التحوير الوظيفي وليس التدوير
د. عقيل المقطري
د. عقيل المقطري

منيت اليمن بسلطة فاسدة خلال أكثر من ثلاثة عقود وحرصت هذه السلطة على تسليم مقاليد الأمور لمسئولين فاسدين مالياً وإدارياً إلا من رحم الله وقليل ما هم وكل ما كان المسئول أكثر فساداً كان أكثر قرباً من السلطة وصناعة القرار ويختلف الفساد وتتفاوت مراتبه بحسب مراتب الوظائف، كما دأبت السلطة على إبعاد كل وطني شريف ونزيه ومن بقي منهم عاش منبوذاً لا يسمع له ولا يؤبه به والسر في تقريب السلطة للفاسدين وإبعادها للشرفاء النزيهين، أنها رأس الفساد ومهندسته ولتكون البيئة كلها فاسدة وأن تمسك السلطة قضايا فساد على أولئك المسؤولين بواسطة تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والذي جعلته السلطة بهندستها يتبع القصر الرئاسي مباشرة بدلا من أن يتبع البرلمان فتجعل تلك الملفات سيفا مصلتا تلوح به لكل مسؤول يبدر منه أي تمرد عليها أو يحاول الكلام على الفساد المالي والإداري وليسكتوا على فسادها ونهبها للأموال العامة وثروات البلاد ولم تحل السلطة خلال فترة حكمها أي ملف من ملفات الفاسدين الكبار إلى نيابة الأموال العامة إلا ملفات الضعفاء ممن نهب بضع مئات من الألاف وممن لا ظهر له من كبار الفاسدين والمتنفذين وهذا على طريقة بني إسرائيل (( إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ))ولذلك لما وقعت السلطة على المبادرة الخليجية طلبت حصانة لكل من عمل معها خلال فترة حكمها وهذا العفو يشمل كافة أنواع الجرائم والفساد ومن هندسة النظام السابق تدوير الفاسدين من محافظة لأخرى ومن وظيفة لأخرى كي يبقى الفساد ساريا وكأنهم أحجار على رقعة الشطرنج بل ترقيهم بدلا من عزلهم ومحاكمتهم واستردا المال العام منهم

حتى بدا للمتابع أن اليمن عقمت وعجزت عن تخريج قادة أكفيا

وتركز التدوير في جميع الوظائف الحساسة (( المحافظون ، قادة الألوية ، مدراء الأمن ، الأمن السياسي والقومي ومدراء العموم ... إلخ ))

إن التدوير يكون مقبولا حين يكون الموظف نزيها وليس فاسد أما تدوير الفاسدين فالصحيح أن يطلق عليه تحوير الوظائف أي الرجوع بها إلى ما كنت عليه من قبل ولذلك سارت اليمن في منعطف خطر وتردت الأوضاع نتيجة ذلك الفساد وضاقت على قطاع كثير من الشعب الدنيا بما رحبت فقامت الثورة الشعبية السلمية لاجتثاث الفساد والفاسدين وجاءت المبادرة الخليجية بمخرج حتى لا تريق السلطة الفاسدة المزيد من الدماء وانتخب الرئيس هادي وبدلاً من إقالة الفاسدين والقتلة وإحالتهم إلى القضاء ليقول فيهم كلمة الفصل يتم تدويرهم على طريقة النظام السابق بل في بعض المحافظات كتعز يحدث العكس فيقال من انضم إلى الثورة ويدور الفاسدون فإذا كان في بعض من انضم للثورة فساد فإن العدل مطلوب فإما أن يقال الجميع أو يدور الجميع.

ونظراً لما لتعز من خصوصية في الثورة اليمنية وفي التأثير على بقية المحافظات يحاول بقايا النظام السابق طعنها في خاصرتها وإحداث ثورة مضادة داخلها وإقلاق أمنها وسكينتها بعد أن بدا للعيان أنها وصلت إلى شبه استقرار وإن كانت لن تستقر ولن تهدأ حتى يزاح بل يحاكم القتلة الذين لا يزالون يتربعون على كراسيهم ويسرحون ويمرحون في المدينة محاطين بالحراسة المشددة وما كانت تعز لتصل إلى ما وصلت إليه لولا الله ثم التعاون الكبير من قبل الثوار مع محافظ المحافظة الجديد شوقي أحمد هائل الذي استبشر الناس بمقدمه خيرا ومن قبله التعاون مع مدير أمن المحافظة الذي جاء من رحم الثورة ويعمل جاهدا من أجل إزالة مظاهر التوتر في المدينة ما أدى إلى انزعاج بقايا النظام من هذا النجاح الباهر فهم يحاولون اليوم إحداث ثورة مضادة يغريهم ما يحدث في مصر من محاولة النظام السابق للعودة إلى سدة الحكم ، وما علموا أن عجلة التاريخ لن ترجع إلى الوراء وأنهم صاروا في خبر كان، وإن كان الأمر يتطلب إلى صمود من الثوار وصبرهم حتى تتحقق أهداف الثورة وأن تبقى أعينهم مراقبة حتى لا يتسلل الفاسدون على غرة.

إن ما حصل في الأيام القليلة الماضية من اعتداء على محطة توفيق عبدالرحيم ومحاولة تفجير خزانات الوقود فيها جريمة نكراء تضم إلى جرائم النظام السابق فالاعتداء على المال الخاص والمصالح الخاصة وكذا العامة يعد أمرا محرما ولا مبرر إطلاقاً لما حصل سوى أن بقايا النظام وراء ما حدث فلقد كانت المحكمة أصدرت أمراً بالقبض القهري على احد الأشخاص من سكان في القرى المجاورة للمحطة يدعي طه الزوم غير أن إدارة أمن المنطقة لم تتمكن من إلقاء القبض عليه أو قل لعله كان هناك تواطؤ لعدم إلقاء القبض عليه وبحسب شهود عيان أن الأمر القهري قد انتهت مدته إلا أن مدير أمن المنطقة تحرك قبل أيام لغرض ألقاء القبض على المطلوب وحوطت الأطقم منزله وطلبت منه تسليم نفسه فصعد إلى سطح المنزل وأطلق الرصاص على الجنود فأصاب جندياً فرد عليه الجنود فقتلوه ثم تحرك الناس من تلك القرية وحاصروا المحطة ونهبوا الأموال والسيارات وحاولوا تفجير خزانات الوقود ولو حدث ذلك لكانت كارثة على المنطقة برمتها ولكن الله سلم...

والسؤال الذي يطرح نفسه ما علاقة محطة توفيق عبدالرحيم وقتل ذلك الشخص لولم يكن الغرض إشعال نار الفتنة وإقلاق الأمن والسكينة ونهب الأموال وقطع إمدادات النفط والغاز عن المواطنين واستكمالا للمخطط اعتصم أفراد من القرى المجاورة للمحطة ونصبوا خياماً، أمام المحطة مطالبين بإلقاء القبض على مدير أمن المديرية وتسليمه للقضاء وفعلاً تم التواصل من قبل بعض الشرفاء في المدينة والذين كانوا محاصرين داخل المحطة مع فتحي توفيق عبدالرحيم وعلى رأسهم النائب محمد الحميري والنائب عبدالحميد البتراء تواصلا مع مدير أمن المحافظة ومع وزير الداخلية وتم سجن مدير أمن المديرية ووضع تحت الحراسة ليسلم فيما بعد للقضاء فظهر الطرف الثالث الذي دخل في الخط ليشعل الفتنة إذ قاد صخر عبده الجندي مجموعة من المسلحين وذهبوا إلى السجن الذي يقبع فيه مدير أمن المديرية واشتبكوا مع الحرس فقتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا وتمكنوا من إطلاق سراح مدير أمن المديرية رغم أنه كان قد تم تشكيل لجنة لإقناع المعتصمين جوار المحطة بالتخلي عن الاعتصام والعودة إلى قراهم طالما وقد ألقي القبض على مدير أمن المديرية لكن صخر الجندي استبق ذلك واختطف السجين ليبقى الفتيل قابلاً للاشتعال مرة أخرى ثم جاء مسلحون وأحاطوا بمبنى المحافظة مطالبين بالقاتل إنها مسرحية معروفة ومفضوحة الغرض منها خلط الأوراق في هذه المحافظة.

إننا ندين القتل وإراقة الدماء كما ندين الاعتداء على المصالح الخاصة والعامة على حد سواء ، ونحذر من أولئك الأشرار الذين لا يروق لهم أن تنعم تعز بالأمن والاستقرار والسكينة العامة ، ويحاولون إحداث ثورة مضادة تنطلق من تعز وأوصي شباب الثورة أن يبقوا ساحات وميادين الحرية والتغيير على وهجها فهي صمام أمان لتحقيق أهداف الثورة وعليهم بالصبر والمصابرة فالشجاعة صبر ساعة ، وتلاعب بقايا النظام بالوقت واضح يجرهم إلى ذلك حنينهم للعودة إلى ما كانوا عليه من أجل ذلك فهم يتمردون على قرارات الرئيس هادي ويأبون الاستسلام لها وأقول لن تنعم اليمن بالأمن والاستقرار طالما والجيش منقسم ، ولن تنعم اليمن بالرفاه ما دام الفاسدون متربعين على كراسي وظائفهم ولن تهدأ أنفس اليمنيين ما دام القتلة لم يقدموا للعدالة .

رحم الله شهداءنا وشفى جرحانا ، وأسأل الله أن يصلح من في صلاحه صلاح لليمن واليمنيين وأن يهلك من في هلاكه صلاح لليمن واليمنيين ... والله الموفق

www.almaqtari.net


في الخميس 14 يونيو-حزيران 2012 04:36:51 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=16037