صالح وحروبه المثيرة للسخرية
طه الضباب
طه الضباب

" قد يتمكن أحدهم من تمرير أهدافه بواسطة العنف، لكن وبكل تأكيد، لن يكون بمقدوره بأي ثمن إرغام الشعب على تحمل مآسي وويلات ذلك الصراع أو القبول بنتائجه، دون أن يكون عرضة للمساءلة والعقاب، مهما طال الوقت أوتأخر "..

----------

في السبعينات زار الكاتب الايطالي الشهير ألبيرتو مورافيا اليمن، وقال حينها عن الحدود بين الشطرين

( إنها الحدود الأشد إثارة للضحك في العالم، فكل شيء ينفذ من خلالها)..

اليوم عندما يحاول صالح وإعلامه إقناع السذج والبسطاء من الناس، بأن أطراف المثلث المكون من "علي محسن وأولاد الأحمر وحزب الإصلاح"، شركاؤه في الأمس، شركاء الثورة اليوم، هم من يقف وراء العنف في إطار الثورة الشبابية والشعبية، فإن الخلافات والصراعات التي أفرزتها الثورة بينهما، تبدو الأشد إثارة للسخرية في العالم ، فكل شيء ينفذ من خلالها، وكل حديث حولها يمكن أن يجد له من الصحة ونقيضها مجال ..

ولا يعني ذلك بأن صالح، أو أن أحدا من شركائه أو خصومه لم يستوعب بعد، بأنها ثورة وهـبـّة شعب بأكمله في جنوب وشمال وشرق البلاد وغربها، هدفها الخلاص منه ومن نظامه الفاسد، وتصحيح مسارات متعددة للجمهورية والوحدة والأوضاع السياسية والمعيشية المتردية طوال أكثر من ثلاثة عقود.

ولكنه بمحاولة تصويرها على ذلك النحو- من جانبه على الأقل ، والذهاب بعيدا في المماطلة، وافتعال الحدود والحواجز والمتارس في أحياء وشوارع العاصمة والمحافظات ، وتفجير الخصومات والمواجهات العسكرية المسلحة، والتركيز الإعلامي المدروس ضد ذلك المثلث دون غيره، إنما يفصح عن منتهى رغـبـته في أن يتمكن من إستغفال وابتزاز قناعة الشعب للمرة الألف، والوصول إلى إنهاك وتحيـيـد الشباب والحراك وكل مكونات وأطياف الثورة والعمل السياسي الأخرى، بما فيها الوصول إلى تدجين حزب الإصلاح نفسه، كما فعل مرارا وفي مراحل سابقة متعددة، مقابل تدعيم وتقوية قادة أطراف تلك الشراكة نفسها، والمساهمة بطريقة مباشرة وغير مباشرة في منحها شرعية الثورة الشبابية، على حساب كل المكونات الثورية الأخرى.

والسؤال البديهي الذي يتبادر إلى الذهن، حول ما هي مصلحة صالح في تقوية فصيل من خصومه المفترضين ؟؟

وفهم الإجابة لا يتأتي بمعزل عن الإلمام بتركيبة تحالفات نظام صالح المدعومة جميعها من حلفائه الإقليميين في السعودية والخليج بالأمس، التي هي نفسها تركيبة مثلث الشراكة أعلاه المنخرطة اليوم في الثورة، بأعمدتها الثلاثة - القبيلة ممثلة بــ" آل الأحمر" ، و التيار الديني " الإصلاح"، والتيار العسكري" علي محسن "، حتى مع إهمال المؤشرات على استمرار الدعم السعودي المباشر لهذا المثلث خلال الثورة ، وخلال الحروب الستة في صعدة وما قبلها.

وبمعرفة الضغوط التي يتعرض لها صالح، سواء من أنصار الثورة ، أومن حلفاء الجوار المطالبة بضمان بقاء مصالحها في اليمن، وضغوط وعهود القبيلة والمبدأ القبلي " الكل في واحد ".. سندرك لماذا يجد صالح نفسه مرغما على تقوية والدفع بأطراف تلك الشراكة بمفردها إلى الواجهة من جديد، عبر ما ذكرنا من الإجراءات على الأرض والفبركات في الإعلام ؟؟

وهدفه ببساطة، ليس أكثر من جعلها ـ أي تلك الشراكة ـ الوحيدة القادرة والمهيأة لامتصاص مطالب الثورة عبر كل المقتضيات التي تلوح في الأفق كالحوار أو بالمبادرات، لضمان مصالح حلفاء الجوار وضمان مصالح القبيلة.. والأهم - في أسواء الحالات – تمكينها من عوامل القوة والتأثـير التي تجعلها قادرة على منحه وأولاده ورموز حكمه الضمانات اللازمة، بما فيها القدرة على حمايته من التعسف ودوافع الإنتقام المحتملة في حال تخليه كليّة عن السلطة..

أي بمعنى وتقريب عاطفي آخر، فإن وجهة نظر صالح البعيدة ترى- بأن من مصلحته الدفع بأطراف ذلك المثلث، كونها ستكون الأرحم عليه وعلى أسرته، بالمقارنة بغيرها من الخصوم الآخرين ضمن مكونات الثورة، لعدة اعتبارات من بينها استحالة تنكر أولاد الأحمر وعلي محسن وقيادات الإصلاح لقدم الشراكة، أوالقرابة الأسرية وغيرها , من ناحية – ومن ناحية أخرى مقدار وطبيعة الخصومة والعدواة التاريخية التي تكنها المكونات الثورية الأخرى لصالح، وارتفاع سقف مطالبها فيما لو نجحت بدونهم، والتي لن تكتفي- تبعا لذلك - بتـنحيه عن السلطة ، بل والسعي لمحاكمته وأولاده ورموز نظامه، وحل حزبه الحاكم المؤتمر.

طريقة صالح في التسليم

ذاك إذا هو هدف صالح، وأوضح الأدلة على قناعته ومن معه بقرب وحتمية رحيلهم وتسليم السلطة ، وجزء خبيث من معالجته الأخيرة للعقدة الممثلة بكيفية الرحيل، تلك العقدة التي كانت سببا في إطالة عمر الثورة الشبابية، من وجهة نظر هذا الإفتراض أو القول ،، وبغض النظرعن النوايا الحقيقية لأولاد الأحمر وعلي محسن من الثورة الشبابية، ومدى جديتهم في إنجاحها، وجدية تصريحاتهم حول زهدهم في السلطة، واستعدادهم للرحيل، في أكثر من مناسبة. حيث ينبغي عليهم تفويت الفرصة على محاولات جرهم إلى مربع العنف، وإثبات ثوريتهم ونبل أهدافهم بالتمسك بسلمية الثورة، ورفض العنف ما أمكن.

وعلى افتراض أن الخاسر الوحيد في النهاية هو من يتجاهل الثورة اليوم ، مهما كانت أسبابها المتراكمة من الأمس. ذلك أن الثورة قرار أخير ونهائي لاستئصال الداء، وليست طورا من أطوار البحث والاستقصاء في تلك الأسباب التي كانوا بجهلهم ، أو بصمتهم وبتجاهلهم شركاء في استفحالها.

وعلى اعتبار أن بمقدور الجميع أن يكونوا اليوم جزءا من الثورة (كعلاج) والإنتصار لها، حيث يستحيل على البعض البقاء - ولو بالصمت - في صف الداء، دون أن يكونوا جزءا منه ، ولا يعني - جزء منه - بأنهم سيكونون بالضرورة عرضة للإستئصال بمشارط الثورة ، بل لأنه يستحيل عليهم وعلى ضمائرهم غدا، إعتبار أنفسهم خلايا حية نابضة في جسد وطن جديد، كان ينزف ويتألم ويتعافى وهم يتفرجون بصمت ..

ومع عدم إغفال حقيقة " أن أحدا قد يتمكن من تمرير أهدافه بواسطة العنف، لكن وبكل تأكيد، لن يكون بمقدوره بأي ثمن إرغام شعب بأكمله على تحمل مآسي وويلات ذلك الصراع أو القبول بنتائجه، دون أن يكون عرضة للمساءلة والعقاب، مهما طال الوقت ".

كيفية الرحيل

كنا نتمنى أن يدرك صالح ولو مؤخرا، بأن بديهيات السياسة التي يدعو لتعلمها، ويتعامل بنقيضها، تحتم عليه التعاطي بسلمية مع سلمية الثورة، وبموضوعية مع موضوعية جميع مكونات الثورة الشبابية والشعبية السلمية في جميع الساحات وخارجها، وإدراك أن كل المكونات السياسية وقوى الثورة، وكل أفراد وفئات الشعب اليوم جبهة واحدة وأمينة ممتدة في كل الجغرافيا والتاريخ اليمني، حتى لا يتعب في البحث عن الأيادي المخلـّصة في رؤوس وأشلاء الأطفال وأجساد ودماء الأبرياء من اليمنيين، وحتى لا يتعب من البحث عن كيفية وأمكنة الرحيل في أحياء الحصبة والدائري وهائل، أو في قرى أرحب ونهم ، أو في تلال وشوارع تعز وأبين ، أو غيرها ممن لم يتبين بعد.

هل تناسى صالح ؟؟ 

فهل تناسى صالح بأن كيفية الرحيل التي يبحث عنها اليوم، صنيعـته القديمة، وخبرته المتجددة، وما أكثر من رحلتهم سياساته الغبية، ونظامه الأبله وآلته العسكرية الحقيرة، فلما لا يختار لنفسه ولمن معه كيفية ووجهة تليق بضالته - حتى تجد الحياة طريقها إلى كل اليمن وإلى كل اليمنيين ؟؟ أم أنه يريد أن يشقيهم حتى في البحث عن طريقة يواري بها سوآته؟؟.


في الثلاثاء 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 10:17:33 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=12450