هل تخلت ايران عن أذرعها في لبنان وسوريا واليمن ضمن صفقة مع الغرب لتحقيق مكاسب في الملف النووي والعقوبات ؟ كبرى المنظمات الدولية والأممية تصدر بياناً مشتركاً رداً على اختطاف الحوثيين للموظفين الأمميين توجيهات عسكرية عليا لعمليات القوات المسلحة صنعاء.. جريمة قتل جديدة تطال مواطناً من آل "الحنق" وقبائل أرحب تعلن النفير القبلي تقرير حديث يفضح لصوص المسيرة:مليشيا الحوثي نهبت ثلاثة أرباع المساعدات الإنسانية خلال سنوات الحرب الجيش السوداني يحقق تقدمًا عسكريًا واسعا بجنوب ووسط الخرطوم و«بحري» وسلاح المدرعات توسع انتشارها الوحدات الأمنية بمأرب تنفذ مسيرا راجلا لمسافة 40 كم مباحثات بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي الريال اليمني يواصل الإنهيار أمام العملات الأجنبية- تعرف على أسعار الصرف جامعة اقليم سبأ تحتفي بتخرج الدفعة الخامسة من طلاب الشريعة والقانون
جاء في كتاب «سرور النفس بمدارك الحواس الخمس» لأبي العباس التيفاشي: «ليس في الشجر أذكى ناراً ولا أبقى جمراً من «الغضا» ربما بقيت ناره تحت الرماد المدة الطويلة، تتعاورها الرياح والأمطار وهي حيّة». هكذا قضية القدس في نفوس أبناء الأمة، يغطيها الرماد، حتى يظنها الرائي قد أفلَت، فإذا هي جمرة تستعر، ثم تتعاظم نيرانها لتعلن عن حياتها وتحرق عدوها.
فبينما كانت القضية الفلسطينية تباع في سوق التطبيع، وبينما كان أبناء الأمة تُمارس عليهم برامج ممنهجة لتسطيح وتهميش هذه القضية، ظن الذئب الصهيوني أن الفرصة سانحة لابتلاع القدس وتهويدها، لكنه ارتكب خطأ العمر، حيث نفخ بدون قصد في الجمرة فأذكاها، وانتفضت فلسطين مرة أخرى، بشكل جديد، وروح جديدة، ومسار جديد، وأمل جديد.
الجديد في هذه الانتفاضة هو وحدة الحالة الفلسطينية، فللمرة الأولى تشمل الانتفاضة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والمدن المحتلة عام 1948 وحتى فلسطينيي الشتات، واتفقت كلمتهم جميعا حول الأحداث، واختفت الأصوات المعارضة، ما حدا بإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى أن يقول لنتنياهو محذرا: «تمت اليوم إزالة الفواصل الجغرافية داخل فلسطين التاريخية». وفي رأيي لم تكن أزمة حي الشيخ جراح وتهجير سكانه الفلسطينيين لتسكين المستوطنين الصهاينة، هي التي أطلقت شرارة الانتفاضة رغم حساسيتها، نعم كان هناك تفاعل كبير تجاه هذه الأزمة، لكنه لم يكن ليرقى إلى هذا المستوى الذي اشتعلت خلاله انتفاضة شاملة جديدة لولا تزامنها مع استهداف المسجد الأقصى، من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة بحماية قوات الاحتلال، الذي كان يعني خطوة واسعة على طريق تهويد الأقصى، هنالك شعر المقدسيون بخطورة الموقف، رغم غياب الظهير على الأرض، وكان مشهد ورود الفلسطينيين من كل حدب وصوب لحماية الأقصى ورباطهم في تلك البقعة الطاهرة، يبعث بالبشارات بأن الصهاينة لن يستطيعوا لتحقيق مآربهم سبيلا.
انطلقت التكهنات بأن جذوة الحماس سوف تنطفئ لدى الفلسطينيين، بمجرد عزوف الصهاينة عن اقتحام المسجد، إلا أن هذا الشعب فاجأ الجميع باستمرار الحراك وتوسيع رقعة المواجهات في مختلف المدن الفلسطينية، خاصة بعد دخول المقاومة على خط المواجهات، وأدرك الفلسطينيون أهمية الصمود والاستمرار في الانتفاضة، لتخفيف الضغط على قطاع غزة الذي يتحمل وحده ضريبة إنقاذ الأقصى والقدس بصواريخ المقاومة، ووقع الاحتلال بالفعل بين شقي الرحى، فهو يواجه رشقات صاروخية مرعبة تأتيه من غزة، ويواجه حراكا غير مسبوق داخل المدن المحتلة، لدرجة أن صحيفة «هآرتس» العبرية، نشرت أن الجيش يستعد لاحتمال أن يُطلب منه إنهاء العمليات العسكرية على غزة بسبب الحراك في الداخل.
الجديد في هذه الانتفاضة هو موقف الدول الإسلامية العربية من الأحداث في فلسطين، سواء على الصعيدين الشعبي والرسمي، فعلى الصعيد الشعبي رأينا الجماهير في كل بلدان الأمة كأنهم بعثوا من جديد مخالفين كل التوقعات، التي كانت تتجه إلى أن الشعوب تغط في نوم عميق، وأنه قد نالت منهم محاولات التطبيع وتسطيح القضية الفلسطينية. تفاعل الشعوب كان مذهلا وعميقا وعاماً، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي صارت أحداث الانتفاضة والاعتداءات على الأقصى، وأزمة حي الشيخ جراح والمقاومة الفلسطينية والاعتداءات على غزة، محور النشر والتدوين والتغريد، وكذلك المادة التي تهيمن على النشر الصحافي والتناول الإعلامي، وأظهرت مختلف الشرائح تعاطفها وتفاعلها مع الحدث، سواء كانوا من الوسط الرياضي أو الفني أو الثقافي، أو كانوا من علماء ودعاة الدين، الجميع تقريبا أدلى بدلوه، وأظهر تعاطفه وتأييده للفلسطينيين واستنكار الجرائم الصهيونية، وأصبحت جميع الشخصيات الشهيرة تحت مجهر الجماهير، التي تستنكر صمت البعض أو تأخرهم في الحديث عن القضية، وأضحت الانتفاضة الحالية هي الشغل الشاغل للشعوب، التي صار لها خطاب موحد حول ضرورة تجاوز ردود الفعل الرسمية الباهتة المقتصرة على الشجب والاستنكار، إلى التحرك الفعلي لوقف العدوان الإسرائيلي.
والجديد في هذا الشأن على الصعيد الجماهيري، أن الشعوب عبرت بصورة عملية عن سأمها من مواقف الشجب والاستنكار، وعن رغبتها في اقتحام الحدود والدخول إلى فلسطين لنصرة أهلها، حيث اندلعت مظاهرات هي الأكبر من نوعها في الأردن نصرة لفلسطين، وتوجهت الحشود إلى الحدود، وقطعوا السياج الفاصل بين الأردن وفلسطين ودخلوا الأراضي الفلسطينية للمرة الأولى، والمحاولة ذاتها نفذها لبنانيون على الحدود، وحاولوا اجتياز السياج وأشعلوا فيه الحرائق ورفعوا العلم الفلسطيني، وتوفي على إثر هذه المحاولات شاب لبناني برصاص قوات الاحتلال،
إضافة إلى ذلك امتلأت شوارع البلاد الإسلامية غير العربية بالمسيرات تأييدا لفلسطين وتنديدا بالاحتلال، وقلما خلت سفارة إسرائيلية في دول أوروبا من احتجاجات حول مبانيها ضد الصهاينة ومؤيديهم. ولا ننسى في هذا المقام أن نثمن موقف شرفاء العالم في الغرب، الذين أبدوا تعاطفهم وتأييدهم مع الفلسطينيين ضد الانتهاكات الصهيونية، من سياسيين وكُتاب وفنانين وغيرهم.
أما على الصعيد الرسمي، فإن هناك لهجة جديدة غريبة على أسماعنا وهي فكرة إرسال قوات عسكرية لحماية القدس، وتجري تركيا صاحبة المقترح مباحثات مع عشرات الدول الإسلامية لمناقشته، وحتى إن كانت الفكرة بعيدة عن إدخالها حيز التنفيذ، إلا أن مجرد الحديث على المستوى الرسمي عن إرسال قوات عسكرية لفلسطين، أمر في غاية الأهمية، إذ يشير بقوة إلى محاولات جدية لتجاوز مواقف الشجب والاستنكار المعهودة، وأنه قد آن وقت التفكير في حلول عملية تلبي شيئا من تطلعات الشعوب.
وحتى الحكومات الموغلة في التطبيع مع الاحتلال، لم تجد مفرا من تبني لهجة أشد في خطابها، سواء كان عن طريق رأس النظام أو مؤسساته الإعلامية أو الدينية، بعد أن أحرجهم الاحتلال أمام شعوبهم بتلك الانتهاكات البشعة، التي لا تفسح المجال لحديث عربي عن علاقات طيبة مع الكيان الإسرائيلي، وأحرجهم مرة أخرى في عدم الاستجابة لدعواتهم في التهدئة، وهذا أمر حسن، ومؤشر طيب، لأن القضية الفلسطينية بلغت من قوتها أن تفرض نفسها على المتاجرين بها، حتى إن كانوا يتحركون لصالح حساباتهم السياسية وحفظ ماء الوجوه، ولذا اختفت الأصوات والمنابر التي تروج للتطبيع، وتجريم المقاومة الفلسطينية، لأن صوتها في هذا التوقيت سوف يكون نغمة نشاز تستجلب الاتهام بالعمالة والخيانة.
والجديد في هذه الانتفاضة هو عدة أمور تتعلق بقطاع غزة وفصائل المقاومة داخلها، أبدأها بموقف أهل هذا القطاع الصامدين، الذين أيدوا ضربات المقاومة الموجعة للكيان الصهيوني، وهم يعلمون أنهم حتما سيدفعون الثمن، ويدركون أن العدو سوف يرد بالقصف المحموم الذي يدك مساكنهم ويحصد أبناءهم، ويصمدون إلى الآن بدون أن يصبوا سخطهم على المقاومة، بخلاف بعض أدعياء العلم في الدول العربية، الذين يحملون حركة حماس المسؤولية عن الدمار الذي يلحق بغزة، عندما وجهوا الصواريخ للإسرائيليين، أهل غزة يعلمون أن هذه الصواريخ، هي دفاع عن مسجدهم الأقصى، الذي يسترخصون أي شيء في سبيل حمايته من تدنيس الصهاينة. الجديد لدى المقاومة هو إمساكها بزمام المبادرة، إذ أمهلت الاحتلال مهلة محددة لإخلاء ساحة الأقصى وحي الشيخ جراح، وهذه المهلة أبعدت عنها شبهة الرغبة في إشعال الحرب مع الكيان ابتداءً ـ وإن كان يحق لها ـ وأظهرت أن المقاومة إنما تتدخل لإنقاذ الأقصى وسكان حي الشيخ جراح، ولما أخذت الإسرائيليين العزةُ بالإثم نفّذت المقاومة وعيدها، وكانت نقطة ثمينة في الصراع، إذ أثبتت المقاومة أنها لا تبعث تهديداتها جزافًا، ومن ناحية أخرى أبرزت قوتها وتحديها للصلف الصهيوني عن طريق توجيه ضربة قوية موجعة تم الإعلان عنها مسبقا. الجديد أن صواريخ المقاومة باتت تطال كل شبر في دولة الاحتلال، ولم تصبح هناك منطقة في مأمن من صواريخها، ولم تعد الصواريخ تهدد المستوطنات والبلدات القريبة من القطاع فحسب، بل وصلت إلى القدس وتل أبيب والشمال الإسرائيلي وغيرها. والجديد أن المقاومة استهدفت مواقع استراتيجية للكيان الصهيوني، فمنها استهداف خط إيلات عسقلان لنقل النفط، وهو أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية التي يراهن عليها الاحتلال، بعد اتفاق مع الإمارات يقضي بنقل النفط الإماراتي إلى أوروبا عبر هذا الخط، الذي ينافس قناة السويس المصرية، ومنها استهداف مصنع للكيماويات قرب ميناء أسدود، كما تم استهداف المطارات، مطار بن غوريون، ومطار رامون.
في هذا الصراع دخلت أسلحة جديدة للمقاومة الخدمة، فإضافة إلى الطائرات المسيرة «شهاب» تعددت أنواع الصواريخ المستخدمة بمديات مختلفة، بل استخدمت تكتيكات جديدة في إطلاق هذه الصواريخ استطاعت التقليل من فاعلية القبة الحديدية، التي لم تفلح في التصدي الكامل لصواريخ المقاومة، بما لا يتناسب مع حجم الدعاية المروجة لهذه القبة، وهذا بلا شك سيكون له وزنه في أي تسويات مقبلة، وسيعمل له الكيان الصهيوني ألف حساب قبل أن يخطو أي خطوة ضد الفلسطينيين. أما عن التأثير الذي أحدثته صواريخ المقاومة، فيكفي حالة الذعر التي أصابت الشعب الإسرائيلي، الذي يبيت في الملاجئ، وتكفي الخسارة بمئات الملايين، ويكفي ما نشرته صحيفة «هآرتس» العبرية من أن الصواريخ الفلسطينية حيدت ذراعها الطويلة، وأنه حتى لو دمر الإسرائيليون 60% منها فإن البقية كافية لإعادة إسرائيل عشرات السنين للوراء، ويكفي في ذلك تصريح المحلل السياسي الإسرائيلي جدعون ليفي عندما قال: «أمريكا لن تنفعنا في نهاية المطاف ورؤساء العرب لن يساندونا لعجزهم في أوطانهم، ولكره الشعوب لهم، شخصيا أعتقد أن النهاية قريبة جدا لنا كدولة، وأخشى شخصيا أن تقلب الطاولة قريبا في
مصر والأردن، ما يعني أننا أصبحنا بلا حماية». الكيان الإسرائيلي تورط بضرب غزة، وهو الآن يبحث عن مخرج يحفظ له هيبته التي بعثرتها المقاومة، لذا لا تنقطع الخطوط الساخنة مع الوسطاء للضغط على المقاومة لوقف الصواريخ أولا، وهو يعلم يقينا أنه لو فكر في اجتياح غزة ستكون قاصمة الظهر له. هي انتفاضة جديدة بكل المقاييس، ولو صمدت لستة أشهر تحت مظلة الصواريخ الفلسطينية، فإنه يمكن القول إنه قد كتب فصل النهاية لدولة الاحتلال، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
===========