خياركم قبل الثورة خياركم بعدها..!!
حسين السقاف
حسين السقاف

لإعجابي ببعض الصفات التي تميَّز بها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن بقية الحكام العرب؛ يتملكني شعورٌ بأن السيد الرئيس في فبراير الماضي قد غادرته شياطينه الثلاثة إلى ساحة التغيير مما يمنحني الأمل بأن الفراغ الذي تُرك في قلب الرئيس بعد غيابها سيحله المواطن بعد ان كان مغيباً من أمد بعيد ، كما ان الأموال الضخمة التي كانت تستأثر بها تلك الشياطين لتضخيم رصيدها في الخارج سيتحول مجراها لإزاحة حياة المواطن إلى الأحسن برفع مستواه من تحت خط الفقر إلى أعلاه. غير أنه ينغص علىَّ اعتقادي هذا بعضُ الأحداث التي مرت وتمر بها اليمن بسبب أفعال تلك الشياطين والرئيس سواسيةً لتحوِّل هذه الأحداث اعتقادي إلى مجرد أضغاث أحلام و ليسيطر عليَّ اعتقادٌ آخر بأن تلك المغادرة ما هي إلا تكتيكية ومرحلية وأن كل ما يُهدف من الهبوط الاضطراري لتلك الشياطين في ساحات التغيير هو فقط لتشويه الثورة الشبابية لغرض الالتفاف عليها وإفراغها من وهجها وشعبيتها لتتمكن في الأخير هذه الشياطين من العودة إلى دورها السابق في العض على الحكم والحاكم والمحكومين بالنواجذ للاستمرار في نهب خيرات اليمن والعمل على استمرار تخلفه عن ركب الشعوب المجاورة ، فهي تقوم اليوم بدور الجرثومة التي تتكبسل ضد المضادات الحيوية للحفاظ على وجودها في الجسم اليمني الذي فاقمت عِلته وأذهبت سعادته وفتت في نسيج وحدته.

تجدني أوجز المنغصات لتلك الأحلام الوردية في التالي:

1- لا يعتمد الرئيس مطلقا على حزبه "المؤتمر الشعبي العام" وكأن ذلك الحزب فقط وجد ليقال بأنه الحزب الحاكم في حين يثق الرئيس كثيراً - رغبةً أو رهبة - في تلك الشياطين كما ان حزب الإصلاح الآمرُ النَاهي في البلد -من خلف الكواليس- قد اُنشئ بحسب أوامر الرئيس للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.. كما جاء في مذكرات الشيخ المنشورة والذي كان يفترض أن يكون ذلك الشيخ رأس المعارضة ويفترض أن يعطى صوته في الانتخابات الرئاسية الماضية لمرشح حزبه "فيصل بن شملان" غير انه أعطاه للرئيس علي عبد الله صالح. ومنحه الرئيس مقابل ذلك رئاسة البرلمان .

 2- الأفراد والمؤسسات الذين أخلصوا للرئيس والذين قدموا مشاريع وطنية تعارض السياسة التي يفرضها حزب الإصلاح على البلد تتم معاقبتهم من قبل قيادات الإصلاح عن طريق الأجهزة الرسمية.

 3- كثير من مرشحي المؤتمر الشعبي العام لمجلس النواب يخوض بهم حزبهم الانتخابات فقط من أجل إنجاح مرشحي حزب الإصلاح وهذا الأمر قد أثبت بالإحصائيات في ثلاث حلقات باسم (في اليمن من هو الحزب الحاكم؟) ـ سبق و أن نشرتها ـ ومازالت موجودة على موقع مأرب برس وغيرها.

 4- لقد سُلم الشأن الفكري والثقافي والعقائدي المذهبي في عدد من المحافظات الجنوبية وعلى رأسها حضرموت وعدن للجماعات المتطرفة من حزب الإصلاح.

 5- القوى الوظيفية التابعة أسمياً لحزب المؤتمر الشعبي تكتشف انه يجب عليها تحقيق رغبات حزب الإصلاح بدلا من المؤتمر الذي لا يملك لها ضرا ولا نفعاً.بعد ان يتركها فريسة لهم..

 6- أياً كان الموقف من الحاكم فمن الناحية الشرعية والوطنية يجب اعتبار الحاكم بمثابة الأب مما يلزم عدم الإساءة إلية إلا بالحق وفي أطار الآداب العامة وعلى أن يكون ذلك في داخل الوطن لا خارجه غير ان حميد الأحمر في قناة الجزيرة بدا مفرطا في استخدامه لألفاظ غير حميدة وغير مسئولة تنال من الرئيس شخصياً ولم يحرك الرئيس لها ساكنا حتى يذهب بك الظن إلى إن الأمر متفقٌ عليه وان ذلك ليس إلا من باب المبالغة في تأدية الدور ولعل ذات الأمر ينطبق على ما تقوم به قناة سهيل في حين أنه إذا ما نال شخصٌ أخر من الرئيس تتم محاكمته.

 7- هناك تآمر واضح كشفت عنه الأيام من قبل الأحمرين وذو اللحية الحمراء على إفشال المرشح الرئاسي "فيصل بن شملان" مقابل إنجاح الرئيس وتمت بموجبه صفقة يحوز بها الاصطلاحيون مقاعد أوفر في المجالس المحلية في المحافظات الجنوبية.

 8- هناك أتفاق واضح بين الأطراف الثلاثة والرئيس على تبادل الأدوار في إشعال ستة حروب في صعدة فالحرب لدى هذه النخبة هي أفضل استثماراتهم الداخلية التي لا يعيشون إلا باستمرارها ، لذلك فان هناك أدلة لا تدع مجالا للشك تُثبت بأنه تم بيع كميا ت كبيرة من الأسلحة للمقاتلين الحوثيين في صعدة من عدد ستة معسكرات في الجمهورية غالبيتها في الجنوب، ناهيك عن باخرة الأسلحة التي بيعت لهم والوافدة من الخارج عن طريق قنوات وزارة الدفاع اليمنية ليصل تبادل الأدوار مداه حين قام الأحمران وذو اللحية الحمراء بتخوين الرئيس على إيقافه لتلك الحرب في مؤتمر السلم والتضامن الذي عقده التحالف الثلاثي النخبوي بهذا الشأن .بل أن الشعب اليمني يُجمِع على عبثية حروب صعدة الظالمة التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء ناهيك عن الخسائر الفادحة التي تكبدها الاقتصاد اليمني. وليس ثمة تبرير لهذه الحرب إلا أن تكون نخبنا قد قاولت من الباطن في جعل صعدة أولى وأهم البؤر اليمنية لحرب سنية شيعية واسعة النطاق تحضِّرنا لها أمريكا لتأكل من خلالها - مجدداً - الثوم بأفواهنا تماما كما حصل من بريطانيا في "سايكس بيكو" ولعل ذلك من أهم أسباب محافظة الولايات المتحدة على الوضع الذي ذكرته في أخر المقال . كما ان الثراء البالغ الفحش الذي حازه المتعاملون مع هذه الحرب ؛ هو دليل أخر على مصداقية ذلك. 

 9- إلى وقت قريب جداً كانت مصادر الفتوى في حزب الإصلاح تحرم التظاهر ضد الدولة في فعاليات الحراك الجنوبي في حين لم تفعل ذلك حتى جهات الفتوى الرسمية . كما ان الرئيس والنخب التقليدية النافذة لم تحرك ساكنا تجاه فتوى تكفير الجنوبيين التي أصدرها وزير العدل السابق القيادي في حزب الإصلاح "الديلمي" والتي أذاعها التلفزيون اليمني ونشرتها صحيفة الوثيقة في عددها الصادر بتاريخ 15 أغسطس 1995 وانتقدها جملة من علماء المسلمين على رأسهم د/ محمد سعيد طنطاوي وفضيلة الشيخ الغزالي و د/ سليم العواء الذي قال بأن هذه الفتوى أفقدتنا الثقة في السلطة اليمنية وفي رجال الدين التابعين لها.

 10- لقد عمل حزب الإصلاح على مضايقة شباب التغيير من غير المنتمين إليه الذين سبقوه إلى تلك الساحات لغرض استفراده بالساحات بصورة إقصائية فجة .

 11- في اليمن تكاد تكون كل المؤسسات اليوم معطلة يستثني من ذلك وزارة المالية التي تمد طرفي الحرب برواتبهم وعلاواتهم وحوافزهم وأثمان العمليات القتالية إضافة إلى البنك المركزي الذي تتدفق منه الأموال للفريقين المتصارعين ، ناهيك عن الأموال الهائلة التي تأتي من الخارج. وقد أتت كل تلك الإنفاقات على مخصصات النفقات الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة مما عطل جميع مشاريع التنمية في البلد وأتى ذلك أيضاً على المنح الخارجية المخصصة لصندوق إعمار ما خربته السيول في محافظتي حضرموت والمهرة.

 12- مازالت موارد المغانم النفطية والسمكية تتدفق من حضرموت إلى أرصدة الفريقين المتصارعين ومازالت سبعون ناقلة نفط تابعة لنجل الرئيس "أحمد" وأخرى لقائد الفرقة الأولى مدرع تقوم جميعها بمهمة نقل النفط إلى ميناء الضبة شرق مدينة المكلا دون معوقات ، رغم ان منطقة حضرموت العسكرية يتبع ولاؤها ـ كما هو معلن ـ لقائد الفرقة الأولى مدرع.

 13- الوضع الصحي الذي بدا عليه السيد الرئيس في ظهوره الأول بعد حادثة مسجد النهدين يتناقض تماما مع الظهور الذي عقبه بثلاثة أيام لقد بدا الرئيس في الأول أشبه بجسم ميت تستغرب حتى انه يتكلم ، في حين بدت أطرافه في الظهور الثاني تتمتع بحركة حرة كما أنه لا يمكن لإنسان خلال أقل من سنة بل سنوات أن يتحرر من ندبات وبقع الحريق خصوصاً التي يقع منها على الوجه ، إذ لا يمكنه حلاقة ذقنه كما إن القفازات التي مازالت علي يدي الرئيس لم يعد لوجودها مبرر خاصة وأنه يحركها بكافة الاتجاهات ويؤشر ويحمل القلم بها ، إن كان ثمة حريق تحتها فإنها ستضاعف مشكلته ، كما إن الأذنين هي أقرب إلى شعر الرأس في تأثرها بالحريق . ومما يضاف إلى ذلك أنه لم يتم الإعلان عن الجناة الذين تسببوا في الحادث الذي حصل في المكان والزمان اللذين جعلا اليمنيين يشتاطون غضبا على الجناة ويكونون أكثر تعاطفا مع رئيسهم وحرمة قصر حكمهم.

 14- الرغبة الملحة للحرس القديم في حزب الإصلاح بأن يلعبوا اللعبة السياسية الراهنة دون الشباب وكأن في الأمر أسرار لا يرغبوا في اطلاع الشباب عليها . ولعله بعد فوز الأخت المناضلة توكل كرمان بجائزة نوبل تمت تنحية الكثير من القيادات الشابة أما في حضرموت فقد اختفى دور الكثير منهم من أمثال الدكتور بافضل والمهندس محسن با صرة في حين لمعت شخصية مثيرة للجدل من قبل الحضارمة وبسرعة دراماتيكية حصدت هذه الشخصية رئاسة العديد من الفعاليات على مستوى المحافظة على رأسها المجلس الثوري رغم اعتراض الفعاليات القبلية في البيان الذي نشرته بشان ذلك ، ناهيك عن اعتراض الكتَّاب والمثقفين على ذلك الشخص الذي يستمد قوته من قيادة المنطقة العسكرية في حضرموت و المحسوبة على قائد الفرقة أولى مدرع. كما ان توكل كرمان التي رجحت كِّفة الشباب في ساحات التغيير تم مؤخراً تجميدها في الشتاء الأمريكي إيذاناً بتنفيذ سيناريو العودة إلى وضع ما قبل الثورة مع تعيين وزارة شابة غير أنها لن تختلف عن سابقاتها من الوزارات اليمنية من كونها خاتما أو في أحسن الأحوال ساعة في أيدي الشيوخ.

 15- لو ثمة وحدة عسكرية متجانسة - وان صغرت - ترغب في إزاحة نظام الحكم بصدق لأمكنها ذلك بكل سهولة ويسر خلال الثلاثة أشهر التي غابها الرئيس وكبار قيادة حكومته ، خاصة وأن الأوضاع الداخلية والخارجية مواتية وفي قمة نضوجها و جاهزيتها لذلك.

 16- بدا الرئيس في كلمته و ظهوره الأخير أمام قيادات حزبه أكثر ثقة من أي وقت مضى ولعله تسلم تطمينات إقليمية ودولية أوأو لعله تسلمها من النخب التي فرضت نفسها على الثوار تأكد له نجاح اللعبة ، ولعله قد شفع لهُ رصيده المتميز في خدمة الولايات المتحدة بشان تحريك ملفات الإرهاب. خاصة وأنه يتوقع بأن يكون للقاعدة دور كبير في جنوب اليمن لتكون فرعاً أو بديلاً عن "تورابورا". و وجود قرابة مليون لاجئ صومالي في اليمن أكبر معين على ذلك.

 إزاء كل ما تقدم فأنني أتوقع أن يصعد جميع "الأعدقاء" من النخب التقليدية على المسرح السياسي اليمني منحنين للمخرج - وليس للجمهور- مُبدين رؤؤسهم المتصحرة من شعرها ومشاعرها ولحاهم المسبلة المخضبة هذه المرة - بدلاً عن الحناء - بدماء شهداء الثورة ، ولتتم التسوية في نهاية المطاف بمبدأ (خياركم قبل الثورة خياركم بعدها)..!!


في الأحد 30 أكتوبر-تشرين الأول 2011 08:10:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=12140