بين عباءتي الثورة والمبادرة !
أحمد الزرقة
أحمد الزرقة

1

في زحمة الجدل والصراع على القضايا الصغيرة، تتوه القضايا الكبيرة وتتحول لأداة للتفاوض السياسي تحت الطاولة، وتستسلم لمنطق التسويات السياسية التي تلبي حاجة الأطراف المتصارعة على رأس الهرم السياسي، بما يفقدها فوائدها ويجعلها تمر دون الالتفات إليها.. تم اختزال الثورة في المبادرة وانتخابات صورية، وتم الالتفاف على تضحيات شباب الثورة، ودماء الشهداء وأنات الجرحى والمعوقين، ودموع الأمهات، وقهر الآباء، الذين قدموا أغلى ما لديهم من أجل أن يخرج البلد من متاهات الاستبداد، وسطوة الفساد والفاسدين، ولم يتوقعوا يوماً أن هناك من يتربص بأحلامهم، ويقايض بتضحياتهم وأوجاعهم، ويقف يوماً ليلتقط صوراً تذكارية إلى جانب القتلة والجلادين، ويصبح الحديث عن الثورة وتضحيات شبابها جريمة مخالفة لمقتضى التسوية السياسية في البلاد، التي بنيت على أكتاف الثورة، وتحاول أن تدوسها الآن بأقدامها.

2

تمارس الأحزاب السياسية اليمنية ومن ورائها الأطراف الخارجية الراعية للتسوية السياسية سياسة التضليل الإعلامي والسياسي، في حق الجماهير الشعبية؛ لصرفها عن تفاصيل الفعل السياسي في الدوائر المقفلة، وتوجهها بعيداً عن مسار العملية السياسية.

ماذا يعني أن يطالب مجلس النواب رئيس الحكومة بالاعتذار عن عدم حضوره حفل استقبال وداع صالح واستقبال هادي؟ غير أن هناك استقصاداً غير مبرر لإثارة أزمة بين حكومة التقاسم ورئيس التوافق.

مجلس النواب - المنتهية صلاحيته - لم يعد سوى جزء من المشكلة، ولن يكون جزءاً من الحل، وهو جزء من المنظومة الفاسدة، التي شرعت للفساد خلال الفترة الماضية، كل ما يدور اليوم هو جزء من إعادة إنتاج النخب والأدوات التقليدية القديمة تحت عباءتي الثورة والمبادرة الخليجية.. وماذا يعني أصلاً إجراء تلك المراسيم غير إرضاء رغبات صالح بالظهور بمظهر من تنازل برغبته عن الحكم، وقام بتسليم السلطة بطواعية؟.

كل ذلك يأتي انسجاماً لطريقة تركيبة شخصية الرجل المعقدة التي تشبه شخصية المقامر.

3

نظم المؤتمر الشعبي العام حفل استقبال وتوديع لرئيسه، بمشاركة الجامعة العربية وعدد من السفراء والوزراء والمسؤولين المحسوبين على المؤتمر الشعبي العام.

مكتب الرئيس هادي أكد أن هذا الحفل هو لوداع صالح، ولا علاقة له بموضوع التنصيب.

المشترك حدّد موقفه بمقاطعة ذلك الحفل، وإلى هنا كان يجب أن تنتهي تلك المسرحية السامجة التي كانت تحتاج لإخراج أكثر ذكاء، ولم يكن يتوجب على أحد إصدار تهديدات للرئيس، الذي وافقت الأحزاب واللجنة التنظيمية للثورة وعدد من ائتلافات شباب الثورة على انتخابه دون منافس.

 4

منذ أن وضعت الساحات نفسها تحت سيطرة أداء الأحزاب السياسية، تراجع سقف أحلامها وثورتها، ووصل الأمر في نهاية المطاف لأن يجلس ممثلو الثورة إلى جانب من ثاروا عليهم ليتقاسموا الحكومة، ويتفقوا على بقاء رأس الدولة قريباً من دائرة النظام.

كيف يستقيم الأمر حين تكون السلطة مقسومة على نفسها؟ نصفها يشارك في الحكم والنصف في المعارضة، جميع الأحزاب أصبحت في السلطة، وأصبح الشارع بلا معارضة، ومازال المشترك يكرر أخطاء المؤتمر الشعبي العام وأخطاءه، ويرفض التخلي عن دوره كمعارضة تاريخية، ويمارس الإقصاء للأطراف السياسية الأخرى، ويرفض تبني مطالبها، أو مساعدتها لتتحول إلى أحزاب سياسية أو قوى منظمة تسهم في العملية السياسية.

  alzorqa11@hotmail.com


في الأربعاء 29 فبراير-شباط 2012 03:58:36 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=14184