حتى نتفاجأ بقوع حدث اكبر منه وفي ظرف زماني متقارب جدا حاملا معه الكثير من التبعات والدلالات التي قد لا يعرف الكثير منا ما هي أسبابها و قد يتجاهلها البعض الأخر .

غالبا يكون السبب في الصراعات هو إختلاف الهدف والتوجه فيما بيننا او ربما يكون لتفاوت مستوى الوعي لدى الكثير وتأثر البعض بما يجري من ظاهر الأمر ولا يعلم باطنه خصوصا في ظل زوابع التضليل الإعلامية من ملمعي الكذب والزيف وإلباسه بريق الصدق والحقيقة بجانب الفئة الأخرى التي امتهنت وظيفة التسويق لمنتجات فكرية مستوردة من الخارج ومشاريع أخرى تغلبها الصبغة المناطقية والمذهبية ليسود الخصام بين أفراد المجتمع اليمني وندخل في صراعات وجدليات توصلنا الى الحطام ونصبح في سباق وجهاد ليس للنصر ورفع منكر بل للغرق في بحر الأوهام .. فهذا رفعه الله والأخر قد انزله و هذا دخل الجنة وقال الأخر لكن الله أخرجه ونستمر في الرسم لكن في الماء وهذا يؤدي للدخول في حرب مصطلحات ثانوية وصراع من اجل العقائد بشقها الديني والسياسي والفكري ...

وهذا هو حالنا الباقي على حاله في اليمن فلم نتعظ بمن قبلنا كيفوا اتخذوا من لطف الله ورحمته عذرا من اجل الاستمرار في المعصية فهلكوا واندثروا... فأضعنا الوقت في البرهان ونسينا النتيجة التي لا تحتاج لبيان وإعلان بلادنا اليمن قد كسرت وأذلت وإفقرت ومن أعوان الشيطان قد هُزمت و أطفىء نورها الا من مصباح الفتنة قد أُضيئت ... لكن ما عسانا ان نقول لقد شابت المفارق وأظلمت المشارق فدنا اليأس بلا إنقطاع فلا إتيان للخير حتى ولو من باب الإطلاع .. فبعد غرق مجتمعنا اليمني بنخبة سياسية ضالة حاقدة أدمنت حفر أبار وأنـهار الفتن ومزالق الاضطرابات وأشواك السياسية وشوائب التدليس وصناعة أصنام من أجل التقديس فخلعت ثوب الوطنية ولبست عباءة التبعية والحزبية والمناطقية والمذهبية وأذلت امتها من أجل ان تكون خيراتـها ثروة غنائمية .. فاقل ما نقول عنهم انـهم من أولياء الإلتصاق من أجل الإرتزاق الغير مشروع مدفوع الثمن من رصيد معانات أبناء اليمن جنوبا وشمالا .

هذه الفئة من يدعون زيفا وكذبا أنهم قياديين ومسؤوليين يمثلون الشعب وهم يستمرون في التحضير لمشاريع إعادة الصراعات والحروب من أجل إستعادة طموحات وذكريات مستغلين أحداث تاريخية وتراكمات سياسية وفكرية كانت مصدرا للإزمات متناسيين أنهم هم من صنعوها ومن ملؤ صفحاتـها بدماء أبناء اليمن في جنوب القلب اليمني وشماله .... ليكتمل مخطط يستهدف صناعة الفتن في بلادنا اليمن فهناك الكثيرون من شعبنا اليمني من ينجر نحو فوهة البركان دون وعي وإدراك في ظل المناعة الغير محصنة بالحقائق والأهداف لتلك الفئة التي لها سجل اسود وتريد ان تعيد صياغة سجلها الأسود لكن بتاريخ مختلف وتحت ظروف مغايرة لكن الهدف يظل كما هو في السابق وهو المتاجرة بقضايا اليمن الوطنية وصناعة بؤر توتر وصراعات لتخلق لنفسها بيئة مناسبة تتكاثر منها وتنهش في الجسم اليمني دون هوادة .

من خلال سلسلة من المقالات المترابطة بعضها ببعض سأحاول التطرق لجزء يسير من صفحات التاريخ اليمني السياسي ابتداء من نهاية الدولة العثمانية حتى وقتنا الحاضر والوصول الى عوامل النهوض وأسباب السقوط في إكمال كثير من المحطات الوطنية التي لو كتب لها النجاح لكان شعبنا اليمني في وضع مختلف كليا نحو بناء وطن يخرج للعالم مرفوع الرأس وبلا قياس في مصاف الأمم المتقدمة والعروج الى بعض العوامل الخارجية التي كان لها اثر في ذلك .

من منا لم يقراء او حتى يسمع عن الدولة العثمانية ودورها في حماية الأماكن المقدسة الإسلامية من المخططات الصليبية البرتغالية والصهيونية ومساعدة الشمال الأفريقي ضد الحملات الصليبية الإسبانية وغيرها لم يكن نجاح الدولة العثمانية من خلال إيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية والتصدي للزحف الاستعماري عن بلاد الشام ومصر وغيرها من الأراضي الإسلامية حتى ضد انتشار المذهب الاثنى عشري الشيعي الرافضي الى الولايات الإسلامية التابعة للدولة العثمانية ومنع اليهود من استيطان فلسطين وكذلك دورها في نشر الإسلام في أوروبا ونتيجة لهذا الدور العظيم حيكت الكثير من المؤامرات ضد الخلافة العثمانية ، والتي كان لها الأثر في إضعاف الحكم العثماني من خلال إبراز أعداء من نفس نسيج الدولة العثمانية ومجتمعها الإسلامي.

فكانت الحركة الوهابية بجانب الدور المشبوه الذي قام به محمد علي باشا بإيعاز من بريطانيا وفرنسا دورا كبيرا في ضرب للتيارات الإسلامية في مصر، والحجاز والشام .

لقد كان الدعم الماسوني هو العمود الفقري الذي يقف خلف إنشاء سياسات تدمير الأمة الإسلامية في وقتنا الماضي وحتى عصرنا الحاضر مع استمرار هذه السياسية التدميرية حتى الآن .

هذا الدعم الخفي نجح في إعاقة وإيقاف كل نهضة علمية وإقتصادية وعسكرية للمسلمين فالدولة العثمانية مثال واضح عجل من انـهيارها الضعف العقدي والإسلامي في أخر عهدها بسبب صراع التيارات الإسلامية العقدية .

الدول الصليبية الأوروبية نجحت في تقسيم أراضي الدولة العثمانية بعد ان زرعت خلايا تقوم بدور خلق بؤر التوترات والفتن واستغلت الظروف السياسية الهشة التي سهلت الإختراق و جعلت الدولة العثمانية تعاني من قلاقل داخلية سهلت تغلغل كثير من مناصري الفلسفة الغربية الماسونية فأقتبس من الغرب سمومه وغرسها داخل المجتمع الإسلامي نحو التشكيل الغير إسلامي .

لقد استغل الصليبين الانقسامات الفكرية في مفاهيم الدين الإسلامي واستفادوا من خلالها الدخول في لبنات المجتمع الإسلامي وتفكيك عراه وجعلوا تلك المفاهيم خنجراً مسوماً وكانت هذه الانقسامات سببا في سقوط الإمبراطورية العثمانية ففسدت لدى الكثير من المتصوفة عقيدة القضاء والقدر، وأصبحت عندهم عقيدة سلبية مخذلة .

فقد كتب أحد المستشرقين الألمان وهو يؤرِّخ حال الأمة الإسلامية قائلا: \"طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار. وكان لهذه الطاعة أثران مختلفان: ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دورًا كبيرًا في الحروب؛ إذ حققت نصرًا متواصلاً لأنها دفعت في الجندي روح الفداء. وفي العصور الأخيرة كانت سببًا في الجمود الذي خيَّم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله، وطواه عن تيارات الأحداث العالمية\" وبالفعل هذا ماحدث فانتشرت مظاهر الشرك والبدع، وانحرافات الصوفية المنحرفة كقوة في المجتمع الإسلامي وغيرها من الفرق الأخرى التي تحمل عقائد وأفكار وعبادات بعيدة عن كتاب الله وسنة رسوله ، وكان أهمها الأثنى عشرية الشيعية الرافضية، والدروز والنصيرية والإسماعيلية، والقاديانية، والبهائية وغيرها من الفرق المحسوبة على الإسلام فأصاب الأمة الإنغماس في الاختلاف والتفرق الهادم وماترتب عنه من الابتعاد عن شرع الله من آثار خطيرة، كالضعف السياسي والاقتصادي والعلمي، والأخلاقي، والاجتماعي ... وهذا للأسف الشديد نراه في اليمن وايضا في مجتمعاتنا الإسلامية فدخلنا في جدليات اصطلاحية ثانوية ونسينا إعادة بناء الإنسان اليمني وتأهيله اجتماعيا ومعيشيا ومن ثم علميا وفكريا حتى نبني منه شخصية تحمل تركيبة إسلامية عصرية ولكن اين عقلاء وراشدو اليمن ونحن نرى البعض يسوق للخلافة الإسلامية والجوع يقض مضاجع الغالبية من الشعب اليمن ولكن شر البلية ما يضحك ولا حول ولاقوة إلا بالله .

وبالرجوع الى التأمرات الصليبية ورأس حربتها بريطانيا واليهود نستنتج من ذلك الدهاء والذكاء السياسي الذي استغلته بريطانيا وحلفائها وكيف خططت له بشكل دقيق وجعلت لكل ولاية من الولايات العثمانية من ينهش فيها ويقاتل النفوذ العثماني فكريا وعقديا بالتوافق مع الرغبة الاستعمارية للبريطانيين مستغلة صراع التيارات الإسلامية والجهوية فيما بينها فكان للحركة الوهابية دورا في تمزيق الخلافة العثمانية وأخذت نصيبها من التوسع وأيضا أسرة آل حميد الدين بموجبه حصل آل حميد الدين على الدعم لشن حرب على العثمانيين لتشتيت جهودهم من اجل بسط السيطرة على الكثير من البلدان الإسلامية التي كانت ضمن الخلافة العثمانية فقد شن آل حميد الدين حربا على العثمانيين من عام 1904م الى عام 1911م فبعد خروج تركيا منهزمة في الحرب العالمية الأولى دخل يحي حميد الدين صنعاء وأعلن نفسه حاكما على اليمن وانتهج سياسة الحكم الكهنوتي الديني المنغلق فانشر الجهل والفقر والمرض وعاشت اليمن ظروفا صعبة جعلت اليمن منغلقا على من حوله .... وعدد أئمة اليمن 59 اماماً حكموا شمال وأجزاء من وسط اليمن منذ عام 898م حتى العام 1962م ويرجع نسب أئمة اليمن ذو المذهب الزيدي الى الهادي يحي ابن الحسين القاسم وهو أول إمام لليمن .

بكل تأكيد كان للتكالب الصليبي وتغذيته لحروب قبلية وتمردات داخلية اثر كبير في هزيمة العثمانيين في اليمن فنتيجة لتمرد القبائل اليمنية ضد الحكم العثماني قررت الدولة العثمانية إجراء محاولات لإستعادة اليمن وإعادة بسط سيطرتـها وبدأت بإنتهاج خطة بتعيين واليين اثنين بدلا عن واحد وذلك خلال العام 1566م لكن الأمر لم ينجح حسب ما خططه له العثمانيون حيث كان تعيين واليين اثنين قد فاقم الأمر أكثر من قبل وشجع على ظهور تمردات قبلية أخرى خرجت كليا عن سيطرة العثمانيون في ظل الظروف الصعبة التي كانت تتعرص لها الإمبراطورية العثمانية في ولايات أخرى وكان إحداها استقلال حضرموت ولحج عام 1732م .

ظلت حملات الدولة العثمانية تستمر حتى 1840م لإستعادة السيطرة على الوضع في اليمن لكن الضعف وانهيال التأمرات على الدولة العثمانية جعلها تستسلم لمعاهدة لندن بعد احتلال بريطانيا جزيرة بريم في 1799م واحتلال مدينة عدن في 1839م ... ولم يقف بعدها التوسع الاستعماري البريطاني حتى امتد الى كل المقاطعات الشرقية والغربية في اليمن وكان ذلك بإشراف النائب الملكي البريطاني في الهند .

لكن العثمانيون قاموا بحملة أخيرة في العام 1868م في محاولة للقضاء على التمرد القائم هناك لكن بعد مواجهتهم لمقاومة شرسة انتهت بحصارهم حتى استسلموا وانتهى الأمر بعقد صلح بين الإمام يحي حميد الدين و الوالي العثماني عزة باشا في العام1911م غرب عمران في مدينة دعًان وكان الاتفاق يحتوي على شروط منها :

- يشرف الإمام يحيى حميد الدين على شؤون القضاء والأوقاف مع كامل الصلاحية في تعيين القضاة .

– تكوين هيئة بإشراف الإمام يكون من مهامها استقبال ملاحظات الامام ويكون مركزها صنعاء مع صلاحية للأمام يحي بإختيار رئيسها وأعضاءها، ويتم التصدق عليه من قبل الدولة العثمانية.

- يحق للحكومة العثمانية أن تعين قضاة شرعيين في المناطق التي يوجد فيها سكان ذو مذهب شافعي وأحناف

- تشكيل محاكم شرعية مختلطة من قبل قضاة وعلماء من الشوافع والزيديين للنظر في الدعاوى التي تقام من قبل المذاهب المختلفة.

- لا تجبى الضرائب من قبائل أرحب وخولان وجبل الشرق لمدة عشر سنوات بسبب فقرهم وخراب بلادهم.

ـ على الإمام أن يعطي الدولة العثمانية عُشر حاصلاته.

ـ يحق لمأموري الدولة العثمانية في اليمن أن يتجولوا في أنحاء اليمن بشرط ان لا يعتدوا على احد

- لا يعتمد أي فريضة غير التي شرعها الدين الإسلامي .

هذا الصلح مكن الإمام الزيدي يحيى حميد الدين من دخول مدينة صنعاء عام 1918م، ويصبح حاكمًا مستقلاً على اليمن ، وأضحى الإمام صاحب الكلمة العليا في اليمن في شؤونه الداخلية والخارجية .

وللحديث بقية


في الخميس 05 يوليو-تموز 2012 04:57:30 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=16356