انتصار الحكمة اليمانية على الثعلب الماكر المخادع
حسين علي بدران

لك الله يا شعب الإيمان والحكمة لقد ابتلاك الله بحاكم مكار مخادع مراوغ لم يشهد التاريخ لمكره وخبثه وروغانه مثيلا فاستغل طيبتك وحول اليمن إلى مزرعة خاصة يصول فيها ويجول وزرع فيها لنفسه ومقربيه أطيب أنواع الثمر وأحاط أسوارها بالشقاق والانقسام بين أبناء الوطن الواحد ، وقرب كل ذي سوء وأبعد خيار الأمة فآذى العباد وأكثر في الأرض الفساد ونهب الثروات واغتنى في عهده السفهاء وافتقر ذوو النفوس العزيزة فما أعظمك من شعب كيف صبرت عليه ؟ إنها فترة طويلة بلا شك ، إن حال هذا الشعب مع هذا المخادع لا يخفى على أحد ذي عقل سوي ، وبصيرة ثاقبة ، وقد كان المصلحون والعقلاء يعرفون ذلك جيدا وليس أمامهم إلا فقه الموازنات ، فكانوا يوازنون بين المصالح والمفاسد وكانت المصلحة الوطنية تقتضي الصبر وعدم الإقدام على مالا تحمد عقباه حيث أن مصلحة الدين والبلاد والعباد فوق كل اعتبار وكانت تلك الفترة تتطلب ذلك لأنهم كانوا يتعاملون مع رجل جاهل أحمق ، وكان خوفهم على البلد من أن يدخل في دوامة العنف والتشرذم إذا أقدموا على عمل من المحتمل أن يؤدي إلى ذلك ، وهذا عين الحكمة اليمانية ، فصبروا وكانت هذه نقطة ضعف لديهم ــ أي حرصهم على استقرار البلد ــ أمام علي صالح فاستغلها لمعرفته بإخلاصهم وحرصهم على البلد فأوغل في الفساد والعبث وأوصل البلاد إلى حافة الهاوية ، وعندما رأى هؤلاء المصلحون والعقلاء وأهل الرأي أن البلد يسير في نفق مظلم وأن فقه الموازنات يقتضي التحرك سريعا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قرروا الإمساك بيد هذا العابث واتخذوا في البداية طرقا سلمية للوصول إلى إنقاذ البلد فحاولوا عن طريق المناصحة والمكاشفة فلم تجد نفعا وحاولوا عن طريق الانتخابات والديمقراطية فتلاعب بها وحولها لصالحه فقرروا النضال السلمي ووضعوا الخطط التي تنجي البلد من هذا الماكر المخادع فكان يضع العقبات تلو العقبات حتى وصلوا معه إلى طريق مسدود ، وبلغ طغيان الرجل منتهاه عندما تدرج به أتباعه من كونه ولي من أولياء الله إلى ثالث رجل يغتال في المسجد بعد عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى سادس الخلفاء الراشدين بل أوصلوه إلى درجة النبوة ، بل ومن كثرة الخير الذي جاء على يديه والخطط الاقتصادية والتنمية التي أوصلت اليمن إلى الغنى وأنقذته من الفقر وأوصلته إلى مصاف الدول المجاورة شبهوه بنبي الله يوسف عليه السلام ، الذي وضع خطة اقتصادية ناجحة لمصر في عهده ، ولم يكتفوا بهذا بل وصفوه بصفات لا يوصف بها إلا الله تبارك وتعالى ، فاغتر الرجل وطغى .

وعند هذا الطغيان أصبحت قناعة تامة لدى الشعب بكافة أطيافه ومستوياته أن رحيل الرئيس ونظامه صار حتميا وان إصلاح هذا النظام صار من المستحيل فقرر الجميع المطالبة برحيله عبر ثورة شعبية سلمية وأعطوه الأمان من الملاحقة والمحاكمة ويكفيه ما نهب ؛ ولكن علي صالح غير موفق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الله لا يصلح عمل المفسدين وكذلك لا يهدي القوم الظالمين ، فعلي صالح مفسد وظالم فكيف يصلح الله عمله ويهديه سواء السبيل ؟

فلم يتنح ليكتب له الشرف في الدنيا والعز في الآخرة ؛ ولكن الحكمة اليمانية ممثلة في قيادة الثورة ــ من السياسيين وشباب الثورة على حد سواء ــ صبرت عليه طيلة عشرة أشهر واستخدمت الوسائل السياسية والثورية واستطاعت هذه القيادة بفضل الله أن ترفع عنه الغطاء الدولي والإقليمي بتحركاتها الموفقة السياسية والثورية على حد سواء وحشرته في زاوية ضيقة وألجأته أخيرا إلى التوقيع مكرها وهو كذوب مخادع وقطعوا عليه الانجرار إلى مربع العنف الذي حاول جر الثورة السلمية إليه مرات عديدة ففشل بفضل الله .

وأعرف أن البعض متألم ومتذمر من التوقيع على المبادرة بل وصل الأمر بالعض إلى نشر الدعايات المغرضة والتحركات المريبة والبلبلة بين صفوف الشباب وشن الهجوم الكاسح المشين على القيادات السياسية ووصفوها بالخيانة للثورة والثوار وأنها ــ أي القيادة السياسية ــ باعت دماء الشهداء والجرحى وأن غرضها كان الوصول إلى السلطة وعندما أعطيت جزءا منها رضت وباعت الشباب بثمن بخس وغير ذلك من الاتهامات الباطلة ، فهل هذا الكلام صحيح ؟

بلا شك أن الكلام غير صحيح فالتوقيع موفق إن شاء والحكمة اليمانية تقتضي ذلك بحيث تجنب البلاد تهور السفاح وأطفاله وحماقاتهم ، وأنا اعتبر هذا التوقيع بمثابة صلح الحديبية الذي تصوره بعض الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه انه مجحف لهم ولكن الرسول قال لهم :( لن يضيعني ربي ) والعقلاء السياسيون يرون أن مصلحة البلد تقتضي ذلك ، وقد أبلوا بلاء حسنا في سبيل الوصول إلى ما وصلوا إليه ، فإن وفى علي صالح فهو المطلوب وإن لم فسوف ينزع منه آخر غطاء دولي ويكون السياسيون والشباب في حل مما يقومون به فيما بعد ، ولذلك لا يردد تلك التهم وينشرها إلا إنسان ليس لديه أدنى بعد في السياسة الإقليمية فضلا عن الدولية أو أنه شخص مجند لدى الخوف العائلي ( ما يسمى الأمن القومي ) أو شخص مرتبط بجماعات طائفية أسقط في أيديها عندما أحسوا بانتصار الثورة وأن مشروعهم الطائفي التوسعي سوف يتحطم ويندثر على صخرة الثورة الشامخ .

ولا ألوم شبابا متألمين من التوقيع وهم ليسوا من تلك الأصناف وهم حريصون محبون لوطنهم ولكن حرصهم جعلهم يتذمرون ويستجيبون لتلك الأصوات النشاز ولو جزئيا فأقول لهم لديكم قيادات حريصة على البلد مثلكم تعرف ألاعيب علي صالح ومكره وخداعه ورأوا المصلحة في التوقيع في هذه المرحلة وهذا جهدهم واجتهادهم فلا تلوموهم بل كونوا عونا لهم في إكمال المشوار كل في مجاله ، ومن حرصهم على نجاح الثورة أنهم لم يرضوا بتخلية الساحات من شباب الثورة لعلمهم بخداع علي صالح وأن الساحات هي صمام الأمان لنجاح الثورة ، فابقوا على زخمكم الثوري حتى تتحقق مطالبكم ، فثورتكم أذهلت القريب والبعيد بسلميتها وثباتها وتنظيمها وصبرها وعدم الانجرار إلى مربع العنف ، وتعلمون كم هدد علي صالح بحرب أهلية وانقسام الوطن إلى أجزاء شتى فخيب الله ظنه ، واستخدم أوراقا عدة ابتداء من تنظيم القاعدة وانتهاء بورقة الحوثيين في الآونة الأخيرة ففشل ، وسوف يفشل بإذن الله مهما استخدم من أوراق ، وكلما مكر مكرا اكتوى به وكلما حفر حفرة وقع فيها فاستمروا أيها الثوار على نهجكم السلمي واعلموا ان التوقيع على المبادرة الخليجية هو الخطوة الأولى لتحقيق أهدافكم .

أما المرجفون أقول لهم موتوا بغيظكم فأعمالكم وأراجيفكم لن تنطلي على ذوي البصائر النيرة والعقول المفكرة ولن ينساق وراءكم إلا المخدوعين أمثالكم ، ففي اليمن رجال حريصون عليه فلا يقدمون إلا على خطوات مدروسة ولن يفرطوا في مصلحة البلاد والعباد وليس لهم مطمع حتى نظن بهم أنهم تواطئوا وباعوا فالتواطؤ والبيع أعمال من لا يفكر إلا في مصلحته الشخصية كعلي صالح واليماني والشامي والصوفي والجندي وسواهم من أزلام النظام الفاسد ، ومن المؤكد أن هؤلاء لا يريدون النجاح للمبادرة لأنها فطامهم وانتهاء لعهدهم الآسن المليء بالفساد ونهب المال العام والاستحواذ على سلطة الشعب المغتصبة منذ 33 عاما ، ولذلك سوف يضعون العراقيل لعدم التنفيذ وما أحداث تعز منا بعيد ؛ لأن علي صالح غير مستوعب ترك دار الرئاسة والخروج منها التي بناها طوبة طوبة له مدى حياته ولأبنائه من بعده ، ولكن الذي أزال الثلاثة زين وحسني والقذافي سوف يزيله بإذن الله فسنة الله ماضية .

أيها الثوار اثبتوا واصبروا ولا تنازعوا فتفشلوا ولا تلتفتوا إلى المرجفين المأجورين وأصحاب المصالح والمشاريع الضيقة والله معكم ولن يتركم أعمالكم والله يحفظكم ويرعاكم . 


في الأحد 04 ديسمبر-كانون الأول 2011 07:49:49 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=12638