أكذوبة الجمع بين الدعوة الدينية والعمل السياسي
رصين الرصين
رصين الرصين

نسمع كثيرا مقولات فارغة مثل: الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف.. وهذا لا يدل إلا على الجهل القاتل بحقيقة الدين الحنيف، ودعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.. فهم رجال دين، وحماة عقيدة.. وليسوا زعماء سياسيين ولا مصلحين اجتماعيين.. هدفهم الأول الذي من أجله بعثهم الله عز وجل في أقطار الدنيا منذ بدء الخليقة هو تعبيد البشرية لله عز وجل، ومحاربة الشركيات التي تلبست بها منذ نوح عليه السلام وحتى في أيامنا هذه لا يكاد يصدق المرء مدى شيوع الخرافات والشركيات في عصر السماوات المفتوحة؛ فإن لدينا ثلاث طوائف ما زالت تصر على الشرك الذي بعث لله الأنبياء لمحاربته، طائفتان منها مولعتان بعبادة الجثث والقبور وهم: الشيعة عباد آل البيت، والصوفية عباد أولياء الله الذين قد يكونون صالحين هذا شيء لا ننكره، لكن الذي ننكره هو أن يتخذوا أربابا من دون الله. والقسم الثالث هم الأشاعرة الذين أمثلهم طريقة يجيز الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناداته باسمه إلى روضته الشريفة، ويزعمون أنه حالة خاصة واستثناء دون سكان القبور؛ فهو صلى الله عليه وسلم يسمع ويجيب المنادي والمستعين والمستغيث.. وكل ما سبق كذب وخطأ بل شرك مخرج من الملة، علم ذلك من علم وجهله من جهل.. وإذا كان الإخوان المسلمون هم أصحاب هذا الشعار الخاطئ، وغير المقبول من الناحية الشرعية، فإننا نرى السلفية تسير في نفس الطريق، وترتكب نفس الأخطاء، وهذا ما سيجرها إلى تقديم التنازلات تلو التنازلات؛ حتى لا يغدو فرق بين إخوانجي يعتبر حسن البنا - رحمه الله - بمثابة مشرع، وسلفي يعتقد عن علم ويقين أن الإخوان في ضلال مبين.. وقد أثبتت الأيام أن أي حزب يقوم على آيديولوجيا فهو حزب فاشل، سواء كانت هذه الآيديولوجيا قومية أو فكرية أو حتى دينية.. بل من المؤكد أن أسوأ أنواع هذه الآيديولوجيات هو الدين.

ومنذ سنوات ظهر مصطلح (الإسلاميين) ليدل على الأحزاب التي ترتكز على قاعدة دينية، وأكبرها وأشهرها حزب الإخوان المسلمين، الذي مركزه الرئيسي الحرية والعدالة في مصر، ومن فروعه جبهة الإنقاذ في السودان، والنهضة في تونس، والتحرير في الجزائر، والإصلاح في اليمن.. ويندرج ضمن الإسلاميين أيضا الأحزاب الشيعية في العراق ولبنان واليمن.. وانضم إليهم مؤخرا السلفية.. وكل هؤلاء يجتمعون على هدف معلن واحد، وهو إقامة الدولة الإسلامية، وإن كانوا يختلفون في صفات هذه الدولة، وطريقة بنائها.. والذي لا يستوعبه هؤلاء هو الفارق الهائل والبون الشاسع بين الدين والسياسة، وهذا ما يمكن أن نلخصه في نقاط منها:

1- السياسة متغير ليس فيها قاعدة ثابتة، ولا صديق دائم، ولا عدو دائم.. في حين أن الدين عبارة عن ثوابت، لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وحتى الاجتهاد الطارئ لا يلغي الأصل الشرعي في العقيدة والفقه..

2- السياسة مجموعة من مصالح، في حين أن الدين منظومة من أرقى المبادئ والقيم والأخلاق..

3- الأصل في السياسة هو المساومة والمراوغة، واللف والدوران والكذب والنصب والاحتيال وبيع الذمم، إذا كان الهدف تحقيق مصلحة للشعب، في حين لا يجوز في الدين شيء من ذلك؛ لأي سبب أو هدف أو غاية..

4- السياسة تضطر السياسي للعمل وفق المبدأ الميكيافيلي \"الغاية تبرر الوسيلة\" وهذا ما لايجوز في الدين.. ويخطئ الإسلاميون كثيرا حين يظنون أنهم يمكنهم أن يمارسوا العمل السياسي بنجاح، دون أن يقدموا تنازلات على حساب الدين في الأصول فضلا عن الفروع، وفي العقائد فضلا عن المسائل الفقهية.. وخذ مثلا على ذلك أنني لكي ينجح حزبي السياسي بحاجة إلى جميع الأصوات.. في حين أن التوصيف الشرعي للمواطن اليهودي والشيعي والصوفي أنه كافر، وللزيدي والأشعري أنه ضال.. وإذا كان اليهودي كافرا أصليا، فليس كذلك المواطن الشيعي والصوفي، إلا إذا اعتقد أن أحدا سوى الله ينفع ويضر حينئذ يخرج من الملة.. وحتى لا يشمئز القارئ من هذه الكلمات، ويتهمنا بالتكفير، نضرب المثل التالي عن جدة عجوز تزور ضريح ولي صوفي، أو إمام شيعي فهي إذ تتمسح بجداره، وتدعوه، وتستعين به في قضاء حوائجها، وتستغيث به وتذبح وتنذر له، وتطوف بقبره لا تخلو من حالتين:

الأولى: أنها تعتقد أن الله قد أعطى هذه الجثة المتحللة المتعفنة قدرة على التعاطي والتعامل معها، تتمكن به من تنفيذ مطالبها، فهي قادرة على ذلك بقدرة الله؛ لأن الله قد جعل تلك الجثة وسيطا بينه وبين الجدة.. فهذه لم تخرج عن دائرة الإسلام، إلا أن ما تفعله شرك مخرج من الملة، فهي معذورة بجهلها حتى إشعار آخر..

الثانية: أنها تعتقد أن الله قد أشرك تلك الجثة في تدبير أمور الخلق، وتنفيس كربهم، وقضاء حوائجهم.. وأن تلك الجثة المتحللة المتعفنة شريكة لله في النفع والضر.. فهذه العجوز كافرة خارجة من الملة، ولو جاءت بحسنات أهل الأرض لا يقبلها الله؛ لأنه تبارك وتعالى أغنى الأغنياء عن الشرك.. ونقف هنا وليس لنا أن نحكم لها أو عليها بجنة أو نار، فهذا ما لا يجوز التورط فيه..

الآن الحزب السياسي بطبيعة الحال بحاجة إلى أصوات الناخبين؛ فسيضطر لمسخ العقيدة وتشويهها كما فعل القرضاوي ومن قبله الشعراوي والغزالي رحمهما الله،

بزعم أن الشيعة والصوفية إخواننا في الدين، وأنه لا فرق بيننا إلا في التفاصيل والفروع.. وهذا جهل وخيانة علمية معا.. فضلا أن نقول كالقرضاوي \"إخواننا اليهود والنصارى\" وهذا تفريط في عقيدة الولاء والبراء، وليسوا إخواننا إلا في الوطن، ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وفق مبدأ المواطنة، لا وفق قواعد الشريعة.. وليس من وصفهم بأنهم إخواننا إلا لغرض استرضائهم للتصويت لمرشحي حزبه، فمن أجل كسب الأصوات ميعت أصول العقيدة..

وخذ مثلا آخر من الفقه، وهو أن المرأة التي تكشف شيئا من بدنها سوى وجهها وكفيها (كما في الصلاة) ملعونة في الدنيا والآخرة، فيأتي الفقيه السياسي ليقول لها لا بأس، إن لم يكن بالقول - كما وصف طنطاوي - رحمه الله - الإعلامية منى الشاذلي وهي ترتدي بنطلونا يكاد يتقطع قائلا \"لا أنت امرأة فاضلة\" فبالتقرير

- إذ لا ينقضي العجب من كل رجل دين يرضى أن يظهر في فضائية تقدمه فيها مذيعة سافرة متبرجة، ويظن أن هذا سائغ بدعوى الضرورة، وما درى أنه فتن الناس والنساء بالذات في دينهن، فإذا نصحت امرأة محجبة أخرى سافرة فالجواب حاضر: هل أنت أعلم من فلان؟ ويصبح فلان المميع هو المثال للفقيه المتزن الوسطي، وهو أدرى الناس قبل غيره - أنه في ضلال مبين، هذا إذا كان يتصف بالعلم والفقه الشرعي.. وكل ما سبق وقع فيه الإخوان المسلمون بأقبح صورة؛ حتى وصل الأمر أن يجيزوا تزوير الانتخابات بفتوى شرعية، بدعوى الضرورات تبيح المحظورات.. وهكذا لوثوا الدين بفتاوى شاذة تسيء إليه، وتشوه صورته في الداخل، وسمعته في الخارج.. وأسوا ما تورطوا فيه هو الموقف الشرعي الصحيح من عمل المرأة ومشاركتها في الحياة العامة والعمل السياسي، فأباحوا لها ما لم يقل بحليته فقيه على مدى تاريخ الإسلام، كالزواج العرفي مثلا، ووضع العطر والبرفانات إذا أرادت الخروج، والاختلاط بالرجال من غير حدود ولا ضرورة، ويكفيك محاضرة عمرو خالد أو طارق السويدان لترى ذلك بنفسك.. ولك أن تضحك إذا علمت أن حسن الترابي مثلا أفتى بجواز أن ترقص

المرأة الديسكو في الأماكن العامة..

ولن نحتاج إلى شيء من ذلك إذا كان الحزب السياسي لا يقوم على آيديولوجيا عموما وأساس ديني خصوصا وإنما على برنامج انتخابي يتكون من بنود ونقاط وعناصر قابلة للتغير والأخذ والرد في قابل الأيام.. فلن يكون عندي مانع أن أستفيد من صوت الكافر والفاجر والفاسق والمتبرجة والسافرة والسكران.. لأن هذا كله في إطار

المصلحة السياسية بعيدا عن نقاء وطهارة الدين.. فالعمل السياسي لا يكون في المساجد، والدعوة لا تكون في دهاليز السياسة.. ولا يجوز المزج بين الاثنين، وإلا ضاع كلاهما، فتديين السياسة غير مقبول كما هو تسييس الدين.. وأبرز مثال على تديين السياسة، هو نظرية طاعة ولي الأمر، وتحريم الخروج على إمام المسلمين

وأمير المؤمنين.. فهذا طرح ديني في عمل سياسي.. ومثال تسييس الدين، هو ادعاء أن اليهودي اليمني يدخل الجنة كما يدخلها السلفي والزيدي والشيعي والصوفي والأشعري بلا فارق.. هذا وذاك خطأ.. فلا يمكن الجمع بينهما.. ومن ظن من الإسلاميين أنه يمكن الجمع بين العمل السياسي والدعوة الدينية دون تقديم تنازلات فهو واهم مخطئ..


في الجمعة 17 فبراير-شباط 2012 12:11:39 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=13830