الستة المبشرين بالقتل
وليد البكس
وليد البكس

alboox@gmail.com

باتوا نصف رزنامة.ستة صحافيين اجمالي من سقطوا خلال العام الفائت.بهم تحصل الصحافة اليمنية على قصتها الوافر من الشهداء.وخريفها الحاضر وسط الربيع العربي،بين زملائهم من الصحافيين العرب.

ما اقسى ان ترثي الصحافة نفسها.ما اشد ان ينعي الصحافي نفسه.يعد هذا محاولة متعمدة لخدش الذات.ونعيا مؤجل ليس إلا.هذا مصاب جلل يا صاحبة الجلالة.و حزن بلغ النصج الأخير.لكنها مشيئة الله و الكلمة و الكاميرا.

عادة ما اقول:بأنه حينما يسقط صحافي واحد.تسقط معه نصف الحقيقة،لكنها لا تغيب.و كلما واظب زملائه على استنهاضها.يجعلون منها طافية على السطح.في متناول الجمهور.وذلك قدر المشتغلين بمهنة المتاعب.و مضاعفة الجهود للقيام بدورهم المحوري.

حدث ذلك طيلة 2011 و تحول الصحافيين الي ضحايا،الي اخبار في مختلف وسائل الإعلام.لم يلتفت غالبية المتابعين لما لحق بهذه المهنة.مع انه ثمن فادح.

ومع هؤلاء الزملاء الذين ذهبوا كغيرهم من الشهداء،كأنهم كانوا مبشرين بالقتل.و ربما بعمل وحشيا مضاعف.إلا ان احداث الاحتجاجات بزخمها ظلت تتصدر الأخبار.وتعمل من اجلها فرق وطواقم من الصحافيين بعنفوان بالغ.

في الاصل يبقى الصحافي مواطن،يلحق به ما يلحق بغيره،غير انه الوحيد يكون الهدف الاول للبندقية،ويحدد مسبقا موقعه كطريدة جاهزة للقنص والقتل.و يظل مرصود اينما ذهب او جاء.

لتأخذ مهنة الصحافة هنا ابناءها في اتجاه آخر قليلا عن كونهم مواطنين اولا وصحافيين ثانيا.فيضاعف ضدهم العقاب وتأخذهم يد القاتل بالمهنة،و بجريرة ما يحملون من ادواتها من(القلم والكلمة الي الكاميرا)مرورا بالجرأة والشجاعة،ووصولا الي نشر الصورة والخبر في نهاية المطاف.

يقول اتحاد الصحافيين الدوليين في إشارة تحذيرية صريحة:إن ما لحق بمهنة الصحافة اليمنية خلال عام يعد كارثة حقيقية.

هذه فكرة جيدة ان نذهب الي ما حذر منه الاتحاد الدولي،ونحضر مقارنة تعزز ذلك،مثلا سقط مصور واحد في ليبيا طيلة اشهر من المواجهات بين الثوار والجيش الموالي للقذافي والمرتزقة والكتائب،مقابل ان سقط كما قالت الاخبار خمسين الف شهيد من الجهتين والمدنيين.

وفي العراق خلال سنوات الاحتلال الامريكي حتى الآن سقط ما يقارب اربعة صحافيين كشهداء مهنتهم.

اما في سوريا خلال العام الماضي من الثورة وحتى اللحظة سقط صحافيان ليسوا من سوريا ولا يحملون الجنسية السورية.ما يعني بأن صحافيين سوريين لم يستشهدوا حتى الآن.و بالطبع امنيتي ضد سقوطهم.هنا او هناك.

وفي بلادنا استشهد(جمال الشرعبي،حسن الوظائف،وعبد الحكيم النور،عبد المجيد السماوي،عبد الغني البر يهي،فؤاد عبد الجبار الشميري)

فارقوا الحياة نتيجة ممارسات جرائم التصفية بقصد.اقدمت عليها عصابات وكتائب القتل، تقدمت بهم والبقية من شهداء الثورة السلمية كقرابين لبقاء الرئيس السابق في الكرسي.

نصف رزنامة.يبدوا الثمن باهض؛أن تدفع مهنة الصحافة خلال عام واحد كل هذا الكم من الزملاء.البعض يردد بأن منهم من لم يكن عضوا في نقابة الصحافيين.لنعد ذلك"غيرة صحية "يتوجب المزيد من العمل للوصول الي مصافهم.لكننا نؤكد بأنهم لم يكونوا يحملون بنادق، كانت ايدهم تقبض على الكاميرات،وفي قلبهم يغلي وطن.كانوا صحافيين،كانوا الاشجع ضمن طابور طويل لم يهادن.و قد تطول القائمة باسم اليمن ولأجله.ما قاموا به يلغي بطاقة الانتماء الشكلي لجسد نقابتا،كما تضفي دمائهم الزكية المزيد من الحضور الخلاق،و تصبغ الحبر بشرف الميثاق الصحافي المهني.

إنهم ضمير الصحافي المحترم المتيقظ الخلاق،و هم من قادتهم وبتعجل قلوبهم نحو درب الحرية كواجب مفروض.وإلا ما قيمة ان يبقى الصحافي قفاز في يد السياسي،و مناديل محارم يقوم بتنظيف مخلفات السمعة العفنة،او قطعت اسفنج،يعمل على امتصاص وإخفاء دماء الضحايا التي تسفكها الانظمة القمعية.وما اكثر من قاموا بذلك في بعض المواخير الإعلامية(مرئية،مسموعة ومقروءة)خلال عام الثورة.لكنهم بالمقابل اخلصوا لحساباتهم البنكية،وبطونهم المتورمة من لحم ودم الشهداء والجرحى.وما يزالون بيننا يخفون كسرة الخبز الذليل وراء ظهورهم.

لو جرب احدهم ان يحضر فعالية مزاد تكريم الزميل جمال الشرعبي مثلا الاثنين الفائت.لأدرك حقيقة ما تردده "نهى".طفلة لم تتجاوز السبع سنوات،لكنها حاولت ان تبدوا متماسة.نجحت هيا وبكي الحاضرين.وقفت الصغيرة تتحدث عن قتلة والدها الصحافي "مايزالوا في مواقعهم"قالت.ليتقزم عشرات الكبار لحظة إلقائها للكلمة المعبرة.و تضيف امام الحضور في نقابة الصحافيين صنعاء" كان أبي يفخر بأنه إعلامي يناضل من اجل الحقيقة،ونطالبكم أن تسيروا على دربه في كشف الحقائق للمجتمع" 

انهت نهى مهمتها برباطة جأش.لم يظهر عليها اثر التصنع،ما تزال طفلة غضة لا تمتلك فهلوة الممثلين.لم تخدع الحضور بمن فيهم المصورين،وهي تؤدي الدور الحقيقي.لكنها نهاية الامر غادرت وفي عيناها مئات الاسئلة رما ابرزها من منكم يستطيع أن يعيد لي ابي.حيث ذهب،مخلفا وراءه كل هذا الفراغ.والسبب فقط ان والدها حاول ان يؤدي دوره برصد و توثيق عملية القتل المباشر في واحدة من ابشع الجرائم المنظمة ضد الثوار في جمعة الكرامة ولقي حتفه.ولم تتعدى حكايته الآن ربما العنوان الصحافي العريض كاميرا في اليد رصاصة في الرأس.


في الأربعاء 28 مارس - آذار 2012 04:19:52 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=14811