صنعاء عاصمة البارود!!!
د. عبد الملك الضرعي
د. عبد الملك الضرعي

صنعاء لم تعد صنعاء التي كانت منذ أشهر ، صنعاء اليوم تلاشى فيها النظام والقانون ، صنعاء أصبح حمل السلاح وإطلاق النار وتجوال المسلحين صفة سائدة فيها ، من يتابع أحوال صنعاء يدرك أن مفهوم الدولة لم يعد موجود إلاَّ شكلياً ، فإن ذهبت إلى أي مؤسسة حكومية وجدتها شبه متوقفة ، والغريب أن ذلك الوضع المشلول لأجهزة الدولة لايهم بقايا السلطة ، فلديهم أهم شيء أن يستمروا في الحكم ولو لأيام أو ساعات، بل أن بعض متنفذي السلطة يفضلون أن تستمر الأوضاع كما هي عليه الآن ، لأن فرصهم لنهب المال العام والخاص إتسعت حتى أصبح بعضهم مليونيرات خلال أشهر فقط بعد أن كانوا في أدنى سلم الفقر.

لقد شهدت الأشهر الماضية تصاعد الخوف لدى الأسرة الحاكمة من سقوط السلطة ، لذلك رصدت مليارات الريالات للتصدي لقوى المعارضة بصور مختلفة منها الإعلامي ومنها السياسي ، ولكن أخطرها تمثل بتجنيد صغار السن والمراهقين في شكل مليشيات يقودها بعض المتعهدين من نافذي المؤتمر الشعبي العام بحجة حماية الشرعية الدستورية ، والخطير في الأمرأنه يسلم لأولئك المتعهدين ملايين الريالات وكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ولكن ما يذهب منها لجيوب أولئك المراهقين الآف الريالات فقط ، وكميات محدودة من الذخائر والأسلحة الشخصية ، بينما يستحوذ أولئك النافذين على ملايين الريالات وكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر يتم تحويلها لحسابهم الشخصي ، بل ويتم استخدام تلك المليشالإبراز النفوذ والهيمنة داخل الأحياء من خلال بعض التصرفات الرعناء مثل إطلاق النار العشوائي بمناسبة وبدون مناسبة ، وفرض الهيمنة على الجيران بقوة السلاح ، يجري كل ذلك في عاصمة الدولة وفي مجتمع مدني غير مسلح يفترض أن يحكمه النظام والقانون ، ولكن للأسف غياب الدولة بأجهزتها الأمنية يجعل مثل هؤلاء يديرون الحياة بطريقتهم الخاصة.

لقد أصبح مألوفاً لدى سكان أمانة العاصمة وخاصة شمالها سماع حركة الطيران الحربي ودوي إلإنفجارات والقصف في أرحب ونهم ليلاً ونهار ، ولكن ومما يؤسف له أن القضية لاتنتهي عند ذلك الحد ، بل أن مسلسل الرعب الناري لايتوقف ، فإذا كنت قريباً من نقطة عسكرية فعليك أن تستعد لسماع الطلقات النارية في أي وقت من الليل والنهار ، وإن سَئلت ماهو السبب سيقال لك أن سيارة تجاوزت نقطة التفتيش فتم تنيه السائق بإطلاق الرصاص للتحذير، وبالتالي على السكان أن يدفعوا ثمن مجاورتهم لتلك النقطة ، وإذا اقتربت أكثر من هذه النقاط العسكرية ستجد أن من يطلقون النار هم غالباً من المستجدين المراهقين أعمارهم دون العشرين سنة ، وعليك أن تتخيل تصرفاتهم في غياب مؤسسات الدولة،واستمراراً لمسلسل الرعب إن كان بجوارك عرس لأحد المتنفذين ، فعليك أن تغادرالحارة حتى ينتهي العرس ، لأن حارتك ستتحول إلى ساحة ضرب نار من قبل أسرة ذلك المتنفذ وزواره وبعض المراهقين الذين صرفت لهم ذخائر وأسلحة خلال الأشهر الماضية تحت مبرر حراسة الأحياء وإحتفاليات ظهورالرئيس ومناسبات أخرى!!!

من المؤسف أن تغيب سلطات الدولة الأمنية بشكل كلي عن أحياء أمانة العاصمة في مواجهة هذه الظاهرة المقيتة ، وللأسف أن صنعاء أصبحت حتى أسوأ من قرية ، لأن العرف في القرى أن يتم الخروج إلى أماكن خاصة لإطلاق النار، أما في صنعاء المكتضة بالسُّكان فالأمر يختلف ، فلكل نافذ ومليشياته أن يقف منتصف شارع عام ويطلق مئات الطلقات النارية ولا يوجد من ينهاه أو يمنعه ، عاصمة أصبح سلوك الفتوة والعصابات والمليشيا سائداً فيها.

 قبل أشهر كان يتم القبض على من يطلق حتى العاب نارية وحبسه وتغريمه عشرات الألاف بحجة أن تلك الإجراءات تنص عليها لوائح وزارة الداخلية ، ومن العجيب أن وزارة الداخلية لازالت موجودة لم تختفي ، ومع ذلك غابت لوائحها حتى عن الأحياء المجاورة لها ، ومن المؤسف أن غالبية من يقومون بتلك الأعمال هم أعضاء وقيادات في الحزب الحاكم ، بل من الغريب أنك قد تجد في حفلات بعض النافذين المدنيين تلك المخالفات بمشاركة قوات بزي عسكري ، وعلى القارئ الكريم أن يفسر ذلك المشهد الذي يمكن أن يتكرر في أكثر من مكان داخل أمانة العاصمة .

اخيراً نقولها بصراحة هل يستحق هؤلاء حكم بلد بحجم اليمن ، هؤلاء يصنفوا كعقال حارات لاحكام دول ، لذا ندعوهم إلى إعلان فشلهم في إدارة الدولة ، وإعادة السلطة إلى الشعب ، والشعب هو الوحيد الذي يحق له تقرير مصيره بدولة مدنية يحكمها النظام والقانون ، لاقرية يحكمها العرف والوجاهة ، إن تلك الممارسات المخلة بالنظام والقانون والحياة المدنية ومن قيادات معروفة في الحزب الحاكم ، تؤكد على تحول الحزب الحاكم من حزب دولة إلى مجموعة من المتنفذين تحكم بالقوة والإكراه لشعب خرج الملايين من أبناؤه رفضاً للإستبداد وبحثاً عن يمن جديد يحتكم أبناؤه للنظام والقانون ويقر فيه مبدأ المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في الثروة والقوة والسلطة .

aldurae@gmail.com 


في الإثنين 19 سبتمبر-أيلول 2011 11:03:49 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=11637