بعد أسبوع من غياب " صالح " للعلاج.. الحقيقة الكامنة وراء تأخر الثورة عن قرع أبواب الرئاسة
عارف علي العمري
عارف علي العمري

ذات يوماً من الأيام التي كان يعيش فيها محمد قحطان نشوة انتصار كان قاب قوسين أو أدنى من شباب التغيير قال محمد قحطان – الناطق الرسمي لأحزاب اللقاء المشترك – في اتصال مع الجزيرة أن احد شباب الثورة قال له أن يوم الجمعة 25 مارس سيكون يوم الزحف نحو القصر الرئاسي, وان الشباب سيخرجون \" صالح \" من مخبئه, واليوم وبعد ستين يوماً من تهديد قحطان هاهي أبواب قصر الرئاسية مغلقة لم يتم قرعها بعد, وأحزاب اللقاء المشترك التي هدد ناطقها بالزحف, تقف حجر عثرة أمام مسيرة إلى بيت القائم بأعمال رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي الواقع في شارع الستين الغربي, وتوجه أعضائها بعدم القيام بمسيرات لذات الغرض, ما لذي جرى إذاً؟ ولماذا تحول محمد قحطان من بطل يجيد فن المناورة السياسية, إلى شيخ موادعٍ يثير كلامه الهادي شكوك حول صفقة قد تمت في الخفاء , قد تكشفها السنوات القادمة .

اللقاء المشترك وإجهاض الثورة

دخول الجيش في مسار الثورة زادها زخماً وقوة , وأصبح الشباب يستندون إلى ركن شديد يأوون إليه خصوصاً في صنعاء وحضرموت, لكن في الجانب الأخر كان دخول الأحزاب السياسية ذات التواجد البرلماني على خط الثورة خطأ كبير, دفع الشباب ثمنه من دمهم الزاكي الذي أريق في تعز والحديدة والبيضاء واب وعدن وبعض المحافظات الأخرى, تلك الأحزاب التي لم تحقق مكاسب سياسية منذ دخولها مع المؤتمر في حوارات أشبه ماتكون \" بحوار الطرشان \", لهذا كان تواجد الأحزاب السياسية في الساحات إجهاضاً مبكراً للثورة.

أجهضت الأحزاب السياسية المتمثلة \" باللقاء المشترك \" الثورة ثلاث مرات , ووجهات لها الطعنات مرة تلو أخرى , بحسن نية أو بغيرها, وهو ما أدى إلى تعريه تلك الأحزاب أمام أنصارها وحتى بعض أعضائها الذين اكتشفوا أن دمائهم كانت جواز سفر لقادة المعارضة لحضور اجتماعات الرياض.

الزحف بين توكل كرمان ومحمد قحطان

كانت المرة الأولى التي أجهضت فيها الثورة هي تصريحات \" مدفع المعارضة \" الذي أدلى بتهديده في التوقيت الخطأ والمكان الخطأ, فعندما كان صالح قد فقد معنوياته, وخصوصاً بعد مجزرة جمعة الكرامة , وبدء يساوم على الرحيل الآمن في لقاءات مكوكية مع السفير الأمريكي واللواء علي محسن الأحمر وقادة المعارضة , كان آخرها لقاء صالح مع المعارضة والأحمر والسفير الأمريكي في منزل نائب الرئيس عبدربه منصور هادي, وبينما كان صالح يلملم أوراقه ويرتب حقائب سفره إلى خارج الوطن , أطل محمد قحطان على شاشة الجزيرة كبطل على الشاشة بعيداً عن ساحة النضال ليهدد \" صالح\" بالزحف, وجاء تهديد قحطان ليبعث الحماسة والغيرة في قلوب المناصرين لصالح, وليستعد الآلاف من أنصار صالح لإحياء جمعة التسامح في صنعاء 25 مارس, الأمر الذي أعاد لصالح ثقته بأعضاء حزبه , وانقلب على كل مادار في منزل النائب, لتصبح تصريحات قحطان عاملاً من عوامل إجهاض الثورة الشبابية.

وعندما دعت القيادية في الثورة الشبابية توكل كرمان – وهي بالمناسبة عضواً بمجلس شورى الإصلاح الذي ينتمي إليه محمد قحطان - عندما دعت إلى الزحف على مشاءات الدولة, كشر الإصلاح عن أنيابه ووجه الكثير من قيادته بعدم الانجرار وراء دعوات توكل كرمان , وهو ما أثار الاستياء لدى توكل كرمان وقاعدة كبيرة من أعضاء الثورة الشبابية من موقف المشترك عموماً والإصلاح خصوصاً, فتوكل عندما دعت إلى الزحف كانت في مقدمة الصفوف , بينما محمد قحطان اخلف ما قاله على قناة الجزيرة, وعلى مرور شهرين أو يزيد لايزال محمد قحطان يتهيب الزحف الذي أجهض به حلم الثورة الشبابية التي يمر عليها إلى اليوم أكثر من أربعة أشهر, واحد أسباب إطالتها هي بالتأكيد تصريحات قحطان .

تحويل الثورة إلى أزمة سياسية

كانت المرة الثانية التي أجهضت فيها أحزاب المشترك الثورة هو دخولها في مناورات سياسية مع الحزب الحاكم, ويبدوا أن المعارضة عندما رأت أن هناك طرف إقليمي دخل في الحوار أعجبت بذلك, وتريد أن تفرض نفسها كندٍ للحزب الحاكم وكطرف مساوٍ له في العملية السياسية, وهي تلك المعارضة التي مافتئت تبحث عن حوار يقر جدوله ويطرح محاوره الحزب الحاكم, والموقف المنصف انه لولا الشباب ماكانت ستصل أحزاب المعارضة إلى الرياض للحوار, ولذلك استثمرت أحزاب اللقاء المشترك دماء الشهداء كمادة خصبة ترفع بموجبها سقف مطالبها الحزبية, وليس الثورية, وهو ماجاءت به المبادرة الخليجية التي تعاملت مع سقف المطالب الحزبية للمؤتمر والمشترك ولم تتعامل بجدية مع مطالب الشاب, ولم تحترم الدماء التي أريقت في ساحات التغيير.

مايؤكد ذلك هو أن المشترك حاور من اجل مقاعد له في الدولة القادمة وحصل فعلاً بموجب المبادرة على 40% من تشكيلة الحكومة التي ترأسها المعارضة, بينما كان المؤتمر الشعبي العام يبحث عن مقاعد في الحكومة القادمة ليحصل بموجب المبادرة على 50 % بالإضافة إلى حصانات دولية من الملاحقات القضائية لقياداته العليا التي تورطت في قتل المعتصمين وإهدار المال العام طيلة السنوات الماضية, وبالتالي كان توقيع المعارضة على شروط من هذا القبيل اعتراف بأزمة سياسية وليس بثورة شعبية , أضف إلى ذلك أن الحصانة التي وافق المشترك على إعطائها لصالح ونظام حكمه قد جعلت صالح يوغل في الدماء, تحت غطاء خليجي وتواطأ من أحزاب المشترك , وهو مايعني أن المشترك مشارك بطريقة أو بأخرى في سفك الدماء التي سقطت بعد فتح باب المبادرة الخليجية التي تحولت إلى مناورة .

سيناريو يتكرر وفرصة أخرى تضيع

بعد حادثة مسجد النهدين المؤسفة التي أودت بحياة العشرات, وإصابة شخصيات عليا على رأسها \" علي صالح \" ورئيس الوزراء علي محمد مجور, ورئيس مجلس الشورى عبد العزيز عبدالغني, ورئيس البرلمان يحيى الراعي وعدداً أخراً من الشخصيات الاعتبارية في الجهاز الإداري للدولة , ومغادرة صالح في اليوم الثاني إلى السعودية, كانت الفرصة سانحة لان يُعلن عن نجاح الثورة, ويتم بعدها تشكيل مجلس انتقالي يدير شؤون البلد , لكن لم يحصل شيء من ذلك وما أشبه الليلة بالبارحة, فعندما أعلن الجنرال الأحمر تأييده للثورة كانت الفرصة مواتيه لعمل شي ما , واليوم ذات السيناريو يتكرر, السذاجة ذاتها تتكرر لكن في مشهد مختلف, فالشباب الذين خرجوا في مسيرات في أكثر من محافظة يمنية مطالبين بتشكيل مجلس انتقالي , لاقت دعواتهم تلك تجاهلاً واضحاً من قيادات المشترك , وأدارت أحزاب اللقاء المشترك ظهرها لشباب التغيير’ لتفتح ذراعيها للسفير الأمريكي وسفراء الاتحاد الأوربي, ويمر على غياب صالح أسبوعاً كاملاً وأحزاب اللقاء المشترك لازالت تبحث عن دوراً ترسمها لها المفوضية العليا للاتحاد الأوربي أو الخارجية الأمريكية.

الاتحاد الأوربي وأمريكا يريدون نقل السلطة على الطريقة التي يريدونها, وكأنهم من قاموا بالثورة, بينما الشباب في الساحات نصيبهم القتل والخوف ولفح هاجرة الشمس وتحمل عناء المعيشة, يريدون نقل سلمي للسلطة ولكن كيف ؟ ومتى ؟ وماهي آلية ذلك النقل؟ أسئلة باعتقادي لاتهم المشترك بقدر مايهمهم لقاء السفير هذا أو ذاك؟

أسبوع ولازال قصر الرئاسة مغلق في وجه الشباب الذين كانت دمائهم رخيصة من اجل الوطن, ومن اجل يمن أفضل ومستقبل سعيد , لكن باعتقادي أن قصر الرئاسة سيظل مغلق اليوم وغداً وبعد غداً حتى تتوافق قيادة اللقاء المشترك وأمريكا على ذلك, وعندها سيكون قادة اللقاء المشترك في منأء عن تكاليف الدخول, وسيرددون ويقولون للشباب \" اذهبوا فادخلوا عليهم الباب\" \"إنا هاهنا قاعدون \" .

وهذه هي الضربة الثالثة باعتقادي التي وجهتها أحزاب اللقاء المشترك لثورة الشباب, وبعد أيام سيحكم المؤتمر كما كان, وسيتذكر الشباب انه كانت هناك ثورة وأدتها الأحزاب السياسية, التي لم تخرج منتصرة في يوماً من الأيام باستثناء معركة الدستور التي قادها الشيخ عبدالمجيد الزنداني في أوائل التسعينات.

الجيش محط أنظار الجميع

لعب الجيش دوراً محورياً في التسريع بدفع عجلة الثورة إلى مراحلها الأخيرة لكن مثل هكذا فرصة ذهبية لم تستغلها الثورة بشكل جيد وبقى الجميع مذهولاً من صدمة المفاجأة, ومع مرور الأيام استطاع الجيش وتحديداً اللاعب رقم واحد في ميدان القوة اللواء علي محسن الأحمر أن يجيد فن التكتيكات العسكرية والمناورات الخطابية وان يعمل على استنزاف قوى صالح بشكل نال إعجاب الجميع في الداخل والخارج , وبات الشباب أكثر إيماناً برؤى الجيش من اطروحات الأحزاب السياسية التي لازالت تروح مكانها.

فجر الجنرال الأحمر الكثير من القنابل السامة ضد صالح, والتي ظلت المعارضة تتوخى تفجيرها بدافع التأني وتحت شعار \" في التأني السلامة وفي العجلة الندامة\" , وابرز تلك القنابل التي تم تفجيرها أن الجنرال اتهم صالح باستنزاف الخزينة العامة للدولة ونهب احتياطي البنك المركزي, واتهم وكيل جهاز الامن القومي وأخيه بالوقوف والإشراف على العمليات التي تقوم بها الجماعات الجهادية , بالإضافة إلى تسليم محافظة أبين للجماعات المسلحة وغيرها من القنابل التي سالت دموع صالح ووترت أعصابه.

كان البيان رقم (1 ) لقادة الجيش الذي تلاه اللواء عبدالله علي عليوه يدل دلالة واضحة على موقف الجيش المتقدم والقوي , ولا أريد العودة إلى مدلولات ذلك الخطاب الذي تم استعراضه في تقرير سابق لصحيفة \" رأي \" المهم أن هناك تقدماً تكتيكاً في الموقف العسكري, ودعماً لوجستياً عالي المستوى كان من شأنه إسقاط أوراق صالح واحدة تلو الأخرى, بالإضافة إلى خسارة صالح لحلفائه الأقوياء جراء تنسيق من قيادة الفرقة الأولى مدرع.

الخمول القتالي للجيش وكسر شوكة الحرس

بإعادة النظر إلى مايرتكبه الحرس الجمهوري من مجازر يومية على أكثر من صعيد وفي أكثر من محافظة , مجازر تدمي القلب وتبكي العين, وتستدعي ما تبقى من إنسانية لإدانة مثل هكذا جرائم مقرفة ومقززة في آن واحد , والتي كان من ضمنها واحدة من أسوأ جرائم الإبادة البشرية في تعز, حيث قامت قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي وبلاطجة تابعين للمؤتمر الشعبي العام بإحراق خيام المعتصمين وكان بداخلها 12 معاقاً راو الموت رأي العين, والخيام أمامهم تحترق ولايستطيعون أن ينقذوا أنفسهم من لهيب ناراً حولتهم إلى جثث متفحمة, ناهيك عن قتل عشرات الأبرياء وتهديم المنازل وترويع الآمنين وإخافة النساء والأطفال في نهم والحيمة وصنعاء وتعز والبيضاء ويافع وأبين وغيرها من محافظات الجمهورية.

مثل هكذا تصرفات جنونية من قبل الحرس الجمهوري كان تواجه بسؤالاٍ من قبل الناس المثقفين وحتى أولئك العاديين في المقايل والباصات والساحات أين دور الجيش في الدفاع عن المعتصمين ؟

الجيش في اعتقادي لايريد أن يخوض حرباً بأي حال من الأحوال, يريد أن يستنزف الحرس الجمهوري قواته وأفراده في أكثر من جهة, وبالتالي خلق حالة من العدائية بين الشعب وبين الحرس الجمهوري, وتصوير الحرس الجمهوري على انه حارس للكرسي وللكرسي فقط , وهو ماتم بالفعل حتى الآن حيث أن عين الغضب على الحرس الجمهوري هي سيدة اللحظة الراهنة, وقد تتكرس هذه العدائية في عقول الشباب لفترات طويلة من الزمن مما قد يستدعي دمج قوات الحرس الجمهوري في الجيش لإنهاء مثل هكذا حالة عدوانية.

ولفترة طويلة من الزمن كان الإعلام الرسمي يسوق الحرس الجمهوري بأنه القوة التي القوة التي لاتهزم وانه يمتاز بخبرة قتالية عالية, ويمتلك آليات متطورة, وسرى هذا المفهوم في عقول الناس ليصبح \" بعبع مخيف\", ولكن مع دخول الحرس الجمهوري ميدان استعراض العضلات بدء يتلقى الضربات الموجعة واحدة تلو أخرى في أكثر من جهة, فترك موقعة في \" العُر \" وهي منطقة عسكرية إستراتيجية مطلة على محافظات البيضاء وعدن ولحج, واستسلمت ثلاثة ألوية في نهم , ورابع في منطقة الجدعان , وخامس محاصر في نهم , وسادس يعيش لحظاته الأخيرة في الحيمة, وسابع وثامن وتاسع يواجه صقور الحالمة التي خرجت عن وداعتها هذه المرة , بينما ثلاثة الوية أو يزيد قد أعلنت ولائها للثورة.

خسائر الحرس الجمهوري أنهت حكاية \" البطل الذي لايهزم \" وكشفت الأيام زيف التسويق الإعلامي لنمور من ورق وأصبح الحرس الجمهوري مستنزف ومنهك وعاجز أن يخوض معركة لأسبوع واحد أمام الجيش لو أراد الجيش أن يحسم مسار الثورة.

الخلاصة

الوضع في اليمن كالتالي شباب يعتصمون سلمياً في الساحات والميادين ويدفعون الثمن غالياً ويعصفون بكرسي الحكم, ومعارضة آسنة لاتصعد من سقف مطالبها – باعتبارها الجناح السياسي للثورة – وجيش يضع أسلحته وخبرته القتالية في خدمة الثورة , وبالتالي فان على تلك القوى مجتمعة أن تسير في اتجاه يحسم الثورة من خلال القيام بتشكيل مجلس عسكري مدني انتقالي لإدارة شؤون البلاد.

فليس من المعقول أن تسلم مراكز القوى سلطة أثرت منها ثراءً فاحشاً طيلة ثلاثة عقود بكل سهولة, ولا يمكن الحديث إطلاقاً عن تداول سلمي للسلطة, والترتيبات الأمريكية السعودية لا تصب في خدمة الثورة بقدر ماتصب في مصلحة الامن القومي والأمريكي على المدى البعيد.

* ينشر بالتزامن مع اخبار اليوم


في الإثنين 13 يونيو-حزيران 2011 09:38:27 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=10630