الحراك الجنوبي وآفاقه المستقبلية(2)
د. عيدروس نصر ناصر
د. عيدروس نصر ناصر

إن الحراك السلمي الجنوبي لم يكتسب زخمه وحضوره الجماهيري الطاغي في محافظات الجنوب إلا لأنه استطاع الوصول إلى وجدان ومشاعر السواد الأعظم من أبنا الجنوب إى لأنه عبر عن تطلعات هذا السواد الأعظم من الناس إلى التحرر والانعتاق من نتائج حرب 1994م الغاشمة، وحينما اعتقدت أجهزة السلطة المخابراتية والعسكرية إنها ستقضي على الحراك السلمي وثورته الشعبية من خلال حملات القمع والتنكيل والقتل فإنها لم تزد الحراك إلا اتساعا وانتشارا ولم تزد الجماهير الملتفة حوله إلا تضامنا وتعاطفا مع أطروحات فعاليات الحراك المختلفة، كما كان للخطاب المتوازن الذي دشن به الحراك فعالياته بالتركيز على مضامين القضية الجنوبية والمطالبة بالحقوق السياسية والاجتماعية والحريات العامة وإدانة السلوك الإقصائي للسلطة وممثليها، كان له دورا كبيرا في استقطاب الأنصار والمتعاطفين من جميع المحافظات الجنوبية والشمالية، وهو ما وسع رقعة انتشار الحراك السلمي وأوصله إلى كل قرية وحارة في الجنوب.

لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة بمشاعر السخط والغضب والمرارة التي يشعر بها كل من فقد مصدر رزقه ,وهو عمله، ليحل محله في عمله من هو أقل منه كفاءة وأدنى منه تأهيلا وأقصر منه خدمة وأقل منه نزاهة، وأقل منه ارتباطا بالموقع والمكان وطبيعة الخدمة، فقط وفقط لأن الأول حسب على المهزومين والثاني وقف في صف المنتصرين، كما لا يمكن الاستخفاف بمشاعر من فقد أرضيته أو منزله أو مزرعته على يد من يدعي أنه يدافع عن الوحدة، والأهم من هذا لا بد من تفهم مشاعر من فقد ابنه أو رب أسرته وهو يدافع عن حقوق المظلومين، وقتل أو جرح بحجة إنه يهدد الوحدة، وعلينا ونحن نتناول القضية الجنوبية أن ندرك أن كل هذه المظاهر ليست قضايا حقوقية فقط بل هي نتاج لسياسات رسمية متعمدة اتبعها النظام منذ 7/7 وهو ما جعل الكثيرون يتعاملون بحساسية شديدة عند الحديث عن الحقوق وكأنها تلغي البعد السياسي للقضية الجنوبية، ذلك إن اغتصاب الحقوق في الجنوب كان نتاج لسياسات رسمية وليس لأخطاء شخصية، كما إن فقدان الهوية السياسية للجنوب وذوبان الكيان الجنوبي في كيان أكثر تخلفا وأشد بدائية منه هو أيضا حالة سياسية حتى وإن اقتصرت نتائجها على المساس بالحقوق فما بالنا والجنوب قد خسر دولة كاملة بأرضها وحدودها وعاصمتها وعلمها وعملتها ومؤسساتها وحضورها الإقليمي والدولي.

لقد ربط المنتصرون كل السياسات الإقصائية والممارسات الانفصالية الاستحواذية التي ظلوا يمارسونها باسم الوحدة ، وصار مجرد التصدي لهذه السياسات يعني رفض الوحدة وكأن الوحدة لا تستمر إلا بالنهب والسلب والإقصاء والاستعلاء،. . . وما يزال أبنا عدن يتذكرون، يوم إن أقدم أحد الناهبين بالاستيلاء على حديقة عامة في مدينة الشعب، وعندما احتج الأهالي لدى السلطة المحلية، ذهب الناهب يصفهم بالانفصاليين، ويتهمهم بأنهم ضد الوحدة اليمنية، ومثل هذه الحادثة عشرات إن لم تكن آلاف الحوادث وأبطالها من الوافدين بعد 7/7 ممن يدعون التمسك بالوحدة اليمنية

إن تلك السياسات القائمة على الغرور والغطرسة والمنطلقة من عقلية الاستعلاء والهيمنة قد ولدت شعورا عدميا تجاه كل ما له صلة بالوحدة إذ أصبحت الوحدة عند عامة المواطنين الجنوبيين تعني الاستيلاء والنهب والاستبعاد والتهميش فضلا عن النموذج السلوكي الذي جلبه الوافدون من عجرفة واستهتار وعدم احترام الضوابط الأخلاقية وما رافق المواجهة للحراك السلمي من قتل واعتقال للناشطين بعيدا عن أي اعتبار لآدمية الناس وكرامتهم ناهيك عن القانون وحق المواطنة

إن الروح الساخطة على الوحدة بذاتها تنبع من هذا المنطلق وهي حالة عاطفية لا تعبر عن موقف سياسي ممنهج وله من التأصيل السياسي ما يمكن طرحه ومناقشته على الناس وإقناعهم بمضمونه وهو حق لكل صاحب موقف سياسي، ولذلك قلنا دوما إن الحراك الجنوبي يستطيع أن يقنع القاصي والداني بأطروحاته من خلال برنامج سياسي معلن لا يكتفي بالخطابات والشعارات والكتابات على الصحف أو المواقع الإلكترونية، وهو أمر يتطلب عملا مضنيا وطويلا وصبورا مصحوبا بسلوك سياسي متواضع لا يقوم على استعداء الآخرين أو مجابهتهم أو ازدراء مشاعرهم أو حتى مطالبهم، لأن كل ذلك لا يمت للسياسسة بصلة.

وللحديث بقية.

برقيات:

*لا أدري كيف سيفسر لنا دعاة الوحدة المعمدة بالدم، معنى طرد وزير الدفاع، اليمني من معسكر تابع للحرس الجمهوري، الذي يقوده قائد الحرس الجمهوري اليمني، من محافظة أبين، التي هي مسقط رأس الوزير؟

*يقول الموسيقي الأمريكي جون كيج : لا أستطيع أن أفهم لماذا يخاف الناس من الأفكار الجديدة، أما أنا، فإنّي أخاف من الأفكار القديمة.

* قال الشاعر الجاهلي زهير بن حباب الكلبي:

إِرفع ضَعيفَكَ لا يُحِربِكَ ضُعفَهُ يَوماً فَـــتُدرِكُهُ عَواقِبُ ماجَنى

يَجزيكَ أَو يُثـني عَلَيكَ وَإِنَّ مَن أَثنى عَلَيكَ بِما فَعَلتَ كَمَن جَزى

إِنَّ الـكَريمَ إِذا أَرادَ وِصالَــــــنا لَم يُلفِ حَبــلي واهِياً رَثَّ القُوى

أَرعى أَمانَــــــــتَهُ وَأَحفَظُ غَيبَهُ جَــــــهدي فَيَأتي بَعدَ ذَلِكَ ما أَتى


في الثلاثاء 05 يونيو-حزيران 2012 05:10:59 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=15913