اليمن وليبيا بين السلمية والمقاومة
جمال محمد الدويري
جمال محمد الدويري

تكاد تكون التركيبة القبلية متشابهة بين النظام الاجتماعي اليمني والنظام الاجتماعي الليبي غير انها تتمايز من حيث الوعي الشعبي العام حيث يتميز النظام الاجتماعي الليبي بوعي جمعي نوعا ما وأن خرج بعضه مؤيدا للقذافي كمضاد للثورة فيعود الى استخدام القوة المادية من قبل النظام في الدفع بمسانديه الى التظاهرات العامة عبر اللجان الثورية التى تمارس دورا اجتماعيا في الدفع بالناس بالإكراه الى تأييد النظام القذافي بينما الشعب اليمني الأصلي يعاني من محسوبيات قبلية زرعها النظام السياسي خلال فترة حكمه ومزق المشيخيات القبلية بين حاشد وبعضها وبكيل وحاشد وقبائل الشمال وتعز حيث كانت تنضوي المشيخيات تحت زعامة الشيخ عبد الله الاحمر الذي استطاع ان يتعامل مع المشايخ بحكمة وذكاء على مستوى اليمن الشمالي باستثناء بعض المشيخيات الاخرى وبنفس اللعبة مارس الرئيس علي صالح دوره في تشتيت القبيلة وربط المشيخيات مباشرة مع رئاسة الجمهورية وهذا ما تفطن له الشيخ عبد الله الاحمر في النهاية وبعد ان تأسد النظام السياسي قبليا وقد حمل عبء المشيخيات اولاده من بعده وترك القبلية ممزقة بين مؤيدة للنظام ومؤيدة لابناء الاحمر غير ان النظام العسكري والحزبي زاد من قوة الثورة مما يعني عالج الخلل بين النظام المشيخي والنظام العسكري بين النظام السياسي والقوى الثورية ، وقد استطاع على صالح ان يدير القبيلة بالعطاء والمال والسخاء المدعوم من دول اقليمية وعبر المشيخيات المرتزفة خارجيا, غير ان الشرفاء من المشيخيات حددوا نهجهم في الدفاع عن الثورة والبعض التزم الحياد غير الغالبية اتجهوا نحو التأييد الثوري, بالإضافة الى تنامي الوعي الفردي نسبيا القبيلة في ليبيا همشت كثيرا لصالح اللجان الثورية بينما تنامت القبيلة في اليمن لخدمة النظام السياسي, وبعض دول الجوار وهي أزمة اجتماعية ما زالت تشكل خطرا كبيرا على الثورة نتيجة للحساسيات بين المشيخيات وبعضهم وغياب الوطنية والخوف من زوال سلطانهم بدولة المدنية الجديدة او دولة القانون لا سيما ان المشيخيات اليمنية لا تصنع المواطن الصالح الواعي بقدر ما تجسد الطوطم والتابعية المطلقة لرعاياها وتجهيلهم حتى تسهل القيادة لهم.

اما من ناحية التركيبة العسكرية فقد صنع العسكر جواسيس لبعضهم بعضا وتراجعت القيادات الوطنية لصالح القيادات العراقية البعثية كما ان المناصب العسكرية تخضع للقرابة والولاء المطلق لشخصية الرئيس مما اربك الدور الحقيقي لهم ويتم اختيار المؤسسات الامنية والعسكرية على غرار الطريقة الاسبانية وهي الطريقة الاستتباعية والولاء المطلق بنفس اخيتار الشيخ لاتباعه ومرافقيه.

وهذا ما جعلها منشقة بين الولاء الشخصي والولاء الوطني وقد كان لعلي محسن دورا كبيرا في التأثير على بعض القيادات الوطنية نحو دعم مسار الثورة وهي اشكالية لا زالت تحمل عددا من علامات الاستفهام لاسيما ارتباط المؤسسات العسكرية بالقبلية والوظيفة مما يعني لها دورا اضافيا في التأثير على توجهات بعض الوجهات القبلية وهي اشكالية مركبة كتركيبة القبيلة لاسيما بعد انحسار الالتزام القانوني للجيش الجنوبي وتصفيته تحت مظلة الشرعية الدستورية المزعومة. وقد استطاع ان يقضي على التوازن العسكري في المناصب العسكرية لصالح نظام صالح على حساب ابناء الجنوب. بينما يعتمد الجيش الليبي على المرتزقة من الأفارقة واللجان الثورية مع أن حجم هذه المؤسسات اقل بكثير من حجم المؤسسات العسكرية اليمنية التى تمثل ضمان اجتماعي لأفراد القبيلة في صنعاء وما حولها.

ومن ناحية التدخلات الاقليمية فالغالب للوضع الليبي ان القوى العربية والاقليمية والدولية وقفت مؤيدة للثوار على النظام الليبي نتيجة لحسابات قديمة تراكمت لا سيما دول الخليج العربي بينما في اليمن تتباين التدخلات العربية والدولية وتنقسم الى مؤيدة للنظام اليمني والبعض الاخر مؤيد للثورة بينما يحظى النظام اليمني بدعم لوجستي عن طريق الاسلحة ودعم مادي عن طريق الهبات المالية ودعم سياسي عبر المبادرة الخليجية ودعم اعلامي عن طريق بعض الكتاب الاقليميين وبعض القنوات الاقليمية لدول الجوار.

بينما الثورة اليمنية تعتمد على ذاتها الا قليلا من الدعم الانساني بينما تجد لها دعما اعلاميا من قبل بعض القنوات الاعلامية الهادفة ودعما سياسيا من قبل بعض الدول العربية والدولية لا سيما فرنسا والمانيا و قطر والكويت .

وهذه الفوارق تلعب دورا استضعافيا للثورة اليمنية وتعيقها عن اداء الدور المنوط بها.

هذا بالإضافة الى الازمات المركبة والاشكاليات المعقدة وهي من الاهمية بمكان والاكثر اهمية انها تاريخية واقتصادية وثقافية وعقائدية وسياسية وادارية مما يعني انقسام الوعي بحسب الحال الى عدة فئات وستكون المراضاة لهم من الصعوبة بمكان حيث انها لن تستطيع ان تحمل الوعي الجمعي الثوري على غرار الوضع الليبي.

حيث نجد قضية صعدة تمثل ازمة تاريخية وعقائدية وعسكرية حيث انها الوريث الاساس لنظام الائمة ومهد الزيدية ومسرح المعارك السابقة, ولها أهداف تسعى إلى تحقيقها وشخصيات لها رؤى أساسية لاسيما انها مثلت الدور الاول في مواجهة النظام السياسي, بينما تمثل قصية الجنوب اشكالية ادارية واقتصادية وثقافية وسياسية وتتقاسمها عدة تيارات أيدلوجية مختلفة بدت ظهور بعض مؤشراتها على الساحة مع بداية حادثة النهدين.

وهناك اشكالية فئوية مناطقية واقتصادية وتاريخية وثورية في تعز كونها مثلت الصدر الاول للثورة. وهذه الازمات المناطقية والمركبة لا تتواجد في الجماهيرية الليبية مما يعني تعقد الوضع اليمني وسلاسة الوضع الليبي.

وتأتي ايضا اشكالية الاحزاب والمنظمات المدنية, والتى تنقسم على نفسها الى أحزاب قومية متعددة ومتنوعة ومنقسمة على نفسها واحزاب, وتيارات اسلامية مختلفة ومتصادمة مع بعضها مما يعني, أزمات عقدية مركبة سياسيا وأيدلوجيا وثقافيا وفكريا واجتماعيا وهذا ما يزيد الثورة تعقيدا قد يؤخر نجاح الثورة ويمنعها من تنفيذ برامجها.

بالإضافة الى اشكاليات بعض التيارات المسلحة التى صنعها النظام السياسي ابان فترة حكمه الماضي بينما هذه العقد المركبة لا تتواجد في المجتمعات الليبية حيث ان التيار الاسلامي متوحدا بفئاته على اسقاط النظام بين الاحزاب لا تتواجد مطلقا مما يسر الامر بين حزبين احدهما يمثل الشعب والثورة والاخر يمثل السلطة.

الوحدة الجمعية للمجلس الثوري الليبي الانتقالي يغلب عليه التخطيط الدقيق والتنظيم المسبق وقد استطاعوا ان يعينوا لهم مندوبين في الامم المتحدة والجامعة العربية بالإضافة الى سفراء قائمين بالأعمال في الدول المتقدمة وبعض الدول العربية بينما عجز المجلس الثوري او الانتقالي اليمني من توحيد الرؤية على مستوى قيادات الثورة وهناك فجوة كبيرة بين التصريحات الثورية والسلوك الفعلي كل هذا اثر بشكل سلبي على قوة الثورة وشعبيتها.

ومن ناحية البطانة المحيطة بالقذافي هي بطانة مرتزقة لا تقاتل إلا عن مصالحها المحفوظة ببقاء القذافي بينما تتميز بطانة صالح بالعقائديين الحاقدين للأحزاب وصعدة والجنوب والمرتزقة الخائفين على مناصبهم واموالهم مما تزيد في ممانعة صالح للحوار وتقديم التنازلات لصالح الشعب اليمني.

بالإضافة الى النفسية السياسة للقذافي المتسمة بالشجاعة والصراحة والوضوح مما هيج استعداء الغرب والشرق بينما علي صالح يتسم بالجبن والمراوغة والدهاء في استغلال عامل الوقت لإعادة ترتيب وضعه من جديد بالإضافة الى وجود الدعم الحقيقي لها من بعض الدول المؤيدة والراعية والمباركة للمبادرة الخليجية.

من خلال ما سبق يتبن لنا تشريح الظاهرة الثورية بين اليمن وليبيا باستخدام المنهج المقارن غير انه في المقال القادم سيكون فيه أسباب التراجع في الحزم الثوري للمعارضة من جهة ومن جهة أخرى تقديم رؤية للخطوات الفعلية التى يجب ان تسير عليها الثورة اليمنية في النجاح والحسم.


في الثلاثاء 23 أغسطس-آب 2011 05:59:08 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=11402