هنيئا لشعب الإصلاح رائده
حسين علي بدران

إن الرائد لا يكذب أهله ، هذا هو الإصلاح الذي دخل كل بيت في اليمن ، وقلب المعادلة لصالح المشروع الإسلامي ، ولا أقصد إصلاح ما بعد 1990م فحسب بل الإصلاح الممتد إلى ما قبل 1948م مرورا بالثورات المباركة 1948م و1955 و26 سبتمبر و 14 أكتوبر ثم ظهور الإصلاح كحزب عام 1990م إلى يومنا هذا ، فالإصلاح متجذر منذ زمن.

إن المتابع المنصف لمواقف الإصلاح في الماضي والحاضر يجد أنها مواقف مبادئ وقيم وثوابت بعيدا عن المزايدات والمماحكات والمصالح الشخصية أو الحزبية ، وعلى طول هذا التاريخ فقد صبر قادته وأفراده على الظلم والإقصاء في سبيل المصلحة العامة وتغاضوا عن تصرفات أضرت بهم كأشخاص ليبقى الوطن موحدا مستقرا ، وقد كانت هناك استفزازات من علي صالح وغيره تجعل قواعد الإصلاح تغضب وتموج وتريد التحرك لولا حكمة القادة وبعد نظرهم وتغليب المصلحة العامة للدين والوطن على العواطف والاندفاع إلى المجهول.

ويكفيه فخرا ونجاحا وتألقا التعامل الراقي مع الآخرين واستيعابهم وما اللقاء المشترك إلا خير دليل ، والذي يعتبر أنموذجا يحتذى به في كل أصقاع الأرض وليس في العالم العربي والإسلامي فحسب ، وحيث يعتبر أيضا تجربة رائدة شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء ، ولا شك أن هذا الاحتواء أو الاستيعاب نابع من مبادئ ديننا الحنيف الذي يحتوي من هو على غير ملته فضلا عن المسلمين الواجب احتواؤهم والصبر عليهم مهما حصل من الاختلاف في وجهات النظر والاجتهادات والبرامج السياسية ، كما انه أدار الثورة مع شركائه باقتدار سواء في الجانب السياسي أو الجانب الثوري واستطاع أن يكسب الشباب وهذا بلا شك من النجاحات الموفقة التي شهد لها القاصي والداني والعدو والصديق والحق ما شهدت به الأعداء ، حيث استطاع سحب البساط من تحت رجل الفيل بهدوء مع حكمة بالغة ــ وما كان لهذا الفيل أن يتزحزح لولا فضل الله ثم الصبر والإدارة الناجحة للثورة ــ وأسدل الستار على حقبة مظلمة من الزمن كان من الممكن أيصل اليمن فيها إلى مصاف الدول المجاورة والمتقدمة لو أنه أدير إدارة صالحة .

ولكن هذه الريادة والنجاحات لم تعجب علي صالح ومقربيه والفاسدين من أركان نظامه الذين غرقوا في الفساد ونهبوا ثروات البلد حتى غطى الفساد رؤوسهم ، ولم تعجب أيضا أصحاب الأهواء والمشاريع الصغيرة والطائفية العنصرية وأصحاب التفكير الضيق حول الكون والإنسان الحياة ، كل هؤلاء ومن لف لفهم لم يعجبهم ذلك فبدأوا يشنون هجوما عنيفا على الإصلاح بين الفينة والأخرى بواسطة كتاب أقزام يكتبون ليعرف مكانهم ــ من باب سب واشتم وخالف لتعرف ــ وكذلك تصريحات في وسائل إعلام بقايا نظام صالح من قبل المأجورين والحاقدين بل ومن قبل من يفترض أنه رفيق الدرب الثوري ، كل هؤلاء يرون في نجاح الإصلاح وتخليص الوطن من التوريث خطرا عليهم ، ويعتبرون أن نجاح الثورة التي يقودها الإصلاح وشركاؤه يعني سقوط هذه المشاريع واجتثاث الفساد وأهله .

 ومع قرب تخليص اليمن من نظام علي صالح وقرب الانتخابات اشتدت ضراوة هذا الهجوم والتشويه بل والقيام بأعمال إرهابية هنا وهناك ، ولكن هذا الهجوم بكل أشكاله لم يزد الإصلاح وشركاءه إلا قوة وثباتا ، وصدق الشاعر حيث يقول : كناطح صخرة يوما ليوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل .

وقد اجتمع المتناقضون في الأفكار والأهداف والمصالح على حرب الإصلاح فجاء الحرب والأذى متناغما من عدة جهات :

أولا : من بقايا نظام علي صالح الذي دأب في وسائل إعلامه يشن الهجوم ويبث الشبهات على الإصلاح وكوادره فمرة يقول : هؤلاء هم الإخوان المسلمون وكأنها تهمة وجريمة ليدغدغوا بهذا المسمى عواطف الغرب ــ الذي يعرف قادته من هم الإخوان المسلمون ــ ويشوهوا صورة الإصلاح عند العامة الذين يسمعون للإعلام المضلل الذي يصور الإخوان المسلمين أنهم إرهابيون وأنهم خطر على البلاد والعباد ، ولا يدري هذا الإعلام ومن وراءه أن هذا شرف لا يدعيه قادة الإصلاح ، وليس عيبا ولا جرما أن يحمل قادة الإصلاح أو حتى أفراده فكر جماعة الإخوان المسلمين ، ويتجاهل هؤلاء المغفلون أن الإخوان المسلمين هم رواد العمل الإسلامي الحديث في كل أصقاع الأرض ولا تكاد تخلو منطقة في العالم من دعوتهم ، واستطاعت هذه الجماعة الرائدة أن توصل الفهم الصحيح للإسلام إلى الخاص والعام بغض النظر عن قبول ذلك ، فحملت الإسلام الوسطي الذي جاء به القرآن كما في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ودعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبلغته إلى العالمين ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو حاسد أو حاقد أو مكابر .

وتارة يتم التشويه من قبل أفراد الخوف العائلي ــ ما يسمى الأمن القومي ــ وهؤلاء يشنون حملات شعواء على الإصلاح في الصحف والفضائيات ومنهم مفرغ للكتابة والرد بألفاظ سوقية لا يتكلم بها رجل سوي في النت والفيس بوك وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي . 

وتارة يوصمون الإصلاح بالإرهاب وتبني فكر القاعدة ليتكسبوا من وراء هذه الأقاويل ويجمعوا أموالا من الأشقاء ومن دول الغرب ، وهم يعلمون علم اليقين أن الإصلاح بعيد كل البعد عن فكرة نشر الدعوة ومقاومة المنكر عن طريق التفجير والتدمير ، ويعلم الجميع أن الإصلاح اتخذ النضال السلمي طريقا إلى إصلاح الأوضاع بكل جوانبها ، وللعلم فإن أصحاب فكر التفجير والتدمير وقتل النفس المحرمة يعادون الإصلاح على أساس أنه متساهل مع الحكام ولم يقم بالجهاد بواسطة السلاح وهم لا يعلمون أن صور الجهاد متعددة تبدأ بالكلمة وتنتهي بحمل السلاح وآخر ما يفكر فيه الإصلاحيون هو حمل السلاح ولا يمكن ذلك إلا عندما تنسد جميع الطرق ويلجئهم عدوهم إلى ذلك ، وهذه الثورة السلمية المباركة تدل على النهج السلمي للتغيير وذلك مع الاستفزاز والقتل .

ثانيا : الحوثيون الذين تم زرعهم وترعرعوا في عهد المخلوع علي صالح ليكونوا ضد الإصلاح ، وتم دعمهم من قبل علي صالح بكل أنواع الدعم حتى وصل الحد إلى تسليمهم معسكرات بما فيها من أسلحة متطورة ومتعددة من الدبابة إلى الكلانشكوف مع الذخيرة والصواريخ وهذه الأسلحة هي التي تستخدم اليوم ضد أبناء صعدة والجوف وحجة وغيرها ، هؤلاء أصحاب مشروع طائفي عنصري يقوم على الطبقية المتمثل في السادة والعبيد فضلا عن تبني وحمل الفكر الأثني عشر الأقرب إلى المجوسية واليهودية منه إلى الإسلام .

والإصلاح يعرف ذلك جيدا ويرصد تحركاتهم ؛ ولكنه لم يصطدم معهم حتى لا يخدم نظام علي صالح ولمعرفته بالمخاطر التي تنتج عن الحروب بين أبناء الوطن الواحد وليقين قادته أن الفكر لا يكسره وينهيه إلا فكر أقوى منه ولذلك لم يلجأ الحوثيون إلى السلاح إلا لإفلاسهم الفكري وتنفيذ المخطط الإيراني المجوسي ، ورفعوا شعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل وهم يحملون الفكر العنصري الذي يشابه فكر اليهود ويقتلون اليمنيين بدلا من الجنود الأمريكان ، هذه الفئة استمر علي صالح في دعمها وتجنيدها ضد الوطن والمواطن ، ولكي يرفع من شانها اختلق تلك الحروب الستة التي يبدأها باتصال وينهيها باتصال آخر ، وهذا ليس خافيا على أحد ، هذه الحروب التي أحرقت الأخضر واليابس لم يكن المخلوع يهدف من ورائها استئصال هذه الفئة الباغية ولم يكن جادا في ذلك ؛ والدليل على عدم جديته أنه بعد الحرب الأولى عوض الحوثيين عن كل ما خسروه وأعاد بناء البيوت ودفع لهم أموالا طائلة بل وزودهم بأسلحة متطورة وهم في هذه الأثناء قد وصلوا إلى الانهيار الشديد خاصة بعد مقتل زعيمهم حسين الحوثي ، وهذا الكلام لا أقوله جزافا ولا افتراء ، فقد حدثني أحد أبناء صعدة الثقات أن الحوثيين باعوا هواتفهم الجوالة بعد الحرب الأولى من شدة الحاجة فكيف يستمرون هذه المدة الطويلة ويخوضون هذه الحروب المتتالية ، والحقيقة أن المخلوع أراد أن يحقق عدة أهداف من هذه الحروف الهدف الأول: أن يصادم بين الإصلاح والحوثيين ولكن بعد نظر قادة الإصلاح حال دون ذلك ، الهدف الثاني : تدمير القوات المسلحة غير الحرس العائلي ليتم التوريث فدفع بعلي محسن وفرقته ، ولم يرسل أي جندي من الحرس العائلي لقتال هذه الفئة ، بل العكس تخرج جميع أنواع الأسلحة من معسكرات الحرس ومن قصر السلاح لدعمهم ، حتى قال أحدهم نحن معنا احمد علي وأنتم معكم علي محسن ، الهدف الثالث : استخدامهم وقت الحاجة كما هو حاصل الآن من الاعتداء على المواطنين في أماكن متعددة وطعنهم للثورة من الخلف فشباب الثورة في الساحات والسياسيون والقبائل مشغولون بإزالة نظام علي صالح والحوثيون يفتحون الجبهات في كل مكان ، وكذلك وقوفهم ضد الانتخابات التي سوف تزيل رب نعمتهم علي صالح ، الهدف الرابع : تخويف إخواننا في المملكة ودول الخليج الأخرى من خطر التشيع والتدخل الإيراني .

ولكن أبشر الجميع أن هذه الفئة الباغية سوف تزول بزوال نظام علي صالح بإذن الله لأنها تحمل أسباب زوالها بنفسها فلديها فكر عنصري طائفي واليمنيون لا يمكن يقبلون بذلك وسوف يقابلون بالحجة والبرهان فإن لم ينفع فالمواجهة ليست عسيرة وقد هزموا في أكثر من موطن عندما وجدوا رجالا لا يهابون الموت يبذلون أرواحهم في سبيل دينهم ووطنهم .

ثالثا ــ الحراك في المحافظات الجنوبية وهم أقسام الأول ما زرعه المخلوع علي صالح ليحركه في الوقت المناسب كما حصل في عدن من إحراق خيام الثوار وكان على رأس هؤلاء عبد الكريم شائف الذي وضعه علي صالح يقوم مقام محافظ عدن وكما يحصل في المكلا ولا يمكن أن تفسر هذه الأعمال إلا أنها خدمة للمخلوع علي صالح بالإضافة إلى ما يقومون به من تهجم على الإصلاح ، القسم الثاني : وهم الانفصاليون كعلي سالم البيض وزمرته وهؤلاء لهم شأن آخر فما بعد طلب الانفصال من خيانة للدين والوطن ، أما القسم الثالث : فهم من يطالب برفع الظلم عن الجنوب ويرى بعض قادتهم أن الإصلاح له ضلع في الظلم الذي وقع عليهم ولا يعلم أصحاب هذا الرأي أن الإصلاح له من اسمه نصيب فهو لا يرضى الظلم على أحد ولم يسكت على ما حصل لإخوتنا في المحافظات الجنوبية والشرقية بل تكلم ورفع صوته ووسائل إعلامه ومحاضرات علمائه وتصريحات قادته وممارساته في هذا المجال يدل على ذلك ، بالإضافة إلى ذلك أن الإصلاح نفسه تم إقصاؤه منذ العام 1994م ووقع على أفراده الظلم والتعسف كغيرهم من أفراد الشعب اليمني في المحافظات الشمالية والجنوبية والشرقية على حد سواء ، فهناك الكثير من كوادر الإصلاح وأفراده أخرجوا من وظائفهم واستبدلوا بفاسدين من حزب المخلوع علي صالح ، ومع ذلك صبر قادة الإصلاح وهدءوا قواعدهم حتى لا تحصل فتنة في البلد واستخدموا مع شركائهم النضال السلمي طريقا ، وعند ما بلغ الحوار إلى طريق مسدود ورأى الإصلاح وشركاؤه أن البلد يسير إلى الهاوية قرروا الثورة الشعبية المباركة للإطاحة بعلي صالح وتم ذلك بفضل الله وهم الآن يكملون بقية أهداف الثورة ، وسوف تسوى جميع المشاكل وسوف ترد المظالم إلى أهلها بإذن الله .

رابعا : ما يسمى بتنظيم القاعدة وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين ــ كما فصلت ذلك في مقال سابق بعنوان : أيها العقلاء لا تغركم فزاعة القاعدة ــ القسم الاول ينتمي إلى الخوف العائلي ( ما يسمى الأمن القومي ) أو مسير من قبل مخابرات عالمية وهذا الصنف هم العدو فالحذر منهم وهذا شغلهم وهو المتوقع منهم فهم العبيد الذين يخدمون أسيادهم وقد باعوا دينهم وأخلاقهم ووطنيتهم في سبيل دنيا غيرهم ، وهم الذين يرتبون للعمليات والانسحابات من المناطق ويستخدمون القسم الثاني وقت الحاجة .

القسم الثاني : شباب نياتهم صالحة ولكنهم أخطأوا الطريق في نشر الإسلام ويظنون أن التفجير والتدمير هما السبيل القويم لنشر الإسلام وللقضاء على الفساد وإنكار المنكر وهؤلاء لم يقرءوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتدرجه في الدعوة إلى الله ، وهجومهم على الإصلاح من باب أن الإصلاح لم يقم بفريضة الجهاد المتمثل في حمل السلاح وانه متواطئ مع الحكام ويسكت عن أعمالهم المخالفة لشرع الله ، ولا يعرف هؤلاء الشباب أن ما يقوم به الإصلاح من أعمال هو جهاد في سبيل الله ؛ حيث أن الجهاد أنواع متعددة تبدأ بالقلب وتنتهي بحمل السلاح في وجه العدو مرورا بالكلمة والقلم والتعليم والوعظ والإرشاد والتربية وكلمة حق عند سلطان جائر أو ظالم ، وقد مارسها الإصلاح جميعها بلاء استثناء حسب الظروف والإمكانيات وفقه الواقع .

هؤلاء هم الذين يشنون الحملة الشعواء على الإصلاح ويساعدون في بقاء نظام علي صالح بقصد أو بغير قصد ، ومع ذلك فإن الإصلاح يمد يده للحوار والتعاون مع الجميع لبناء يمن جديد خالي من الفساد والاستبداد والطائفية والعنصرية ولا يحمل قادة الإصلاح ولا أفراده الحقد أو البغض والضغينة أو الترصد لأحد ، وفي نفس الوقت يقف مع شركائه بالمرصاد لمن يريد تمزيق اليمن ويسعى لجر البلاد إلى أتون الفوضى والحرب ومن ثم سهولة التدخل الخارجي .

وفي الختام أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظ اليمن من كل سوء ومكروه وأن يجنبه الفتن ما ظهر منها وما بطن ، كما أسأله تبارك وتعالى أن يخزي من أراد باليمن شرا وان يجعل كيده في نحره ويجعل تدميره في تدبيره .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . 

    
في الإثنين 20 فبراير-شباط 2012 08:58:36 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=13906